مقالات أخرى

باب المندب يخرق قواعد الاشتباك ويرسي معادلة ردع جديدة ضمن معركة وحدة الساحات

منذ إدخال اليمن معادلة البحر الأحمر ضمن معركة إسناد قطاع غزة بوجه العدوان الإسرائيلي، تحوّلت
الإنظار العالمية إلى باب المندب، إحدى أهم ممرات الملاحة العالمية. سلسلة عمليات نفذتها القوات
اليمنية ضد أهداف إسرائيلية، ما أوقع خسائر فادحة في الاقتصاد الإسرائيلي. وأمام حملة التحشيد
الأمريكية ضد العمليات اليمنية، أعلنت شركات عالمية تجنب مرورها في الممر الدولي، وهو ما كان له
تداعيات مباشرة على حركة النقل العالمية، وبات يهدد بأزمة سيكون المتضرر الأول منها أوروبا.
وفي ظل حراك سياسي أمريكي متخبط بات يضع واشنطن في حالة إرباك سياسي وأمني بالإضافة إلى
أنه يهدد موقعها في المنطقة، أعلنت أميركا عن تشكيل قوة بحرية أمنية متعددة الجنسيات لإطلاق عملية
عسكرية في البحر الأحمر. فما هي حدود هذه العملية؟ وهل سنشهد تصعي د ا للصراع في باب المندب بما
يشمل كل السفن؟ وماذا عن الموقف العربي والخليجي؟ ولماذا استثنيت الامارات والسعودية من القوة
الدولية؟

الموقع الجيواستراتيجي
مضيق باب المندب، ممر مائي يصل خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأحمر، ومنه عبر قناة السويس إلى
البحر الأبيض المتوسط. وهو يقع بين اليمن في آسيا وكل من جيبوتي وأريتريا في إفريقيا، ويتوسط القارات
الخمس. وما يميزه أ ن ه يصل البحرَ الأحمر بخليج عدن، وبحر العرب، والمحيط الهندي من جهة، والبحر
الأبيض المتوسط من الجهة الأخُرى، كما يأتي اليمنُ في قلب مشروع “الحزام والطريق” أَو ما يعرف ب
“طريق الحرير”، نظراً لأهمي ة موقعه، وامتلاكه عدداً من الموانئ، والجزر المتناثرة وعددها ) 130 ( على
هذا الطريق، مثل ميناءَي عدن والمخاء اللذين يتوسطهما مضيق باب المندب، وجزيرة بريم التي تتوسط
المضيق.


اكتشف البرتغاليون أهمية باب المندب، وكان لكل من العثمانيين والهولنديين والإنجليز والفرنسيين
والإيطاليين اهتمام كبير بهذا المضيق، وكان له دور في الحروب العالمية، هذا إضافة إلى الدور الإسرائيلي
في المنطقة وأهدافه منها.


يعد باب المندب من أهم الممرات المائية في العالم نظرًا لربطه بين البحار والمحيطات الشرقية من ناحية،
وبين الغرب من الناحية الأخرى. وقد زاد الاهتمام الدولي بدوره الجيواستراتيجي بعد افتتاح قناة السويس
عام 1869 ، وظهور البترول في العالم العربي وتحديدًا في شبه الجزيرة العربية. فالمضيق الذي كان يسمى
“ذا المندب ” أو “باب الدموع “، تزداد أهميته كونه طريق ملاحة لقوافل النفط العملاقة القادمة من الخليج
العربي ومن الشرق، إلى غرب وجنوب وشمال أوروبا وأمريكا، مرورا بمنطقة الشرق الأوسط عبر قناة
السويس.

توجهت الأنظار من جديد إلى المضيق الدولي مع بداية العدوان السعودي على اليمن في 26 مارس 2015 .
تقول دراسة لمركز سام للدراسات الاستراتيجية، إن باب المندب كان من بين أهم المحطات التي شهدتها

الحرب الراهنة في اليمن. فالعمليات العسكرية التي وقعت في النطاق الجيوسياسي الخاص بهذه المنطقة
التي تُعتبر من أهم المناطق ذات الاهتمام الاستراتيجي على مستوى العالم، وتُعتبر قضية الأمن الإقليمي
فيها وفيما حولها على رأس أجندات القوى الدولية الكبرى، منذ حفر قناة السويس قبل أكثر من قرن ونصف
القرن من الزمان. ويقع أمن هذه المنطقة على تماس، مع أكثر من ملف من ملفات الأمن الإقليمي والدولي،
حيث هي ملتقى طرق التجارة العالمية، سواء تلك القادمة من آسيا إلى أوروبا عبر قناة السويس، أو المتجهة
من آسيا إلى أوروبا الغربية والأميركتين عبر طريق رأس الرجاء الصالح. كما أنه يمثل عصب الاقتصاد
والأمن القومي لأطراف إقليمية عدة، من بينها مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى إسرائيل.


بالنسبة إلى مصر، يمثل باب المندب المدخل الجنوبي لقناة السويس. القناة التي تعتبر شريان الحياة للاقتصاد
المصري، وأهم مصادر الدخل الأجنبي والقومي في البلاد. وتعد قضية أمن المضيق إحدى أركان التنمية
في مصر من خلال مشروع “محور تنمية قناة السويس” الذي تع ول عليه القيادة المصرية لجذب استثمارات
الدول الكبرى في المناطق الصناعية والاستثمارية في محور القناة، وهذا ما لن يتم في حال ارتفاع مخاطر
العبور في هذه القناة، في حال تهد د أمن باب المندب والقرن الأفريقي. وهو ما يف س ر انضمام مصر إلى
تحالف العدوان السعودي على اليمن عام 2015 ، إذ قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن “تأمين الملاحة في
البحر الأحمر وحماية مضيق باب المندب تُعد أولوية قصوى من أولويات الأمن القومي المصري”.

الأهمية والدور


يعد باب المندب أحد أهم الطرق في العالم لشحنات السلع العالمية المنقولة بحرًا، خاصة النفط الخام والوقود
من الخليج المتجه إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد، بالإضافة إلى السلع
المتجهة إلى آسيا، بما في ذلك النفط الروسي . وإن كان باب المندب يعد منفذ الخليج على أسواق النفط
الأوروبية والأمريكية من وراء المحيط الأطلسي، فإنه أهميته بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي أنه يُعتبر المنفذ
البحري الجنوبي لها والرابط الأساسي بين التجارة الراغبة في الوصول إلى ما بين البحر المتوسط والمحيط
الهندي وبحر العرب. وهنا نستذكر نكبة عام 1948 ، عندما ضغط رئيس وزراء الكيان الأول ديفيد بن
غوريون على الولايات المتحدة الأميركية لتأخير وقف إطلاق النار ريثما تتمكن قواته من السيطرة على
النقب ومنفذها “ميناء أم الرشراش” على البحر الأحمر، الذي تح ول لاحق ا إلى ميناء إيلات. وهو صاحب
مقولة أن “السيطرة على نقاط استراتيجية في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى إسرائيل
لأنها تساعدها على التخلص من أي محاولة لمحاصرتها وتطويقها، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكرية
لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم، قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا”.

وعليه، فإنه حتى قبل بداية العدوان على اليمن، برز أمن باب المندب إلى الواجهة مع تهديدات قراصنة
سواحل الصومال، ما استدعى تحركًا من حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وقوى إقليمية ودولية أخرى كبرى،
من أجل التصدي لموجة أعمال السلب والنهب في مياه خليج عدن والمناطق الجنوبية لباب المندب. لاحقًا،
عمدت دول عد ة إلى إقامة قواعد عسكرية لها في دول القرن الأفريقي المطلة على المضيق، من بينها قواعد
أمريكية وفرنسية وكندية وتركية وصينية. وتحتفظ مصر بقوة بحرية بالاتفاق مع السعودية في جزيرة
فرسان الاستراتيجية. إذ نُشرت تقارير عن تدشين قاعدة عسكرية مشتركة في الجزيرة الأكبر في البحر
الأحمر، التي تقع أعلى مضيق باب المندب، قبالة السواحل الصومالية، بالقرب من الأراضي الإثيوبية.

وكثيرًا ما تتحدث الدراسات عن الأهمية التي يكتسبها باب المندب، لكن ما مقارنة هذه الأهمية بباقي
المضائق البحرية الدولية الأخرى؟ عن هذا السؤال يجيب الباحث shaul shay في دراسة بعنوان The war over the Bab al Mandab straits and the Red Sea coastline بأن المضيق:

  • يعتبر أحد أهم المفترقات الهامة ونقطة التقاء حاسمة لحركة التجارة العالمية، فمعظم ما بين كل من
  • الاتحاد الأوروبي من جهة والصين، اليابان والهند وبقية آسيا من جهة أخرى تمر عبر المضيق.
  • يعتبر ممرًا لأكثر من 30 % من حركة النفط العالمية خاصة في منطقة الخليج العربي وإيران.
  • يعتبر ممرًا بديلًا عن cope of good hope بجنوب إفريقيا الذي يلقي عبئًا على التجارة الدولية من حيث بعد المسافة وكذا التكلفة المالية

العمليات اليمنية تفرض قواعد اشتباك جديدة

في 31 أكتوبر 2023 ، أعلن اليمن دخوله رسميًا معركة إسناد غزة، ضمن وحدة ساحات محور المقاومة
في المنطقة. وفي 14 نوفمبر، أعلن قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي عن تصعيد جديد في خطوط
المواجهة، معلنًا أن العيون مفتوحة “للرصد الدائم والبحث عن أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر وباب
المندب تحديدًا وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية”. وفي 19 نوفمبر، أعلنت القوات اليمنية عن عمليتها
الأولى في البحر الأحمر وكان من نتائجها احتجاز سفينة إسرائيلية، مجددة التحذير من أن السفن التابعة
للعدو والتي تتعامل معه ستصبح هدفًا مشروعًا.

وقد اهتمت وسائل اعلام عربية وغربية بتقديم تحليلات حول قدرة القوات المسلحة اليمنية على تنفيذ
تهديداتها، ورأى تقرير لشبكة cbc المصرية أن القوات الجوية اليمنية تمتلك بالفعل مجموعة صواريخ
باليستية تطلق من الشاطئ ويمكنها التحليق لمسافة تزيد عن 500 كيلومتر، وصواريخ كروز ذات مدى
أقصر، فضلا عن زوارق سريعة تحمل مسلحين ببنادق آلية، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية

وبهذا، يكون اليمن قد فرض قواعد اشتباك وثبت معادلة ردع من خلال سلسلة عملياته المستمرة:

  • نوفمبر 2023 : القوات المسلحة اليمنية تعلن أنها ستقوم باستهداف جميع أنواع السفن التي تحمل علم الكيان، تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية.
  • 19 نوفمبر 2023 : القواتُ البحريةُ اليمنية تستولي على سفينةٍ إسرائيليةٍ وتقتادها إلى الساحلِ اليمنيِ .
  • 3 ديسمبر 2023 : القوات البحرية اليمنية تستهدف السفينتينِ الإسرائيليتينِ “يونِتي إكسبلورر” وسفينة “نمبر ناين”، في باب المندب حيثُ تم استهدافُ السفينةِ الأولى بصاروخِ بحري والسفينةِ الثانيةِ بطائرةٍ مسيرةٍ بحرية .
  • 9 ديسمبر 2023 : القوات المسلحة اليمنية تعلنُ منع مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِ من أ ي جنسيةٍ كانتْ، إذا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواءٍ وتعلن أنها ستصبحُ هدفًا مشروعًا .
  • 12 ديسمبر 2023 : القواتُ البحريةُ اليمنية تستهدف بصاروخٍ بحر ي سفينة “استريندا” تابعةٍ للنرويج، المحملة بالنفط والمتجهة للكيانِ الإسرائيلي. وتنجح في منع مرور عدة سفن كانت متجهة للكيان الإسرائيلي خلال اليومينِ الماضيين
  • ديسمبر 2023 : القوات البحرية اليمنية تستهدف بطائرة مسي رة سفينة حاويات “ميرسيك جبرلاتر” المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي وتنجح في منع مرور عدة سفن كانت متجهة للكيان الإسرائيلي خلال ٤٨ ساعة الماضية .
  • 15 ديسمبر 2023 : القوات البحرية اليمنية تقوم بعملية عسكرية ضد سفينتي حاويات إم إس سي ألانيا وإم إس سي بالاتيوم كانتا متجهتين إلى الكيان الإسرائيلي وقد تم استهدافهما بصاروخين بحريين مناسبين.
  • 18 ديسمبر 2023 : القوات البحرية اليمنية تقوم بعملية عسكرية نوعية ضد سفينتين لهما ارتباط بالكيان الأولى سفينة “سوان اتلانتك” محملة بالنفط والأخرى سفينة “إم إس سي كلارا” تحمل حاويات وقد تم استهدافهما بطائرتين بحريتين

المواقف والتصريحات اليمنية

الناطق باسم أنصار الله محمد عبد السلام، أكد أن عمليات اليمن البحرية تأتي بهدف مساندة الشعب
الفلسطيني في مواجهة العدوان والحصار على غزة، وليست استعراضً ا للقوة ولا تحد يًا لأحد. مشيرًا أن من
يسعى لتوسيع الصراع فعليه تحمل عواقب أفعاله. ورأى عبد السلام أن “التحالف المش ك ل أمريك يا هو لحماية
إسرائيل وعسكرة للبحر دون أي مسوغ، ولن يوقف اليمن عن مواصلة عملياته المشروعة دعمً ا لغزة”.
بدوره، أكد عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البخيتي أن “الجيش اليمني بوسعه مواجهة أي تحالف
تشكله الولايات المتحدة بهدف نشره في البحر الأحمر”، لافتا إلى أن الأمريكيين عرضوا عدم إعاقة جهود
التوصل للسلام في اليمن مقابل وقف العمليات العسكرية بالبحر الأحمر، وهو ما تم رفضه.

وأمام الفشل العسكري، جرى التداول في عدة خيارات لمواجهة أ ي اعتداء أميركي – إسرائيلي بغطاء تحالف
دولي:

  1. . منع ناقلات النفط والغاز من المرور في البحر الأحمر وباب المندب، وبذلك، ستنقل صنعاء أزمة الحصار من قطاع غزة إلى واشنطن ولندن وباريس وعواصم الدول العربية، مع تهديد 17 % من إمدادات النفط والغاز العالمية بالتوقف، تزامنًا دخول فصل الشتاء وتواصل أزمة الطاقة في أميركا وأوروبا .
  2. توسيع الصراع البحري إلى المحيط الهندي ومضيق هرمز وبحر عمان، وهو ما حذرت منه الحكومة اليمنية عدداً من الدول بخطورة تأليب العالم ضد عملياتها العسكرية المحد دة بمهاجمة السفن الإسرائيلية .
  3. إغلاق حركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب كرد على أ ي محاولات أميركية – غربية لإحداث تغييرات في الواقع اليمني. ومن بين ذلك تشديد الحصار على ميناء الحديدة ومقايضة رفعه بفك الحصار عن إسرائيل، أو تنفيذ عمليات إنزال على السواحل اليمنية الغربية بالتعاون مع ميليشيات الإمارات، أو تحريك الجبهات الداخلية في البيضاء ولحج وتعز ومأرب وحجة.
  4. وفي حال تحريك الجبهة الداخلية، فإن ذلك قد يدفع القوات اليمنية إلى استئناف الهجمات الجوية ضد السعودية والإمارات. وهذا ما تعمل الرياض على تجنبه

العمليات اليمنية تفرض واقع ا جديدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى