مقالات أخرى
أخر الأخبار

الخرائط المتغيّرة في غرب آسيا ( السعودية وكابوس التقسيم )

يتصاعد الحديث عن خرائط جديدة في منطقة غرب آسيا، تصدر غالبًا من دوائر صهيوأميركية، ويعاد تدوير الحديث في منصات إعلامية عربية. ينطلق الحديث من مقترح/مشروع اسرائيل الكبرى، ثم ينداح ليضيء وبكثافة على الحدود السيادية لعدد من الدول العربية التي يراد اقتطاعها كليًا أو جزئيًا لتشكّل المشهد النهائي للدولة العبرية.

ومنذ أخذت الحرب الصهيوأميركية على غزة ولبنان واليمن إضافة إلى المتغيّر السوري  (سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024) مسارًا دراماتيكيًا بدأ يتصاعد النقاش عن إعادة رسم خرائط جيوسياسية جديدة يكون فيها الكيان الصهيوني عاملًا حاسمًا بالتزامن مع تصريحات مسؤولين صهاينة عن مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يقوم على قضم مناطق من البلدان المجاورة لفلسطين المحتلة، ولا سيما سوريا ولبنان إضافة إلى ضم الضفة الغربية وقطاع غزة بل والتمدد الى شمال الجزيرة العربية واقتطاع أجزاء من مصر والاردن والعراق وتركيا..

وبصرف النظر عن واقعية المشروع وإمكانية تحقّقه، فإننا أمام واقع جيوسياسي متقلّب في غرب آسيا، وإن ثمة تحديات كبرى ووجودية تواجه عددًا من الدول العربية..

في الجوهر، ومن منظور إمبريقي، فإن فشل الدولة القومية في العالم العربي، وتاليًا انكشافها على مخاطر التقسيم، يرجع في جزء أساسي منه إلى إخفاقها في إدماج المكوّنات السكانية كافة في البنية البيروقراطية للدولة، والذي يجعل مطلب الإنفصال يراود المجموعات المهمّشة والمحرومة، ويفرض تحدّيًا كبيرًا للوحدة الجيوسياسية لكثير من الدول ولا سيما تلك التي لا جذور تاريخية لها، أو أنها نشأت في مرحلة متأخرة، وتعرف بإسم “الأمة المتأخرة” Belated Nation، أي الأمة التي أصبحت دولة وطنية/قومية في وقت متأخر جدًا عن أمم أخرى مثل ألمانيا كدولة متأخرة بالمقارنة مع بريطانيا وفرنسا كدول تاريخية. وينطبق ذلك، في المجال العربي، على السعودية كدولة متأخرة بالمقارنة مع مصر ذات الجذور الضاربة في أعماق التاريخ أو سورية واليمن.

في المشهد العام، نحن أمام نماذج متفاوتة من حيث التماسك البنيوي للأمم، وإن ثمة دولَا عصيّة على التفكك بسبب رسوخ عوامل الاتحاد في داخلها، وهناك دول واهنة منكشفة بسبب غلبة عوامل الإنقسام والتفكك، وفيما بينهما دول تتراوح قوة وضعفًا، وإنّ الأوضاع الداخلية والخارجية تلعب دورًا في تعزيز قوّتها أو تشجيع تبعثرها وانفراط عقدها..

اليوم، سوريا على شفا التفكك، والعراق قد يواجه المصير نفسه ما لم تجمع الارادات المحلية المتنوعة على توافق على الوحدة التشاركية. وتقريبًا فإن العديد من الدول العربية، مثل لبنان واليمن، معرضة لخطر التقسيم إلى دويلات صغيرة. والسعودية، التي تضم أكثر من 40% من الأجانب في بنيتها السكانية، والإمارات، التي تضم أكثر من 70% من الأجانب من إجمالي السكان، هما معرضتان للتقسيم، وفي ظل حديث الصهاينة عن مشروع إسرائيل الكبرى في المنطقة، يتعاظم خطر التقسيم فكيف يُمكن أن يكون هذا السيناريو ممكنًا، وما هي الإجراءات الوقائية التي تتخذها هذه الدول لتجنب هذه العاقبة؟

في الحد الأول،  يُمثل سيناريو “التفكك” أو “تقسيم” الدول في العالم العربي، بما في ذلك سوريا والعراق ولبنان واليمن، بالإضافة إلى دول الخليج مثل السعودية والإمارات، تحدّيًا معقدًا متجذرًا في مجموعة متنوعة من العوامل السياسية والطائفية والاقتصادية والاجتماعية. في حين أن الوضع في سوريا والعراق متردٍّ بالفعل، في ظل الصراعات المستمرة وهشاشة بنية الدولة، فإن دول الخليج، وخاصةً السعودية والإمارات، تواجه تحدياتٍ بسبب كثرة الجاليات الأجنبية فيها، وأيضًا بفعل فشل النظام السياسي في كل منهما في تطوير برنامج إدماج وطني استيعابي يمكّن كافة المكوّنات السكانية من الشعور بالأمان السياسي على قاعدة عدالة التمثيل، إلى جانب بطبيعة الحال الأطماع الخارجية: الأميركية بدرجة أساسية والتي عبّر عنها ذات تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى (2017 ـ 2020) حين عرض على قيادتي السعودية والامارات مناصفة النفط مع الولايات المتحدة، وهو عرض مطوّر لفكرة احتلال منابع النفط التي طرحها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنرى كيسنجر في 1974 بعد أزمة حظر النفط في حرب أكتوبر 1973. صحيح أن السعودية والامارات، وغيرهما، قد اتخذت عددًا من التدابير الوقائية التي قد تساعدها على تجنب خطر التفكك ولكن سوف يبقى الخطر رفيقًا دائمًا أو على الأقل هاجسًا حاضرًا ولا سيما في مرحلة أصبحت فيها منطقة غرب آسيا عرضة لتحوّلات دراماتيكية وأحيانًا خارج الحسابات والتوقعات.

عوامل التفكك

1 ـ الانقسامات العرقية والطائفية :

بقدر ما كان الدين عامل توحيد سياسي في عدد من البلدان، فإنه قد يؤدي، في حالات معينة، دورًا عكسيًا خصوصًا حين يتموضع في إطار مذهبي خاص ومغلق، بما يقلّص نسبة التمثيل على المستوى الشعبي العام، فيتحول الدين إلى عقيدة أقلوية (وإن كانت غالبة) في مقابل أقليات أخرى (مغلوبة) لديها انتماؤها العقدي الخاص بها.. وتمثل السعودية، من بين دول أخرى، أحد أبرز الأمثلة على الدول الدينية التي تبنّت الوهابية مذهبًا رسميًا للدولة والايديولوجية المشرعنة لنظام الحكم فيها.

غالبًا ما تذكر دول مثل سوريا والعراق بكونها تعاني من توترات طائفية متجذّرة (سنية/شيعية) وعرقية (عربية/ كردية)، والتي تفاقمت بسبب التدخّلات الأجنبية، وانهيار السلطة المركزية، والتنافسات الإقليمية. في هذه الدول، غالبًا ما تُمثل الجماعات المسلحة والميليشيات هذه الانقسامات وتُديمها، مما يُضعف قدرة الدولة على الحفاظ على سيطرتها على أراضيها. ولكن لا تخلو أي دولة عربية من عناصر تفجير وتقسيم على أساس طائفي أو عرقي أو مناطقي، ولكن جرت العادة أن لا تخضع كثير من الدول للفحص أو تغيب عنها عدسة الاعلام ما يجعلها في نظر المراقبين أقل خطورة بالقياس الى دول تخضع تحت تأثير مطرقة الدعاية الاعلامية على نحو متواصل، وبفعل الانحياز الواضح لمصلحة دول الرأسمالية الفرعية في الخليج.

في سياق الأمثلة عن الدول المعرّضة للانقسامات الطائفية يذكر لبنان واليمن، حيث الانقسامات الطائفية البارزة، وهو انعكاسٌ لانقسام طائفي أوسع (السنة والشيعة). على سبيل المثال، يُمثل الزيود وهي جماعة بارزة في الشمال اليمني، بينما الحكومة في الجنوب سنية في معظمها، مما يزيد من انقسام البلاد. في لبنان، وعلى الرغم من المحاصصة الطائفية حيث يتولى ماروني رئاسة الجمهورية، وسنّي رئاسة الحكومة فيما يتولى شيعي رئاسة مجلس النواب، فإن التوازن الطائفي وإن كان عامل استقرار داخلي ولكن التدخّلات الخارجية (الروابط والولاءات مع دول إقليمية وغربية) يتسبب غالبًا في الاضرار بالتوازن ويدفع باتجاه حرب باردة مفتوحة بين أكثر من طائفة، أو حزب سياسي وآخر،  ولكن من خلفية طائفية.

في المجال الخليجي، تمثل سياسات التمييز على أساس عائلي ومناطقي ومذهبي سمة مشتركة في دول مجلس التعاون، وإن ما يبقي هذه العوامل تحت السيطرة هو عامل القوة: الأمنية والمالية، ولكن في حال وقوع أي اهتزاز داخلي أو إقليمي بتداعياته المحلية يدفع تلك العوامل الى السطح، كما حصل في لحظات ضعف الدولة أوقات الحروب والأزمات (أزمة الخليج الثانية 1990/91) على سبيل المثال.

2 ـ العامل الأجنبي:

غالبًا ما لعبت القوى الدولية (الأوروبية والغربية عمومًا بما يشمل الولايات المتحدة) دورًا محوريًا في تقسيم عدد من الدول في قارات العالم. وعلى مرّ التاريخ الحديث، انقسمت عدة دول، غالبًا نتيجة تدخل قوى أجنبية أو ضغوط خارجية. وفي أحيان كثيرة، كانت الانقسامات ناجمة عن حروب أو معاهدات أو مناورات جيوسياسية، وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة:

1 ـ ألمانيا (ما بعد الحرب العالمية الثانية): حيث انقسمت ألمانيا إلى دولتين منفصلتين: ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية) وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية). كان هذا الإنقسام نتيجةً رئيسيةً للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فانقسمت ألمانيا على أسس أيديولوجية، حيث سيطر الاتحاد السوفيتي على الشرق، بينما سيطرت الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة، على الغرب. وقد أعيد توحيد الالمانيتين عام 1990، بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين عام 1989.

2 ـ كوريا (ما بعد الحرب العالمية الثانية): إذ قُسِّمت شبه الجزيرة الكورية عند خط العرض 38 درجة إلى كوريا الشمالية (جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية) وكوريا الجنوبية (جمهورية كوريا). وقد حدث التقسيم بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، إذ سيطر الاتحاد السوفيتي على الجزء الشمالي، بينما احتلت الولايات المتحدة الجزء الجنوبي. وتمّ إضفاء الطابع الرسمي على هذا التقسيم خلال الحرب الباردة، حيث دعم الاتحاد السوفيتي الشمال الشيوعي، ودعمت الولايات المتحدة الجنوب الرأسمالي. وقد رسّخت الحرب الكورية (1950 ـ 1953) هذا التقسيم، وبرغم من وقف إطلاق النار، لا يزال البلدان منفصلين حتى يومنا هذا.

3 ـ فيتنام (ما بعد الحرب العالمية الثانية): حيث انقسمت فيتنام إلى فيتنام الشمالية (جمهورية فيتنام الديمقراطية) وفيتنام الجنوبية (جمهورية فيتنام) بعد هزيمة فرنسا في حرب الهند الصينية الأولى. وكان التقسيم ناجمًا إلى حد كبير عن اتفاقية جنيف سنة 1954، التي قسمت البلاد مؤقتًا إلى قسمين: الشمال الشيوعي، بدعم من الاتحاد السوفيتي والصين، والجنوب المناهض للشيوعية، بدعم من الولايات المتحدة. وقد أعيد توحيد فيتنام سنة 1975 بعد سقوط سايغون، وأصبحت جمهورية فيتنام الاشتراكية.

4 ـ الهند وباكستان (1947): حيث قُسِّمت الهند البريطانية إلى دولتين مستقلتين: الهند وباكستان. وكان للنفوذ الأجنبي دور محوري، وكان نتيجة قرار الإمبراطورية البريطانية بإنهاء الحكم الاستعماري في شبه القارة، وقد تأثر بالتوترات الدينية والسياسية بين الهندوس والمسلمين. أُنشئت باكستان كدولة مستقلة للمسلمين في 14 أغسطس 1947، بينما ظلت الهند دولة علمانية ذات أغلبية هندوسية. وأدّى التقسيم إلى أعمال عنف واسعة النطاق ونزوح ملايين الأشخاص. ومع مرور الوقت، أدى هذا الانقسام إلى عدة حروب بين البلدين، لا سيما حول منطقة كشمير.

5 ـ يوغوسلافيا (تسعينيات القرن العشرين): تفككت يوغوسلافيا، التي كانت دولة موحدة في عهد جوزيف تيتو، في تسعينيات القرن العشرين إلى عدة دول مستقلة: البوسنة والهرسك، كرواتيا، مقدونيا الشمالية، الجبل الأسود، صربيا، وسلوفينيا. وقد تأثر الانفصال بالتوترات العرقية، وتصاعد النزعة القومية، ونهاية الحرب الباردة. شهدت حروب التسعينيات، وخاصةً حرب البوسنة، تدخلًا دوليًا كبيرًا، بما في ذلك قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدعوى معالجة التطهير العرقي وحماية المدنيين، ولكن الأهداف الخفية للحلف كانت واضحة في دعم لوردات حرب التطهير ضد المسلمين. وقد اتسم تفكك يوغوسلافيا بصراعات حادة، مع الصراعين الصربي والكرواتي، ولاحقاً حرب كوسوفو، مما أدى إلى نشوء عدة دول جديدة.

6 ـ تشيكوسلوفاكيا (1993): وقد انقسمت بصورة سلمية الى دولتين: جمهورية التشيك وسلوفاكيا. وكان الانقسام في معظمه نتيجة “الخلافات السياسية الداخلية” بين التشيك والسلوفاك، وليس بسبب التأثير الأجنبي. ومع ذلك، اعتُبر هذا الانفصال السلمي نموذجًا يُحتذى به في دول أخرى في أوروبا ما بعد الحرب الباردة. وكنتيجة، أصبح كلا البلدين مستقلين، وغالبًا ما يشار إلى هذا الانقسام باسم “الطلاق المخملي”.

7 ـ إثيوبيا وإريتريا (1993): وقد نالت إريتريا استقلالها عن إثيوبيا عام 1993 بعد كفاح طويل ودموي من أجل الاستقلال. وكان استقلال إريتريا نتيجة مقاومة داخلية ضد الحكم الإثيوبي ودعم أجنبي لحركة الاستقلال الإريترية، ولا سيما من الاتحاد السوفيتي ولاحقًا القوى الغربية. وبينما نالت إريتريا استقلالها، استمرت التوترات والصراعات بين البلدين، وبلغت ذروتها في الحرب الإريترية الإثيوبية في عامي (1998-2000).

8 ـ فلسطين (1948 حتى الآن): وتمثل هذه القضية أم قضايا الاحتلال في التاريخ السياسي الحديث (حيث مكّنت الدول الغربية بريطانيا والولايات المتحدة بدرجة أساسية وباقي دول أوروبا المهاجرين اليهود والمنظمات اليهودية الارهابية من مصادرة الأراضي الفلسطينية وارتكاب المجازر ضد السكان الأصليين في النصف الأول من القرن العشرين) قبل أن تصدر الأمم المتحدة في 29 نوفمبر سنة 1947 قرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، ولكن ما لبث أن تراجعت مساحة الدولة العربية نتيجة الحروب الاسرائيلية (ولا سيما حرب حزيران (يونيو) 1967)، حيث أصبح الحديث عن دولة فلسطينية مقيّدًا بمنطقتين (قطاع غزة والضفة الغربية) ومع ذلك، فإن هاتين المنطقتين مقسمّتان وتخضع للسيطرة الاسرائيلية والاحتلال، فيما يجري الحديث منذ تسلّم دونالد ترمب الرئاسة في واشنطن في 20 يناير 2025 عن مشروع تهجير لسكان قطاع غزة إلى مصر والاردن، فيما يعمل قادة الكيان الاسرائيلي على “ضم” الضفة الغربية تمهيدًا لتهجير سكانها الى الخارج.

وفي النتائج، فإن دعوى حل الدولتين أصبحت مجرد حلم مستحيل، إذ يعمل القادة الصهاينة وبدعم من الولايات المتحدة والغرب عامة على إجهاض أي مقوّمات للدولة الفلسطينية، وترسيخ مفهوم جديد للسلام يقوم على القوة، أي استسلام العرب والفلسطينيين والقبول بالكيان الاسرائيلي كواقع قائم لا يخضع للمساومة أو التسوية.

9 ـ قبرص: وقد قُسِّمت قبرص منذ 1974 إلى قسمين: جمهورية قبرص (الخاضعة للسيطرة اليونانية) وجمهورية شمال قبرص (الخاضعة للسيطرة التركية)، والتي لا تعترف بها سوى تركيا. وجاء التقسيم عقب عودة تركيا إلى قبرص (وقد فتحها العثمانيون في آواخر القرن العاشر الهجري، ولكن بعد ضعف قبضة الدولة العثمانية على كثير من المناطق، اضطرت لقبول معاهدة دفاع مشتركة في 1877 بين السلطان العثماني عبد الحميد ورئيس الوزراء البريطاني بينجامين دزرائيلي  (تولى رئاسة الوزارة في بريطانيا مرتين: من 27 فبراير إلى 1 ديسمبر 1868، ومن من 20 فبراير 1874 إلى 21 أبريل 1880)، ونصّت الاتفاقية على خضوع قبرص تحت الحماية الإنجليزية نظيرَ 92800 جنيه إسترليني. وفي عام 1974 غزت تركيا قبرص بعد محاولة انقلاب بقيادة يونانية ضم الجزيرة إلى اليونان. وقد احتفظت الأمم المتحدة بقوة لحفظ السلام في الجزيرة منذ الغزو. والنتيجة: لا يزال الانقسام قائمًا، مع محادثات متقطعة حول إعادة التوحيد، لكن التوترات السياسية مستمرة.

10 ـ أفغانستان (1971 ـ 2001): وقد قُسِّمت إلى فصائل وأقاليم خلال الغزو السوفيتي (1979 ـ 1989) ولاحقًا خلال فترة حكم طالبان، وكذلك خلال فترة ما بعد طالبان بعد الغزو الأمريكي عام 2001.  وقد احتل السوفييت أفغانستان، مما أدى إلى انقسامات داخلية وخلق صراعًا أهليًا طويل الأمد. لاحقًا، دخلت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي أفغانستان، مما أدى إلى مزيد من تجزئة البلاد إلى إقطاعيات تسيطر عليها ميليشيات مختلفة. وفي الخلاصة: وعلى الرغم من جهود التوحيد، لا تزال أفغانستان مجزأة، مع عودة طالبان في عام 2021، مما خلق انقسامات جديدة داخل البلاد.

11 ـ السودان: وقد قُسّم إلى دولتين عام 2011: السودان وجنوب السودان. وقد تأثر التقسيم بالتوترات العرقية والدينية بين الشمال العربي المسلم والجنوب المسيحي والوثني، بالإضافة إلى الحرب الأهلية المستمرة. لعب المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، دورًا في ترسيخ التقسيم عبر اتفاقية السلام التي نجم عنها نيل جنوب السودان استقلاله بعد عملية استفتاء مبرمبرمجة، لكنه واجه منذ ذلك الحين تحدياته الخاصة، بما في ذلك الحرب الأهلية.

ولأن دول مثل السعودية وبقية دول الخليج نشأت بدعم خارجي، إذ كانت محميات بريطانية حتى نيلها استقلالها، أو عمليت على تسهيل سيطرتها على مناطق واسعة قبل الاعلان عن نيلها استقلالها من الناحية الشكلية، فإن من ساهم في نشأة هذه الدول يملك، بقدر ما، إمكانية تفكيكها وتقسيمها، ببساطة لافتقارها الى مقومات الوحدة الذاتية الراسخة.

لم يتوقف كثيرون عند تصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو حول دولة فلسطينية داخل الاراضي السعودية، حيث أوضح نتنياهو فى مقابلة مع القناة 14 العبرية في 7 فبراير 2025 بما نصّه: “يُمكن للسعوديين إنشاء دولة فلسطينية فى المملكة السعودية، فلديهم الكثير من الأراضى هناك”، وعندما سُئل عن الدولة الفلسطينية كشرط للتطبيع، أضاف أنّه: “لن يتوصّل إلى اتفاق من شأنه أن يعرّض دولة إسرائيل للخطر”.

إن ما وصف بأنّه “خطأ استراتيجي”، كرد فعل على تصريحات نتنياهو، يغفل حقيقة المخطط الاميركي الذي كشف النقاب عنه أول مرة في مجلة الجيش الأميركي سنة 2007، ثم أعيد طرحه في 2013، وفي نوفمبر 2017 أعيد طرح مخطط أميركي اسرائيلي بتقسيم السعودية إلى أربع مناطق.

في التفاصيل، بدأت الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي بحشد الجهود لتنفيذ مخطط تقسيم السعودية إلى أربع دول عقب إعلان الأخيرة عن بدء الترويج لنموذج “الاسلام المعتدل” بقيادة سلمان.

وفي 1 يونيو سنة 2006 نشرت مجلة (القوات المسلحة)  الأميركية مقالة للكولونيل المتقاعد في الجيش الأميركي رالف بيترز، اقترح فيها خطة لإعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط بعنوان “حدود الدم: كيف سيبدو الشرق الأوسط أفضل”[1]. وجادل بأن الحدود الحالية تعسفية وغير عادلة، وأنها خلقت صراعات عرقية وطائفية وقبلية. ولفت إلى أن تغيير الحدود بما يعكس الانقسامات الطبيعية بين الشعوب من شأنه أن يخفف التوترات الإقليمية ويعزز العدالة. بيترز يعتقد أن أفريقيا والشرق الأوسط هي أكثر المناطق تشويهًا على مستوى الحدود، وأن الأوربيين حين رسموا الخرائط في هذا الجزء من العالم كانوا مدفوعين بمصالح ذاتية، وأن الحدود الجائرة في الشرق الأوسط، بحسب تعبير رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، تولّد مشاكل بتداعيات غير قابلة للاستيعاب. وهذا يتطلب تعديلًا للخرائط ومراجعات حدودية شاملة، من أجل ضمان شرق أوسط آمن.

ومع أن بيترز يتمسك بحدود 1967 كشرط أمان بالنسبة للكيان الاسرائيلي وحتى يعيش بسلام معقول مع جيرانه، مع تعديلات محلية أساسية لمخاوف أمنية مشروعة، فإنه يتعامل مع القضية الكردية بكونه رمزًا للظلم الأبرز في العالم، حيث يعيش ما بين 27 ـ36 مليون كرديًا (والأرقام متغيّرة) في مناطق متجاورة في الشرق الأوسط، ولذلك هو يطالب بدولة كردية مستقلة. من وجهة نظره، أضاعت الولايات المتحدة فرصة تصحيح هذا الوضع بعد سقوط بغداد بتقسيم العراق إلى ثلاثة دويلات: شيعية، وسنيّة، وكردية.

وينظر بيترز إلى السعودية بكونها دولة غير طبيعية، وأنها تعاني من تفكك لا يقل عن باكستان، ويوضح:

“يُعزى أحد الأسباب الجذرية للركود الواسع في العالم الإسلامي إلى معاملة العائلة المالكة السعودية لمكة والمدينة كإقطاعية تابعة لها. فمع خضوع أقدس المزارات الإسلامية لسيطرة دولة بوليسية من أكثر أنظمة العالم تعصبًا وقمعًا – نظامٌ يمتلك ثروة نفطية هائلة غير مستحقة – تمكن السعوديون من نشر رؤيتهم الوهابية لدينٍ مُتشددٍ وغير متسامحٍ خارج حدودهم. كان سيطرة السعوديين على الثروة، وبالتالي النفوذ، أسوأ ما حدث للعالم الإسلامي ككل منذ عهد النبي، وأسوأ ما حدث للعرب منذ الفتح العثماني (إن لم يكن المغولي)”.

ويضيف: “في حين أن غير المسلمين لم يتمكنوا من إحداث تغيير في السيطرة على المدن الإسلامية المقدسة، تخيلوا كم سيكون العالم الإسلامي أكثر ازدهارًا لو أن مكة والمدينة يحكمهما مجلسٌ دوريٌّ يمثل المذاهب والحركات الإسلامية الرئيسية في العالم، في دولة إسلامية مقدسة – أشبه بـ”الفاتيكان الإسلامي الأعلى” – حيث يُمكن مناقشة مستقبل دين عظيم بدلًا من مجرد إصدار مراسيم. العدالة الحقيقية – التي قد لا نرغب بها – ستمنح أيضًا حقول النفط الساحلية في المملكة السعودية للعرب الشيعة الذين يسكنون تلك المنطقة الفرعية، بينما سيُمنح الربع الجنوبي الشرقي لليمن. وإذا اقتصر حكم آل سعود على جزءٍ ضئيلٍ من أراضي المناطق السعودية المستقلة حول الرياض، فسيكونون أقل قدرةً على إلحاق الأذى بالإسلام والعالم”.

وفي 28 سبتمبر سنة 2013 أعادت صحيفة (نيويورك تايمز) نشر خارطة تقسيم خمس دولة عربية من بينها العراق وسورية والسعودية وليبيا ومصر إلى 14 دولة. وكتبت روبن رايت، الباحثة البارزة في معهد الولايات المتحدة للسلام ومركز ويلسون، ومؤلفة كتاب (هز القصبة: الغضب والتمرد في جميع أنحاء العالم الإسلامي)، مقالة بعنوان “تصوّر إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط”[2]. في النظرة الإجمالية، ترى رايت أن خريطة الشرق الأوسط في حالة يرثى لها بفعل الحروب والنزاعات العرقية، وأن ثورات الربيع العربي حصلت كرد فعل على عمليات النبذ للمعتقدات والقبائل والأعراق المتنافسة، إلى جانب دور القوى الاستعمارية الأوروبية في تمزيق المنطقة قبل أكثر من قرن من الزمان، ثم عمل المستبدون العرب على تكريس الواقع الانقسامي كونه يلبي طموحاتهم.

تسلّط رايت الضوء على سورية وموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتقسّمها مستقبلًا الى ثلاث دويلات: دويلة ضيقة تمتد جنوبًا عبر دمشق وحمص وحماة، وصولًا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​الشمالي، تحت سيطرة الأقلية العلوية، ودولة كردية في الشمال، وكانت تتمتع بحكم ذاتي واسع منذ منتصف عام 2012، ودولة سنيّة في الجزء الأكبر من سورية، معقل الأغلبية السنية.

لناحية العراق، فإنه قاوم التفكك بسبب الضغوط الخارجية، والخوف الاقليمي من انفراد الاغلبية الشيعية بالسلطة وثروة النفط. ومع أنه يمثل خط الصدع بين العالمين الشيعي والسني، وإن ما يحدث في سورية ينعكس تلقائيًا على المشهد السياسي في العراق، ولكن خطر التقسيم في الأخير لا يزال مستبعدًا حتى الآن، ما لم تتداخل عوامل أخرى تشجّع عليه وتفرضه واقعًا لا يمكن مقاومته. وقد تشعر الأقلية السنية في العراق (في محافظة الأنبار الغربية بدرجة أساسية) بتقارب مع الأغلبية السنيّة في شرق سوريا وقد تدفع الى إعاد رسم الخرائط في بلاد الشام عامة، على قاعدة مذهبية وطائفية، فيما يجد الأكراد فرصة قد لا تتكرر بإقامة دولة كردية على المساحة الفارغة بين سورية والعراق.

في حالة السعودية، تلفت رايت إلى ما يتداول من أفكار من بينها البلقنة في نسختها الثالثة من دولة دمجت القبائل المتنافسة بالقوة في ظل الإسلام الوهابي المتشدد. ومع أنها تشير إلى أن المملكة السعودية محصّنة بأبراجها الزجاجية الشاهقة وطرقها السريعة، إلا أنها تبطن تباينات ثقافية وهويات قبلية متمايزة وتوترات بين أغلبية سنيّة وأقلية شيعية في شرق البلد، الغنية بالنفط. أكثر من ذلك، تسلط رايت الضوء على التوترات الإجتماعية بفعل الفساد المستشري وبطالة الشباب التي تبلغ حوالي 30% في بلد منغمس في ملذّاته، وقد يضطر إلى استيراد النفط خلال عقدين من الزمن. ومع انتقال الملكيّة إلى جيل جديد، سيضطر آل سعود تقريبًا إلى إنشاء عائلة حاكمة جديدة من آلاف الأمراء، وهي عملية مثيرة للجدل.

على المدى البعيد، تواجه المملكة السعودية انقساماتها الداخلية (المكبوتة) التي قد تظهر على السطح مع انتقال السلطة إلى الجيل التالي من الأمراء. وتتعرّض وحدة المملكة لمزيد من التهديد بسبب الخلافات القبلية، والإنقسام السني الشيعي، والتحديات الاقتصادية. وبحسب رايت، قد تنقسم السعودية إلى المناطق الخمس التي سبقت الدولة الحديثة.

مع أن مثل هذه المقترحات تبدو مستحيلة، ما لم تكن مستندة على عوامل محلية مساعدة، أي فشل الدولة في برنامج الادماج الوطني الشامل لكافة المكوّنات السكانية، لتنمية شعور وطني حقيقي يقوم على إحساس كل مكوّن سكاني بالانتماء والحاجة الى الدفاع عن الكيان الذي كفل لهم حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن خطر التفكك تصاعد مؤخرًا مع تعرّض عدد من خرائط الدول العربية الى التبدل الدراماتيكي: فلسطين ولبنان وسورية والعراق والسودان واليمن وليبيا، وفي ظل التحرّك الجدّي من إدارة ترمب وحكومة نتنياهو لتحقيق حلم “اسرائيل الكبرى” والذي يقوم على اقتطاع أجزاء واسعة من البلدان العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.

وفي الخلاصات، انقسمت العديد من الدول بسبب تدخل القوى الأجنبية، سواءً بالغزو العسكري، أو الاستعمار، أو التنافس الجيوسياسي. وغالبًا ما تنجم هذه الانقسامات عن توترات عرقية، أو دينية/طائفية، أو أيديولوجية، وفي كثير من الحالات، لعب النفوذ الأجنبي دورًا حاسمًا في إثارة هذه الصراعات أو تفاقمها. في حين أعيد توحيد بعض الدول (مثل ألمانيا وفيتنام)، لا تزال دول أخرى، مثل كوريا وقبرص، منقسمة. تُظهر التعقيدات التاريخية والجيوسياسية لهذه الانقسامات الآثار الدائمة للتدخل الأجنبي على سيادة الدولة.

وقد أدّى تدخل جهات خارجية (مثل الولايات المتحدة وروسيا وقوى إقليمية) في سوريا والعراق واليمن إلى تعقيد الصراعات المحلية، وغالبًا ما كانت بمثابة حروب بالوكالة، وزرعت بذور الفرقة بين السكان المحليين. في المملكة السعودية والإمارات، قد تُفاقم التحالفات العسكرية الأجنبية أو النفوذ الأجنبي (خاصةً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبشكل متزايد من الصين) التوترات، إلا أن نفوذهما الاقتصادي والسياسي يُساعدان في الحفاظ على التماسك الداخلي. إن غياب العوامل الذاتية في حفظ وحدة الدول ورجحان كفة عوامل أخرى مثل المال والقوة، وهما عاملان غير ثابتين ويخضعان، أحيانًا، لتبدلات مفاجئة، يغذي فرص التفكك خصوصًا في الكيانات الكبيرة والمتنوعة.

3 ـ الضغوط الاقتصادية

تعاني دول مثل اليمن ولبنان وسوريا من انهيار اقتصادي وتضخم وبطالة، ما يُغذي الاضطرابات الاجتماعية والسخط. في حالة سوريا، دمّر الصراع جزءًا كبيرًا من البنية التحتية والاقتصاد، ما أدى إلى تجزئة على أسس إقليمية وقومية وطائفية تسيطر عليها جهات فاعلة مختلفة.

تعتمد دول الخليج – وخاصة المملكة السعودية والإمارات – اعتمادًا كبيرًا على العمالة الأجنبية، التي تُشكّل نسبة كبيرة من سكانها. في حال حدوث انهيار اقتصادي أو اضطراب كبير، فقد تظهر اضطرابات اجتماعية، خاصةً إذا بدأ العمال الأجانب يشعرون بالغربة أو التمييز ضدهم.

في كل من السعودية والإمارات، تشكل العمالة الأجنبية نسبة كبيرة في القطاعات الرئيسية والخدمات العامة، مع تفاوت حسب القطاع والجهود الحكومية لتعزيز توظيف المواطنين. إليك نظرة عامة بناءً على أحدث البيانات المتاحة:

السعودية: على مستوى الصناعات الأساسية (النفط والغاز)، تشكل العمالة الأجنبية حوالي 30-40% في شركات مثل أرامكو، حيث تركز سياسة “السعودة” على زيادة توظيف السعوديين في المناصب الفنية والإدارية. وفي قطاعي البناء والتشييد، فتصل النسبة إلى 80-90% بسبب الاعتماد على العمالة ذات المهارات المتوسطة والمنخفضة.

وعلى مستوى الخدمات العامة (الصحة، التعليم، النقل)، فالعمالة الأجنبية في القطاع الصحي تبلغ نسبة نحو 60-70%، خاصة في الأدوار التخصصية (كالأطباء والممرضين)، وفي التعليم العالمي فتصل النسبة إلى 50 ـ 60% بين أعضاء هيئة التدرس.

أما في القطاع الخاص، فتشكل العمالة الأجنبية بصورة عامة حوال 75ـ 80%، مع سياسات مستمرة مثل “نطاقات” لخفض هذه النسبة.

في الإمارات: على مستوى الصناعات الأساسية (النفط، والبناء، والتصنيع). في قطاع النفط (مثل أدنوك)، فتبلغ نسبة العمالة الأجنبية نحو 40-50%، مع تركيز على توظيف المواطنين في المناصب القيادية. أما في قطاع البناء والتشييد فتصل النسبة الى 90 ـ 95% بسبب الطلب على العمالة الموسمية.

أما الخدمات العامة (الصحة، التعليم، النقل): في القطاع الصحي تبلغ نسبة العمالة الأجنبية حوالي 70 ـ 80%، وخاصة في المنشآت الخاصة.  وفي النقل (مثل هيئة الطرق والمواصلات بدبي) تظل النسبة مرتفعة في الوظائف التشيغلية (كالسائقين والفنيين) وقد تصل الى 100%.

وفي القطاع الخاص، فتهيمن العمالة الأجنبية على 90% من الوظائف، بينما تركّز “التمكين” على زيادة مشاركة المواطنين.

وعلى الرغم من سعى السعودية (رؤية 2030) والامارات (التمكين) نحو تخفيض الاعتماد على العمالة الأجنبية عبر برامج توطين الوظائف، ولكن الأرقام تفيد بأن نموًّا غير منضبط لمشاركة العمالة الأجنبية. في السعودية زاد عدد العمال الأجانب منذ تولي الملك سلمان العرش سنة 2015 من 10.4 مليون نسمة إلى 13.4 مليون نسمة في عام 2025، ويمثل ذلك 41.6% من إجمالي عدد السكان.

إن تعاظم أعداد السكان الأجانب وما يشغلونه من مواقع حساسة واعتماد الاقتصاد الوطني على مساهماتهم في قطاعات حيوية يجعل منهم قوة مؤثرة في مستقبل الاقتصاد والسياسة والأمن في بلدان مثل الامارات والسعودية في مرحلة مقبلة.

4 ـ عدم الاستقرار الإقليمي

تقع كل من المملكة السعودية والإمارات في منطقة متقلبة تشهد صراعات مستمرة في اليمن وسوريا، بالإضافة إلى توترات طويلة الأمد مع إيران. قد يمتد عدم الاستقرار إلى هذين البلدين، وخاصة في المناطق الحدودية التي تشهد توترات عرقية وطائفية، التي قد تمتد على طول الساحل الممتد من البصرة إلى سلطنة عمان، والذي كان من الناحية التاريخية مسرحًا لصراعات قوى دولية متنافسة.

فما هي الإستراتيجيات الوقائية التي تبنتها السعودية والإمارات  التي تساعدهما في الحفاظ على تماسكهما الداخلي واستقرارهما:

1 ـ أنظمة سياسية مركزية قوية

تستند السعودية على نظام ملكي شديد المركزية، حيث يحتفظ الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان بسيطرة كبيرة على الشؤون السياسية والعسكرية. وتستطيع الأسرة المالكة السعودية، من خلال شبكاتها القبلية الواسعة، والحفاظ على قدر من التماسك الاجتماعي، المبني على تحالفات قبلية ربطًا بنظام رعايوي ثابت (أو ما يعرف بنظام الشرهات).

وبالمثل، تعمل الإمارات في ظل “نظام اتحادي”، لكن هيكل السلطة يخضع لسيطرة قوية من العائلات الحاكمة في الإمارات، وخاصةً عائلة آل نهيان في أبو ظبي وعائلة آل مكتوم في دبي. وقد ضمنت هذه القبضة المحكمة على السلطة الاستقرار، على الرغم من أن التحديات قد تظهر في المستقبل إذا ازدادت التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.

2 ـ الثبات الاقتصادي النسبي:

تمتلك السعودية والامارات قدرات اقتصادية كبيرة نسبيًا تمنحها فرصة الحفاظ على الاستقرار الداخلي واحتواء التوترات الداخلية. ومع أن السعودية والإمارات قطعتا أشواطًا كبيرة في خطة تنويع اقتصاداتهما بعيدًا عن النفط، حيث تستثمر الإمارات بكثافة في السياحة والعقارات والتكنولوجيا والتمويل، فيما تسعى السعودية، في إطار خطتها “رؤية السعودية 2030″، إلى تقليل اعتمادها على النفط وتشجيع صناعات جديدة، بما في ذلك السياحة والترفيه والطاقة المتجددة، ولكن لا مؤشرات مؤكّدة على نجاح خطة التنوّع حتى الآن في ظل خسائر كبيرة تكبّدتها مشاريع الرؤية بالنسبة إلى السعودية، وتزايد الصعوبات في الحصول على مصادر تمويل إضافية كافية.

نعم، تُوفر الثروة النفطية لهذه الدول الموارد اللازمة للاستثمار في البنية التحتية والرعاية العامة والبرامج الاجتماعية، ما يُساعد على تخفيف حدة الاضطرابات الاجتماعية وتعزيز التماسك الوطني، ولكن حتى هذا المصدر سوف تتراجع أهميته بمرور الوقت، إلى جانب كونه سلعة ناضبة، في ظل تقارير عن تراجع القدرة الاحتياطية والانتاجية في عدد من الحقول الحيوية.

3 ـ التماسك الاجتماعي والهوية الوطنية!

عملت السعودية والامارات ودول خليجية أخرى على ترسيخ الشعور بالهوية الوطنية، ولكن على ما يبدو فإن ثمة فهمًا قاصرًا للهوية، حيث توضع الوطنية في سياق المنافحة عن السلطة، أي أن الولاء للوطن يعادل الولاء للسلطة. إذ تشترط الثقافة الرسمية أن يتطابق الولاء للوطن مع الولاء للسلطة، وإن حب الوطن يقتضي حكمًا حب السلطة.

نعم، استثمرت الامارات في ترسيخ الشعور بالهوية الوطنية لحاجتها الشديدة لتعزيز وحدتها الإتحادية وتنوعها، لأن من غير هذا الشعور يعني حكمًا انفراط العقد الاتحادي. أما في المملكة السعودية، فبدأت الحكومة بتطوير خطاب ديني/مذهبي، يرتبط ارتباطًا وثيقًا برعاية الأماكن المقدسة الإسلامية، لحشد الشعب حول قضية مشتركة. وكانت شرعية النظام الملكي السعودي تتعزز من خلال دوره كحارس للإسلام، وعمل محمد بن سلمان على التخفّف من اللهجة الدينية والارتباط التقليدي بالمذهب الوهابي في سياق الانفتاح وتحديث البلاد، مقدمًا رؤية جديدة لمستقبل المملكة عبر رؤية 2030، وهذا يساعد، نظريًا على الأقل، على منع تصاعد الانقسامات على أسس طائفية أو عرقية. ولكن حتى الخطاب الحداثوي الذي تبنته السعودية لا يزال قاصرًا عن استيعاب كافة المكوّنات كونه يحجز التحوّل في إطاره الاجتماعي والثقافي فحسب، بينما يمنعه وبشدة في الإطار السياسي.

4 ـ الرهان على العمالة الأجنبية:

– في حين أن الأجانب في كل من السعودية والإمارات مصدر محتمل لعدم الاستقرار، على الأقل في المستقبل المنظور، فإن هذين البلدين يعتمدان بشكل كبير على العمال الأجانب في اقتصاداتهما. مع ذلك، في أوقات الشدة الاقتصادية، قد تتصاعد التوترات بين “السكان المحليين والعمال الأجانب”.

ومع أن حالات التصادم بين السكان المحليين والعمال الأجانب في كل من السعودية و الإمارات ودول خليجية خليجية (الكويت وقطر بدرجة أساسية) ليست ظاهرة منتشرة بشكل كبير وغالبًا ما يجري التكتّم عليها إعلاميًا، ولكنها تحدث من وقت لآخر نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. ويعتمد تكرار الحوادث على عدة عوامل، مثل التوترات الاقتصادية، الاختلافات الثقافية، سوء التفاهم الاجتماعي، والعوامل المتعلقة بالعمل وظروف الحياة. هناك عدة أسباب لتلك التصادمات، مثل:

في السعودية، على سبيل المثال، حيث تشكل العمالة الأجنبية في السعودية أكثر من ثلثي إجمالي القوة العاملة، وخصوصًا في قطاعات مثل البناء، الرعاية الصحية، والقطاع الخدماتي. وغالبًا ما تكون هذه العمالة من آسيا (الهند وباكستان وبنجللادش..)، ومن الدول العربية، فإن أسباب التصادم تعود إلى الاختلافات الثقافية والدينية،  حيث يتحدر العمال الأجانب من ثقافات وأديان مختلفة، مما قد يخلق تباينًا في أساليب الحياة والممارسات اليومية. هذه الاختلافات أحيانًا تؤدي إلى تصادمات اجتماعية أو عنصرية بين العمال المحليين والمقيمين. وقد قامت السعودية إبان أزمة الخليج الثانية في 1990ـ 1991 بترحيل أكثر من نصف عامل يمني إلى بلادهم على خلفية موقف بلادهم من الأزمة، واصطفاف اليمن إبان حكم علي عبد الله صالح مع نظام صدام حسين.

العامل الآخر، هو التفاوت الاقتصادي، حيث يواجه العمال الأجانب غالبًا ظروف عمل قاسية، وأجور منخفضة، وعقبات قانونية، مما قد يؤدي إلى توترات مع السكان المحليين، خاصة في فترات الركود الاقتصادي أو ارتفاع معدلات البطالة. وقد انتشرت تقارير موثقة بالصوت والصورة عن معاناة العمال الأسيويين في السعودية، والتي عكسها فيلم (حياة الماعز) والذي يمثل الجانب المظلم من حياة العمال المهاجرين في السعودية. والفيلم للكاتب الهندي بنيامين يروي معاناة العمال الوافدين في السعودية. وقد أثار الفيلم ردود فعل واسعة في الهند وفي العالم وفرض نفسه على صانع القرار السعودي.

في السياق نفسه، وفي محاولة لتقليل الاعتماد على العمال الوافدة لجأت السعودية الى استراتيجية وطنية  بهدف “توطين الوظائف” عبر برامج مثل “برنامج التوظيف الوطني”. ولكن هذه الاستراتيجية فضلًا عن فشلها في تحقيق الهدف، فإنها تنطوي على “تظلّمات” من العمال الأجانب وقد أشعلت التوترات مع بعض السعوديين الذين يعتقدون أن العمالة الأجنبية تسهم في التنافس على الوظائف.

أما عن حالات التصادم، فإن الحوادث العمالية، تقع في بعض الأحيان، بين العمال الأجانب وأرباب العمل السعوديين بسبب تأخر في دفع المرتبات أو ظروف العمل الصعبة. تلك الحوادث يمكن أن تؤدي إلى تظاهرات أو احتجاجات محدودة داخل ما يعرف بـ “الكامبات” أي مراكز سكن العمال الأجانب.

يضاف إلى ذلك اللجوء الى الاعتقالات والترحيل، بدعوى ضبط العمال الأجانب في حال المخالفة لقوانين الإقامة أو العمل، والتي قد تحدث توترات اجتماعية بين الشرطة والمجتمعات المحلية.

وقد تكون القضية أشد صعوبة في الامارات، بسبب ارتفاع حجم العمال الأجنبية حيث يشكلون ما بين 80 ـ 85% من إجمالي القوة العاملة، وتتركز بشكل خاص في قطاعات البناء، الخدمات، التجارة، والنقل. معظم هؤلاء العمال هم من الجنسيات الآسيوية مثل الهند، وباكستان، وبنغلادش، والفلبين.

وتعود أسباب التصادمات إلى ظروف العمل الصعبة، إذ يشتهر قطاع البناء في الإمارات بوجود ظروف عمل قاسية (مثل ساعات العمل الطويلة، ودرجات الحرارة المرتفعة) ما يؤدي إلى تزايد الشكاوى من العمال. وأيضًا، الفوارق الإقتصادية، إذ يتلقّى عمال القطاع الخاص الأجانب في الإمارات أجورًا منخفضة مقارنةً بالسكان المحليين، الذي يسبب شعورًا بعدم المساواة ويؤدي إلى توترات أحيانًا بين العمال المحليين والأجانب. وثالثًا، التفاوت الاجتماعي والثقافي: فثمة تباينات ثقافية ودينية كبيرة بين السكان المحليين والعمال الأجانب في السعودية والامارات، وهذا يؤدي، غالبًا، إلى سوء فهم أو توترات ثقافية.

أما عن حالات تصادم، فتتمثل في الإضرابات العمالية: في بعض الأحيان تحدث إضرابات أو احتجاجات من قبل العمال الأجانب بسبب المماطلة في دفع الرواتب أو ظروف العمل السيئة. وهذه الاحتجاجات قد تخلق توترات مع السلطات المحلية. وأيضًا، الاحتكاك الاجتماعي: مع وجود عدد كبير من العمال الأجانب، خصوصًا في مناطق مثل دبي وأبوظبي، وقد تحدث احتكاكات في الشارع أو في أماكن العمل بسبب الاختلافات في السلوكيات الاجتماعية والعادات.

5 ـ الأمن والقوة العسكرية :

– تستثمر كل من المملكة السعودية والإمارات بكثافة في قدراتها العسكرية وأجهزة الاستخبارات، التي تُستخدم غالبًا للحفاظ على النظام الداخلي وقمع أي تهديدات محتملة للنظام. وقد تجلى ذلك في كيفية تعامل كلا البلدين مع الاحتجاجات الداخلية أو أي بوادر توترات طائفية. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط الإمارات والمملكة السعودية بتحالفات عسكرية قوية مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، وقد يشكل ذلك رادعًا لأي تهديدات خارجية أو محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي في هذين البلدين. في الواقع، وظّفت الرياض وأبو ظبي قدرات مالية عالية وانفاقها على القطاعين الأمني والعسكري لاعتقادهما بأن بقية المصادر سوف تكون ثانوية ما لم تكن مدعومة بقوة ردع فاعلة لأي احتجاجات يمكن أن تهدد وحدة الدولة وتمساك أجزائها.

6 ـ البرامج الاجتماعية وأنظمة الرعاية الاجتماعية :

على مدى عقود، كان برنامج الرعاية المعتمد في دول مجلس التعاون كفيلًا بإحباط مصادر التهديد المحتملة للوحدة السياسية لنظام الحكم. وعلى نحو إجمالي، تتمتع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، بأنظمة رعاية اجتماعية قوية توفر برامج اجتماعية سخية لمواطنيها، بما في ذلك دعم المرافق العامة، وإعانات السكن، والرعاية الصحية. وهذا يُسهم في رفع مستوى رضا المواطنين ويمنع الاضطرابات الاجتماعية.

وكخلاصة لهذا المقطع، في حين تواجه دول الخليج مثل السعودية والإمارات تحديات ناجمة عن كثرة سكانها الأجانب وعدم الاستقرار الإقليمي، فإنها لجأت إلى  عدد من الآليات الوقائية التي تساعد على “التخفيف من خطر” التشرذم أو الاضطرابات المدنية. وتشمل هذه الآليات أنظمة سياسية مركزية قوية، وتنويعًا اقتصاديًا، وتماسكًا اجتماعيًا، وقوة عسكرية، وترتيبات أمنية. مع ذلك، ومع تحوّل الديناميكيات الإقليمية والعالمية، لا سيما مع تنامي نفوذ القوى الأجنبية وتصاعد الضغوط الاقتصادية الداخلية، ستحتاج هذه الدول إلى التعامل بحذر مع هذه التحديات للحفاظ على استقرارها على المدى الطويل. ومن التدابير الوقائية المعتمدة:

ـ الحوكمة الشاملة: اتفاقيات تقاسم السلطة التي تُعالج المظالم الطائفية/العرقية.

ـ الانتعاش الاقتصادي: ربط المساعدات الدولية بالإصلاحات، وخلق فرص العمل، والحد من الفساد.

ـ الدبلوماسية الإقليمية: تحييد الصراعات بالوكالة من خلال الحوار وعمليات السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

ـ إصلاح القطاع الأمني: نزع سلاح الميليشيات وإعادة بناء أجهزة أمن الدولة.

ولكن هناك نقاط ضعف يجدر الإضاءة عليها على نحو خاطف وهي:

ـ تحديات الخلافة: تواجه الأنظمة الملكية المركزية ضغوطًا للتحديث مع الحفاظ على السيطرة.

ـ أزمة الهوية الوطنية: تُعزز الخطابات التي تُحركها الدولة (مثل الوطنية السعودية، وسمعة الإمارات “التسامح”) التماسك الاجتماعي. ولكن هذه الخطابات لا تزال قاصرة عن تطوير هوية وطنية جامعة.

ـ الرافعة الاقتصادية: تُموّل الثروة النفطية العقود الاجتماعية (الدعم، الوظائف العامة) وجهود التنويع (رؤية 2030، ومراكز السياحة/التكنولوجيا في دبي)، ولكن هذه الرافعة لم تنجح حتى الآن في معالجة مسائل حيوية مثل البطالة والفقر والخدمات..

ـ التحالفات الأمنية: العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة والتحالفات الإقليمية (مجلس التعاون الخليجي) تردع التهديدات الخارجية، ولكن هذا النوع من التحالف ليس نهائيًا، لأن إدارت ترامب تميل إلى التعامل على أساس صفقوي، ومن يدفع أكثر يكون أقرب.

ـ بطالة الشباب: تتطلب نمو القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة.

ـ الإصلاح السياسي: موازنة التحديث مع الاستقرار الاستبدادي (على سبيل المثال، التحرر الاجتماعي السعودي في ظل القمع).

ـ الشمول السياسي: معالجة التهميش بالانتقال بالاصلاحات من مجرد السماح للمرأة بقيادة السيارة إلى تولي مراكز قيادية فاعلة.

ـ التنويع الاقتصادي: الحد من عدم المساواة وخلق أسواق عمل تركز على المواطن.

ـ مكافحة التطرف: مكافحة الأيديولوجيات التي تستغل الانقسامات الطائفية.

ـ الدعم الدولي: وساطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية في النزاعات والاستثمار في التنمية.

في حين تواجه سوريا والعراق ولبنان واليمن مخاطر وجودية بسبب ضعف المؤسسات والتدخل الأجنبي، فإن السعودية والإمارات في وضع أفضل حتى الآن لمقاومة التفكك من خلال الحوكمة المركزية والموارد الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية ولكن لا ضمانات مؤكّدة على استمرار هذا الوضع، إذ تكمن التحديات المقبلة في إدارة التحولات الاقتصادية طويلة الأجل والمطالب الاجتماعية. بالنسبة إلى جميع الدول، يتطلب الاستقرار المستدام حوكمة شاملة، وعدالة اقتصادية، وتعاونًا إقليميًا، وإصلاحات سياسية شاملة وفاعلة وإدماجية. في نهاية المطاف، إن عوامل التفكك في المملكة السعودية لا تزال كامنة في بنيتها التكوينية، وإن تأجيج هذه العوامل بفعل عوامل داخلية (اضطرابات أمنية، فشل اقتصادي، صراعات داخل العائلة المالكة، تمرّدات قبلية أو حتى عسكرية) أو عوامل خارجية (الحروب المتنقلة في الإقليم، الفوضى الأمنية في أكثر من بلد مجاور، الصراعات المسلّحة بين القوى الدولية على المسرح الإقليمي، تخلي القوى الدولية الداعمة عن حماية حلفائها في المنطقة)، سوف يفضي إلى فقدان السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، وإن عامل المساحة سوف يكون ورقة ضاغطة وسلبية لافتقار الدولة إلى القوة الكافية لدفع الأخطار الخارجية على الرغم من تخصيص أموال طائلة على مشاريع السياجات الالكترونية والرقابة الدقيقة للحدود. إن الوحدة قوامها الانسجام كي تبقى أمدًا طويلًا وإن الوحدة التي تقوم على القوة وحدها تزول بزوال القوة..وليست القوة في أن تصنع وحدة بل القوة في الحفاظ عليها.


[1] Ralph Peters, Blood Borders,: How a better Middle East would look, Armed Forces Journal (AFJ), June 1, 2006; http://armedforcesjournal.com/blood-borders/

[2] Robin Wright, Imagining a Remapped Middle East, New York Times, September 28, 2013; https://archive.nytimes.com/www.nytimes.com/2013/09/29/opinion/sunday/imagining-a-remapped-middle-east.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى