الجزء الأول

بصفتها دولة محورية في منطقة غرب آسيا وذات أهمية عالمية في مجال الطاقة، تواجه السعودية مجموعة معقدة من التهديدات المترابطة لاستقرارها ورخائها على المدى الطويل. من خلال التحليل الشامل يمكن تقييم التحديات الجيوأمنية الرئيسية بما في ذلك ندرة المياه التي تفاقمت بسبب تغير المناخ، وضرورات انتقال الطاقة وسط جهود التنويع الاقتصادي، وتطور ديناميكيات الأمن الإقليمي، وثغرات الأمن السيبراني ومخاوف الأمن الغذائي.
وبالاتكال على إطار تحليلي متعدد التخصصات يدمج المنظورات الجيوسياسية والبيئية والاقتصادية والأمنية لتقييم هذه التحديات وتأثيراتها المتتالية المحتملة، تشير النتائج إلى أنه على الرغم من أن السعودية قد أظهرت ديناميكية ثورية وجهوزية استراتيجية من خلال مبادرات مثل رؤية 2030، لا تزال هناك نقاط ضعف كبيرة في المجالات الحرجة التي يمكن أن تقوض المرونة الوطنية.
نحاول هنا فهم كيفية تنقل الدول المعتمدة على الموارد في بيئات أمنية معقدة ، وتحليل الآثار المستقبلية على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية في عصر التغير العالمي المتسارع..
السياق والخلفية
تقف السعودية عند مفترق طرق حاسم في مسار ها الجديد منذ الإعلان عن رؤية 2030 في أبريل سنة 2016 وأيضًا بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، والحاضنللمواقع الإسلامية المقدسة. تحتل المملكة موقعًا فريدًا ذا أهمية جيوسياسية واقتصادية. ومع ذلك، تواجه السعودية هذه الدولة المحورية في غرب آسيا تقاربًا غير مسبوق من التحديات التي تهدد بتقويض استقرارها ورخائها على المدى الطويل. يوفر مفهوم “الأمن الجغرافي” – الذي يشمل الأبعاد المترابطة لأمن الموارد والاستدامة البيئية والمرونة الاقتصادية والمخاوف الأمنية التقليدية – إطارًا قيمًا لتحليل نقاط الضعف متعددة الأوجه للمملكة السعودية واستجاباتها الاستراتيجية.
ارتبط التطور التاريخي للمملكة ارتباطًا وثيقًا بمواردها الهيدروكربونية الهائلة، التي مولت التحديث السريع ووفرت الأساس لنفوذها الإقليمي. ومع ذلك، يواجه نموذج التنمية المعتمد على الموارد هذا ضغوطًا متزايدة من عدة اتجاهات:
يهدد تغير المناخ أمن المياه في بيئة قاحلة بالفعل؛ تتحدى تحولات الطاقة العالمية الجدوى طويلة الأجل للازدهار القائم على النفط؛ تخلق النزاعات الإقليمية ومنافسات القوى معضلات أمنية مستمرة؛ وتعرض نقاط الضعف التكنولوجية البنية التحتية الحيوية لأشكال جديدة من الهجوم. في الوقت نفسه، يمثل برنامج رؤية 2030 الطموح محاولة شاملة لتحويل اقتصاد البلاد ومجتمعه وموقعه الدولي لمواجهة هذه التحديات.
والأسئلة المفتاحية هنا هي على النحو الآتي:
ـ ما هي التحديات الجيوأمنية الأكثر أهمية التي تواجه السعودية في العقود القادمة؟ ـ وكيف تتفاعل هذه التحديات مع بعضها البعض وتضخم بعضها البعض بشكل محتمل؟
ـ إلى أي مدى تعالج أطر السياسة الحالية، وخاصة رؤية 2030، هذه التحديات؟
ـ ما هي التعديلات الاستراتيجية التي قد تعزز المرونة الجيوأمنية للمملكة العربية السعودية؟
ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة لابد من:
ـ تقديم تقييم شامل للمشهد الجيوأمني للمملكة السعودية
ـ تحليل الترابط بين مختلف المجالات الأمنية
ـ تقييم فعالية استجابات السياسة الحالية
ـ تحديد نقاط الضعف الحرجة التي تتطلب اهتمامًا فوريًا
من أجل مقاربة هذه الموضوعات والإجابة عن الاسئلة المفتاحية لا بد من إطار نظري علمي متكامل يستند على على جملة من التخصصات لالتقاط تعقيد التحديات الجيوأمنية للمملكة السعودية. ويتضمن الإطار عناصر من:
ـ نظرية أمن الموارد: دراسة كيفية تأثير الوصول إلى الموارد الحيوية (المياه والطاقة والغذاء) وإدارتها على الأمن والاستقرار الوطني
ـ دراسات الأمن البيئي: تحليل كيفية خلق تغير المناخ والتدهور البيئي أو تضخيم التهديدات الأمنية
ـ نظرية المجمع الأمني الإقليمي: فهم كيفية تضمين أمن المملكة العربية السعودية داخل الديناميكيات الإقليمية وتشكيله من خلالها
ـ أدبيات التنويع الاقتصادي: تقييم التحديات والفرص في الانتقال من الاعتماد على الموارد
ـ أطر حماية البنية التحتية الحرجة: تقييم نقاط الضعف في الأنظمة والخدمات الأساسية
يعين هذا النهج التعددي على فهم أكثر دقة لكيفية تفاعل مجالات الأمن المختلفة وإمكانية خلق مخاطر متتالية عبر الأنظمة الوطنية للمملكة السعودية.
يساهم هذا النقاش في كل من الفهم العلمي وتطوير السياسات بعدة طرق. أولاً، يقدم تقييمًا شاملًا وحديثًا للمشهد الجيوأمني للمملكة السعودية في لحظة حاسمة تعيشها السعودية في ظل متغيرات جيوسياسية واقتصادية كبرى. وثانيًا، يعزز الفهم النظري لكيفية تنقل الدول المعتمدة على الموارد في بيئات أمنية معقدة في عصر التغير العالمي. أخيرًا، نظرًا للدور المحوري للسعودية في الشؤون الإقليمية والعالمية، فإن هذا النقاش له آثار أوسع على فهم الاستقرار المستقبلي في منطقة غرب آسيا وأسواق الطاقة الدولية.
البيئة الأمنية للسعودية
ركزت الدراسات الأكاديمية حول البيئة الأمنية للمملكة السعودية تقليديًا على التهديدات العسكرية التقليدية، وديناميكيات القوة الإقليمية، والعلاقة الاستراتيجية للسعودية مع الولايات المتحدة. تؤكد هذه الدراسات على معضلات الأمن الإقليمي المعقدة للمملكة السعودية، وخاصة تنافسها مع إيران والمخاوف بشأن عدم الاستقرار الإقليمي. وقد درست الأعمال الأكثر حداثة تطور سياسة الأمن السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان، مشيرة إلى موقف إقليمي أكثر حزمًا وجهود لتنويع الشراكات الأمنية خارج الحلفاء الغربيين التقليديين.
ومع ذلك، كما يلاحظ باحثون آخرون، غالبًا ما تقلل تحليلات الأمن التقليدية من أهمية التهديدات الأمنية غير التقليدية لاستقرار السعودية على المدى الطويل. تسلط الأدبيات المتزايدة حول تحديات أمن المياه في السعودية الضوء على الطبيعة الوجودية لندرة المياه في المملكة، التي تفاقمت بسبب تغير المناخ وأنماط الاستهلاك غير المستدامة. وبالمثل، تؤكد الأبحاث حول نقاط ضعف الأمن الغذائي في السعودية على المخاطر الاستراتيجية المرتبطة بالاعتماد الكبير على الواردات والقدرة الزراعية المحلية المحدودة.
رؤية 2030 والتحول الاقتصادي
حظيت رؤية 2030، والتي تمثل برنامج التنويع الاقتصادي الطموح للمملكة السعودية، باهتمام أكاديمي كبير منذ إعلانها في عام 2016. ركزت التحليلات المبكرة على أهداف البرنامج وتحديات التنفيذ، بينما قدّمت الأعمال الأكثر حداثة تقييمات نقدية للتقدم والقيود. تزعم بعض التحليلات عمومًا بتحقق إنجازات كبيرة في مجالات مثل الإصلاح المالي، والتحرر الاجتماعي، والتوظيف في القطاع الخاص، مع ملاحظة التحديات المستمرة في تقليل الاعتماد على النفط وضمان التنمية الشاملة.
بحثت تلك التحليلات حول جهود انتقال الطاقة في مبادرات الطاقة المتجددة المحلية وآثارها الجيوسياسية ولكن تبدو النتائج غير يقينية. تسلط هذه التحليلات الضوء على أهداف الطاقة المتجددة الطموحة للمملكة والشراكات الاستراتيجية، خاصة مع الصين، مع التشكيك في وتيرة ونطاق التحول بالنسبة للهيمنة المستمرة للهيدروكربونات. وبالمثل، تشير دراسات استراتيجية الأمن السيبراني للسعودية إلى استثمارات كبيرة في حماية البنية التحتية الرقمية مع تحديد نقاط ضعف مستمرة في اقتصاد متزايد الرقمنة.
وعلى الرغم من تزايد البحوث حول جوانب مختلفة من البيئة الأمنية للسعودية، لا تزال هناك فجوات مهمة. أولاً، هناك تحليل متكامل محدود لكيفية تفاعل مجالات الأمن المختلفة وإمكانية خلق مخاطر متتالية عبر الأنظمة السعودية. تركز معظم البحوث على تحديات محددة بمعزل عن بعضها البعض بدلاً من دراسة ترابطها وحلقات التغذية الراجعة المحتملة. ثانيًا، غالبًا ما تعامل البحوث رؤية 2030 كبرنامج اقتصادي في المقام الأول، مع اهتمام غير كافٍ بأبعادها الأمنية وآثارها. ثالثًا، هناك بحث تجريبي غير كافٍ حول فعالية استراتيجيات التكيف في السعودية في مجالات حرجة مثل إدارة المياه، والمرونة المناخية، والأمن الغذائي.
ونحاول هنا تحديد الفجوات من خلال تقديم تقييم شامل ومتكامل للتحديات الجيوأمنية للسعودية، مع دراسة خصائصها الفردية وتفاعلاتها النظامية. من خلال تحليل كيفية معالجة رؤية 2030 وأطر السياسة الأخرى لهذه التحديات، يساهم البحث في فهم أكثر دقة للمشهد الأمني للسعودية ومساره المستقبلي.
ونتنبى هنا موقفًا معرفيًا واقعيًا نقديًا، بلحاظ الواقع المادي للتهديدات الأمنية (مثل ندرة المياه وتغير المناخ) والطبيعة المبنية اجتماعيًا لتصورات الأمن والاستجابات. يسمح هذا النهج بتحليل كل من الظروف الموضوعية والتفسيرات الذاتية التي تشكل البيئة الأمنية للسعودية.
ونتتبع هنا تحليل الآليات السببية وتطور السياسة بمرور الوقت، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ رؤية 2030 والنتائج الأمنية. تتيح هذه المقاربة تحديد المفاصل الحرجة، والتبعيات المسارية، ونقاط التدخل المحتملة في المشهد الجيوأمني للمملكة السعودية.
ونعتمد في هذا البحث على مصادر بيانات متعددة لضمان التغطية الشاملة والتثليث:
ـ الوثائق الأولية: المنشورات الرسمية للحكومة السعودية، بما في ذلك وثائق رؤية 2030، وتقارير برنامج التحول الوطني، وأوراق الاستراتيجية القطاعية من الوزارات ذات الصلة (مثل البيئة والمياه والزراعة؛ الطاقة؛ الدفاع). توفر هذه المصادر التصورات الاجمالية حول السياسة الرسمية والأولويات المعلنة.
ـ الأدبيات الأكاديمية الثانوية: المقالات العلمية المحكمة، والكتب الأكاديمية، وتقارير البحوث التي تدرس جوانب مختلفة من البيئة الأمنية للمملكة السعودية، وتحديات الموارد، والتحول الاقتصادي. توفر هذه الأدبيات أطرًا نظرية ومنظورات مقارنة.
ـ تقارير المنظمات الدولية: منشورات من منظمات مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ووكالة الطاقة الدولية، ومنظمة الأغذية والزراعة التي توفر بيانات موحدة وتقييمات خبراء في المجالات ذات الصلة (المناخ، المياه، الطاقة، الغذاء).
ـ تحليلات مراكز الفكر: تقارير من مؤسسات البحوث ذات الخبرة الإقليمية، بما في ذلك مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومعهد بروكينغز، ومركز الخليج للأبحاث، والتي تقدم تحليلًا موجهًا نحو السياسات وغالبًا ما تتضمن رؤى من البحث الميداني.
ـ مصادر إعلامية: استخدام انتقائي للصحافة الجيدة من المنافذ الدولية والإقليمية لالتقاط التطورات الأخيرة والخطاب العام حول التحديات الأمنية.
ركز جمع البيانات على المواد المنشورة خلال العقد الماضي (2015-2025) لضمان الحداثة، مع تركيز خاص على الفترة التي تلت إعلان رؤية 2030 في عام 2016. ومع ذلك، تمت استشارة المصادر التاريخية أيضًا لإنشاء اتجاهات وسياق على المدى الطويل.
ـ أمن المياه: التحدي الوجودي
تواجه المملكة السعودية واحدة من أكثر حالات ندرة المياه حدة في العالم، مما يجعل أمن المياه تحديًا وجوديًا للمملكة. تقع الأخيرة في واحدة من أكثر المناطق جفافًا على الأرض، مع متوسط هطول أمطار سنوي يبلغ حوالي 100 ملم فقط، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 990 ملم، بحسب تقارير وزارة البيئة والمياه والزراعة لعام 2023. تفاقم هذه الندرة الطبيعية بسبب النمو السكاني السريع والتوسع الحضري والتنمية الاقتصادية، مما أدى إلى زيادة الطلب على المياه بشكل كبير. وفقًا لمعهد الموارد العالمية لسنة 2023: “تصنف المملكة السعودية ضمن فئة “الإجهاد المائي الشديد للغاية”، حيث يتم استخدام أكثر من 80% من إمدادات المياه المتجددة المتاحة سنويًا.[1]
تعتمد المملكة السعودية بشكل أساسي على مصدرين للمياه: المياه الجوفية غير المتجددة (الأحفورية) وتحلية مياه البحر. تمثل المياه الجوفية حوالي 65% من إمدادات المياه، بينما توفر التحلية 33%، مع مساهمة صغيرة من المياه السطحية والمياه المعاد تدويرها (المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، 2023)[2]. هذا المزيج من المصادر يخلق تحديات كبيرة للاستدامة طويلة الأجل:
ـ استنفاد المياه الجوفية: تتعرض طبقات المياه الجوفية الرئيسية في المملكة للاستنزاف بمعدلات تنذر بالخطر. تشير دراسات إلى أن المملكة السعودية فقدت ما يقرب من 6.1 كيلومتر مكعب من المياه الجوفية سنويًا بين عامي 2002 و2021، مما يمثل أحد أسرع معدلات استنفاد المياه الجوفية في العالم. مع احتياطيات تقدر بحوالي 500 كيلومتر مكعب من المياه الجوفية القابلة للاستخراج، تشير المعدلات الحالية للاستخراج إلى إمكانية استنفاد موارد المياه الجوفية غير المتجددة في غضون عقود[3].
الاعتماد على التحلية: تعد السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، حيث تمثل حوالي 20% من الإنتاج العالمي. تدير المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (SWCC) 33 محطة تحلية بسعة إجمالية تبلغ 7.6 مليون متر مكعب يوميًا (المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، 2023). بينما توفر التحلية مصدرًا موثوقًا للمياه، فإنها تخلق تحديات خاصة بها:
ـ كثافة الطاقة: تستهلك التحلية حوالي 15% من إجمال إنتاج النفط والغاز المحلي في المملكة (وكالة الطاقة الدولية، 2023)
ـ التكلفة المالية: تتطلب التحلية استثمارات رأسمالية كبيرة وتكاليف تشغيل مستمرة، مع تكلفة إنتاج تتراوح بين 0.8 و1.2 دولار أمريكي لكل متر مكعب (وزارة البيئة والمياه والزراعة، 2023)
ـ الضعف البنيوي: تقع معظم محطات التحلية على طول ساحل الخليج، مما يجعلها عرضة للمخاطر الجيوسياسية والبيئية.
ـ الاستخدام غير الفعال: تعاني السعودية من ارتفاع معدلات استهلاك المياه للفرد، حيث يبلغ متوسط الاستهلاك المنزلي حوالي 263 لترًا للفرد يوميًا، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 150 لترًا للفرد يوميًا، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024. ساهمت سياسات الدعم التاريخية، والبنية التحتية المتقادمة، وضعف الوعي العام في أنماط الاستهلاك غير المستدامة هذه.
ـ التوزيع القطاعي: يستهلك القطاع الزراعي حوالي 84% من إجمالي استخدام المياه في المملكة، يليه الاستخدام المنزلي (12%) والصناعي (4%)، بحسب وزارة البيئة والمياه والزراعة، 2023. يثير هذا التوزيع أسئلة مهمة حول الاستخدام الأمثل للموارد المائية النادرة، خاصة بالنظر إلى المساهمة المنخفضة نسبيًا للزراعة في الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 2.4%).
تشير الاتجاهات الحالية إلى تفاقم تحديات المياه في المستقبل، ومن المتوقع أن ينمو عدد سكان المملكة من 36 مليون حاليًا إلى حوالي 45 مليون بحلول عام 2050، مما يزيد الطلب على المياه. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه من خلال زيادة درجات الحرارة وتقلب هطول الأمطار وزيادة تواتر وشدة الجفاف (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، 2022).
ـ التغير المناخي والأمن المائي
يمثل تغير المناخ مضاعفًا حاسمًا للمخاطر لتحديات أمن المياه في المملكة السعودية. تشير توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (2022) إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد بعضًا من أكثر آثار تغير المناخ حدة على مستوى العالم، مع عواقب خاصة على موارد المياه. بالنسبة للسعودية، تشمل التأثيرات الرئيسية:
ـ ارتفاع درجات الحرارة: من المتوقع أن ترتفع متوسط درجات الحرارة في المملكة السعودية بمقدار 2.0-4.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، اعتمادًا على سيناريو الانبعاثات. سيؤدي هذا الارتفاع الحراري إلى:
ـ زيادة التبخر من خزانات المياه السطحية والتربة
ـ زيادة الطلب على المياه للاستخدام المنزلي والزراعي
ـ تسريع استنفاد المياه الجوفية من خلال انخفاض معدلات إعادة التغذية وزيادة الاستخراج
ـ تغير أنماط هطول الأمطار: على الرغم من أن المملكة السعودية تتلقى بالفعل هطول أمطار محدود، تشير النماذج المناخية إلى:
ـ انخفاض إجمالي هطول الأمطار السنوي بنسبة تصل إلى 20% في بعض المناطق بحلول عام 2050
ـ زيادة تقلب هطول الأمطار، مع فترات جفاف أطول تتخللها أحداث هطول أمطار شديدة
ـ انخفاض معدلات إعادة تغذية المياه الجوفية بسبب زيادة الجريان السطحي خلال أحداث الأمطار المكثفة
ـ أحداث الطقس المتطرفة: من المتوقع أن تزداد وتيرة وشدة موجات الحرارة والجفاف والفيضانات المفاجئة، مما يؤثر على:
ـ البنية التحتية للمياه، بما في ذلك السدود وأنظمة التوزيع
ـ الإنتاج الزراعي وبالتالي الطلب على المياه للري
ـ جودة المياه، مع زيادة مخاطر التلوث خلال أحداث الفيضانات
ـ ارتفاع مستوى سطح البحر وتسرب المياه المالحة: مع ارتفاع مستوى سطح البحر، تواجه المناطق الساحلية للمملكة:
ـ زيادة تسرب المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية
ـ تهديدات محتملة لمحطات التحلية الساحلية ومرافق معالجة المياه
ـ تدهور جودة المياه في المناطق الساحلية المأهولة بالسكان
تأثيرات على البنية التحتية للمياه: قد تؤثر درجات الحرارة المرتفعة والظروف الجوية القاسية على:
ـ كفاءة وعمر محطات التحلية
ـ سلامة أنظمة نقل وتوزيع المياه
ـ أداء محطات معالجة المياه
تتفاعل هذه التأثيرات المناخية مع الضغوط الحالية على موارد المياه، مما يخلق تحديات متزايدة لإدارة المياه. كما لاحظت عائشة السريحي السعودية تواجه مستقبلًا مائيًا غير مؤكد بشكل متزايد في ظل تغير المناخ، مع آثار محتملة عميقة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي[4].
استراتيجيات التكيف والاستجابات السياسية
استجابة لهذه التحديات، تبنّت الحكومة السعودية عدة استراتيجيات وأطر سياسية لتعزيز أمن المياه. تشمل المبادرات الرئيسية:
ـ الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030: أطلقت في عام 2018 كجزء من رؤية 2030، تهدف هذه الاستراتيجية الشاملة إلى:
ـ تقليل استهلاك المياه بنسبة 43% بحلول عام 2030 مقارنة بخط الأساس لعام 2016
ـ زيادة استخدام المياه المعالجة من 17% إلى 70% من مياه الصرف الصحي المعالجة
ـ تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة بنسبة 25%
ـ تطوير مصادر مياه بديلة، بما في ذلك حصاد مياه الأمطار وإعادة تدوير المياه
زيادة رسوم المياه: نفذت السعودية خطة ضريبية راديكالية بزيادة رسوم المياه منذ عام 2016، مما أدى إلى:
ـ زيادة أسعار المياه للمستخدمين السكنيين والتجاريين والصناعيين
ـ تنفيذ هيكل ضريبي تصاعدي لتشجيع الحفاظ على المياه
ـ تقليل الدعم الحكومي تدريجيًا مع الحفاظ على شبكات أمان للأسر ذات الدخل المنخفض.
ـ تحديث البنية التحتية للمياه:
استثمرت السعودية في:
ـ تحديث شبكات توزيع المياه لتقليل التسربات والفاقد
ـ توسيع قدرة التحلية، مع التركيز على التقنيات الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة
ـ تطوير محطات معالجة مياه الصرف الصحي وشبكات إعادة الاستخدام
ـ تغييرخطط القطاع الزراعي: نظرًا لأن الزراعة هي أكبر مستهلك للمياه، اتخذت السعودية خطوات لـ:
ـ التخلص التدريجي من زراعة المحاصيل كثيفة استهلاك المياه، بما في ذلك القمح والأعلاف
ـ تشجيع تقنيات الري الفعالة، مثل الري بالتنقيط والري المحوري
ـ الاستثمار في الزراعة في الخارج لتأمين الأمن الغذائي مع تقليل استخدام المياه المحلية
تطوير الطاقة المتجددة للتحلية: تهدف المملكة العربية السعودية إلى:
ـ ربط قدرة التحلية الجديدة بمصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية
ـ تقليل البصمة الكربونية لإنتاج المياه
ـ تحرير موارد الهيدروكربونات للتصدير بدلاً من الاستهلاك المحلي
ـ تعزيز الحوكمة والمؤسسات: تم إجراء إصلاحات مؤسسية لتحسين إدارة المياه، بما في ذلك:
ـ إنشاء شركة المياه الوطنية كمشغل تجاري لخدمات المياه
ـ تعزيز دور وزارة البيئة والمياه والزراعة في تطوير السياسات والتنظيم
ـ مبادرات لتشجيع استخدام الأجهزة الموفرة للمياه في المنازل والشركات
بينما تمثل هذه المبادرات استجابة شاملة لتحديات أمن المياه، تظل هناك أسئلة حول فعاليتها وكفايتها. يشير تقرير وزارة البيئة والمياه والزراعة (2023) إلى تقدم في بعض المجالات، مثل انخفاض استهلاك المياه للفرد بنسبة 10% بين عامي 2016 و2022، وزيادة استخدام المياه المعاد تدويرها. ومع ذلك، لا يزال معدل استنفاد المياه الجوفية مرتفعًا، والاعتماد على التحلية آخذ في الازدياد، مما يثير مخاوف بشأن الاستدامة طويلة الأجل.
انتقال الطاقة والتنويع الاقتصادي
يشكل قطاع النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد السعودي منذ اكتشاف النفط في الثلاثينيات من القرن الماضي. تمتلك المملكة ثاني أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم (حوالي 267 مليار برميل) وتعد أكبر مصدر للنفط الخام عالميًا، حيث تنتج حوالي 10-11 مليون برميل يوميًا (بي بي، 2024). يمثل قطاع النفط والغاز حوالي 42% من الناتج المحلي الإجمالي، و70% من إيرادات التصدير، و65% من الإيرادات الحكومية، بحسب احصاءات البنك المركزي السعودي ساما لسنة 2024[5]. هذا الاعتماد الكبير على الهيدروكربونات يخلق تحديات جيوأمنية كبيرة في سياق التحول العالمي للطاقة.
تواجه السعودية ضغوطًا متزايدة من عدة اتجاهات:
ـ تحول الطاقة العالمي: يتسارع الانتقال العالمي نحو أنظمة طاقة منخفضة الكربون، مدفوعًا بـ:
التزامات سياسة المناخ، بما في ذلك اتفاقية باريس وأهداف صافي الانبعاثات الصفرية التي تبنتها العديد من الدول الكبرى.
ـ انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، مع انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية بنسبة 85% والرياح بنسبة 55% بين عامي 2010 و2023 (الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، 2024)
ـ التقدم التكنولوجي في تخزين الطاقة والشبكات الذكية والكفاءة
ـ تبني المركبات الكهربائية، مع توقعات بأن تمثل 35% من مبيعات السيارات الجديدة عالميًا بحلول عام 2030
ـ تقلب أسعار النفط: شهد العقد الماضي تقلبات كبيرة في أسعار النفط، من ذروة تجاوزت 100 دولار للبرميل إلى انخفاض إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل خلال جائحة كوفيد-19. هذا التقلب:
ـ يجعل التخطيط المالي والاقتصادي صعبًا
ـ يكشف عن الضعف الهيكلي للاقتصاد أحادي المورد
ـ يؤثر على الاستقرار الاجتماعي من خلال التأثير على الإنفاق الحكومي والتوظيف
ضغوط الاستثمار المتغيرة: يشهد قطاع النفط والغاز تحولًا في ديناميكيات الاستثمار:
ـ تزايد الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة يحد من تمويل مشاريع الوقود الأحفوري التقليدية
ـ تحول المستثمرين المؤسسيين نحو الأصول منخفضة الكربون.
ـ زيادة مخاطر “الأصول المعطلة” في البنية التحتية للنفط والغاز طويلة الأجل
التحديات الديموغرافية والتوظيفية:
ـ سكان شباب متزايدون، مع 60% من السكان تحت سن 30 عامًا
ـ معدل بطالة مرتفع نسبيًا (8.5% إجمالاً، 15.4% بين الشباب) (الهيئة العامة للإحصاء، 2024)، فيما تذكر تقارير أخرى عن نسب بطالة مرتفقعة تتجاوز 20%.
ـ قطاع نفط وغاز لا يوفر فرص عمل كافية للقوى العاملة المتنامية
تحديات العقد الاجتماعي: اعتمد العقد الاجتماعي في المملكة تاريخيًا على:
ـ توزيع عائدات النفط من خلال التوظيف في القطاع العام والإعانات والخدمات المجانية
ـ غياب الضرائب المباشرة على المواطنين
ـ توفير الطاقة والمياه والخدمات الأساسية الأخرى بأسعار مدعومة
في المقابل، يتطلب انتقال الطاقة إعادة تشكيل هذا العقد الاجتماعي، مما يخلق تحديات سياسية واجتماعية محتملة.
رؤية 2030 والتحول الاقتصادي
استجابة لهذه الضغوط، أطلقت السعودية رؤية 2030 في إبريل عام 2016، وهي خطة تحول طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. تتضمن الرؤية عدة أهداف رئيسية:
التنويع الاقتصادي:
ـ زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65%
ـ زيادة مساهمة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من الصادرات غير النفطية
ـ زيادة حصة المحلي في قطاع النفط والغاز من 40% إلى 75%
ـ تطوير قطاعات جديدة مثل السياحة والترفيه والتصنيع المتقدم والخدمات اللوجستية
الإصلاح المالي:
ـ زيادة الإيرادات غير النفطية من 163 مليار ريال سعودي إلى 1 تريليون ريال سعودي سنويًا
ـ تقليل الدعم وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي
ـ تنفيذ ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى لتنويع مصادر الإيرادات
تنمية رأس المال البشري:
خفض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%
زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 22% إلى 30%
ـ تحسين جودة التعليم والتدريب المهني
الاستثمارات الاستراتيجية:
ـ تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم بأصول تتجاوز 2 تريليون دولار
ـ الاستثمار في مشاريع ضخمة مثل نيوم (مدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار) والقدية (وجهة ترفيهية) والبحر الأحمر (منتجع سياحي فاخر)
ـ جذب الاستثمار الأجنبي المباشر
التحول الاجتماعي:
تخفيف القيود الاجتماعية، بما في ذلك السماح للمرأة بالقيادة وتخفيف قواعد الفصل بين الجنسين
ـ تطوير قطاع الترفيه والثقافة
ـ تعزيز الهوية السعودية والتراث الثقافي السعودي (بهويته النجدية)
بعد سبع سنوات من إطلاق رؤية 2030، هناك تقدم مختلط. وفقًا لبعض المراقبين والخبراء فإن السعودية حقّقت إنجازات واضحة ولكن المساءلة محدودة في تنفيذ الرؤية. تشمل النجاحات الرئيسية:
الإصلاح المالي: زادت الإيرادات غير النفطية من 166 مليار ريال سعودي في عام 2015 إلى 417 مليار ريال سعودي في عام 2023، مدفوعة بتنفيذ ضريبة القيمة المضافة وتقليل الدعم وزيادة الرسوم (تقارير وزارة المالية السعودية، 2024).
التحول الاجتماعي: شهدت السعودية تغييرات اجتماعية كبيرة، بما في ذلك السماح للمرأة بالقيادة، وتقليص سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطوير قطاع الترفيه.
ـ تنمية رأس المال البشري: زادت مشاركة المرأة في القوى العاملة من 17% في عام 2016 إلى 35% في عام 2023، ولكن هذه الاحصاءات الصادرة عن الحكومة تتلطب دائمًا تدقيقًا وحذرًا في قبولها من دون شروط.
ـ الاستثمارات الاستراتيجية: نما صندوق الاستثمارات العامة من 150 مليار دولار في عام 2015 إلى ما يقرب من تريليون دولار في عام 2025، مع استثمارات كبيرة محليًا ودوليًا (صندوق الاستثمارات العامة، 2024)[6].
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة:
ـ التنويع الاقتصادي المحدود: لا يزال النفط يمثل حوالي 42% من الناتج المحلي الإجمالي و65% من الإيرادات الحكومية، مع تقدم محدود في تطوير قطاعات غير نفطية قابلة للتصدير.
الاستثمار الخاص: على الرغم من الجهود لتحسين بيئة الأعمال، ظل الاستثمار الخاص متواضعًا، مع هيمنة الإنفاق الحكومي والاستثمار العام على النمو الاقتصادي.
خلق فرص العمل: لا يزال معدل البطالة مرتفعًا نسبيًا عند 8.5%، بحسب الاحصاءات الرسمية فيما الاحصاءات الأخرى تشير الى أن نسبة البطالة تتجاوز 20% مع استمرار الاعتماد على القطاع العام للتوظيف.
الاستدامة المالية: على الرغم من الإصلاحات، لا تزال الميزانية الحكومية تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، مع عجز مالي في معظم السنوات منذ عام 2014، وقد بلغ ذروته في عام 2025 حيث تتحدث المصادر الرسمي عن أكثر من 27 مليار دولار ، ولكن مصادر أخرى تفيد بأن الرقم أعلى من ذلك بكثير بسبب انخفاض سعر النفط المتواصل.
استراتيجية الطاقة المتجددة والشراكات الدولية
تمثل الطاقة المتجددة عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية السعودية للتكيف مع تحول الطاقة العالمي. في عام 2021، أعلنت السعودية عن هدف توليد 50% من كهربائها من مصادر متجددة بحلول عام 2030، مع التركيز بشكل خاص على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. تشمل المبادرات الرئيسية:
ـ البرنامج الوطني للطاقة المتجددة: يهدف إلى تركيب 58.7 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، مع مشاريع رئيسية تشمل:
ـ مشروع سكاكا للطاقة الشمسية الكهروضوئية (300 ميجاوات)
ـ مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح (400 ميجاوات)
ـ مشروع سدير للطاقة الشمسية (1.5 جيجاوات)
ـ مبادرة السعودية الخضراء: أطلقت في عام 2021، تهدف إلى: زراعة 10 مليارات شجرة
ـ تقليل انبعاثات الكربون بأكثر من 4% من المساهمة العالمية
ـ زيادة نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة الأراضي
الهيدروجين الأخضر: تستثمر السعودية بكثافة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، مع:
مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر بقيمة 5 مليارات دولار، بالشراكة مع إير برودكتس وأكوا باور بهدف أن تصبح أكبر مصدر للهيدروجين الأخضر في العالم.
التصنيع المحلي: تطوير سلسلة توريد محلية لمكونات الطاقة المتجددة، بما في ذلك:
ـ مصنع الألواح الشمسية المشترك مع شركة جينكو سولار الصينية (وكالة الأنباء السعودية، 2023)
ـ تطوير قدرات التصنيع المحلية لتوربينات الرياح والبطاريات.
وتعتمد استراتيجية الطاقة المتجددة للسعودية بشكل كبير على الشراكات الدولية، مع تحول ملحوظ نحو التعاون مع الصين. وتمثل مبادرات الطاقة المتجددة تحولًا استراتيجيًا في العلاقات الجيوسياسية، مع تعميق الروابط مع الصين كمستثمر وشريك تكنولوجي رئيسي. وتشمل الشراكات الرئيسية مع الصين:
ـ اتفاقيات الطاقة: وقعت أرامكو السعودية وسابك اتفاقيات بقيمة 65 مليار دولار مع شركات صينية في عام 2023، تغطي النفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة المتجددة.
ـ التصنيع المشترك: شراكات مع شركات صينية رائدة في مجال الطاقة الشمسية مثل جينكو سولار ولونجي وجا سولار لإنشاء منشآت تصنيع في السعودية.
ـ التمويل: استثمارات من بنوك التنمية الصينية وصناديق الثروة السيادية في مشاريع الطاقة المتجددة السعودية.
ـ التعاون التكنولوجي: مبادرات مشتركة في تخزين الطاقة وتقنيات الشبكة الذكية والهيدروجين الأخضر.
تعكس هذه الشراكات المتنامية مع الصين تحولًا أوسع في العلاقات الجيوسياسية البينية، مع آثار محتملة على علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين. وتمثل السعودية في عصر تغير المناخ تحولًا في التوازن الجيوسياسي، حيث تسعى إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية بعيدًا عن الاعتماد التاريخي على الولايات المتحدة”.
ـ ديناميكيات الأمن الإقليمي: التنافس والتعاون في منطقة متغيرة
العلاقات السعودية الإيرانية والتنافس الإقليمي
تمثل العلاقة المعقدة بين السعودية وإيران محورًا رئيسيًا للديناميكيات الأمنية الإقليمية في منطقة غرب آسيا. منذ الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، اتسمت العلاقات بين القوتين الإقليميتين بالتنافس الجيوسياسي والاختلافات الأيديولوجية والصراع بالوكالة. وقد تجاوزت المنافسة السعودية الإيرانية البعد الطائفي لتصبح صراعًا جيوسياسيًا على النفوذ الإقليمي، يتجلى في صراعات بالوكالة عبر المنطقة.
تشمل الأبعاد الرئيسية لهذه المنافسة:
ـ التنافس الأيديولوجي: تقدّم السعودية نفسها كقائدة للعالم الإسلامي السني، بينما تمثل ايران الدولة القائدة لمحور المقاومة وراعيته. هذا التنافس الأيديولوجي له أبعاد دينية وسياسية، حيث تتنافس كل دولة على النفوذ في المجتمعات الإسلامية.
الصراعات بالوكالة: انخرطت السعودية وإيران في صراعات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك:
اليمن: دعمت السعودية حكومة عبد ربه منصور هادي المنتهية، بينما قدّمت إيران الدعم للثورة الشعبية بقيادة السيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة أنصار الله.
سوريا: دعمت السعودية مجموعات المعارضة، بينما دعمت إيران نظام الأسد حتى سقوطه في 8 ديسمبر 2024.
العراق: تنافست كلتا الدولتين على النفوذ في السياسة العراقية بعد عام 2003، ودفعت بجماعات لتخريب العملية السياسية.
لبنان: دعمت السعودية القوى السنية (تيار المستقبل قبل الانقلاب عليها في عم 2017) والمسيحية (القوات والكتائب)، بينما دعمت إيران المقاومة في لبنان وعلى رأسها حزب الله.
المنافسة النووية: أثار برنامج إيران النووي مخاوف أمنية مفتعلة لدى السعودية بتحريض من الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة، مع تصريحات من مسؤولين سعوديين بأن المملكة ستسعى للحصول على أسلحة نووية إذا طورت إيران قدرات نووية عسكرية.
أمن الخليج: تنظر السعودية إلى الوجود البحري الإيراني في الخليج كتهديد لأمن الملاحة وصادرات النفط، خاصة بعد الهجمات على ناقلات النفط والبنية التحتية النفطية في عامي 2019-2020، فيما تتمسك إيران بأن الأمن الاقليمي يقوم على تعاون دول المنطقة وإن مصدر التوتر هو خارجي بامتياز، وتحديدًا هو حضور الولايات المتحدة ببوارجها في المنطقة.
المنافسة الاقتصادية: بصفتهما منتجين رئيسيين للنفط، تتنافس السعودية وإيران على حصص السوق وتأثير السياسات داخل أوبك، مع آثار على أسعار النفط العالمية والإيرادات الوطنية.
شهدت السنوات الأخيرة تطورات مهمة في العلاقات السعودية الإيرانية. في مارس 2023، أعلنت السعودية وإيران استعادة العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية، منهية سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية. يمثل هذا التطور تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الأمن الإقليمي، مع آثار محتملة على الصراعات بالوكالة والاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، كما تشير دراسة للباحثة فاطمة الصمدي بعنوان ” توقعات كبيرة: مستقبل التقارب الإيراني السعودي”: أن نجاح العلاقة السعودية الإيرانية يحتاج إلى أكثر من مجرّد نوايا حسنة. ولا تزال طبيعة العلاقة التنافسية والصراعية بين البلدين تلقي بظلالها”[7].
ـ الثقة المحدودة: عقود من العداء والصراع بالوكالة خلقت مستويات عالية من عدم الثقة بين النظامين.
ـ استمرار الخلافات الإقليمية: لا تزال هناك خلافات كبيرة حول اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
ـ البرنامج النووي الإيراني: لا يزال تطوير إيران لقدراتها النووية مصدر قلق رئيسي سعودي على الرغم من مساعي ايران لطمأنة السعودية وجيرانها حيال برنامجها النووي السلمي.
دور الصين: يثير الدور المتزايد للصين كوسيط في الشؤون الإقليمية أسئلة حول تأثيره على العلاقات السعودية الأمريكية التقليدية.
على الرغم من هذه التحديات، يمكن أن يوفر التقارب السعودي الإيراني فرصًا لتخفيف التوترات الإقليمية وتقليل مخاطر الصراع المباشر. وحتى التطبيع المحدود بين طهران والرياض فإنه يمكن أن يساهم في تهدئة الصراعات وخلق مساحة للحوار حول القضايا الإقليمية.
الصراع اليمني والأمن الحدودي
تمثل الحرب السعودية على اليمن أحد أكثر التحديات الأمنية إلحاحًا للسعودية. في مارس 2015، قادت السعودية تحالفًا عسكريًا للتدخل في اليمن دعمًا لحكومة عبد ربه منصور هادي المنتهيجة صلاحيتها ضد أنصار الله، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة من البلاد. بعد ثماني سنوات من الحرب الفاشلة على اليمن، تواجه السعودية معضلة استراتيجية معقدة، مع آثار كبيرة على أمنها الوطني.
تشمل الأبعاد الرئيسية للتحدي اليمني:
التهديدات الحدودية المباشرة: فقد أظهرت القوات السعودية البرية ضعفًا كبيرًا أمام قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في هجماتها المتكررة عبر الحدود. كما ظهر الضعف في مجالات أخرى بما في ذلك:
ـ هجمات صاروخية على المدن والبنية التحتية السعودية، بما في ذلك الرياض وجدة
ـ هجمات بطائرات من دون طيار على منشآت النفط، بما في ذلك الهجوم على منشآت أرامكو في بقيق وخريص في سبتمبر 2019.
ـ غارات عبر الحدود على المناطق الحدودية الجنوبية
التكاليف الاقتصادية والسياسية
أدى التدخل في اليمن إلى:
ـ نفقات عسكرية كبيرة، تقدر بمليارات الدولارات سنويًا
ـ انتقادات دولية بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”[8].
ـ ضغوط سياسية داخلية مع استمرار الصراع دون حل واضح
ـ الدعم الإيراني لحركة أنصار الله: تتهم السعودية إيران بتقديم دعم عسكري وتقني كبير للحركة، بما في ذلك:
ـ تزويدهم بالصواريخ الباليستية وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار
ـ تقديم التدريب والمشورة العسكرية
ـ الدعم المالي واللوجستي
المخاوف الإنسانية والأمنية
أدى العدوان السعودي الاماراتي على اليمن إلى:
ـ أزمة إنسانية حادة، مع ملايين اليمنيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي
ـ تدمير البنى التحتية وتعطيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بفعل الحصار المضروب على اليمن برًا وبحرًا وجوًا.
في السنوات الأخيرة، سعت السعودية إلى تقليل تورطها في اليمن. في أبريل 2022، تم التوصل إلى هدنة برعاية الأمم المتحدة، تلتها محادثات سلام مباشرة بين السعودية وحركة أنصار الله في عام 2023. وبعد عقد من التدخل العسكري السعودي في اليمن سعت السعودية وبشكل متزايد إلى استراتيجية خروج تحفظ ماء الوجه مع حماية مصالحها الأمنية الأساسية.
ومع ذلك، لا يزال الوضع متقلبًا، مع نجاح حركة أنصار الله في تطويرها قدراتها العسكرية الصاروخية والجوية، وقامت بدور فعال في جبهة اسناد غزة في صمودها أمام العدوان الوحشي الصهويني، حيث قامت الحركة منذ أواخر 2023 بفرض حظر بحري في البحرين العربي والأحمر على السفن المتوجهة الى الكيان المحتل،في أواخر عام 2023 من أجل الضغط على الكيان الاسرائيلي والقوى الداعمة له لوقف الحرب.. هذا التصعيد يسلط الضوء على الترابط بين الصراعات الإقليمية والتحديات المستمرة التي تواجه السعودية في تأمين حدودها الجنوبية.
ديناميكيات الخليج المتطورة
شهدت منطقة الخليج تحولات كبيرة في الديناميكيات الأمنية في السنوات الأخيرة، مع آثار مهمة على السعودية. تشمل التطورات الرئيسية:
أزمة قطر والمصالحة: في يونيو 2017، قطعت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر، متهمة الدوحة بدعم الإرهاب والتقارب مع إيران. فرضت هذه الدول حصارًا اقتصاديًا وسياسيًا استمر ثلاث سنوات ونصف. في يناير 2021، تم حل الأزمة في قمة العلا، مع استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. كما يلاحظ أولريشسن “قطر وأزمة الخليج: دراسة في المرونة”، أظهرت الأزمة “هشاشة التعاون الخليجي وقدرة قطر على التكيف مع الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية”[9]. أدت المصالحة إلى تحسين العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي، لكنها لم تعالج بالكامل الخلافات الأساسية حول السياسة الخارجية والعلاقات مع إيران والإخوان المسلمين.
اتفاقيات أبراهام والتطبيع الإسرائيلي: في عام 2020، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، تلتهما المغرب والسودان. على الرغم من أن السعودية لم تطبع العلاقات رسميًا، فقد سمحت بالرحلات الجوية الإسرائيلية في مجالها الجوي وأشارت إلى انفتاح محتمل على العلاقات في المستقبل، مشروطًا بتقدم في عملية السلام الفلسطينية. وكادت ان تبلغ الاتصالات بين الطرفين خواتيمها التطبيعية في عام 2023 لولا مباغتة طوفان الاقصى في 7 أكتوبر 2023 الذي أوقف مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب برعاية أميركية.
على أية حال، يمثل التحول في العلاقات الإسرائيلية العربية إعادة تشكيل كبيرة للتحالفات الإقليمية، مدفوعة جزئيًا بالمخاوف المشتركة من إيران. بالنسبة إلى السعودية، يخلق هذا فرصًا للتعاون الأمني والاقتصادي المحتمل مع الكيان الاسرائيلي، ولكنه يثير أيضًا تحديات حساسة تتعلق بدورها كحارس للأماكن المقدسة الإسلامية وموقفها التقليدي من القضية الفلسطينية.
تنويع العلاقات الأمنية: سعت دول الخليج، بما في ذلك السعودية، بشكل متزايد إلى تنويع علاقاتها الأمنية خارج الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة. تشمل هذه الجهود:
ـ تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا والصين
ـ تطوير القدرات العسكرية المحلية
ـ إنشاء تحالفات إقليمية جديدة
يعكس هذا التنويع المخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة طويل الأجل بأمن الخليج، خاصة في ضوء “التحول نحو آسيا” الأمريكي والتركيز المتزايد على المنافسة مع الصين.
التعاون الخليجي المتجدد: بعد فترة من التوترات، تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي تحسنًا، مع جهود لتعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون الأمني.
بالنسبة إلى المملكة السعودية، يوفر هذا التعاون المتجدّد فرصًا لتعزيز الأمن الإقليمي وتقاسم الأعباء، على الرغم من استمرار الاختلافات في المصالح والأولويات بين دول الخليج.
تأثير المنافسة بين القوى العظمى
تتأثر البيئة الأمنية للسعودية بشكل متزايد بالمنافسة العالمية بين القوى العظمى، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. هذه المنافسة تخلق تحديات وفرصًا للسعودية، مع آثار مهمة على علاقاتها الاستراتيجية وخياراتها الأمنية.
تطور العلاقات السعودية الأمريكية: شهدت العلاقة الأمنية التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة، التي يعود تاريخها إلى اجتماع الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز في عام 1945، توترات متزايدة في السنوات الأخيرة. تشمل نقاط الخلاف:
ـ الانتقادات الأمريكية لسجل حقوق الإنسان في السعودية، خاصة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018
ـ الخلافات حول سياسة النفط وقرارات أوبك+
ـ المخاوف السعودية بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج، خاصة بعد الاستجابة المحدودة للهجمات على منشآت النفط السعودية في عام 2019
ـ التوترات حول الاتفاق النووي الإيراني : شعرت السعودية بعد اختبارات عدة حدود التدخل الأميركي لدعم الأمن السعودي، وقد قامت منذ هجوم بقيق 2019 بإعادة تقييم علاقاتها استراتيجية مع الولايات المتحدة مع تحول نحو سياسة خارجية أكثر استقلالية بينما تعيد الولايات المتحدة تقييم التزاماتها في منطقة غرب آسيا.
العلاقات المتنامية مع الصين: عززت السعودية بشكل كبير علاقاتها مع الصين، التي أصبحت أكبر شريك تجاري وأكبر مشتر للنفط السعودي. تشمل أبعاد هذه العلاقة المتطورة:
ـ التعاون الاقتصادي: استثمارات صينية كبيرة في البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا السعودية
ـ التعاون الأمني: مبيعات أسلحة متزايدة وتدريبات عسكرية مشتركة
ـ التعاون التكنولوجي: شراكات في التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك جي 5 والذكاء الاصطناعي والفضاء
ـ التعاون الدبلوماسي: دور الصين في الوساطة في التقارب السعودي الإيراني
يعكس هذا التقارب مع الصين استراتيجية سعودية أوسع لتنويع العلاقات الدولية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. ومع ذلك، كما تشير دراسة أمريتا جاش بعنوان (الاتفاق السعودي الإيراني: اختبار لدور الصين كوسيط دولي) أن السعودية لا تسعى إلى استبدال الولايات المتحدة بالصين كضامن أمني رئيسي، بل إلى تطوير علاقات متوازنة مع القوى العالمية الرئيسية[10]. وقد أظهرت الاتفاقيات التي وقعها ولي العهد السعودي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو 2025 إلى أن خيار السعودية الأمني يبقى أميركيًا.
العلاقات مع روسيا: عززت السعودية أيضًا علاقاتها مع روسيا، خاصة في مجال تنسيق سياسة النفط من خلال إطار أوبك+. وقبل أن تعيد السعودية مراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة قبل وصول ترمب الى البيت الأبيض في 20 يناير 2025 كانت العلاقات السعودية الروسية تشمل جوانب منها:
ـ التعاون في أسواق الطاقة لاستقرار أسعار النفط
ـ الحوار السياسي حول القضايا الإقليمية، بما في ذلك سوريا وليبيا
ـ استكشاف فرص التعاون العسكري والتكنولوجي
[1] Samantha Kuzma, Liz Saccoccia and Marlena Chertock, 25 Countries, Housing One-Quarter of the Population, Face Extremely High Water Stress, World Resources Institute, August 16, 2023; https://www.wri.org/insights/highest-water-stressed-countries
[2] الكتاب الإحصائي 1444/1445هـ الموافق 2023، وزارة البيئة والمياه والزراعة، ص ص 59 وما بعدها الرابط:
[3] أنظر: تقرير: مخرجات النمذجة المناخية الإقليمية في المملكة العربية السعودية: النتائج الرئيسية، الأسكوا، أبريل 2023، الرابط: https://shorturl.at/biTeW
[4] Aisha Al-Sarihi, Climate Change and Economic Diversification in Saudi Arabia: Integrity, Challenges, and Opportunities, The Arab Gulf States Institute In Washington, March 20, 2019; https://shorturl.at/pTboa
[5] https://www.sama.gov.sa/ar-sa/economicreports/pages/report.aspx
[6] https://www.pif.gov.sa/ar/
[7] فاطمة الصمادي، مسار العلاقات الإيرانية السعودية: الفرص والتحدّيات، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، أبريل 2024، الرابط: https://shorturl.at/lrALb
[8] الأزمة في اليمن، يونيسيف لكل طفل، الرابط: https://shorturl.at/gmMDJ
[9] Kristian Coates Ulrichsen, Qatar and the Gulf Crisis, Oxford University Press, 17 September 2020
[10] Amrita Jash, Saudi-Iran Deal: A Test Case of China’s Role as an International Mediator, Georgetown Journal of International Affairs, June 23, 2023; https://gjia.georgetown.edu/2023/06/23/saudi-iran-deal-a-test-case-of-chinas-role-as-an-international-mediator/