مقالات أخرى
أخر الأخبار

بعد البترودولار : السعودية والقاتل الاقتصادي الجديد

كشف جون بيركنز في كتابه (اعترافات قاتل اقتصادي) Confessions of Economic  Hitman   الصادر سنة 2004 عن دور الولايات المتحدة، ودوره شخصيًا، في استخدام أدوات اقتصادية لإخضاع الدول النامية دون الحاجة للتدخل العسكري المباشر، من خلال إغراقها بالديون واستغلال مواردها عن طريق:

ـ إقناع الدول بقبول قروض ضخمة لتمويل مشاريع تنموية.

ـ تحميلها ديونًا تعجز عن سدادها، ما يجعلها رهينة للمؤسسات الأمريكية.

ـ فرض شروط اقتصادية وسياسية مقابل الإعفاء أو إعادة الجدولة (مثل خصخصة الموارد، دعم سياسات معينة، التطبيع… إلخ).

ـ التدخل في السيادة الوطنية إذا رفضت الأنظمة الانصياع (عبر الانقلابات أو حتى التدخلات العسكرية).

وقد خصّ بيركنز المملكة السعودية بجزء من مكاشفته أسرار جريمته الاقتصادية. في حالة السعودية كان الأمر مختلفًا، فإن القاتل الاقتصادي، أي بيركنز، كان له دور آخر غير الإقراض وإغراق البلد المستهدف بالديون، وإنما يتمثل في سرقة ثروات الدول الغنيّة (النفطية هنا) مثل الكويت والسعودية والعراق وايران، هذه الدول التي كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يشنّع عليها ويُطلق صيحة استهزاء ضدها، وفي كل مرة، كانت كلماته اللاذعة مُعادية للإسلام: “كلاب المسلمين”، “وحوش محمد”، و”شياطين المسلمين”.

من نافلة القول، إن جون بيركنز هو خبير اقتصادي وكاتب أمريكي، اشتهر بعد نشره هذا الكتاب، بعد أن كشف عن دوره السابق كـ”قاتل اقتصادي”، حيث كان يعمل على إقناع الدول النامية بأخذ قروض ضخمة من المؤسّسات المالية الدولية، مما يؤدي إلى وقوعها في فخ الديون والسيطرة الاقتصادية. ولفت بيركنز إلى آلية استخدام القروض كأداة للهيمنة السياسية والاقتصادية، حيث تُجبر الدول المدينة على تقديم تنازلات استراتيجية، مثل دعم سياسات معينة أو السماح بوجود عسكري أمريكي على أراضيها.

عاش بيركنز برهة من الزمن في المملكة السعودية، وأعدّ خطة السيطرة على اقتصادها، عن طريق ربط البترول بالدولار. وفي فصل بعنوان (قضية غسيل الأموال في المملكة السعودية) كتب تجربته مع الدولة السعودية، ونرى بأن عرض تفاصيلها هنا مجديًا لفهم العقل السياسي والاستراتيجي الأميركي وطريقة تعاطيه مع حلفائه الصغار في غرب آسيا، وهي تفاصيل تستحق القراءة مجددًا، لارتباطها بالواقع الراهن. يقول ما نصّه:

في عام 1974، أراني دبلوماسي سعودي صورًا للرياض، عاصمة بلاده، وتضمنت هذه الصور قطيعًا من الماعز ينبش بين أكوام النفايات خارج مبنى حكومي. عندما سألت الدبلوماسي عنها، صدمني رده. أخبرني أنها نظام التخلص من النفايات الرئيسي في المدينة.

قال: “لا يوجد سعودي يحترم نفسه يجمع القمامة أبدًا. نتركها للوحوش”.

ماعز! في عاصمة أعظم مملكة نفطية في العالم. بدا الأمر لا يُصدق.

في ذلك الوقت، كنتُ واحدًا من مجموعة من الاستشاريين الذين بدأوا للتو في محاولة إيجاد حل لأزمة النفط (يقصد تداعيات الحظر النفطي في حرب أكتوبر 1973). قادتني تلك الماعز إلى فهم كيفية تطور هذا الحل، لا سيما بالنظر إلى نمط التنمية في البلاد على مدى القرون الثلاثة الماضية.

تاريخ المملكة السعودية حافل بالعنف والتعصب الديني. وفي القرن الثامن عشر، انضم محمد بن سعود، أمير حرب محلي، إلى الأصوليين من الطائفة الوهابية المتشددة. كان اتحادًا قويًا، وخلال المائتي عام التالية، سيطرت عائلة آل سعود وحلفاؤهم الوهابيون على معظم شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك أقدس المواقع الإسلامية، مكة والمدينة.

ساهمت النظرة السعودية للدين كعنصرٍ مهم في السياسة والاقتصاد في حظر النفط الذي هزّ العالم الغربي. في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 (يوم الغفران، أقدس الأعياد اليهودية)، شنّت مصر وسوريا هجمات متزامنة على إسرائيل. كانت تلك بداية حرب أكتوبر، الحرب الرابعة والأكثر تدميراً بين الحروب العربية الإسرائيلية، والتي كان لها الأثر الأكبر على العالم. ضغط الرئيس المصري أنور السادات على الملك السعودي فيصل للرد على تواطؤ الولايات المتحدة مع إسرائيل باستخدام ما أسماه السادات “سلاح النفط”. في 16 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت إيران ودول الخليج العربية الخمس، بما فيها السعودية، عن زيادة بنسبة 70% في سعر النفط المعلن.

في اجتماعهم بمدينة الكويت، بحث وزراء النفط العرب خيارات أخرى. أيّد الممثل العراقي بشدة استهداف الولايات المتحدة. ودعا الوفود الأخرى إلى تأميم الشركات الأمريكية في العالم العربي، وفرض حظر نفطي شامل على الولايات المتحدة وجميع الدول الأخرى الصديقة لإسرائيل، وسحب الأموال العربية من جميع البنوك الأمريكية. أشار إلى أن الحسابات المصرفية العربية ضخمة، وأن هذا الإجراء قد يُثير ذعرًا لا يختلف عن ذعر عام 1929.

تردد وزراء عرب آخرون في الموافقة على خطة جذرية كهذه، لكنهم قرروا في 17 أكتوبر/تشرين الأول المضي قدمًا بحظر محدود، يبدأ بخفض الإنتاج بنسبة 5٪، ثم يُفرض تخفيض إضافي بنسبة 5٪ شهريًا حتى تحقيق أهدافهم السياسية. واتفقوا على معاقبة الولايات المتحدة على موقفها المؤيد لإسرائيل، وبالتالي فرض أشد حصار عليها.

أعلنت عدة دول حضرت الاجتماع أنها ستُطبّق تخفيضات بنسبة 10%، بدلاً من 5%. وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، طلب الرئيس نيكسون من الكونغرس مساعدات بقيمة 2.2 مليار دولار لإسرائيل. وفي اليوم التالي، فرضت المملكة السعودية ودول عربية أخرى منتجة للنفط حظراً شاملاً على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة.

انتهى حظر النفط في 18 مارس/آذار 1974. كانت مدته قصيرة، لكن تأثيره هائل. قفز سعر بيع النفط السعودي من 81.39 دولار للبرميل في 1 يناير/كانون الثاني 1970 إلى 88.32 دولار في 1 يناير/كانون الثاني 1974. لن ينسى السياسيون والإدارات اللاحقة الدروس المستفادة خلال الفترة من أوائل إلى منتصف السبعينيات. على المدى البعيد، ساهمت صدمة تلك الأشهر القليلة في تعزيز سلطة الشركات؛ حيث ارتبطت أركانها الثلاثة – الشركات الكبرى، والبنوك الدولية، والحكومة – بشكل غير مسبوق. واستمر هذا الارتباط.

أدى الحظر أيضًا إلى تغييرات جوهرية في المواقف والسياسات. فقد أقنع وول ستريت وواشنطن بأنه لا يمكن التسامح مع مثل هذا الحظر مجددًا. لطالما كانت حماية إمداداتنا النفطية أولوية؛ وبعد عام 1973، أصبحت هاجسًا. عزز الحظر مكانة المملكة السعودية كلاعب مؤثر في السياسة العالمية، وأجبر واشنطن على إدراك الأهمية الاستراتيجية للمملكة لاقتصادنا. علاوة على ذلك، شجع الحظر قادة الشركات الأمريكية على البحث بشكل يائس عن أساليب لإعادة أموال النفط إلى أمريكا، والتأمل في افتقار الحكومة السعودية للأطر الإدارية والمؤسسية اللازمة لإدارة ثرواتها المتنامية بشكل سليم.

بالنسبة للمملكة السعودية، كان الدخل الإضافي من النفط الناتج عن ارتفاع الأسعار نعمةً ونقمةً في آنٍ واحد. فقد ملأ الخزائن الوطنية بمليارات الدولارات؛ ومع ذلك، فقد ساهم أيضًا في تقويض بعض المعتقدات الدينية المتشددة للوهابيين. سافر أثرياء السعودية حول العالم. التحقوا بالمدارس والجامعات في أوروبا والولايات المتحدة. اشتروا سيارات فاخرة وجهزوا منازلهم بمنتجات غربية الطراز. استُبدلت المعتقدات الدينية المحافظة بنوع جديد من المادية، وقد مثّل هذا النوع حلاً لمخاوف أزمات النفط المستقبلية.

فور انتهاء الحظر تقريبًا، بدأت واشنطن التفاوض مع السعوديين، مقدمةً لهم الدعم الفني والمعدات العسكرية والتدريب، وفرصةً لتحديث بلادهم، مقابل عائدات النفط، والأهم من ذلك، ضماناتٍ بعدم تكرار حظر النفط. أسفرت المفاوضات عن نشوء حالةٍ استثنائيةٍ للغاية.

اللجنة الاقتصادية المشتركة الأمريكية السعودية، عُرفت هذه اللجنة باسم “جيكور”، وجسّدت مفهومًا مبتكرًا يتناقض تمامًا مع برامج المساعدات الخارجية التقليدية: إذ اعتمدت على الأموال السعودية لتوظيف شركات أمريكية لبناء المملكة السعودية.

ورغم تفويض الإدارة العامة والمسؤولية المالية إلى وزارة الخزانة الأمريكية، إلا أن هذه اللجنة تمتعت باستقلالية بالغة. وفي نهاية المطاف، أنفقت مليارات الدولارات على مدى أكثر من خمسة وعشرين عامًا، دون أي رقابة من الكونغرس تقريبًا. ونظرًا لعدم وجود تمويل أمريكي، لم يكن للكونغرس أي سلطة في هذا الأمر، على الرغم من دور وزارة الخزانة. بعد دراسة مستفيضة لـ”جيكور”، خلص ديفيد هولدن وريتشارد جونز إلى أنها “كانت الاتفاقية الأوسع نطاقًا من نوعها التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دولة نامية على الإطلاق. وكان من شأنها ترسيخ مكانة الولايات المتحدة في المملكة، وتعزيز مفهوم الترابط المتبادل”.

استعانت وزارة الخزانة بشركة “مين” Main  في مرحلة مبكرة للعمل كمستشار. استُدعيتُ ـ والكلام لبيركنز ـ وأُبلغتُ بأن وظيفتي ستكون بالغة الأهمية، وأن كل ما فعلتُه وتعلمتُه يجب أن يُعامل بسرية تامة. من وجهة نظري، بدا الأمر أشبه بعملية سرية. في ذلك الوقت، أوهمتُ بأن شركة MAIN هي المستشار الرئيسي في تلك العملية؛ ثم أدركتُ لاحقًا أننا كنا من بين عدة استشاريين طُلبت خبرتهم.

بما أن كل شيء كان يتم بسرية تامة، لم أكن مطّلعًا على مناقشات وزارة الخزانة مع استشاريين آخرين، ولذلك لا يمكنني الجزم بأهمية دوري في هذه الصفقة التي تُرسي سابقة. أعلم أن هذه الاتفاقية وضعت معايير جديدة لجرائم القتل الاقتصادي، وأنها أطلقت بدائل مبتكرة للأساليب التقليدية لتعزيز مصالح الإمبراطورية. كما أعلم أن معظم السيناريوهات التي تطورت من دراستي قد طُبقت في النهاية، وأن شركة MAIN قد مُنحت أحد أوائل العقود الرئيسية – والمربحة للغاية – في المملكة السعودية، وأنني حصلتُ على مكافأة كبيرة في ذلك العام.

كانت مهمتي وضع توقعات لما قد يحدث في المملكة السعودية إذا استُثمرت مبالغ طائلة في بنيتها التحتية، ووضع خطط لسيناريوهات إنفاق تلك الأموال. باختصار، طُلب مني بذل أقصى جهد ممكن من الإبداع لتبرير ضخ مئات الملايين من الدولارات في الاقتصاد السعودي، في ظل ظروف تشمل شركات الهندسة والإنشاءات الأمريكية.

طُلب مني القيام بذلك بمفردي، لا بالاعتماد على موظفيّ، وعُزلتُ في غرفة اجتماعات صغيرة تقع فوق مبنى مؤلف من عدة طوابق. حُذِّرتُ من أن وظيفتي مسألة أمن قومي، وربما مربحة جدًا لشركة مين.

أدركتُ، بالطبع، أن الهدف الأساسي هنا لم يكن الهدف المعتاد – إثقال كاهل هذا البلد بديون لا يمكنه سدادها أبدًا – بل إيجاد سبل تضمن عودة جزء كبير من عائدات النفط إلى الولايات المتحدة. في هذه العملية، ستنخرط المملكة السعودية، وسيزداد تشابك اقتصادها مع اقتصادنا واعتماده عليه، ومن المفترض أن يزداد ميلها للثقافة الغربية، وبالتالي تعاطفها واندماجها في نظامنا.

بمجرد أن بدأتُ العمل، أدركتُ أن الماعز التي تتجول في شوارع الرياض هي المفتاح الرمزي؛ لقد كانت نقطة خلاف بين السعوديين الذين يسافرون حول العالم ببذخ. كانت تلك الماعز تتوسل لاستبدالها بشيء أكثر ملاءمة لهذه المملكة الصحراوية التي تتوق إلى الانضمام إلى العالم الحديث. كنت أعلم أيضًا أن اقتصاديي أوبك كانوا يؤكدون على ضرورة حصول الدول الغنية بالنفط على منتجات ذات قيمة مضافة أكبر من نفطها. فبدلًا من الاكتفاء بتصدير النفط الخام، كان الاقتصاديون يحثون هذه الدول على تطوير صناعاتها الخاصة، واستخدام هذا النفط لإنتاج منتجات بترولية يمكنها بيعها لبقية العالم بسعر أعلى من سعر النفط الخام نفسه.

فتح هذا الإدراك المزدوج الباب أمام استراتيجية كنت متأكدًا من أنّها ستكون مربحة للجميع. لم تكن الماعز، بالطبع، سوى نقطة دخول. يمكن توظيف عائدات النفط في خدمة شركات أمريكية لاستبدال الماعز بأحدث نظام عالمي لجمع النفايات والتخلص منها، ويمكن للسعوديين أن يفخروا بهذه التكنولوجيا المتطورة.

بدأتُ أفكر في الماعز كجانب واحد من معادلة يمكن تطبيقها على معظم القطاعات الاقتصادية في المملكة، وهي صيغة للنجاح في نظر العائلة المالكة، ووزارة الخزانة الأمريكية، ورؤسائي في شركة مين. بموجب هذه الصيغة، ستُخصص الأموال لإنشاء قطاع صناعي يركز على تحويل النفط الخام إلى منتجات نهائية للتصدير. ستنشأ مجمعات بتروكيماوية ضخمة في الصحراء، وحولها مدن صناعية ضخمة. وبطبيعة الحال، ستتطلب هذه الخطة أيضًا بناء آلاف الميجاوات من قدرة توليد الكهرباء.

خطوط النقل والتوزيع، والطرق السريعة، وخطوط الأنابيب، وشبكات الاتصالات، وأنظمة النقل، بما في ذلك المطارات الجديدة، والموانئ البحرية المُحسّنة، ومجموعة واسعة من قطاعات الخدمات، والبنية التحتية الأساسية لتشغيل جميع هذه العناصر.

كانت لدينا جميعًا توقعات عالية بأن تتطور هذه الخطة لتصبح نموذجًا يُحتذى به في بقية العالم. سيُشيد بنا السعوديون الذين يجوبون العالم؛ وسيدعون قادة من دول عديدة لزيارة المملكة السعودية ومشاهدة المعجزات التي حققناها؛ ثم سيطلبون منا مساعدتهم في وضع خطط مماثلة لبلدانهم – وفي معظم الحالات، للدول خارج نطاق أوبك – لترتيب تمويلها من خلال البنك الدولي أو غيره من أساليب التمويل المُثقلة بالديون. ستكون الإمبراطورية العالمية في وضع جيد.

بينما كنتُ أدرس هذه الأفكار، فكرتُ في الماعز، وكثيرًا ما كانت كلمات سائقي تتردد في أذني: “لن يجمع أي سعودي يحترم نفسه القمامة أبدًا”. كنتُ أسمع هذه العبارة مرارًا وتكرارًا، في سياقات مختلفة. كان من الواضح أن السعوديين لا ينوون تشغيل مواطنيهم في مهام شاقة، سواءً كعمال في المنشآت الصناعية أو في الإنشاءات الفعلية لأي من المشاريع. في المقام الأول، كان عددهم قليلًا جدًا. علاوة على ذلك، أبدى آل سعود التزامهم بتوفير مستوى تعليمي ونمط حياة لا يتوافقان مع مستوى العمالة اليدوية. قد يتمكن السعوديون من إدارة شؤون الآخرين، لكن لا رغبة لديهم ولا دافع لديهم ليصبحوا عمال مصانع وبناء. لذلك، كان من الضروري استيراد القوى العاملة من دول أخرى – دول ذات عمالة رخيصة ويحتاج الناس فيها إلى العمل. وإذا أمكن، ينبغي أن تأتي العمالة من دول شرق أوسطية أو إسلامية أخرى، مثل مصر وفلسطين وباكستان واليمن.

وخلق هذا الاحتمال استراتيجية جديدة أكثر فعالية لفرص التنمية. كان لا بد من بناء مجمعات سكنية ضخمة لهؤلاء العمال، وكذلك مراكز التسوق والمستشفيات ومرافق الإطفاء والشرطة ومحطات معالجة المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء والاتصالات والنقل. في الواقع، ستكون النتيجة النهائية بناء مدن حديثة حيث لم تكن سوى الصحاري. وهنا أيضًا، أتيحت الفرصة لاستكشاف التقنيات الناشئة، على سبيل المثال، في محطات تحلية المياه، وأنظمة الموجات الدقيقة، ومجمعات الرعاية الصحية، وتقنيات الحاسوب.

كانت المملكة السعودية بمثابة حلم تحقق لرجل تخطيط. كان ذلك إنجازًا مُحققًا لكل من ارتبط بأعمال الهندسة والبناء. فقد وفّرت فرصةً اقتصاديةً لا مثيل لها في التاريخ: دولةٌ ناميةٌ ذات موارد ماليةٍ هائلة، ورغبةٌ في دخول العصر الحديث بقوةٍ وسرعةٍ كبيرة.

يجب أن أعترف أنني استمتعتُ بهذه الوظيفة كثيرًا. لم تكن هناك بياناتٌ موثوقةٌ متاحةٌ في المملكة السعودية، أو في مكتبة بوسطن العامة، أو في أي مكانٍ آخر، تُبرّر استخدام النماذج الاقتصادية القياسية في هذا السياق. في الواقع، إن ضخامة المهمة – التحول الشامل والفوري لأمةٍ بأكملها على نطاقٍ لم يسبق له مثيل – تعني أنه حتى لو وُجدت بياناتٌ تاريخية، لما كانت ذات صلة.

ولم يكن أحدٌ يتوقع هذا النوع من التحليل الكمي، على الأقل ليس في هذه المرحلة من اللعبة. لقد أطلقتُ العنان لخيالي ببساطة، وكتبتُ تقاريرَ تصوّرت مستقبلًا باهرًا للمملكة. كانت لديّ أرقامٌ عامةٌ أستطيع استخدامها لتقدير أمورٍ مثل التكلفة التقريبية لإنتاج ميغاواط واحد من الكهرباء، أو ميلٍ من الطرق، أو ما يكفي من المياه والصرف الصحي والسكن والغذاء والخدمات العامة لعاملٍ واحد. لم يكن من المفترض أن أُحسّن هذه التقديرات أو أن أستخلص استنتاجاتٍ نهائية. كانت مهمتي ببساطة وصف سلسلةٍ من الخطط (أو بالأحرى “رؤى”) لما قد يكون ممكنًا، والتوصل إلى تقديراتٍ تقريبيةٍ للتكاليف المرتبطة بها.

لطالما وضعتُ نصب عينيّ الأهداف الحقيقية: تعظيم العائدات للشركات الأمريكية، وزيادة اعتماد المملكة السعودية على الولايات المتحدة. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لأُدرك مدى ترابط الهدفين؛ فجميع المشاريع المُطوّرة حديثًا تقريبًا ستتطلب تحديثًا وصيانةً مستمرين، وكانت تقنيةً للغاية بما يضمن أن الشركات التي طوّرتها في الأصل ستضطر إلى صيانتها وتحديثها. في الواقع، ومع تقدّمي في عملي، بدأتُ في إعداد قائمتين لكل مشروع من المشاريع التي تخيلتها: واحدة لأنواع عقود التصميم والبناء التي يمكن توقعها، وأخرى لاتفاقيات الخدمة والإدارة طويلة الأجل. ستحقق شركات مين، وبكتل، وبراون آند روت، وهاليبرتون، وستون آند ويبستر، والعديد من المهندسين والمقاولين الأمريكيين الآخرين أرباحًا طائلة لعقود قادمة.

إضافة إلى الجانب الاقتصادي البحت، كان هناك تطور آخر سيجعل المملكة السعودية معتمدة علينا، وإن كان بطريقة مختلفة تمامًا. سيؤدي تحديث هذه المملكة الغنية بالنفط إلى ردود فعل سلبية. على سبيل المثال، سيغضب المسلمون المحافظون؛ ستشعر الدول المجاورة الأخرى بالتهديد. ومن المرجح أن يُفضي التطور الاقتصادي لهذه الأمة إلى نمو صناعة أخرى: حماية شبه الجزيرة العربية. ويمكن للشركات الخاصة المتخصصة في هذه الأنشطة، بالإضافة إلى الجيش الأمريكي وصناعة الدفاع، أن تتوقع عقودًا سخية – ومرة ​​أخرى، اتفاقيات خدمة وإدارة طويلة الأجل. سيتطلب وجودهم مرحلة أخرى من مشاريع الهندسة والبناء، بما في ذلك المطارات ومواقع الصواريخ وقواعد الأفراد وجميع البنى التحتية المرتبطة بهذه المرافق.

أرسلتُ تقاريري في مظاريف مختومة عبر البريد الداخلي، موجهة إلى “مدير مشروع وزارة الخزانة”. التقيتُ أحيانًا بعضوين آخرين من فريقنا – نواب الرئيس في شركة MAIN ورؤسائي. لم يكن لدى سينكاوي اسم رسمي لهذا المشروع، الذي كان لا يزال في مرحلة البحث والتطوير ولم يكن جزءًا من JECOR بعد، كنا نشير إليه فقط – وبأصوات خافتة – باسم SAMA. ظاهريًا، كان هذا يرمز إلى قضية غسل الأموال السعودية، ولكنّه كان أيضًا تلاعبًا بالألفاظ على سبيل المزاح. كان يُطلق على البنك المركزي للمملكة اسم مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما).

كان ينضم إلينا أحيانًا ممثل من وزارة الخزانة. كنت أطرح بعض الأسئلة خلال هذه الاجتماعات. في الغالب، كنت أصف عملي، وأرد على تعليقاتهم، وأوافق على محاولة القيام بكل ما يُطلب مني. أعجب نواب الرئيس وممثلو وزارة الخزانة بشكل خاص بأفكاري حول اتفاقيات الخدمة والإدارة طويلة الأجل. دفع ذلك أحد نواب الرئيس إلى صياغة عبارة كنا نستخدمها كثيرًا بعد ذلك، مشيرًا إلى المملكة بأنها “البقرة التي نحلبها حتى تغرب شمس تقاعدنا”. بالنسبة لي، لطالما كانت هذه العبارة تُذكرني بالماعز بدلًا من الأبقار.

خلال تلك الاجتماعات، أدركت أن العديد من منافسينا كانوا منخرطين في مهام مماثلة، وأننا جميعًا توقعنا في النهاية الحصول على عقود مربحة نتيجة لجهودنا. افترضت أن شركة مين والشركات الأخرى كانت تتحمل تكلفة هذا العمل التمهيدي، مُخاطرةً على المدى القصير لدخول المنافسة. تعزز هذا الافتراض بأن المبلغ الذي كنت أحتسبه على وقتي في سجلاتنا الشخصية اليومية بدا وكأنه حساب نفقات عامة وإدارية. وكان هذا النهج شائعًا في مرحلة البحث والتطوير/إعداد المقترحات في معظم المشاريع. في هذه الحالة،

بالتأكيد تجاوز الاستثمار الأولي المعدل الطبيعي بكثير، لكن نواب الرئيس بدوا واثقين للغاية من العائد. على الرغم من علمنا بمشاركة منافسينا أيضًا، افترضنا جميعًا أن العمل كافٍ. كنتُ أيضًا، وقد أمضيتُ في هذا المجال فترةً طويلةً كافيةً للاعتقاد بأن المكافآت الممنوحة ستعكس مدى قبول وزارة الخزانة للعمل الذي أنجزناه، وأن الاستشاريين الذين وضعوا النهج الذي طُبّق أخيرًا سيحصلون على أفضل العقود. اعتبرتُ وضع سيناريوهاتٍ تصل إلى مرحلة التصميم والبناء تحديًا شخصيًا. كان نجمي يسطع بسرعة في شركة MAIN. كوني لاعبًا رئيسيًا في شركة SAMA سيضمن تسريع وتيرة العمل، في حال نجاحنا.

خلال اجتماعاتنا، ناقشنا أيضًا بصراحة احتمالية أن تُرسي شركة SAMA وكامل عمليات شركة JECOR سابقةً جديدة. لقد مثّل ذلك نهجًا مبتكرًا لخلق فرص عمل مربحة في دولٍ لا تحتاج إلى تحمل ديون من خلال البنوك الدولية. وتبادرت إلى ذهني إيران والعراق كمثالين إضافيين على هذه الدول. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى الطبيعة البشرية، شعرنا أن قادة هذه الدول سيميلون على الأرجح إلى محاولة محاكاة المملكة السعودية. ولم يكن هناك شك يُذكر في أن حظر النفط عام 1973- الذي بدا في البداية سلبيًا للغاية – سيُفضي في نهاية المطاف إلى تقديم العديد من الهدايا غير المتوقعة لقطاع الهندسة والبناء، وسيُسهم في تمهيد الطريق نحو إمبراطورية عالمية.

عملتُ على تلك المرحلة الرؤيوية لحوالي ثمانية أشهر – وإن لم أمتدّ لأكثر من بضعة أيام مكثفة في كل مرة – منعزلاً في غرفة اجتماعاتي الخاصة أو في شقتي المُطلة على بوسطن كومن. كان لدى جميع موظفيّ مهام أخرى، وكانوا يُديرون شؤونهم بأنفسهم تقريبًا، مع أنني كنت أتحقق منهم دوريًا. بمرور الوقت، تضاءل التكتم حول عملنا. وأصبح المزيد من الناس على دراية بأن شيئًا كبيرًا يتعلق بالسعودية يجري. ازداد الحماس، وانتشرت الشائعات. أصبح نواب الرئيس وممثلو وزارة الخزانة أكثر انفتاحًا – جزئيًا، على ما أعتقد، لأنهم أصبحوا هم أنفسهم مُطلعين على المزيد من المعلومات مع ظهور تفاصيل المخطط المُبتكر.

بموجب هذه الخطة المتطورة، أرادت واشنطن من السعوديين ضمان الحفاظ على إمدادات النفط وأسعاره عند مستويات قابلة للتقلّب، مع الحفاظ على قبول الولايات المتحدة وحلفائها لها. فإذا هددت دول أخرى، مثل إيران والعراق وإندونيسيا وفنزويلا، بفرض حظر، فإن المملكة السعودية، بإمداداتها النفطية الهائلة، ستتدخل لسد الفجوة؛ فمجرد معرفتها بإمكانية قيامها بذلك سيثني، على المدى البعيد، الدول الأخرى عن مجرد التفكير في فرض حظر. في مقابل هذا الضمان، ستقدم واشنطن لآل سعود صفقة مغرية للغاية: التزام بتقديم دعم سياسي أمريكي كامل وواضح، ودعم عسكري – إذا لزم الأمر – لضمان استمرار وجودهم كحكام لبلادهم.

كانت صفقة يصعب على آل سعود رفضها، نظرًا لموقعهم الجغرافي، وافتقارهم للقوة العسكرية، وضعفهم العام أمام جيرانهم مثل إيران وسوريا والعراق و”إسرائيل”. لذا، بطبيعة الحال، استغلت واشنطن ميزتها لفرض شرط حاسم آخر، شرط أعاد تعريف دور القتلة الاقتصاديين في العالم، وشكّل نموذجًا سنحاول تطبيقه لاحقًا في دول أخرى، لا سيما في العراق. وبالنظر إلى الماضي، أجد أحيانًا صعوبة في فهم كيف استطاعت السعودية قبول هذا الشرط. لا شك أن معظم بقية العالم العربي، وأوبك، ودولًا إسلامية أخرى، شعروا بالفزع عندما اكتشفوا شروط الصفقة والطريقة التي رضخت بها العائلة المالكة لمطالب واشنطن.

كان الشرط أن تستخدم السعودية دولاراتها النفطية لشراء سندات حكومية أمريكية؛ وفي المقابل، ستنفق وزارة الخزانة الأمريكية الفوائد التي تجنيها من هذه السندات بطرق تُمكّن السعودية من الخروج من مجتمع القرون الوسطى إلى العالم الصناعي الحديث. بمعنى آخر، ستُستخدم الفوائد المركبة على مليارات الدولارات من دخل المملكة النفطي لدفع رواتب الشركات الأمريكية لتحقيق رؤيتي (وربما رؤية أيضًا بعض منافسيّ)، وهي تحويل المملكة السعودية إلى قوة صناعية حديثة. ستُعيّننا وزارة الخزانة الأمريكية، على نفقة المملكة السعودية، لبناء مشاريع بنية تحتية، بل وحتى مدن بأكملها في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.

ومع أن السعوديين احتفظوا بحق إبداء الرأي بشأن الطبيعة العامة لهذه المشاريع، إلا أن الواقع كان أن نخبة من الأجانب (معظمهم من الكفار في نظر المسلمين) ستُحدد المظهر المستقبلي والتركيبة الاقتصادية لشبه الجزيرة العربية. وسيحدث هذا في مملكة قائمة على المبادئ الوهابية المحافظة وتُدار وفقًا لها لعدة قرون. بدا الأمر وكأنه قفزة ثقة هائلة من جانبهم، ولكن في ظل الظروف الراهنة، وبسبب الضغوط السياسية والعسكرية التي مارستها واشنطن بلا شك، كنت أظن أن آل سعود شعروا بقلة البدائل.

من وجهة نظرنا، بدت احتمالات تحقيق أرباح هائلة لا حدود لها. لقد كانت صفقةً مُرضيةً ذات قدرة على إرساء سابقةٍ مذهلة. ولجعل الصفقة أكثر جاذبية، لم يضطر أحدٌ للحصول على موافقة الكونغرس – وهي عمليةٌ تكرهها الشركات، وخاصةً الشركات المملوكة للقطاع الخاص مثل بيكتل ومين، التي تُفضل عدم الكشف عن دفاترها أو مشاركة أسرارها مع أي شخص. يُلخص توماس دبليو ليبمان، الباحث المُساعد في معهد الشرق الأوسط والصحفي السابق، ببلاغة النقاط البارزة في هذه الصفقة:

سيُسلم السعوديون، المُثقلون بالأموال، مئات الملايين من الدولارات إلى وزارة الخزانة، التي تحتفظ بالأموال حتى الحاجة إليها لدفع مستحقات البائعين أو الموظفين. كفل هذا النظام إعادة تدوير الأموال السعودية في الاقتصاد الأمريكي… كما ضمن قدرة مديري اللجنة على تنفيذ أي مشاريع يتفقون هم والسعوديون على فائدتها دون الحاجة إلى تبريرها أمام الكونغرس.

استغرق وضع معايير هذا المشروع التاريخي وقتًا أقل مما كان يتصوره أحد. لكن بعد ذلك، كان علينا إيجاد طريقة لتنفيذه. ولبدء العملية، أُرسل مسؤول حكومي رفيع المستوى إلى المملكة السعودية – في مهمة سرية للغاية. لم أكن متأكدًا من ذلك، لكنني أعتقد أن المبعوث كان هنري كيسنجر.

مهما كان المبعوث، كانت مهمته الأولى تذكير العائلة المالكة بما حدث في إيران المجاورة عندما حاول مصدق إقصاء شركات النفط البريطانية. بعد ذلك، كان سيعرض خطة جذابة للغاية بحيث لا يمكنهم رفضها، مما يُوحي للسعوديين بقلة البدائل المتاحة لهم. لا شك لديّ أنهم تركوا انطباعًا واضحًا بأنهم إما أن يقبلوا عرضنا، وبالتالي يحصلوا على ضمانات بدعمنا وحمايتنا لهم كحكام، أو أن يرفضوه – ويسلكوا طريق مصدق. عندما عاد المبعوث إلى واشنطن، حمل معه رسالة مفادها أن السعوديين يرغبون في الامتثال.

كانت هناك عقبة طفيفة واحدة فقط. كان علينا إقناع الأطراف الرئيسية في الحكومة السعودية. وقد أُبلغنا أن هذه مسألة عائلية. لم تكن المملكة السعودية دولة ديمقراطية، ومع ذلك بدا أن هناك حاجة إلى توافق داخل آل سعود.

في عام 1975، عُيّنتُ مسؤولًا عن أحد هؤلاء الأطراف الرئيسية. لطالما اعتبرته الأمير دبليو، مع أنني لم أتأكد قط من أنه كان ولي عهد. كانت مهمتي إقناعه بأن قضية غسيل الأموال في المملكة السعودية ستعود بالنفع على بلاده وعلى نفسه شخصيًا.

لم يكن الأمر سهلاً كما بدا للوهلة الأولى. زعم الأمير دبليو أنه وهابيٌّ صالح، وأصرّ على أنه لا يريد أن يرى بلاده تسير على خطى النزعة التجارية الغربية. كما زعم أنه يفهم الطبيعة الخبيثة لما نقترحه. قال إن لدينا نفس أهداف الصليبيين قبل ألف عام: تنصير العالم العربي. في الواقع، كان محقًا جزئيًا في هذا. في رأيي، كان الفرق بيننا وبين الصليبيين مسألة درجة. ادّعى كاثوليك أوروبا في العصور الوسطى أن هدفهم كان إنقاذ المسلمين من المطهر؛ بينما ادّعى نحن أننا أردنا مساعدة السعوديين على التحديث. في الحقيقة، أعتقد أن الصليبيين، مثلهم مثل الشركات الكبرى، كانوا يسعون في المقام الأول إلى توسيع إمبراطوريتهم.

بغض النظر عن المعتقدات الدينية، كان لدى الأمير دبليو نقطة ضعف واحدة – الشقراوات الجميلات. يبدو من السخافة ذكر ما أصبح الآن صورة نمطية ظالمة، ويجب أن أذكر أن الأمير و. كان الرجل الوحيد من بين العديد من السعوديين الذين عرفتهم ممن اتسموا بهذه النزعة، أو على الأقل الوحيد الذي سمح لي برؤيتها. ومع ذلك، فقد لعب هذا دورًا في هيكلة هذه الصفقة التاريخية، وهو يُظهر مدى استعدادي لبذل قصارى جهدي لإتمام مهمتي”[1].

هنا انتهت رواية بيركنز عن خطة اختراق الاقتصاد السعودي عبر برنامج التحيدث، وربط النفط بالدولار، والتي أصبحت تعرف بسياسة البترودولار. فما هي هذه السياسة؟

في 8 يونيو 1974 تم التوصل الى اتفاق جنتلمان، أي اتفاقية غير رسمية بين السعودية والولايات المتحدة عقب أزمة حظر النفط إبان حرب أكتوبر 1973. قبل ذلك، كانت هناك اتفاقية بريتون وودز لعام 1944 والتي نصّت على أن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، مربوطًا بالذهب. وفي عام 1971 أنهى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، مما أدى إلى تعويم أسعار الصرف وزيادة تقلّبات العملات. وفي العام 1973، فرضت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حظرًا نفطيًا ردًا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر، مما تسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط. فرضت الولايات المتحدة على السعودية ودول أخرى في أوبك تداول النفط حصريًا بالدولار للحفاظ على قوة الاقتصاد الاميركي واستقراره. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة الحماية العسكرية والدعم الاقتصادي، وشكّل هذا الاتفاق ولادة نظام البترودولار. وبناء على ما رشح من معلومات حول هذه الاتفاقية فإن والنقاط الرئيسية فيها تشمل:

ـ تسعير النفط بالدولار الأمريكي، وقد وافقت السعودية على تسعير صادراتها النفطية بالدولار الأمريكي حصريًا، مما يضمن طلبًا عالميًا ثابتًا على العملة. وقد عزز هذا الاتفاق مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية في العالم، حيث تحتاج الدول إليه لشراء النفط.

ـ الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية، حيث استثمرت السعودية فائض عائداتها النفطية في سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية، مما أعاد تدوير دولارات البترودولار في الاقتصاد الأمريكي. كما دعم أسعار الفائدة المنخفضة، وسوق السندات المتينة، وقوة الدولار مقابل العملات الأخرى. تمكنت الولايات المتحدة من تسجيل عجز تجاري كبير بفضل إعادة استثمار عائدات النفط في الاقتصاد الأمريكي. ساعد هذا في الحفاظ على سوق سندات قوي وخفض تكاليف الاقتراض، مما أفاد الاقتصاد الأمريكي.

ـ في المقابل، قدّمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية وحماية للمملكة السعودية ونظامها الملكي، وذلك رسّخ تحالفًا استراتيجيًا.

تجدر الإشارة إلى أن تقارير إعلامية تداولت وعلى نطاق واسع في يونيو 2024 أنباءً تفيد بأن السعودية قررت عدم تجديد “اتفاقية البترودولار” مع الولايات المتحدة، وأن هذه الاتفاقية التي وُقِّعت عام 1974 قد انتهت مدتها البالغة 50 عامًا. ومن الضروري توضيح الآتي:

ـ لا توجد هناك اتفاقية رسمية وموثّقة بشكل علني تُسمى “اتفاقية البترودولار” تلزم السعودية ببيع نفطها حصريًا بالدولار الأمريكي. بل إن ما يُشار إليه عادةً هو ترتيب غير رسمي أو تفاهم تاريخي نشأ بعد أزمة النفط عام 1973، حيث وافقت السعودية (كونها أكبر مصدر للنفط) على تسعير نفطها بالدولار وإعادة استثمار جزء كبير من عائداتها النفطية في سندات الخزانة الأمريكية، مقابل ضمانات أمنية ودعم تقني من الولايات المتحدة.

ـ أن التقارير التي تحدثت عن عدم التجديد أشارت إلى أن “الاتفاقية” قد انتهت في 9 يونيو 2024. وقد ربط البعض هذا التوقيت بمرور 50 عامًا على تأسيس اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي في عام 1974، والتي كانت جزءًا من التفاهمات الأوسع بين البلدين. من جهة ثانية، لم يصدر أي تأكيد رسمي من الحكومة السعودية أو الأمريكية بشأن انتهاء أو عدم تجديد أي اتفاقية محددة بهذا الاسم.

ولناحية التداعيات المحتملة، وبغض النظر عن وجود اتفاقية رسمية من عدمه، فإن الأخبار حول “نهاية البترودولار” أثارت نقاشات واسعة حول:

ـ تأثيرها على هيمنة الدولار: البعض يرى أن هذا قد يمثل ضربة كبيرة لهيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية رئيسية وعملة أساسية لتجارة النفط.

ـ تعدد العملات: قد يعني ذلك أن السعودية ستكون أكثر حرية في بيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار، مثل اليوان الصيني أو اليورو أو الين الياباني، وهو ما يحدث بالفعل بشكل محدود في بعض المعاملات.

ـ على مستوى العلاقات السعودية الأمريكية، إذ يُنظر إلى هذا التطور، إن صح، على أنه مؤشر على تحول في العلاقة بين البلدين، حيث تسعى السعودية لتنويع شراكاتها الاقتصادية والجيوسياسية.

ـ التحول نحو نظام مالي متعدد الأقطاب: قد يساهم هذا في تسريع التحول نحو نظام مالي عالمي أكثر تعددية، حيث تلعب عملات أخرى دورًا أكبر.

أما عن الآثار الرئيسية والعواقب المحتملة لهذا التحول فمن بينها:

ـ ضعف الدولار الأمريكي: مع حرية السعودية في تسعير النفط بعملات متعددة، من المرجح أن ينخفض ​​الطلب العالمي على الدولار الأمريكي. تاريخيًا، عزز نظام البترودولار مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم.

ـ التضخم وأسعار الفائدة: قد يؤدي ضعف الدولار إلى ارتفاع أسعار الواردات الأمريكية، مما يساهم في التضخم. وقد يدفع هذا الضغط التضخمي مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، مما يؤثر على تكاليف الاقتراض للشركات والمستهلكين.

ـ انخفاض الطلب على سندات الخزانة الأمريكية

ـ انخفاض الاستثمارات من السعودية: لن يكون التزام السعودية باستثمار فائض عائدات النفط في سندات الخزانة الأمريكية قائمًا، مما قد يقلل الطلب على الديون الأمريكية.

ـ ارتفاع تكاليف الاقتراض: مع انخفاض الطلب على سندات الخزانة، قد تواجه الحكومة الأمريكية تكاليف اقتراض أعلى لتمويل عجز ميزانيتها. وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء الاقتصاد، مما يؤثر على كل شيء من الرهن العقاري إلى قروض الأعمال.

ـ صعود الاقتصادات الناشئة: يؤكد انتهاء صلاحية الاتفاقية على تزايد نفوذ الاقتصادات الناشئة، وخاصة الصين. إن الاستخدام المحتمل للرنمينبي الصيني كعملة احتياطية بديلة قد يُحوّل النفوذ المالي نحو الصين والأسواق الناشئة الأخرى.

ـ نظام مالي متعدد الأقطاب: إن الابتعاد عن النظام المُركّز على الدولار قد يُسرّع من تطوير عالم مالي متعدد الأقطاب، مع انضمام المزيد من الدول إلى اتفاقيات تجارية ثنائية بعملاتها المحلية.

ـ تقلبات أسواق النفط: قد يُؤدي تسعير النفط بعملات متعددة إلى مزيد من التقلب وعدم اليقين في أسواق النفط العالمية، وقد تؤثر تقلبات أسعار الصرف على أسعار النفط وتدفقات التجارة.

ـ الاضطرابات الاقتصادية: قد تواجه الدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط، مثل أوروبا واليابان، تكاليف أعلى واضطرابات اقتصادية إذا احتاجت إلى الوصول إلى عملات متعددة لمعاملاتها النفطية. وهذا قد يُعقّد المفاوضات التجارية والتخطيط الاقتصادي.

ـ استكشاف العملات الرقمية: يُسلّط استكشاف المملكة السعودية للعملات الرقمية مثل بيتكوين، ومشاركتها في مشروع mBridge لمنصة عملات رقمية متعددة البنوك المركزية (CBDC)، الضوء على الطبيعة المتطورة للمدفوعات عبر الحدود ومعاملات الصرف الأجنبي.

فقد يؤدي اعتماد العملات الرقمية والعملات الرقمية للبنوك المركزية إلى معاملات دولية أكثر كفاءة وأمانًا، ولكنه يُثير أيضًا تحديات تنظيمية وتكنولوجية تحتاج إلى معالجة.

في حقيقة الأمر، إن كل ما سبق يندرج في سياق التداعيات المشروطة بصدقية خبر تخلي السعودية عن الدولار. ونتذكّر تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب إبان حملته الانتخابية دول البريكس من اعتماد عملة أخرى غير الدولار في التعاملات البينية، وقال في منشور على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال “انتهت فكرة أن تحاول دول بريكس الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب.. نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لبريكس، أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي العظيم، وإلا فإنها ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع وداعًا للبيع بالاقتصاد الأميركي الرائع”.

وهناك عامل آخر يجعل لجوء السعودية الى عملة أخرى غير الدولار، مثل اليوان الصيني، مضرًّا باقتصادها الوطني، المرتبط صميميًا بالدولار، وبحسب الخبير الاقتصادية نوف الغامدي: “تقوية اليوان على حساب الدولار ليست من مصلحة الدول المرتبطة عملتها المحلية بالدولار، كالدول الخليجية، والسبب أن قوة اليوان تعني ضعف الدولار، وبالتالي ضعف تلك العملات المرتبطة بالدولار”[2].

تبدّل الأدوات والتكتيات ولكن الاستراتيجية بقيت كما هي، وإن الجريمة الاقتصادية التي كانت تتم بسلاح البترودولار، تتم اليوم بأسلوب استغلال فارق القوة الهائل بين الولايات المتحدة ودول الخليج لنهب ثروات شعوبها. ولذلك يمكن إسقاط مفاهيم “القاتل الاقتصادي” على زيارة ترامب لدول الخليج في 13 مايو 2025 بناءً على:

ـ فارق القوة: ترامب يستخدم هيبة أمريكا الاقتصادية والعسكرية للضغط على دول الخليج لعقد صفقات بمئات المليارات (صفقات أسلحة، استثمارات، دعم التطبيع…).

ـ الابتزاز السياسي: يُلوّح بالحماية الأمنية مقابل المال، وهو ما ينسجم مع مبدأ “ادفع لتحصل على الحماية”.

ـ الاستغلال النفسي والسياسي: يسوّق أن أنظمة الخليج بحاجة لحمايته سياسيًا ودوليًا، خصوصًا بعد أزمات مثل مقتل خاشقجي أو تهديد إيران.

إن سلوك ترامب مع دول الخليج هو نموذج حديث للقاتل الاقتصادي، ولكن بأسلوب مباشر وصفقات علنية بدلًا من الأساليب السرية التقليدية. هو يستخدم موقعه ونفوذه لعقد “صفقات ضخمة” مقابل ضمانات وحماية، لا تختلف كثيرًا عن نماذج بيركنز في أمريكا اللاتينية وآسيا.

فقد كان جون بيركنز، القاتل الاقتصادي، يتحرك خلف الستار، عبر مؤسسات مثل البنك الدولي وUSAID، لإقناع قادة الدول النامية بمشاريع تنموية وهمية، أما ترامب فتحركه علني، يُعلن الصفقات والمبالغ أمام الكاميرات، ويتعامل مع الدول كـ”شركات يديرها”، وليس دولًا ذات سيادة.

ولكن كلاهما يستخدم النفوذ الأمريكي والهيمنة الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية. فكان بيركنز يعتمد سياسة الاقراض وتمويل المشاريع بهدف الابتزاز السياسي، وكانت القروض تذهب لمقاولين أمريكيين، ثم تُثقل كاهل الدول بالديون. أما ترامب فهو يبتز الحلفاء الخليجيين تحت عنوان “الحماية من إيران”، ويطلب صفقات سلاح واستثمارات وتنازلات سياسية (مثل التطبيع مع إسرائيل). والنقطة المشتركة بين بيركنز وترمب هي: تحميل الطرف الأضعف التزامات ضخمة مقابل وعود غير مضمونة. وفي كل الاحوال، فإن الهدف هو وضع اليد على القرار السيادي للدول، فبينما كان بيركنز يخطط لجعل الدول رهائن لديونها وتاليًا فقدانها لقرارها السيادي، فإن ترمب يفرض التبعية الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومنع أي تقارب مع الصين أو روسيا، مع فرض مواقف إقليمية كالتطبيع ودعم حلفاء أمريكا.

وفي النتائج، أدّت سياسة بيركنز إلى انهيارات اقتصادية في دول مثل الإكوادور وإندونيسيا، وأن سياسة ترمب تسببت في استنزاف مالي كبير لدول الخليج، مع تراجع الصورة السيادية لها، وارتفاع الاحتقان الشعبي (خصوصًا مع التطبيع والانتهاكات الحقوقية).

ويمكن القول إن ترامب جسّد “القاتل الاقتصادي” بأسلوب رأسمالي صريح ومباشر، حيث جمع بين المال والسياسة والهيمنة في نموذج وقح وواضح، بينما كان نموذج بيركنز يقوم على “الإقناع المخملي” و”التخدير التنموي”.

لقد كشفت “وثيقة حقائق” الصادرة عن البيت الأبيض في 13 مايو 2025 عن “حصاد” جولة ترمب الخليجية، وكان العنوان “الرئيس دونالد ج. ترامب يضمن التزامًا تاريخيًا باستثمار 600 مليار دولار في المملكة العربية السعودية” ونقلت الصحيفة اعلان ترمب أن هذه الصفقات بقيمة 600 مليار دولار: “تُعزز الصفقات الأولى بموجب هذا الإعلان أمننا في مجال الطاقة، وصناعة الدفاع، وريادتنا التكنولوجية، وإمكانية الوصول إلى البنية التحتية العالمية والمعادن الأساسية”. وجاءت الصفقات لتأكيد سياسة ترمب “أمريكا أولاً” المصممة لدعم الاقتصاد الاميركي والأمن القومي الاميركي.

ورصدت “وثيقة حقائق” بعض الصفقات التحويلية التي أبرمت في السعودية من بينها:

ـ استثمار شركة داتا فولت السعودية 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة.

ـ التزام شركات جوجل، وداتا فولت، وأوراكل، وسيلزفورس، وإيه إم دي، وأوبر باستثمار 80 مليار دولار في أحدث التقنيات التحويلية في كلا البلدين.

ـ قيام شركات أمريكية مثل هيل إنترناشونال، وجاكوبس، وبارسونز، وإيكوم، ببناء مشاريع بنية تحتية رئيسية مثل مطار الملك سلمان الدولي، وحديقة الملك سلمان، وذا فولت، ومدينة القدية، وغيرها الكثير، بإجمالي صادرات خدمات أمريكية بقيمة 2 مليار دولار.

ـ صادرات توربينات الغاز وحلول الطاقة من شركة جنرال إلكتريك فيرنوفا بقيمة 14.2 مليار دولار، وطائرات الركاب بوينغ 737-8 لشركة أفيليس بقيمة 4.8 مليار دولار.

ـ في قطاع الرعاية الصحية: ستستثمر شركة شامخ آي في سوليوشنز، ذ.م.م. 5.8 مليار دولار، بما في ذلك مصنع في ميشيغان لإطلاق منشأة عالية السعة للسوائل الوريدية.

ـ استثمار عدة صناديق متخصصة في قطاعات محددة، مع تركيز قوي على الانتشار الأمريكي – مثل صندوق استثمار الطاقة بقيمة 5 مليارات دولار، وصندوق تكنولوجيا الفضاء والدفاع “نيو إيرا” بقيمة 5 مليارات دولار، وصندوق “إنفيلد سبورتس جلوبال سبورتس” بقيمة 4 مليارات دولار – حيث يوجه كل منها رأس مال كبير إلى الصناعات الأمريكية، ويدفع عجلة الابتكار، ويخلق وظائف عالية الجودة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

ـ أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ – بقيمة تقارب 142 مليار دولار، لتزويد السعودية بأحدث معدات وخدمات القتال من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاعية أمريكية.

وتندرج المبيعات ضمن خمس فئات رئيسية: (1) تطوير القوات الجوية وقدرات الفضاء، (2) الدفاع الجوي والصاروخي، (3) الأمن البحري والساحلي، (4) أمن الحدود وتحديث القوات البرية، و(5) تحديث أنظمة المعلومات والاتصالات.

ـ تشمل الحزمة تدريبًا ودعمًا مكثفين لبناء قدرات القوات المسلحة السعودية، بما في ذلك تعزيز أكاديميات الخدمة السعودية والخدمات الطبية العسكرية. تمثل هذه الصفقة استثمارًا كبيرًا في دفاع السعودية وأمنها الإقليمي، مبنيًا على الأنظمة والتدريب الأمريكي.

ـ تظل السعودية أكبر شريك للولايات المتحدة في المبيعات العسكرية الخارجية، حيث تبلغ قيمة الحالات النشطة أكثر من 129 مليار دولار.

بحسب وثيقة حقائق الصادرة عن البيت الأبيض: “علاقتنا الدفاعية مع المملكة السعودية أقوى من أي وقت مضى في ظل قيادة الرئيس ترامب، والحزمة الموقعة اليوم (13 مايو 2025)، وهي أكبر صفقة تعاون دفاعي في تاريخ الولايات المتحدة، دليل واضح على التزامنا بتعزيز شراكتنا”. وتضيف: “تفتح هذه الاتفاقية الباب أمام مشاركة موسعة من صناعة الدفاع الأمريكية وشراكات استدامة طويلة الأمد مع الكيانات السعودية”.

بناء على ما حصده ترمب في جولته الخليجية تخلص الوثيقة إلى النتيجة الآتية: “يفي الرئيس ترامب بوعده بجعل أمريكا عظيمة مجددًا من خلال تحفيز الاستثمار والتفاوض على صفقات تجارية عادلة لتسريع وتيرة التوظيف والازدهار في الولايات المتحدة”.

ما يلفت في الصحيفة هو تصوير حصاد ترمب في جولته الخليجية على أنه انتصار سياسي واقتصادي  وأن ترمب هو “صانع الصفقات الرئيسي” وأنه نجح مرة أخرى “في إبرام صفقة تاريخية تُعزز الهيمنة الاقتصادية الأمريكية ونفوذها العالمي”[3].

في الخلاصة، نحن أمام “قاتل اقتصادي” أميركي في نسخة جديدة، وقد تكون أشد شراسة وجشعًا، فهو يأتي هذه المرة بنية تجفيف منابع الثروة في الخليج بهدف “إنقاذ الاقتصاد الاميركي” الغارق في ديونه البالغة  أكثر من 36 تريليون دولار.


[1] John Perkins, Confessions of an Economic Hitman;

https://archive.org/details/Confessions_of_an_Economic_Hitman/mode/2up?q=Saudi+Arabia&view=theater

[2] Saudi Arabia Considers Accepting Yuan Instead of Dollars for Chinese Oil Sales, WSJ, 15 March, 2022;

https://www.wsj.com/world/middle-east/saudi-arabia-considers-accepting-yuan-instead-of-dollars-for-chinese-oil-sales-11647351541

[3] Fact Sheet: President Donald J. Trump Secures Historic $600 Billion Investment Commitment in Saudi Arabia, The White House, May 13, 2025; https://www.whitehouse.gov/fact-sheets/2025/05/fact-sheet-president-donald-j-trump-secures-historic-600-billion-investment-commitment-in-saudi-arabia/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى