مصادر التهديد السعودية للمحور
عاشت المنطقة في السنوات الست الماضية على وقع طبول الحرب وقرقعة السلاح. وتولدت عن ذلك ازمات انسانية واقتصادية، واضطراب في العلاقات السياسية بين دول المنطقة وشعوبها. حروب لم تتوقف وتعددت اشكالها واهدافها ومدياتها الزمنية. من الحرب على سوريا والعراق الى الحرب على لبنان واليمن والشعب الفلسطيني وقطر، والتي تقاطعت مع ازمات الربيع العربي وتمايزت عنها.
بعض هذه الحروب اخذ شكل الحصار والضغط المالي والاقتصادي، بوسائل الحرب الناعمة، وبعضها ظهر بشكل ارهاب مسلح وفتن مذهبية وقومية ووطنية، وهي اخر نسخ الحروب الاميركية الصهيونية على الشعوب، وبعضها كان بالنار والصواريخ والطائرات ومعارك الجيوش الميدانية، في ما يعرف بالحروب التقليدية.
واذا تساءلت عن القاسم المشترك بين كل هذه الحروب والازمات، لأمكنك القول انه النظام السعودي، الطرف الاخر الدائم في اي معادلة سلبية او عدوانية او مواجهة عسكرية.
لذا فليس من المبالغة الحديث عن حروب آل سلمان في العقد الاخير، والتي لم تضع كلها اوزارها بعد.. نعم، النظام السعودي تحول في السنوات الماضية الى اكبر ممول ومشارك ومفجر لحروب المنطقة الاخيرة، على خلاف الصورة التي حاول ملوك السعودية السابقون ان يرسموها لانفسهم ولمملكتهم في العقود المنصرمة.. وبما يجعل النظام السعودي منافسًا رئيسيًا للكيان الصهيوني كسبب للتوتر والحروب وعدم الاستقرار في المنطقة.
وقبل الاطلالة على حيثيات كل واحدة من هذه الحروب على حدة، لا بد من السؤال عن الاسباب والدوافع، التي تحرّك شهيّة هذه العائلة الحاكمة لخوض غمار الحروب، وعن الاهداف التي تسعى الى تحقيقها، والاستراتيجية العامة التي تتبناها لعلاقاتها الاقليمية.. وبالتالي ما هي النتائج التي انجزتها حتى الآن، وما الذي تنتظره المنطقة في مستقبلها القريب والبعيد من هذه القوة الاقليمية الاقتصادية الكبيرة..
في أبرز ما نشرته الصحافة السعودية، مقال تساءل فيه احد كتاب صحيفة (الشرق الاوسط)، ان كانت اميركا تسعى لأن يبغضها العرب.. ومما قاله: ان الملف النووي الإيراني قضية كبرى بالنسبة لدول المنطقة ولدول العالم، وان المفاوضات في فيينا غير مبشّرة!! لعدة أسبابٍ منطقية (برأيه)، أولاً، فريق التفاوض الأميركي يشهد استقالاتٍ بسبب «اندفاع» غير محسوبٍ لإرضاء الجانب الإيراني. وثانياً، استبعاد دول الخليج العربية والدول العربية قاطبة من المشاركة في تلك المفاوضات، ليس مؤشراً بحالٍ على أي نوعٍ من التوازن السياسي. وثالثاً، ليس «السلاح النووي» فقط هو ما يقلق دول الخليج والدول العربية، بل استراتيجية التوسع وبسط النفوذ الإيرانية عبر «الجماعات» و«التنظيمات» الإرهابية و«الميليشيات»، مع التدخل السافر في سياسات عددٍ من الدول العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ويضيف الكاتب موضحّا نيّاته الكامنة: ان رفع العقوبات عن النظام الإيراني سيجعله يعيد النشاط والتوسع في تلك الاستراتيجية المضرة بدول المنطقة والعالم، ومجرد التفاوض على رفع «الحرس الثوري» الإيراني من قوائم الإرهاب دليلٌ مخيفٌ على موافقة معلنة على سياساتٍ ستنشر «استقرار الفوضى» و«الإرهاب» بشكل غير مسبوقٍ فيما لو حصل، رغم معارضة قوية داخل «الكونغرس» الأميركي نفسه.
وهذا المقال، وهو ليس الوحيد على اية حال، يلخص محورية التفكير السياسي للنظام السعودي، وللنخبة النجدية المتحلقة حوله، والاسس التي يبني عليها النظام توجهاته تجاه قضايا المنطقة، والعلاقات بين شعوبها ودولها وقواها السياسية. والاشارة الى هذا المقال لا تعني اهمية خاصة له، ولكاتبه، بل هي مجرد استشهاد بنموذج تجده في عشرات بل مئات المقالات، التي تزخر بها الصحافة السعودية، وعلى لسان المتخصصين بالشأن السياسي الخارجي او غير المتخصصين، من الهواة الذي يسودون الصفحات عندما لا يجدون ما يكتبون فيه، لان قاعدة الهجوم على ايران وما يسمونه امتداداتها في المنطقة، لازمة دائمة في الاعلام السعودي.
وهذا الاعلام يقوم بوظيفتين اساسيتين في هذه المرحلة: توجيه الرسائل السياسية لمن يعنيهم الامر، والضخ التعبوي لفرض سياسات معينة على الرأي العام السعودي اولا، وفي عموم المنطقة التي يستطيع ان يؤثر فيها ثانيا.
سياسة التوتير وابقاء ابواب الصراع مشرعة على افق المواجهة السياسية والعسكرية، لا تقتصر على الجانب الاعلامي، بل اندفعت السعودية منذ تسلم الملك سلمان السلطة، وتمكن ولي العهد محمد بن سلمان من احكام قبضته على مفاصلها، الامنية والعسكرية والاقتصادية، وامساكه بمفاصل اتخاذ القرار، اندفعت نحو مغامرات عسكرية سبق ان انكفأت عنها طيلة العقود الخمسة الماضية، بعد انتهاء الحرب مع مصر الناصرية على الاراضي اليمنية.
واذا عدنا الى المقال المذكور اعلاه فاننا نجد العناصر الاساسية التالية فيه والتي تشكل خلفية الاستراتيجية السياسية السعودية:
1- اعتبار السعودية نفسها جزءًا من الجهد الاميركي لتطويع المنطقة، واخضاعها للهيمنة الاميركية، وبالتالي فان المصالح السعودية هي دائما في الحضن الاميركي، وعلاقة التبعية الذيلية معه. والنقد السعودي للسياسات الاميركية في بعض المراحل لا يتعدى كونه نوعا من العتب على زعيم المحور، الذي يتلاعب بمشاعر ادواته. وهذا العتب يبلغ حد الغضب احيانا لاسباب اخرى، تتعلق بالعلاقات البينية بين الراعي الرسمي للنظام وتركيبته، التي افترقت قليلا عن رؤية ومخططات المؤسسات الاميركية. لكن الامر لا ينتظر ان يتجاوز هذا الحد من التجاذب حتى الان، حيث تسيطر على النخبة السعودية مشاعر مضطربة، يهدئ من روعها املان يراودنها: 1- اما ان تنجح الضغوط السعودية، ومعها الضغوط الاسرائيلية، في عرقلة ما يسميه السعوديون الاندفاعة الاميركية لتوقيع الاتفاق النووي، 2- او ان يستعيد الجمهوريون، وجناحهم اليميني المحافظ، البيت الابيض، فتعود اميركا الى نهجها السابق في مرحلة دونالد ترامب، التي تزامنت مع وصول محمد بن سلمان الى السلطة، وصياغة استراتيجيته العدوانية الاستبدادية.
2- البرنامج النووي الايراني هو قضية كبرى بالنسبة للسعودية. وكما ان السعودية تختصر العرب بنفسها، فانها تختصر العالم بالولايات المتحدة. فهي ترى ان اميركا تغضب العرب بتراجعها امام ايران، وهذا كلام غير صحيح الا اذا كان العرب هم السعودية، ومن تستطيع التأثير عليه منهم.. وكذلك في ما يخص العالم الذي يدفع بكل ثقله، حتى الدول الغربية والاوروبية، لانجاز الاتفاق وعودة الولايات المتحدة الى التزاماتها فيه، لان السواد الاعظم من دول العالم يرى مصلحة له في ذلك، ولا يشعر بأي مخاوف من امتلاك ايران القدرات النووية غير العسكرية.
الموقف السعودي الذي لا يمثل اجماعا حتى في دول مجلس التعاون الخليجي، يتماهى عمليا وفقط، مع الموقفين الاسرائيلي والاميركي الذي يمثله المحافظون الجدد المتصهينون غالبا..
3- السعودية اسوة بالكيان الصهيوني تستحضر دائما لتبرير عدوانيتها، عداءها لقوى المقاومة العربية التي نشأت في ظروف مختلفة، وشكلت رافعة جديدة للقضية الفلسطينية، وأحبطت الشق الصهيوني في الازمات التي تعرضت لها دول المنطقة، وادت الى سقوط انظمة وحروب اهلية وصراعات، يمكن تلخيص جانب من نتائجها، بأنها ارست معادلات قوة تتعارض مع الاستراتيجية الاسرائيلية في تدمير الدول العربية، وخلق فراغ امني وعسكري لمصلحة التفوق والنفوذ الصهيوني.
فالعراق مثلا، وبصرف النظر عن صراعاته الداخلية وطبيعة نظامه الدكتاتوري السابق، وسياساته الغبية المرتهنة للاستراتيجية الاميركية، يبقى جيشه مصدر تهديد للكيان الصهيوني. لذا فان اول خطوة قام بها المندوب السامي الاميركي بول بريمر، لدى تسلمه سلطة احتلال العراق، كانت حل الجيش العراقي، واعادة بناء جيش تحت اشراف واشنطن وبحسب مقاييسها!! وهو الجيش الذي لم يصمد امام اول هجوم ارهابي من مجاميع داعش، وتاليًا تهديد وجود الكيان العراقي ووحدته..
لكن الشعب العراقي ومرجعياته الدينية والسياسية، بادرت الى معالجة هذا الخلل بشكل سريع، وتم انشاء الحشد الشعبي، الذي تحول الى قوة حقيقية كبيرة، استعادت مكانة العراق في المعادلة الاقليمية، بل عززت موقعه في الصراع مع الصهيونية وكيانها المؤقت.
وكل قوى محور المقاومة باتت على هذه الصورة. نشأت في ظرف وطني ملح، الا انها بنت قوة عسكرية حقيقية، واصطفت في مواجهة الكيان الصهيوني على مستوى الصراع الاقليمي، دون ان تكون لها اي استراتيجية اخرى. فهي قوى تصدت لأزماتها الوطنية بنجاح، وعزّزت قدرات بلدانها للحفاظ على موقفها القومي، بحسب قرارات وميثاق الجامعة العربية، والثقافة العربية التي ارستها سبعة عقود من المواجهة مع المشروع الصهيوني.
لكن ذلك احبط الاوهام الصهيونية بفرض الاستسلام والتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها من صراع وطني وتحرري من الاستعمار الى قضية انسانية لتشغيل اللاجئين واعادة توطينهم.
ولكن لماذا يشعر النظام السعودي بالخطر ذاته، والقلق ذاته، والاحباط اياه، التي يشعر بها كيان الاحتلال، جراء تعاظم دور وفعالية قوى المقاومة التي يسميها الميليشيات، وينعتها بالارهابية ايضا، في استعارة من القاموس الصهيوني؟
الاجابة عن هذا السؤال معقدة ومركبة، ولكننا اذا عدنا للادبيات السعودية فإن السبب المباشر هو الدعم الايراني لهذه “المقاومات”، وهذا الدعم الذي لا ينكره اصحابه جاء ايضا لاسباب مختلفة وفي ظروف مختلفة.. ويتجاهل السعوديون عن قصد ان الدعم الايراني لهذه القوى في مهمتها الوطنية العظمى، جاء في مرحلة غياب جميع مراكز القوة العربية التقليدية. مصر وكامب ديفيد، العراق ومضاعفات احتلال الكويت، سوريا والحروب الدائمة عليها انتهاء بالحرب العالمية الاخيرة، الجزائر وعشريتها السوداء.. مما خلق حالة خطيرة من فراغ القوة في المنطقة وانعدام الحضور العسكري للعرب، لو لم تملأه ايران بدعم قوى المقاومة، لخلت الساحة لجيش الاحتلال، وتمكنت ربما الدولة الصهيونية من ان تحقق هدفها بانشاء اسرائيل الكبرى.
لكن القيادة السعودية التي ربطت نفسها منذ عقود طويلة بالقاطرة الاميركية، سياسة وثقافة واقتصادا، وتبنت قوى الرجعية في عموم المنطقة، وجدت نفسها في صف الكيان الصهيوني، في مواجهة ايران ومحور المقاومة.
وليس صحيحا ان سياسات النظام السعودي المعادية لحركات التحرر والمقاومة في المنطقة، كانت ردة فعل على احداث معينة، بل هي نتيجة سياسة راسخة تبناها ال سعود، منذ مدة طويلة، الا انها تفاقمت في المرحلة الاخيرة بسبب بلوغ الصراع مراحل حاسمة، عرت الازدواجية السعودية، وكشفت جوهرها! كما ساهمت في ذلك طبيعة وظروف صعود الامير محمد بن سلمان الى السلطة.
- فالسعودية كانت على اطلاع على السياسات الاميركية تجاه لبنان وسوريا، منذ اقرار الكونغرس الاميركي قانون تحرير لبنان وسوريا، وبدء العمل لاخراج الجيش السوري من لبنان، تمهيدا لاعادته للوصاية الاميركية، والانتقام لهروب المارينز من لبنان بعد تفجيرات 1983.. التحرش السعودي الاميركي اتى بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد، وما تبع ذلك من تحركات ميدانية لحلفاء السعودية لمحاصرة المقاومة وتجريدها من السلاح بذريعة انجاز تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة.
وفي العام 2006 وفي الساعات الاولى للعدوان الاسرائيلي على لبنان، وبدء الحرب التدميرية غير المسبوقة في التاريخ، خرجت الخارجية السعودية بتصريح غريب وغير متوقع، حملت فيه المقاومة الاسلامية مسؤولية الحرب، واتهمتها بالمغامرة. ومن ثم تبنت السعودية ودعمت سياسة حكومة فؤاد السنيورة لاستكمال اهداف العدوان الاسرائيلي الفاشل، والعمل لنزع سلاح المقاومة حتى بعد انتصارها في حرب تموز.
وكما كانت السعودية من بين الدول التي دعت اسرائيل لمواصلة الحرب على لبنان، فإنها واصلت بنفسها هذه الحرب بأساليب اخرى، وبدأت منذ ذلك التاريخ حربا اعلامية شعواء لا تتوقف، لتشويه صورة المقاومة وتحريض الداخل اللبناني والمحيط العربي عليها، ومحاصرتها بالاحلاف الطائفية والتهديد بالفتنة المذهبية.
ان ما شهدناه في السنوات الاخيرة من تصنيف المقاومة على قائمة الارهاب السعودية، واجبار بعض الدول الخليجية على تبني ذلك، وتهديد الجالية اللبنانية في الخليج بالطرد والاستيلاء على مدخراتها، ودعم المجموعات الارهابية التي نشطت على الاراضي اللبنانية ابان الحرب السورية، وهي تجاهر باستهداف المقاومة وحواضنها الشعبية، وصولا الى محاصرة لبنان واعتقال رئيس وزرائه السابق سعد الحريري، لتفجير الحرب الاهلية، وانتهاء بافتعال ازمة على خلفية تصريحات وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي قبل ان يكون وزيرا.. والدعوة العلنية الى اخراج حزب الله من اي حكومة لبنانية، واسقاط لوائحه وتحالفاته في المجلس النيابي… كل ذلك خطوات سعودية مدروسة في مواجهة المقاومة التي تعتبرها ذراعا ايرانية، بل باتت السعودية وحلفاؤها يخوضون المواجهة تحت شعار تحرير لبنان من الاحتلال الايراني.
- الا ان ذروة الهياج والجريمة التي بلغتها سياسات الاحقاد السعودية تمثلت في عدوانها الصارخ والوحشي على اليمن، شعبه ومقاومته ومقومات دولته الموحدة، ومستقبله..
هذه الحرب التي ارادها محمد بن سلمان الرد على ما يسميه التهديدات الايرانية، ورافعة للدور السعودي الاقليمي، الذي ارادته الاستراتيجية الاميركية في عهد ترامب، بديلا للقوة العربية، والقادر على انجاز التسوية كما خططت لها الصهيونية العالمية.
لقد اختار محمد بن سلمان اليمن الذي يسميه حديقته الخلفية، ساحة لبطولاته لاسباب عدة. من بينها:
– العلاقات التاريخية والوصاية التي كان يفرضها على اغلب القوى السياسية في هذا البلد منذ خمسين عاما.
– تحكمه في اقتصاد اليمن ومعيشة ملايين اليمنيين العاملين في السعودية.
– الاهتمام الصهيوني الخاص بالممرات المائية وبالبحر الاحمر، وهو ما سيؤمن الدعم للعدوان السعودي على الصعيد اللوجستي (وهذا ما حصل فعلا) وعلى صعيد ضمان تأييد اللوبي الصهيوني الاميركي لهذه الحرب والتغطية على جرائمها (وهذا ما حصل ايضا).
– المصلحة الاميركية المباشرة في ضمان السيطرة على موارد اليمن النفطية والمعدنية والبشرية، وموقعه الاستراتيجي للربط بين البحار وبوابة العبور الى افريقيا والعمق الاسيوي.
– واخيرا استسهال الانتصار في هذه الحرب، نسبة الى الخلل الهائل في ميزان القوى بين الجيش اليمني والترسانة العسكرية السعودية الضخمة، اضافة الى القدرات السعودية التسلحيية والمالية والاقتصادية.
هنا ايضا كما في لبنان خاض النظام السعودي الحرب تحت شعار ضرب النفوذ الايراني، وكسر محور المقاومة الذي تشكل من القوس الشيعي كما اطلقت عليه الدوائر الصهيونية، لوضعه في حلقة الصراع المذهبي الاقليمي.
- وليس خافيا ان اليد السعودية كانت خلف اول رصاصة اطلقت في الازمة السورية، واول شعار مذهبي تكفيري رفعه بعض المندسين في مظاهرات درعا.. كما كانت السعودية الداعم الاكبر لمختلف العصابات المسلحة التي نشطت على الاراضي السورية، وكان لها فصيلها الخاص بقيادة زهران علوش وبمسمى جيش الاسلام حول دمشق، ومساهمتها في كل مراحل العدوان على سوريا، وتحويل مساجدها الى منابر للدعوة للقتال وتجنيد الارهابيين وشحنهم الى سوريا، وهي لا تزال الى اليوم تحاصر الشعب السوري، وتمنع انتقال سوريا الى مرحلة التعافي واستعادة دورتها الاقتصادية الطبيعية… كل ذلك يجري وسط محاولات حثيثة تتحدث عنها الصحافة السعودية جهارا نهارا لفك ارتباط سوريا بالجمهورية الاسلامية..
- مصادر التهديد السعودي
ان ما يجري في فلسطين المحتلة وفي غزة، رغم خصوصية الوضع الفلسطيني، وما يجري في العراق، يندرج في ذات الاطار الذي تواجه فيه السعودية مَن تعتبرهم قوى المحور الايراني، والاذرع الايرانية في المنطقة العربية!! فالسعودية بدفع من العقل الصهيوني، باتت لا ترى الا الشبح الايراني في اي قوة تحرر عربي، او مقاومة للمشاريع الامبريالية.. فكل من يقاوم الاحتلال الاميركي والهيمنة الصهيونية في المنطقة يندرج ضمن المحور الايراني.. وهكذا تكون المنطقة تواجه انقساما عاموديا بين محورين: ايراني واسرائيلي.. ونجاح الحملة السعودية الصهيونية في الحديث عن الخطر الايراني، وتسعير الخلافات واشعال الحروب على هذه الخلفية، بدءا من عدوان صدام الاثم، الى الحرب اليمنية العبثية الاجرامية، كل ذلك يجعل من المملكة السعودية جزءا من المحور الصهيوني في المنطقة، كأمر واقع بانتظار الفرصة المناسبة لاعلان ذلك.
ودون اي مبالغة او اتهام سياسي، فان النظام السعودي استغل في السنوات الماضية، وحتى الان، كل موارده وامكاناته لضرب محور المقاومة الذي يسميه المحور الايراني:
1- فالسعودية خاضت الحروب حيثما امكنها، لاظهار قوتها وضرب قوى محور المقاومة، وتعزيز مكانتها لقيادة المنطقة في غياب مراكز القوى التقليدية في العالم العربي.
2- دعمت وحرضت قوى سياسية وطائفية لشن الحروب الاهلية، ومنع استقرار الدول التي تضنفها في محور المقاومة.. وخصوصا في العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية.
3- تواصل التحريض الاعلامي لتشويه قوى المقاومة ومنع الحوار بين المكونات الاجتماعية والسكانية في الدول المستهدفة.
4- تستخدم قدراتها المالية لشراء الذمم والاقلام والمؤسسات الاعلامية التي تحرض على الانقسامات والصراعات السياسية والعسكرية.
5- تساهم في الحصار المالي وتحجم عن تقديم المساعدات والقروض للقوى والدول المستهدفة، وخصوصا للمنظمات والشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار. وهي تساهم بشكل فعلي في حصار غزة وملاحقة ومحاكمة انصارها في الخارج.
6- تؤمن الغطاء السياسي والمالي لكل المشاريع الاميركية لمحاصرة وخنق الدول العربية، والمنظمات والقوى التي تتهمها بانها جزء من محور المقاومة.
7- هناك شبهات شبه مؤكدة وتقارير من مصادر غربية تؤكد التعاون والتنسيق الامني والسياسي مع اجهزة الكيان الاسرائيلي وتبادل المعلومات المخابراتية والتسهيلات اللوجستية لاستهداف قوى المقاومة.
8- تقارير اعلامية متقاطعة تؤكد التطبيع غير المباشر مع الكيان الصهيوني، على المستوى الديني والثقافي عبر جولات ولقاءات وانشطة وزير العدل السابق وامين عام رابطة العالم الاسلامي الشيخ محمد العيسى.. القريب من النظام واداته على الصعد التي يتحرك فيها. اضافة الى اخرين من الشخصيات السعودية السياسية والاعلامية الذين يطلون برؤوسهم موسميا، لنشر ثقافة التطبيع وتهيئة الرأي العام السعودي والعربي لذلك.
9- بدء النظام السعودي مرحلة التعاون الاقتصادي والاستثمار غير المباشر في الشركات الاسرائيلية، واخرها ما كشفته وول ستريت جورنال عن صندوق استثمارات يقوده جاريد كوشنير صهر الرئيس الاميركي السابق، والذي موله الامير محمد بن سلمان بملياري دولار اميركي.
10- مشاركة السعودية في اي جهد سياسي لقلب موازين القوى وهزيمة قوى المقاومة، حيثما امكنها ذلك، وتشكيل التحالفات وتمويل اي جهة تجاهر في العداء للمقاومة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه مما تقوم بها في العراق ولبنان.
11- سياسة الترغيب والترهيب لاختراق البيئة الحاضنة للمقاومة، وتهديد كل من يعلن تأييده لها بمصدر رزقه، واستقطاب المنشقين والعملاء المناوئين للمقاومة.
- ان عداء النظام السعودي لقوى المقاومة مفتوح ولا حدود له، وما نعرفه عن الاعتداءات واشكال التآمر ليس كل شيء في جعبة هذا النظام، الذي يستند في سياساته العدوانية هذه على عقيدة راسخة وايمان باستحالة ايجاد هوامش لقاء وقواسم مشتركة. وحتى القضية الفلسطينية التي كانت لعقود طويلة من المسلمات حتى في سياسات ملوك السعودية السابقين، خسرت مكانتها هذه في اعراف وسياسات الملك سلمان وابنه.. وتحولت الى قضية خلافية يأخذ فيها النظام السعودي الجانب الاخر.
والنظام السعودي بارع في استغلال الخلافات المذهبية فهو لا يرعوي ولا يتهيب من تشويه المقدسات ونبش التراث واشاعة كل مفاسد التاريخ، باعتبارها عوامل فرقة وصراع لا يزال مستمرا.
الا انه بالاضافة الى العوامل الاستراتيجية العامة التي تحكم سلوك هذا النظام فلا بد من الاشارة الى خصوصيات مرحلة محمد بن سلمان التي تجعله اكثر شراسة وعدوانية.. ومنها ازمة شرعية النظام على المستوى الداخلي، ما يجعله يشعر بالقلق المستمر، اذ انه لم يعد قادرا على رفع سيف الوهابية والغطاء الديني الذي تستر به اسلافه، ولم يلتزم حتى بقانون الوراثة العائلي، وتجاوز ترتيبات هيئة البيعة التي اسسها النظام لضمان استقرار البلاد وانتقال السلطة بين ابناء الملك عبد العزيز ومنهم الى الجيل الثالث.. وازمة علاقته غير المستقرة مع الراعي الاجنبي، والتي تزداد حدة مع كل هزيمة اميركية وفقدانها المكانة المهيمنة عالميا، او تراجع اهتمامها في المنطقة..
فالنظام مهتز بشرعيته الداخلية وضمانته الخارجية، لذا فهو خائف من اي موجة تغيير في موازين القوى الاقليمية والدولية. وقد تحول على ما يبدو الى رهينة للشعارات التي رفعها والاحلام التي اغرق نفسه وجمهوره فيها.. وهو ينظر الى عدوانه على اليمن وكأنه حبل مشنقة يهدد ملكه، بعد ان راهن على هذه الحرب لتكون انجازه التاريخي، لكسب المشروعية في السلطة، والحضور الاقليمي الفاعل، كقوة عسكرية واقتصادية يمكنها ان تكون قطب المحور العربي.
كل ذلك ينهار امام عينيه، وتخرج المخاطر والخاوف كالعفاريت تحيط به، ما يجعله يصب جام غضبه وحقده على محور المقاومة، الذي يعتبره السبب الرئيسي في فشله وضياع جنة الاحلام الوهمية الموعودة.
وهذا ما يجعله خطرا ومصدر تهديد دائم لشعوب المنطقة ودول محور المقاومة.
=======
الصراع السعودي الايراني وافاق التسوية
لا شك ان العلاقة بين الجمهورية الاسلامية في ايران ولنظام السعودي تكتسي اهمية استثائية، في العلاقات الاقليمية، نظرا لتشابك الملفات التي تتأثر بهذه العلاقة، اكثر من غيرها.
ولهذ فلم يكن مستغربا ان تتوجه انظار المراقبين والمحللين لسبراغوار هذه العلاقة، واستقراء افاق تطورها، لبناء تصور عن مستقبل المنطقة وازماتها.
وهذا الاهتمام ليس حديثا، بل يمتد الى عشرات السنين، حيث حفلت الساحة الفكرية بالعديد من الدراسات والكتب والابحاث التي جعلت من العلاقات السعودية الايرانية موضوعا لها، اضافة الى كم عائل من المقالات الصحافية والندوات التلفزيونية.
واذا كانت الكثير من هذا الجهد الفكري ينضوي تحت باب الصراع ذاته ويخدم السياسات الاعلامية والدعائية لطرفيه، فان الامر لا يخلو من دراسات جادة وموضوعية لكشف كنه هذه الازمات المتناسلة من الصراع بين ضفتي الخليج، وبناء تصور سليم وواضح لافاقه وكيفية ادارة معاركه بما لا يخدم مشاريع المتربصين بالمنطقة، بما فيها ايران والسعودية، شرا.
ولعل افضل وسيلة لخدمة استقرار المنطقة، وانهاء الصراعات العبثية او الحروب بالوكالة التي تخوضها بعض الاطراف، هي بتحديد اسباب الخلاف وأساليب معالجتها، بطريقة موضوعية.. وهي مهمة الدوائر السياسية والبحثية في الدول المعنية، اكثر مما هي مهمة مقال صحافي او بحث علمي.
الحوار
وقد تفاءل الكثيرون في المنطقة جراء الاعلان عن بد الحوار بين الجكهورية الاسلامية والمملكة السعودية، قبل اشهر في بغداد.. وازادات جرعة التفاؤل بعد الجولة الخامسة من هذا الحوار قبل اسبوعين، حيث توقع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، السبت 30 ابريل، عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران قريبا.. مشيرا الى ان الجانبين يتعاملان مع ملف الحوار بمسؤولية عالية.
وقال الكاظمي إن للعراق مصلحة مباشرة في تحقيق تفاهمات بين دول المنطقة وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وفي الاول من ايار (مايو) كشف خبير إيراني بشؤون غرب آسيا عن صياغة مسودة خطة لعودة العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية. وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، شدد الخبير الإيراني رضا صدر الحسيني على أن “الرؤية الإستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هي تعزيز العلاقات مع جميع الدول المطلة على الخليج والمنطقة، خاصة السعودية، بهدف إرساء الأمن الإقليمي، لذلك نتيجة المفاوضات بين إيران والسعودية مهمة جدا للمنطقة”، مشيرا إلى أن “الخلافات الجذرية بين إيران والسعودية التي أرستها الولايات المتحدة ووجهات نظر الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين، ريتشارد نيكسون، قبل انتصار الثورة الإسلامية، ما زالت تؤثر على العلاقات بين البلدين”.
كما غرّد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني جليل رحيمي جهان آبادي عبر “تويتر” بأن العلاقات بين إيران والسعودية “يتمّ إحياؤها، فيما تستعد سفارات البلدين لإعادة فتحهما”.
اما على الجانب الاخر فلا يزال الاعلام السعودي متحفظا ازاء هذه المعلومات والتوقعات، وان كانت نبرة العداء والهجوم على ايران قد تراجعت الى حد كبير، حيث كانت الحملات الاعلامية مؤشرا بارزا على سياسات النظام التعبوية في حربه الباردة مع ايران.
فهل بتنا فعلا على ابواب مرحلة جديدة من العلاقات بين القوتين الاقليميتين المؤثرتين؟ وهل يمكن فعلا تصور عودة العلاقات الى حالتها الطبيعية وفتح السفارات والقنصليات، والمشاركة في بحث مشاكل المنطقة؟
واقع الحال
وقبل الاستفاضة بهذه التوقعات وعرض الصور الجميلة للمستقبل الافضل، يحسن ان نعرض لواقع الحال بشفافية وصدق.
عند الحديث عن الصراع السعودي الايراني، فان اول صورة تبرز الى الذهن تؤكد الحقيقة التالية: ان هذا النظام الملكي كان في حالة اشتباك دائم مع اي قوة اقليمية كبرى منذ نشوئه، ولم يكن داعما ولا راضيا عن ظهور اي دولة او زعامة، واعتبر ذلك من باب التحديات التي يجب او يواجهها.
فالسعودية ناصبت النظام الناصري العداء حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر. ولا تزال في حالة اشتباك متقطع مع تركيا منذ ان أعلن النظام هويته الاسلامية بقيادة حزب العدالة والتنمية، وتحوله للاهتمام بقضايا المنطقة.
وعلى الرغم من دعمها للرئيس العراقي السابق في حربه العدوانية على ايران، وتمجيد دوره وتقديم الدعم السخي له، لم تتوان الرياض عن التآمر عليه، وتقديم اراضيها منصة ومنطلقا للحربين الاميركيتين عليه، في عام 90 وعام 2003.
كما كان النظام السعودي في رأس قائمة المتآمرين على النظام السوري، وابرز الممولين للجماعات الارهابية والتكفيرية التي غزت سوريا في العام 2011.. رغم العلاقات الودية التي سبقت ذلك.
ودون ان نغفل دور السعودية في تقسيم السودان، والقطيعة مع الجزائر، وحصار قطر ولبنان والاردن في فترات متفاوتة، فان عداء المملكة السعودية للجمهورية الاسلامية في ايران هو فصل من تاريخ هذه المملكة، القلقة والمتوجسة من اي قوة اقليمية، باستثناء الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
وهذا ما يكشف جانبا من اسباب الازمة السعودية وعجز هذا النظام عن التعايش والتنسيق مع محيطه العربي والاسلامي. اذ لا يعرف ان السعودية اقامت علاقات استراتيجية مع اي دولة اقليمية، كما اتسمت علاقاتها بجوارها العربي بالتوتر غالبا، او التنقل بين الاستقرار النسبي لفترات متقطعة وعودة اعداء والصراع الصاخب..
وحتى العلاقات السعودية مع جاراتها الخليجيات الاصغر كانت في الغالب متوترة واقرب الى الصراع والتوجس والحذر.. ولعل مثال مجلس التعاون الخليجي دليل على فشل اقامة التعاون بين هذه الدول، على الرغم مما بينها من القواسم المشتركة والروابط الاجتماعية والقبلية والتاريخية والعقائدية والدينية..
ولا شك ان كل حالة من الحالات المذكوره لها خصوصياتها، وربما كان العداء للجمهورية الاسلامية اكثر عمقا ووضوحا، الا ان الامر يفرض توجيه البحث الى الاسباب الكامنة وراء هذه الحالة الشاذة في طبيعة النظام السعودي. ذلك ان علاقاته المتوترة مع محيطه تتعدى المستوى الطبيعي للعلاقات بين الدول وخصوصا في المرحلة الراهنة من تاريخ المجتمع الدولي.
الاسباب الذاتية
لا شك ان هناك اسبابا جوهرية تفجر حالة العداء لدى العائلة السعودية الحاكمة ضد الاخر، هي اعمق من الذرائع السياسية والبروباغندا الاعلامية التي يلجأ اليها النظام، لتبرير سلوكه العدواني او لتحشيد الرأي العام المحلي والاقليمي في معاركه المستدامة والمتنقلة من بلد الى بلد.
فما الذي يجعل النظام السعودي متحفزا لاسقاط نظام قومي ناصري في مصر، وقومي بعثي في العراق وسوريا، واسلامي في ايران وتركيا على اختلاف التوجهات السياسية لهذه الانظمة؟ بل حتى السودان واليمن الضعيفان على المستوى العسكري والاقتصادي، لم يقبل بهما النظام السعودي جارين مستقرين، خارج الوصاية والهيمنة!!
ومرة اخرى لا نجد اجابة الا ان الامر يتعلق بالسعودية نفسها لا بسواها، بالدرجة الاولى. ويتعلق بطبيعة هذا النظام ودوره الوظيفي في المنظومة الدولية التي يرعاها النظام الامبريالي العالمي، والذي تزامن نشوءه مع تأسيس هذه المملكة وبروزها كقوة اقتصادية مالية، وخزان كبير للنفط. والتي اكتسبت اهميتها في المشروع الغربي باعتبارها مصدرا لرفد المصانع الغربية بالمال والطاقة اولا، قبل ان تتحول الى وكيل مالي لتمويل حروب ومؤامرت وسياسات الدول الغربية.
وفي مقدمة الدراسة التي اعدها الدكتور عادل عنتر علي زعلوك بعنوان العلاقات السعودية الايرانية في القرن الواحد والعشرين: بين ميزان القوة وتوازن الهويات.. ونشرها في كتاب، يقول المؤلف: لقد ظلت العلاقات السعودية الايرانية ردحا من الزمن تستقطب اهتمام المنشغلين بحقل العلاقات الدولية.. واحتلت مكانا مرموقا في مصنفاتهم، وراحوا يفردون لها مئات الابحاث والمجلدات بغية الوقوف على حقيقتها واستجلاء طبيعتها.. فمنهم من ذهب الى ان هذه العلاقة يخيم عليها الطابع الصراعي، وتسودها اجواء الخوف والشك والتوتر، نظرا لتعارض المصالح..
بينما راح فريق اخر يقطع بأن التباين المذهبي – الهوياتي هو ما يخلع عليها الطابع الصراعي .. في حين يؤمن فريق ثالث من الباحثين بأن تاريخ العلاقات بين البلدين لم يكن قاتما مفعما بالتوتر دوما، وانما شهد ولو لفترات متقطعة شيئا من التقاء المصالح والتوافق الحذر.. وان المنظور الانسب لفهم طبيعة العلاقة هو المنظور الذي يجمع بين افتراضات ميزان القوة واسس توازن الهويات او ما يعرف بالطريقة الناوية نسبة الى هنري ناو henry nau.
وينهي الكاتب دراسته بالخلاصة المتشائمة التالية: ان العلاقات السعودية الايرانية تسير وفق استراتيجية: خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء.. حيث لم تعرف تلك العلاقات يوما منذ قيام الثورة الاسلامية – وبعد انهيار اخر اسرة فارسية مالكة – صورة من صور العلاقات الوادعة الهادئة اللهم الا سحابة صيف عابرة..
ولكن امثال هذه الدراسة وهي كثيرة يشوبها خطآن بارزان، اثرا في نتائجها. الاول استنادها الى قراءة ظاهرية للواقع في فترة زمنية قصيرة، واعتبارها معيارا للحقيقة التي يمكن البناء على نتائجها، والتركيز على الخلافات بين الدولتين والمجتمعين لتثبيت اسباب الصراع..
وهذا خطأ منهجي، اذ ان الاستناد الى هذا العامل يفضي الى نتائج مشوهة للكثير من العلاقات الدولية.. دون الاخذ بالاسس المعيارية والتاريخية.
والثاني: ان الاسباب التي يفترضها البحث في اصل الخلاف، قابلة للنقاش والجدل، لان الخلافات العقائدية والمذهبية وصراعات النفوذ والمصالح قائمة بين جميع الدول او اغلبها، وليست خصوصية سعودية ايرانية.
والحديث عن صراع المصالح الاقتصادية حديث افتراضي يستبطن تجارب غربية اكثر مما يعاين اوضاع الدولتين الحقيقية. فحتى الان لا تتمتع الدولتان باقتصاد انتاجي صناعي او زراعي يستوجب التنافس على الاسواق لاسباب مختلفة ليس اوان تفصيلها، فكلتاهما في المراحل الاولى من النمو وبناء القاعدة الاقتصادية المتينة.
اما النفط الذي يشكل القسم الاكبر من الاقتصاد السعودي فالتنافس فيه يجري في الاسواق العالمية التي تتحكم بها قوى اخرى. ولا تزال القوى المنتجة تصارع للحفاظ على دور لها في هذا السوق. وبالكاد تمكنت من انشاء منظمة اوبك لضبط الانتاج والعلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، وخفض مستوى التجاذب بين المنتجين الى حدود دنيا لمنع تأثيره السلبي على الاسواق قبل اي شيء اخر. فالصراع الاساسي هنا ليس بين المنتجين، بل بين هؤلاء والمستهلكين للطاقة.
واقرب مثال يؤكد عدم كفاية هذه الادلة لشرح اسباب الخلاف والصراع السعودي الايراني، هو العلاقات الايرانية التركية، التي تميل الى الاستقرار والتعاون والتبادل السلس للعلاقات التجارية..
وكل اسباب الاختلاف التي يذكرها الباحثون مع السعودية موجودة بشكل او بآخر بين ايران وتركيا.. بل هما دولتان كبيرتان تطمحان للزعامة الاقليمية، وتقودان معسكرين مذهبيين مختلفين، وتنتميان على المستوى الاستراتيجي الى معسكرين دوليين متضادين.. ففي حين نرى تركيا عضوا متقدما في حلف الناتو، تقف ايران في مواجهة هذا الحلف وسياساته الاقليمية، ومع ذلك لم تعيشا حالة التوتر والعداء والتحريض الاعلامي، ولا القطيعة الاقتصادية والسياسية التي نجدها في الحالة السعودية الايرانية..
بل ان العلاقات الايرانية التركية مرت بأزمات حقيقية سواء على الارض السورية والعراقية، او في واقعة العقوبات الاميركية على ايران التي رفضتها تركيا وحافظت على روابطها مع ايران.. وقد تمكنت الدولتان من ايجاد صيغة استثنائية لادارة الخلافات في ما بينهما، والضغوط عليهما، دون الوصول الى القطيعة او الصدام، والتملص من الضغط الدولي الذي كان يدفع بهذا الاتجاه.
اذن لا بد من مقاربة اخرى لفهم هذه العلاقة المتوترة بين المملكة السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران!
نظرة تاريخية
كما تقول الوثائق التاريخية فان تاريخ اول اتصال دبلوماسي رسمي بين ما كان يعرف انذاك باسم سلطنة نجد، وبلاد فارس يرجع الى عام 1925، حيث قام حاكم بلاد فارس بمساعي وساطة بين الملك عبد العزيز وبين الشريف علي بن الحسين ملك الحجاز ابان حصار القوات السعودية لمدينة جدة.
وبلغت العلاقات السياسية الايرانية السعودية اقصاها بتوقيع معاهدة صداقة في طهران في اغسطس (آب) 1929. وجاءت هذه المعاهدة لتحدد اسس اقامة علاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية بين البلدين.. وبالمقابل ارسل الملك عبد العزيز وفدًا برئاسة ابنه ونائبه الامير فيصل الى طهران عام 1932 لتعزيز العلاقات واستمرارها بين البلدين.
اول حالة توتر بين البلدين شهدتها العلاقات عام 1943 تطورت الى حدوث ازمة ادت الى قطع تلك العلاقات خلال الفترة 1944 – 1946 .
التطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط فرضت نوعًا من التنسيق بين المواقف الايرانية والسعودية تجاهها، ولا سيما ما يتعلق بالدور البريطاني في منطقة الخليج واستيلائه على واحة البريمي في 26 أكتوبر 1955 فتضامنت ايران مع السعودية برفض الخطوة البريطانية.. واسفرت تلك التطورات عن توجيه دعوة ايرانية للملك سعود للقيام بزيارة الى طهران خلال اغسطس (آب) 1955.. وقد اتفق العاهلان على ان الشيوعية تمثل تهديدًا خطيرًا لدول الشرق الاوسط، واعربا عن رغبة مشتركة في دعم مواقف العرب المناهضة للشيوعية، وعن شعورهما بحاجة الدول الاسلامية لفض منازعاتها الاقليمية في ما بينها. كما تطرقت المحادثات كذلك الى موضوع حلف بغداد عام 1955.
وعلى الرغم من مظاهر التعاون بين الحكومتين الايرانية والسعودية الا ان الخلافات بينها لم تكن بعيدة من الظهور على سطح تلك العلاقات ، ولكن على نحو لا يتعدى الى حدوث ازمة ونزاع ومقاطعة، وخصوصا في ازمة السويس عام 1956 ، الا انهما هادا الى التنسيق في موقفهما من الازمة اللبنانية عام 1958 حيث تبنت كلا الدولتين فكرة قيام الغرب بتحرك قوي لدعم الرئيس اللبناني حينها (كميل شمعون) في مواجهة المسلمين المدعومين من الرئيس جمال عبد الناصر.
اضف الى ذلك ان العاهلين عملا على مقاومة المحاولات السوفيتية للتسلل الى الشرق الاوسط، كما اعربا عن قلقهما من الاوضاع في العراق بعد الاطاحة بالنظام الملكي في يوليو (تموز) 1958 واستبداله بنظام ثوري جمهوري.
ومما زاد من تعزيز العلاقات الايرانية السعودية سقوط الملكية في اليمن عام 1962 ، وتدخل الرئيس المصري الراحل عبد الناصر لحماية نظامها الجمهوري الجديد ضد التدخل السعودي، حيث وقف شاه ايران الى جانب الحكومة السعودية بتقديم العون العسكري لها.
بعد وصول الملك فيصل بن عبد العزيز الى الحكم في 29 أكتوبر 1964 اثر عزل الملك سعود، ازدادت التطورات التنسيقية بين بلاده وايران. اذ زار الملك فيصل طهران عام 1965، وقام بجولة في عموم ايران.
العلاقات مع الجمهورية الاسلامية
ورغم أن العلاقات بين المملكة السعودية وإيران بدأت مرحلة مبكرة من قيام الدولة السعودية، إلا أن فصول هذه العلاقة لم تكن دائما في أحسن أحوالها، فالتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، كانت تلقي بظلالها على تلك العلاقات قبل العام 1979.
لقد أحدث قيام الثورة الإسلامية في ايران في العام 1979 واقعا جديد في المشهد السياسي الاقليمي، لا سيما المتعلق في منطقة الخليج. هذا الواقع الجديد ترك ظلاله على علاقات إيران مع العرب بشكل عام والسعودية بشكل خاص.
والكثير من الدراسات رأت ان العلاقات بين الرياض وطهران بعد قيام الجمهورية الإسلامية تأثرت بعاملين حكما السياسية الإيرانية: المؤسسة الدينية التي تأثرت بالخلاف مع الحركة الوهابية، حيث رأى الكثيرون في ايران أن النظام السعودي ما هو إلا الوجه الآخر لهذه الحركة ومنهجها التكفيري.. أما القوة الثانية التي كانت ذات حضور مؤثر في متابعة العلاقة مع السعودية فهي القوة العسكرية والأمنية، والتي يرتبط تقييمها في العادة بالتحالفات الأميركية في المنطقة والدول التي تقدم الخدمات لواشنطن.
السعودية بادرت الى رفع درجة الاحتقان بين البلدين، اذا بادرت اجهزتها لاعلامية والامنية للترويج لنظرية تصدير الثورة، وبدأ النفخ في فتنة الصراع المذهبي في المنطقة، واستحضر مشايخ السعودية كل مشاكل التاريخ واسقطوها على الواقع الراهن.. ومن ثم قامت السعودية بتحريض ودعم النظام العراقي لشن الحرب العدوانية على ايران لاسقاط نظامها الاسلامي.
عناوين الصدام بين الدولتين
- إدخال مواد متفجرة 1986
اتهمت سلطات الأمن السعودية عددا من الحجاج الإيرانيين بأنهم كانوا يخبئون في حقائبهم مواد متفجرة.
- أحداث 1987
في عام 1987 وأثناء موسم الحج تصدت الشرطة السعودية للحجاج الايرانيين الذي رفعوا شعارات لأجل تحرير فلسطين ورفضا للسياسة الأميريكية، ما أسفر عن مقتل 402 من الحجاج.
- حادثة مكة 1988
قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة رفعوا خلالها دعوات البراءة من المشركين، إلا أن الشرطة السعودية فضت المظاهرة بالقوة متسببة في قتل المئات منهم. وزعمت أن مظاهرة الحجاج جزء من مؤامرة للإطاحة بالنظام السعودي.
- حادثة تدافع منى 2015
توترت العلاقات الإيرانية السعودية بعد حادثة تدافع منى وخاصة بعد أنباء عن عدد كبير من القتلى الإيرانيين في الحادثة، قابله صمت شبه مطبق من السلطات السعودية، التي لم تجد تبريرا للمجزرة التي حدثت بعد ان سدت الشرطة طريق الحجاج بشكل مفاجئ لدى مرور الموكب الايراني.
- إعدام الشيخ نمر النمر في يناير 2016
قامت السلطات السعودية في الثاني من يناير عام 2016 بإعدام 47 شخصاً، معظمهم مرتبطون بتنظيم القاعدة. إلا أن حشرت بينهم أربعة من الشيعة المتهمين بالتظاهر السلمي في القطيف. وكان من بينهم الشيخ نمر النمر، المعروف بدعوته لنبذ العنف في مواجهة السلطات السعودية.
ثار إعدام الشيخ النمر موجة ردود فعل بين الشيعة في الشرق الأوسط عموماً وفي إيران خصوصاً، حيث أدانت إيران عملية الإعدام.
واثر انتشار خبر الجريمة السعودية انطلقت مظاهرات في العديد من الدول، بينها ايران حيث هاجم المئات من المتظاهرين مبنى القنصلية السعودية في مدينة مشهد ومبنى السفارة السعودية في العاصمة طهران.. حيث تصدت لهم الشرطة الايرانية واخرجتهم من المبنيين.
- قطع العلاقات
وفي اليوم التالي، الثالث من يناير، أعلن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.
هذه ابرز الاحداث التي ترجمت العلاقات المتوترة بين البلدين، والتي عبرت عن حالة القلق من الجانب السعودي، والاتهامات التي ساقها ضد الايرانيين والتي تحولت الى استراتيجية اعلامية سخرت لها مئات الاقلام واجهزة البث والصحافة، عطفا عن حملات منظمة للجيشالاليكتروني السعودية في وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأ استخدامها في العقدين الماضيين.
وتركزت الحملة الاعلامية السعودية لتشويه سمعة الثورة الاسلامية في ايران، واقامة جدار من العداء بينها وبين المحيط العربي، على مجموعة من الشعارات والمفاهيم التي ساهمت اجهزة الدعاية الصهيونية في ترويجها.
تصدير الثورة
ظهر مصطلح تصدير الثورة في إيران، عقب نجاح الثورة الإيرانية الإسلامية. نظريا يقوم هذا المصطلح، على العمل من أجل قيام ثورات مشابهة للثورة، في جميع الدول ذات النظم الاستبدادية.
وبحسب ما قاله الامام الخميني ان تصدير الثورة، لا يعني أن نتدخل في شئون الدول الأخرى”.. واضاف: “لا تفسِّروا خطأً معنى قولنا أننا عازمون على تصدير الثورة إلى كل مكان بأننا نريد فتح البلدان.. فمعنى تصدير ثورتنا أن تستيقظ جميع الشعوب والحكومات، ويخلِّصون أنفسهم من المشاكل التي يعانون منها، وينقذوا أنفسهم من تسلط الآخرين ونهبهم لثرواتهم وجعلهم يعيشون حالة الفقر”.
وعلى المستوى العملي لم نشهد الموفدين والبعثات الايرانية تجوب الافاق للدعوة للثورة. فهذا امر مستحيل في عالم اليوم، لكن ايران الثورة كانت تطرح مواقفها ومبادئها على الملأ، وهذا كان كافيا لاثارة الرعب لدى الانظمة الدكتاتورية التي تحكم زورا باسم الاسلام.
الا ان المحرك الاساسي لتحريك هذا الشعار بعد اضفاء صفة الرعب والتهديد عليه، كان الادارة الاميركية واللوبي الصهيوني،الذي استشعر الخوف من انتشار افكار الثورة الاسلامية في وقت كانت فيه المؤسسة الصهيونية تخطط لقطف ثمار الهزائم العربية، والترويج لثقافة الاستسلام والتطبيع والتسويات المذلة.
وفي الواقع العملي تعددت المؤلفات التي تربط بين الموقع الاستراتيجي للدولة وسياستها الخارجية، ومن ابرزها كتاب روبرت كابلان الصادر عام 2012 بعنوان انتقام الجغرافيا: ما تخبرنا به الخرائط بشأن الصراعات المقبلة والمعركة ضد المصير.
ويشير كابلان في ذلك الكتاب الى ان تركيا وايران هما الدولتان المسلمتان الوحيدتان اللتان وجدتا لفترة طويلة، واقامتا امبراطوريتين لا يزال لهما تأثيرهما الثقافي في الشرق الاوسط. ويضيف ان منطقة الشرق الاوسط سوف تتأثر بشكل حاسم بتطور ايران السياسي، سلبا او ايجابا.
ونضيف الى الجغرافيا عامل الفكر الثوري في تحريك الجماهير، واثر الثورات الكبرى في العالم، والثورة الايرانية واحدة منها من دون منازع. فقد شكلت هذه الثورات منعطفات في التاريخ، وكانت لها بصمة تعدت حدود الجغرافيا والسياسة والتدافع بين الامم.
ومع ذلك فلا احد يتحدث عن تصدير الثورة الفرنسية، رغم ان افكارها انتشرت بين الامم والشعوب كافة على مدى القرون الماضية، وشكلت شعاراتها منطلقات للعديد من دعوات التحرر والعدالة والمساواة. ومثل ذلك كان اثر الثورة البلشفية في روسيا، التي استقطبت مشاعر نصف سكان المعمورة. ورغم سقوط الامبراطورية الشيوعية لا تزال افكارالثورة قائمة بطريقة او بأخرى.
وفي هاتين الحالتين وسواهما لم يتحدث احد عن تصدير الثورة باعتباره اتهاما، وشكلا من اشكال العدوان.
والثورة الاسلامية فعلت فعلها في ضمير ووجدان ابناء الامة، العطشى للتحرر من ربقة الاستعمار والتبعية، ومن عار العجز امام الصهيونية والتخلف العلمي، ووجدت في ثورة الامام الخميني ومنجز الجمهورية الاسلامية، ضوءا في اخر النفق، وحبل امل وخلاص. العديد من القوى السياسية في العالم العربي والاسلامي، عادت لقراءة برامجها الحزبية بناء لمعطيات الثورة الاسلامية، والعديد من المفكرين والناشطين السياسيين والاعلاميين، رأوا في الثورة مخرجا لحالة الانسداد التي وصلت اليها حركة التحرر العربية، فاعادوا قراءة الاسلام والتاريخ وتبنوا شعارات الامام الخميني.
وهذا ما حدث ويحدث مع كل ثورة ناجحة.. الا ان الدعاية الغربية الحريصة على توتير العلاقات بين ضفتي الخليج، راحت تطرح الشعار باعتباره موجها للمالك الخليج واماراته ومشيخاته، او النظامين العراقي والمصري، الخاضعين لدكتاتورية عسكرية، استنفدت كل طاقتها في قمع المجتمع وتقييد تطلعاته..
اما السعودية فلم تكن مجرد متأثر بالشعار، بل تبنته ووجدت فيها ضالتها المنشودة، لتسعير خلافها مع الجمهورية الاسلامية، وذلك لارضاء جمهورها الذي شحنته بالكراهية والخوف من التهديد الايراني.. ففي حين اقامت جميع دول الخليج علاقات طبيعية ومستقرة مع الجمهورية الاسلامية تنامت فيها التجارة والعلاقات الدبلوماسية ظلت السعودية ترفع هذا الشعار المزيف، وتنفخ فيه. ولم تنفع في الحد منه كل محاولات التطمين الايرانية.. وتناوب جميع الرؤساء الايرانيين دون استثناء، على ارسال رسائل التهدئة، وابداء الرغبة في فتح صفحة التعاون للنظام السعودي.. بينما افشلت السعودية سياسة “نزع التوترات” التي جاء بها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في العام 1997. كما افشلت محاولات الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني، والذي يعتبر أحد أهم المساندين لإقامة علاقات قوية مع السعودية، والذي كان يرى أن علاقة طبيعية مع الرياض من شأنها أن تلعب دورا في تخفيف الضغوط الغربية على إيران.
الرئيس رفسنجاني زار السعودية. كما زارها الرئيس الرئيس محمد خاتمي في 15 مايو 1999. وفي 11 سبتمبر 2002.. لبحث الاستعدادات الاميركية لغزو العراق وتعزيز العلاقات الثنائية.. وأعلنت إيران والسعودية، خلال زيارة قام بها إلى طهران وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل معارضتهما هجوما عسكريا أميركيا محتملا على العراق ودعتا إلى تسوية الأزمة عبر الوسائل السياسية السلمية.
وبدوره زار الرئيس محمود احمدي نجاد السعودية في 3 اذار 2007 وفي 12 اغسطس 2012 للمشاركة في القمة الإسلامية الطارئة بشأن الازمة السورية.. وشهدت العلاقات السعودية الإيرانية تطورا ملحوظا في الفترة 1997-2005، ما انعكس في عقد اللجنة المشتركة السعودية الإيرانية اكثر من 8 اجتماعات في الفترة المشار اليها، كما تم توقيع اكثر من 25 اتفاقية بين الطرفين أهمها الاتفاقية الامنية التي تناولت تبادل المجرمين وكذلك مكافحة تجارة المخدرات.
المبادرات الايرانية للسلام في الخليج
وتعزَّزت الجهود الرسمية الإيرانية مع صعود الرئيس السيد إبراهيم رئيسي، الذي يصنف بأنه سياسي محافظ، إلى رئاسة الجمهورية في إيران. وقد تبنَّى رئيسي خطة بدأها سلفه الشيخ حسن روحاني، من أجل التطبيع مع السعودية..
اذ تعتقد إيران، أن هناك إمكانية لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة بمشاركة جميع دولها، وفق مفهوم مشترك للأمن الإقليمي الشامل في جميع المجالات، بما يضمن أمن الملاحة البحرية ومصالح جميع دول المنطقة.
وهذا ما تجلى في “مبادرة هرمز للسلام”، أو خطة إيران لإرساء الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، التي أعلن عنها الرئيس روحاني في سبتمبر 2019 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت مسمى “تحالف الأمل”..
مسؤولون إيرانيون تحدثوا عن أن الرئيس روحاني بعث في أعقاب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة برسائل إلى قادة دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى العراق، لعرض “مبادرة هرمز للسلام”، ولحثهم على المساهمة في تطبيقها بما يعكس السياسات الإيرانية الثابتة، التي تولي ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي أهمية كبيرة.
وللدلالة على جديتها حظيت المبادرة الإيرانية بتأييد عدد من قادة دول العالم، بمن فيهم المستشارة الألمانية ميركل ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وسبق لإيران أن طرحت مبادرات عدة لتوقيع ميثاق عدم اعتداء مع دول الخليج العربية الست، والعراق، على الأساس الجغرافي وطبيعة ونوع العلاقات التي تربطها مع تلك الدول التي تلتقي على مصالح مشتركة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الخليج وبحر عمان ومضيقي باب المندب وهرمز، بحيث يمكن أن تشكل “مبادرة هرمز للسلام” الإطار الأمثل لتلك المصالح.
وتركز المبادرة على: 1- عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، 2- وعدم الاعتداء، 3- والالتزام بأمن الطاقة وحرية التجارة الدولية، 4- بالإضافة إلى إعطاء الأمم المتحدة دورا أوسع في حل الخلافات بالاحتكام إلى ميثاقها ومبادئ القانون الدولي.
لكن السعودية لم ترد على المبادرة واهملتها اهمالا تاما.. ومثلها فعلت بقية دول الخليج.
الحرب العراقية الايرانية
لقد كانت الحرب العراقية الإيرانية أحد الاسباب التي خلفت ندوبا مؤلمة في تفوس الايرانيين، الذيندفعوا اثمانا باهظة ماديا وبشريا جراءها.. الا ان القيادة الايرانية لم تجعل ذلك عقبة في تطوير العلاقات مع دول وشعوب المنطقة.. فإيران كانت ترى أن الدعم الذي قُدم للنظام الصدامي في العراق آنذاك، لم يكن الا لضرب إيران وإضعاف الثورة الصاعدة فيها إن لم يكن إفشالها واجهاضها.
الازمات الاقليمية
وبعد انتهاء الحرب الى ما انتهت اليه، والتطورات التي تسبب بها النظام العراقي السابق، ونتائجها الكارثية على العراق والمنطقة، لم تستخلص القيادة السعودية العبر، ولم تراجع مواقفها، بل راحت تبحث عن ساحات اخرى للاشتباك مع السياسات الايرانية.
ومن غير ما سبب اتخذت القيادة السعودية موقفا معاديا للمقاومة الاسلامية في ايران، وتشاركت مع فرنسا والولايات المتحدة في اصدار قرار في مجلس الامن تحت الرقم 1559 يدعو لاخراج الجيش السوري من لبنان، الذي كان قد دخل بقرار عربي ساهمت فيه الرياض بشكل رئيسي لانهاء الحرب الاهلية والمساعمة في ارساء الامن والاستقرار واعادة بناء الدولة في لبنان.
وتسارعت التطورات بعد ذلك على الساحة اللبنانية بعد حدث اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي ارادت السعودية استغلاله لاحداث انقلاب في لبنان يستهدف سوريا ونزع سلاح المقاومة التي تمكنت من تحرير لبنان عام 2000 واخراج جيش الاحتلال الاسرائيلي دون قيد او شرط ودون محادثات سلام.
وكانت ذروة التدخل السعودي السافر وتحيزها ضد المقاومة ما اعلنته من ادانة للمقاومة وتحميلها مسؤولية العدوان الاسرائيلي الواسع في العام 2006. ولا تزال السياسات السعودية تتخذ ذات المنحى في لبنان الذي وصل به الحال نتيجة لذلك الى ازمته الراهنة غير المسبوقة.
ولا يوازي هذا الموقف سوءا ويتقدم عليه الا موقف السعودية من القضية الفلسطينية ومقاومتها.. والحصار الخانق على غزة ومحاولات اجهاض العمل الفلسطيني لمقاومة الاحتلال.
كما بادرت السعودية الى احتلال البحرين، وقمع حراك شعبها السلمي، للمطالبة بالمساواة والعدالة وتحكيم الدستور.
وفي العراق وقفت السعودية ضد النظام الجديد الذي نشأ بعد اسقاط صدام حسين. وصدرت الى العراق اكثرمن خمسة الاف انتحاري لاشعال الفتنة المذهبية بين عامي 2005- 2007..
وفي كل هذه السياسات كانت السعودية تعلن انها تتصدى للتدخل الايراني، وتمنع تمدد الثورة الايرانية في الدول العربية!!
العداء المباشر لايران
وتبنت السعودية موقف المتشددين الصهاينة في معارضة الاتفاق النووي بين ايران ودول خمسة+1 الموقع في العام 2015. ودعمت الحركات الارهابية في المنطقة من القاعدة الى داعش وغيرها من التنظيمات التي كانت تجاهر في استهداف الشيعة والنفوذ الايراني بجسب زعمها.. والادهى من ذلك ان النظام السعودية قدم الدعم العلني لحركة مجاهدين خلق الايرانية الارهابية، والتي ارتكبت اسوأ المجازر ضد الشعب الايراني. كما يأتي الحديث من طهران عن العلاقة بين السعودية وتنظيم جند الله الذي كان يركز نشاطاته في منطقة بلوشستان الإيرانية، وبقية التنظيمات الارهابية في منطقة الحدود الباكستانية الايرانية.
وتوجه الطرفان السعودي والايراني في سوريا بشكل واسع.. وعلى الرغم من عداء النظام السعودي الاصيل للثورات عموما، ولثورات الربيع العربي خصوصا، وشعوره بالقلق والخوف من وصول رياح التغيير الى مصر وعمله على وأد ربيعها واسقاط نظام الرئيس محمد مرسي.. فانها دعمت بقوة الجماعات الارهابية في سوريا، وشكلت جيشا خاصا بها فيمنطقة الغوطة وحول العاصمة دمشق، هو جيش الاسلام بقيادة زهران علوش. كما شاركت في غرفة الموك في الاردن لادارة المعارك في سوريا واستضافت الهيئات القيادية لما يسمى الثورة السورية ومولتها في مراحل متعددة..
والغريب ان النظام السعودي بادر الى اظهار العداء لسوريا وقدم الدعم لكل الجماعات الارهابية فيها، على الرغم من العلاقات الجيدة التي كانت تربط البلدين، والشراكة بينهما لمدة طويلة لادارة الملف اللبناني بعد اتفاق الطائف. ومن الواضح ان الرياض ارادت التغيير في سوريا، وليس في مصر، وذلك لبناء تحالف قوي ضد إيران، وبهدف اضعاف دورها في العراق.
وعلى هذا المنوال شنت السعودية حربها العدوانية الشرسة على اليمن منذ اكثر من سبع سنوات.
خلفيات الموقف السعودي
عداء السعودية للخط الثوري الايراني: هو جزء من عدائها لكل حركات التحرر العربية.. وكما قاتلت النظام العروبي الناصري باسم الاسلام عادت لتقاتل ايران الاسلامية باسم العروبة.. واستخدمت لذلك النظام البعثي العراقي..
صحيح ان عام 79 كان مفصليا في العلاقة بين البلدين وشهد انعطافة حادة في السياسات السعودية والخطاب الاعلامي تجاه ايران، الا ان هذا التاريخ لم يغير ايران فحسب وانما دفع النظام السعودي الى اعادة بعث الوهابية بصيغتها التكفيرية الجهادية لتبرير سياساته ضد الجمهورية الاسلامية.. فخوف ال سعود من امتداد شرارة الثورة الى بلادهم دفعهم الى استدعاء رجال المذهب الوهابي بقيادة عبد العزيز بن باز المفتي العام في المملكة، وتوجيههم بشن حرب عقائدية على ايران الشيعية.
ورغم ذلك فانه من المغالطة الاعتقاد أن العلاقات السعودية-الإيرانية محكومة فقط بالصراع الوهابي/ الاثني عشري، ذلك أن فهم العلاقات السعودية الايرانية يتطلب ايضا ادراكا للبعد التاريخي والجغرافي للمنطقة وتطور الاحداث فيها.. خصوصا ان منطقة الخليج لطالما كانت منطقة جذب للنفوذ الاجنبي، وعليه فإن العلاقة بين الرياض وطهران كانت وما زالت محكومة بتطورات ومعالم جوهرية شكلت نقاطا بارزة في هذه العلاقات؛ ناهيك عن شكل وطبيعة الأنظمة السياسية القائمة ومكانة النخبة السياسية الحاكمة وتوجهاتها.. (ص 486 العلاقات السعودية الايرانية بين التباعد والتقارب (1925-2015) – الياس ميسوم – جامعة وهران – الجزائر).
الموقف السعودي الراهن
تراجع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تصريحات سابقة له، هاجم فيها إيران، وقال بأنه سينقل المعركة إلى قلب طهران. وتبنى الامير السعودي الخطاب الوهابي حينها، والدعاية السعودية التقليدية ضد ايران، وتساءل: كيف يمكنني ان اقيم علاقة مع نظام ينتظر الامام المهدي!! من المؤكد ان كلام ولي العهد السعدي لا يصمد امام اي نقاش، فهو اصلا لم يقل ذلك لفتح معركة فكرية، بل اراد ان يبقي الصراع في اطار الفتنة المذهبية التي عملت السعودية لها سنوات طويلة.
الا ان الامير السعودي عاد بعد سنتين ليقول بأن “إيران جارة لنا للأبد ولا يمكن التخلص من بعضنا البعض”. وجاءت تصريحات ولي العهد السعودي بعد الأنباء الواردة من فيينا حول اقتراب القوى الغربية من توقيع اتفاق جديد مع إيران، بحسب ما لاحظ عدد من المراقبين.
وحتى الان لا تفوت وسائل الإعلام السعودية سواء داخل المملكة أو خارجها الفرصة أبداً في مهاجمة إيران بين الفينة والأخرى. وأخر المواضيع التي سلط عليها الإعلام الضوء كانت المفاوضات النووية مع إيران. ولا تخفي السعودية ممارستها الضغوط على الادارة الاميركية لمنعها من توقيع اتفاق جديد مع ايران.
بل انها لا تزال تشن لحملات القاسية على الرئيس الاسبق باراك اوباما هل هذه الخلفية وتعتبر الاتفاق خطأً استراتيجياً للادارة الاميركية.
كما تقول الصحف السعودية بأن إيران اقتربت أكثر من أي وقت مضى من صناعة القنبلة النووية، وبأن الاتفاق النووي لن ينجح في منع طهران من تصنيع هذه القنبلة.
والحديث في الصحافة الغربية واضح إن الجهود السعودية والإسرائيلية هي التي دفعت ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي في 2018.
الخلاصة
ينقل عن شيمون بيريز رئيس الكيان الصهيوني السابق قوله في ثمانينات القرن الماضي ان الاستراتيجية الامنية الاسرائيلية، تقوم على اقامة تحالف مع الدول السنية في المنطقة، مقابل المحور الايراني الشيعي. هذه الاستراتيجية حلت محل العقيدة الصهيونية التقليدية التي تبناها مؤسسو الكيان: بالتحالف مع الاقليات الدينية والمذهبية ضد الاغلبية السنية في المنطقة.
هذا التحول في الفكر الصهيوني يؤشر الى حقيقتين جوهريتين: – الاولى ان الكيان الصهيوني لا يكتفي باحتلال فلسطين بل هو صاحب استراتيجية كاملة تجاه المنطقة، تقوم على التعامل معها من منطلقات مذهبية وقومية، اي كمجموعات متفرقة لا كأمة واحدة او دول قائمة. وان اللعب على الفتنة بين الشيعة والسنة احد مرتكزات الاستراتيجية الصهيونية.
وهذا يعني ان اي شكل من اشكال الوحدة او التعاون او التضامن بين الدول العربية يعتبر نقيضا للصهيونية، وخطرا على كيان الاحتلال. ومن هنا يجب عدم استبعاد العامل الاسرائيلي في الصراعات بين دول المنطقة وخصوصا اذا بدت هذه الصراعات عبثية ولا تخدم مصالح اي من اطرافها، ولا حقيقة العلاقات بينها.
الحقيقة الثانية: ان التحول في الرؤية الصهيونية للتحالفات التي تنوي البناء عليها، سببه قيام الجمهورية الاسلامية في ايران وصلابة موقفها، والتي قلبت الموازين والمعادلات في المنطقة، واسست لمحور المقاومة وتسلمت زمام قيادة المواجهة مع الكيان الصهيوني ومشروعه الاستعماري التوسعي.
فالفكر السياسي الاسرائيلي يقوم اساسا على مبدأ تفريق شمل الامة الاسلامية وشرذمتها، والتعامل معها من المنظور الايديولوجي الغربي التقليدي بالنظر الى شعوبها كموزاييك من المذاهب والاعراق والقبائل والاديان..
واذا انطلقنا من مفهوم ان الصراع الاساسي في المنطقة منذ مطلع القرن الماضي، يقوم على قاعدة التحرر من الاستعمار واستعادة الدولة الاسلامية المستقلة، نجد ان هذا الصراع يتمحور حول القضية الفلسطينية بشكل اساسي، باعتبار ان الكيان الصهيوني يمثل رأس الحربة في المشروع الامبريالي للهيمنة على المنطقة، واطالة امد تبعيتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وابقائها مصدرا للمواد الاولية والطاقة لتغذية الالة الصناعية والعسكرية العربية، وفي المقابل فان جوهر الفكر التحرري العربي والاسلامي يقوم على مبدأ توحيد شعوب المنطقة، بل اعتبارها شعبا واحدا وصياغة عقيدة الامة على اساس اولوية التحرر من الاستعمار القديم والحديث، وان الصراع مع الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين هو المعركة الفاصلة والضرورية لمواجهة الامبريالية..
وهذا ما يستلزم تأجيل الصراعات الاخرى او وضعها في درجة ثانوية، بالقياس مع المواجهة مع المشروع الصهيوني على سلم الاولويات لحركة ونشاط الامة.
التيار القومي تبنى هذه العقيدة واقام عليها استراتيجته العامة، بدءا من رفض قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، الى التيار الناصري وبقية فروع الفكر القومي في بلاد الشام.
والتيار الاسلامي ايضا تبنى العقيدة ذاتها من منطلقات مختلفة، رغم التباينات الواسعة والاختلاف في المنطلقات العقائدية بين التيارين.
وعلى الرغم من دخول الفكر اليساري الشيوعي بقوة الى المجتمعات العربية، وخصوصا لدى طبقة المثقفين، وهو الذي يغلب الصراع الطبقي ومبدأ التطور الاجتماعي للوصول الى التحرر الوطني، الا انه ظل هامشيا، يتقدم فقط مستفيدا من فشل المشروعين القومي والاسلامي، والصراع بينهما في فترات متقطعة من تاريخ الامة، منذ مطلع القرن العشرين.. الا ان الفكر اليساري لم يستطع قيادة الامة لسبب اساسي هو ضعف موقفه من الاحتلال الصهيوني، وعدم وضع قضية الاحتلال في اولوية توجهاته.
وترجمت حركة الشعوب العربية التحررية هذه المفاهيم بتكريس عدائها للمشروع الصهيوني، ومواجهته كعدوها الرئيسي والنظر الى الصهيونية على اساس انها رأس الحربة في حملة الغزو الامبريالي للمنطقة، بالتحالف الوثيق مع الانظمة والقوى الرجعية العربية والاقليمية، سواء في ايران الشاه او تركيا اتاتورك.. حيث اقترنت الهزائم العربية امام الصهيونية دائما بالحديث عن الخيانة التي صارت صفة لصيقة للانظمة الرجعية العربية.
وفي السياق التاريخي تبلورت فرضية التلازم بين التحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين، وهو ما شهدناه جليا في ثورات شعوب دول شمال افريقيا العربية، التي تعلمت من مواجهتها الدامية مع الاستعمار كيف تكون اكثر التصاقا بالشعب الفلسطيني. فمعسكر الاعداء في المشرق العربي ومغربه كان يجمع بين الامبريالية والصهيونية والرجعية، عند التيارين الاساسيين لحركة التحرر في المنطقة، وخصوصا على ضفتي الخليج، بؤرة الصراع المحموم على موارد الطاقة.
ففي ايران كانت العلاقة وثيقة بين التحرر من الهيمنة الخارجية والنظام الشاهنشاهي، الخادم لها، والاخطبوط الصهيوني الذي يدير شبكة المصالح الامنية والتخريبية، ويقدم نفسه بأنه اليد الطويلة لضرب حركة الشعوب وطموحاتها في التحرر والاستقلال والتقدم.
من هنا يمكن استخلاص القواسم المشتركة التي طبعت معظم التمظهرات التي وسمت حركة التحرر العربية في القرن الماضي:
1-العداء للصهيونية ومواجهتها، واعتبار تحرير فلسطين اولوية مطلقة.
2- رفض وجود القوى الاستعمارية وقواعدها واحلافها وقيمها الثقافية.
3- العمل على اقامة اي شكل من اشكال الوحدة والتجمع مع تفاوت المنطلقات العقائدية لتعريف الامة وحدودها، واعتبارها عنوانا لمواجهة المشروع الصهيوني الغربي.
وهذه الاسس تأتي في مواجهة المشروع الاخر الذي تمثله السياسات الاميركية والصهيونية والذي يقوم على:
1- منع قيام كيان عربي او اسلامي جامع وكبير في المنطقة.
2- التعامل مع مكونات الامة الاجتماعية كوحدات مستقلة ومتنافرة، وتشويه الروابط بينها، والعمل على تأجيج صراعاتها وخلافاتها.
3- دعم وتشجيع التطبيع مع الكيان الصهيوني على اي مستوى كان، والتسليم بكونه امرا واقعا لا قدرة لاحد على زحزحته، بل والتعامل معه كأحد مكونات الجغرافيا السياسية وتاريخ المنطقة.
والسؤال الان بعد هذا التوصيف لواقع الحال في المنطقة ابان العقود الماضية، اين كانت كل من السعودية وايران من هذا الاصطفاف التاريخي على محاور الصراع في المنطقة؟
واضح جدا انهما كانتا بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 79 على طرفي نقيض.. ولم تكونا على ضفتي الخليج الملتهب المتقابلتين وحسب، بل على الضفتين المتقابلتين للصراع التاريخي في المنطقة..
ومن هنا يمكن ان نفهم ما رآه بعض المحللين من ان قاعدة العلاقة بين الدولتين هي الخلاف والتوتر والعداء.. وان التوافق ليس الا هدنة تكتيكية لا تغير المسار الاستراتيجي لكل منهما.. ليس بسبب الصراع على الزعامة!! ولا بسبب الاختلاف العقائدي المذهبي!! ولا هو صراع المصالح.. فهذه جميعا وان كانت لها نصيب من تغذية الصراع وتأجيجه، الا انها اعراض لعقدة الاصطفاف السياسي في شأن القضايا الاساسية في المنطقة.
والامام الخميني رضوان الله عليه، لم يفصل منذ انطلاق دعوته الثورية، بين التخلص من نظام الشاه العميل والمواجهة مع الصهيونية، التي تغتصب ارض فلسطين ومقدساتها. بل ان اكثر اقضايا التي اثارها الامام كمبرر للعداء مع النظام الدكتاتوري الملكي كانت علاقة الشاه المشبوهة مع النظام الصهيوني والامبريالية الاميركية او الاستكبار العالمي.
وبديهي ان يربط عالم دين وفقيه بحجم ورؤية الامام الخميني وبصيرته بين معركته التحررية والقيم الدينية، باعتبار ان الدين هو عقيدة الامة والرابط الاساسي لمكوناتها، بل هو جوهر وجودها وحضارتها ونهضتها، بعد ان كان سبب تشكلها التاريخي قبل الف واربعمئة عام.
فالامة ليست كيانا اقتصاديا او سياسيا طارئا، بل هي كيان روحي وثقافي وعقدي بالدرجة الاولى، تبنى عليه حدود الجغرافيا والمصالح والسياسات والتموضع الايديولوجي للشعوب.
والخمينية اذا جاز التعبير، او الفكر الثوري الذي ارسى دعائمه الامام الخميني في منطلقاته النظرية وحركته العملية، استطاع ان يرث كل معطيات الصراع التاريخي للامة، وابعاده الايديولوجية في المنطقة، واعاد صياغة كل ذلك ليتناسب مع رؤيته الدينية ومستجدات الصراع والمواجهة مع ثالوث الاعداء: قوى الاستكبار والصهيونية والرجعية او الانظمة العميلة.
ولا يحتاج الامر الى دليل للقول ان هذه العقيدة الثورية هي السبب الاساسي للعدوان الاميركي المستمر على ايران، بأشكال مختلفة من المؤامرات الامنية ومحاولات الغزو الى محاولات العبث بالجبهة الداخلية ودعم المعارضات وعناصر الانشقاق والصراعات الداخلية، ومن ثم الحصار العسكري والاقتصادي والسياسي، والتهديد الدائم بالحرب والغزو والعدوان، مباشرة بالقوة الاميركية او بالارهاب الصهيوني، الذي لا يتوانى قادة الكيان عن التباهي به.
وفي المقابل اين كنت السعودية على طول افق هذ الصراع، قبل وبعد الثورة الاسلامية في ايران؟ ولماذا تركز الهجوم السعودي والاسرائيلي على ايران منذ قيام الثورة حتى الان، دون بقية القوى والدول التي تدعم القضية الفلسطينية؟
يقول الدكتور اشرف محمد كشك في بحثه بعنوان معضلة متجددة.. امن الخليج في الرؤية الايرانية، يقول: تتسم العلاقات الايرانية الخليجية في بعض الاحيان بالتناقض. ففي الوقت الذي تشهد فيه تلك العلاقات العديد من التوترات بسبب بعض القضايا الخلافية نلاحظ ان هناك علاقات اقتصادية متميزة بين ايران وبعض دول مجلس التعاون.. وبالتالي تثار تساؤلات عديدة!
ويضيف: فقد بدا لافتا خلال العقد الماضي انه كلما ازدادت الضغوط الغربية على ايران بسبب الملف النووي ازدادت العلاقات الايرانية الخليجية توترا.. وهنا بيت القصيد.
التفسير البديهي للملاحظة الاولى التي ابداها الدكتور كشك عن التناقض في مشهد العلاقات بين الطرفين، سببه خطأ الفرضيات التي وضعت لفهم العلاقات في حالتي التوتر والتفاهم.. او عدم كفايتها على الاقل، لكشف جوهر الازمة. وباعتقادنا ان الخلاف المذهبي ليس سببا اوليا للصراع او العداء، بل هو ذريعة يلجأ اليها احد الطرفين لتضليل الرأي العام عن دوافعه الحقيقية، والتي قد تكون صادمة لجمهوره، من جهة، وللاستفادة من مخزون ثقافي سيء حفلت به مراحل تاريخية معروفة، لتغذية مشروعه السياسي الجديد.
صحيح ان هذا العامل يتحول الى احد العناوين البارزة للصراع والخلاف، واحد العوامل الاعلى صوتا، نظرا لحساسية العاطفة الدينية والمعتقدات المذهبية لدى القاعدة الشعبية، الا ان ذلك يجب الا يجر الباحثين للوقوع في هذه الخديعة، بما يبعدهم عن سلامة التشخيص وتحديد سبب العلة.
والنظام السعودي لا يبخل بتقديم الدليل على فساد هذه الذريعة:
اولا بتخليه عن العقيدة الوهابية وارتداداتها في البيئة السعودية، ووضع مشايخ الوهابية والصحوة على السواء، خارج دائرة الضوء والفعل السياسي، اما باسكاتهم او بسجنهم، وهذا ما هو حاصل اليوم. وهو ما يمكن ان يستعيد معارك الملك عبد العزيز مع قادة هذا التيار المعروف بأخوان من طاع الله الذين كانوا العمود الفقري لجيشه الذي احتل به بلاد الجزيرة، بعد ان كفروا اهلها، ثم تخلص منهم بالترويع والترغيب والقتل في معركة السبلة في 30 مارس 1929..
وثانيا بعدم التزام وحدة المعايير في علاقات النظام بخصومه او اعدائه او في علاقاته مع الاخر المختلف.. فالنظام الذي يناصب الشيعة واهل الحجاز العداء بناء على فتاوى المذهب الوهابي، لا يُحكِّم هذه الفتاوى ولا العقيدة الدينية في تعامله مع الدول الغربية ولا مع كيان الاحتلال.. فلو كان حريصا على العقيدة الصحيحة لفعَّلها في كل سياساته.
وباستعراض بسيط للمنهجية التي قاد بها النظام السعودي صراعاته الاقليمية، نجد انه تتنقل بين استخدام اسلحة الاسلام والعروبة والمذهبية، تباعا بحسب العدو المفترض والزمان. فإبان صراعه مع المد الناصري في ستينات القرن الماضي، قدم النظام السعودي نفسه حاملا للواء الدين ضد القومية الكافرة، بحسب فتاوى كبار العلماء حينها.. ثم جرد سيف العقيدة والحفاظ على الامة في مواجهة الاتحاد السوفياتي والمد الشيوعي الملحد!! لكنه واجه الثورة الاسلامية في ايران بداية براية الدفاع عن العروبة المهددة بالغزو الفارسي، وهو المنطق الذي تبناه النظام الصدامي الارعن حينها، ولا يزال صداه لدى ايتام صدام الى اليوم.. لكن النظام السعودي اضاف النغمة المذهبية والصراع الشيعي السني، عندما اراد ان يخوض معاركه داخل الدول العربية، لتكريس الاستقطاب واعادة اطلاق الوحش الارهابي، من عباءة التشدد الديني، واسطورة الصراع التاريخي. الحقيقة انه ليس مخلصا لاي من هذه الشعارات التي تمثل له ادوات للصراع، لا قيما يحافظ عليها.
وثالثا: لان فتاوى التكفير طالت طوائف متعددة من اهل السنة، ومناطق واقاليم مختلفة في الجزيرة العربية وخارجها، وكانت مجرد اداة غب الطلب للاستخدام السياسي. فالنظام السعودي لا يقيم علاقاته مع الاخرين على اساس ديني، بل هو يستخدم الخلافات الدينية كلما دعت الحاجة.. ولعل استراتيجية الترفيه والانفتاح المشوه التي يعتمدها النظام في السنوات الاخيرة، تكشف نفاقه في طرح الشعارات الدينية، وانتهازية القيادات الدينية التي يفرضها على رأس المؤسسات الدينية في المملكة.
الملاحظة الثانية التي وردت في بحث الدكتور كشك حول العلاقة الطردية بين سياسات الولايات المتحدة ورد الفعل السعودي تجاه ايران، اقرب الى الواقع واكثر دلالة على حقيقة السياسات السعودية.
فالنظام السعودي من حيث النشأة والدور الذي مارسه طيلة القرن الماضي، تاريخ هيمنته على القرار في هذه المنطقة من الجزيرة العربية، قام بدور وظيفي بارز في اطار المشروع الامبريالي في المنطقة. وعلى طول الخط كان يعادي من تعاديه الادارة الاميركية ويصالح من تصالحه، ويخوض الحروب ويفجر الازمات التي تتواءم مع تكتيتكات الامبريالية وصراعاتها الدولية.
فصراعات النظام السعودي وحروبه مع الناصرية والاحزاب القومية والشيوعية والاحتلال السوفياتي لافغانستان، وموقفه من الاحتلال الصهيوني وقضية فلسطين ومقدساتها، وتمويل الجماعات الجهادية وتشجيعها وشحنها بالفكر الوهابي، كلها جاءت في سياق السياسات الاميركية تجاه القوى المعنية..
والامر لا يختلف كثيرا عن ذلك الصراع المفتعل مع الجمهورية الاسلامية والنظام الثوري في ايران، بصرف النظر عن التكتيتكات والحيثيات الموضوعية لكل ازمة وكل صراع.
افق التعامل مع النظام السعودي
ونحن نعتقد ان العلاقات المتوترة بين البلدين المعنيين في هذا البحث، والنزعة العدائية للنظام السعودي تجاه الجمهورية الاسلامية ترجع الى سببين اساسيين:
الاول: هو طبيعة النظام السعودي المشوهة، وافتقاره للشرعية واحساسه الدائم بالتهديد.
الثاني: التموضع السياسي لهذا النظام الذي نشأ واستمر بفضل الدعم الغربي له. وارتهانه للعلاقة مع الراعي الاميركي اصبح نوعا من الادمان المرضي، لدى العائلة المالكة والحلقة الاقرب من المثقفين وتكنوقراط النظام..
كما ان الولايات المتحدة تعزز شعور النظام السعودي الدائم بأنه مهدد، لجعله عاجزا عن اقامة اي علاقة صداقة مع اي دولة قريبة.. عربية او غير عربية. وفي السنوات الست الماضية منذ تسلم الامير محمد بن سلمان السلطة، تفاقمت هذه الظاهرة، لاسباب شخصية ايضا، فتراوحت علاقاته مع محيطه بين البرودة والتجاهل والعدائية الى حد شن الحرب.. فهو لا يثق بأحد ولا احد يثق به.
اما التبعية للمشروع الاميركي فقد انعكست على فشل النظام في صياغة سياسات خارجية واضحة وثابته، ونحن لا نتحدث عن سياسات مستقلة، فهذا غير منتظر على الاطلاق. فهو لا يستطيع ان يقيم علاقات استراتيجية مع ايران، ولا مع تركيا، ولا غيرهما، حتى لو اراد. اذ ان الهامش المتاح له لا يتعدى المجال التكتيكي الضيق، ولا يمكنه التعامل مع موقف استراتيجي، او احداث نقلة حادة بين التحالفات العالمية.
وكل ما يمكن التعويل عليه هو اجباره على التهدئة المرحلية، بعد ان يستشعر الضعف والعزلة في سياق الانشغالات الكبرى للقوى الداعمة له. علاقة تبقى تكتيكية ومن الصعب التفكير بتجاوز هذا الحد في المنظور الحالي للنظام.
شروط نجاح العلاقة
ان كل ما تقدم لا يعني التخلي عن سياسة اليد الممدودة وعدم الانجرار الى سياسات التصعيد الخطيرة التي يندفع اليها النظام السعودي بلا مسؤولية.. على العكس فان هذه السياسة مطلوبة دائما لمواجهة فيروسات التحريض الاميركية والصهيونية، واقناع النظام السعودي بأنه لا يحتاج للحماية الاجنبية.. بل ان هناك بديلا آمنا واقل كلفة، بتعزيز العلاقات بين دول المنطقة والخضوع لمتطلبات الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة..
فهذه العائلة ادمنت على الدعم والحماية والرعاية الخارجية.. وعلى الرغم من امتلاكها ثروة طائلة لا تزال تتصرف بذهنية الضعيف العاجز. وهي تتمسك بالقواعد الغربية في الخليج. وترفض انسحاب اميركا من المنطقة. ولو ارادت اميركا تدمير اي دولة من دول المنطقة لقدمت لها المساعدة والغطاء وتحملت نفقات العدوان. وهي التي فجرت ازمة مع دولة شقيقة (لبنان) لها فيها مصالح واسعة، لان احد وزرائها وصف الحرب على اليمن بأنها عبثية، لكنها تقبل الاهانة المباشرة من الرئيس ترامب وسخريته من الملك شخصيا.. انها علاقة مرضية بكل ما تعنيه الكلمة، والشفاء منها يحتاج الى معجزة.!
بينما الطرف الاخر في هذه العلاقة المفترضة، يتبنى صراحة استراتيجية اخراج القواعد العسكرية الاجنبية من المنطقة، وقد واجه الامبريالية الاميركية باستمرار منذ قيام الجمهورية الاسلامية، وتحمل في سبيل ذلك التضحيات الجسام بشريا وماديا.. وكل المبادرات الايرانية تدعو الى علاقة شراكة بين دول المنطقة لادارة شؤونها العسكرية والامنية والاقتصادية والسيطرة على مواردها وممراتها المائية الحيوية، بل يرفض بحث علاقاته مع دول المنطقة في اطار مفاوضاته مع القوى العالمية الكبرى.
فكم يبدو من الصعب التوفيق بين الرؤيتين. واقصى الطموح المهادنة المرحلية، والمساكنة بين المتناقضات.
1- ان افق العلاقة بين السعودية وايران محكوم بالحضور الاميركي في هذه المنطقة. فما دامت واشنطن متمسكة بحضورها الثقيل ومصالحها الحيوية وسياساتها الصهيونية، لا يبدو من الممكن فصل النظام السعودي عن سياساتها. بمعنى ان هذه العلاقة جزء من توازنات المجتمع الدولي الذي يتجه اليوم لانعطافة واسعة، تنهي هيمنة القطب الواحد، وتعيد التوازن الى العلاقات الدولية.
2- ان انشغال الولايات المتحدة بحروب اخرى بعيدة قد يضعف اهتمامها نسبيا بهذه المنطقة، ولربما يفسح ذلك المجال لاشعار النظام السعودي بالحاجة الى مد جسور الثقة والتعاون مع القوى الاقليمية.
3- ان انزال المزيد من الهزائم في المشروع الاميركي في المنطقة، يساهم في اضعاف السطوة المعنوية الاميركية على ادواتها الاقليمية، وبالتالي يوسع من هامش المناورة لدى الانظمة التابعة، وفرص اقناعها بالعمل تبعا لقواعد العلاقات الاقليمية وليس كأداة لمشروع دولي.
4- ان حدوث تغيرات جوهرية في بنية النظام السعودي، تتجاوز المحاولات التجميلية الشكلية التي يلجأ اليها اليوم لكسب المقبولية لدى الرأي العام الغربي. فالمطلوب هو افساح المجال للشعب السعودي بكل فئاته للانتقال من وضعية الرعية للحاكم المطلق الى حالة الشعب المتمتع بالحقوق والواجبات، عبر المشاركة السياسية، بما يخضع النظام لموازين القوى الداخلية والمصالح الوطنية. فذلك قد يتيح التعامل مع نظام طبيعي كبقية الانظمة في المنطقة.
5- ان سياسات تبريد الازمات في المنطقة يخفف من الاحتقان بين القطبين الاقليميين السعودية وايران، ويسهم في نزع اسنان السياسات السعودية القائمة على التوتير والعداء والتشنج.
وفي ما عدا ذلك فان افق العلاقة مع النظام السعودي لا تتعدى المستوى المرحلي والتكتيكي، ليس مع ايران وحسب بل مع كل القوى الاقليمية الاساسية بما فيها تركيا وباكستان، وان بنسب مختلفة.
===========