مستقبل الصراع على السلطة
شجرة الأسرة المالكة المتحدّرة من مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز تظهر الحقيقة التالية: من أصل 36 إبناً للملك عبد العزيز لم يبق على قيد الحياة سوى الثلث، وجميعهم تجاوز العقد السابع.
من الناحية التاريخية، كان الصراع على السلطة داخل البيت السعودي سمة غالبة منذ بدء انطلاق مشروع الدولة السعودية وحتى اليوم. فقد نشب خلاف بين محمد بن سعود، مؤسس السلالة السعودية الحاكمة، وإخوته من أبيه ثنيان ومشاري، وفرحان على تقاسم السلطة، ولكن نجح محمد في تركيز السلطة في بيته بعد تحالفه مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ولكن بعد موت محمد بن سعود تفجّر نزاع مسلّح بين أبنائه وأحفاده. وكان له إبنان عبد العزيز الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه ومات عام 1218هـ وخلفه إبنه سعود المعروف بالكبير حتى وفاته عام 1229هـ وانقطع نسل هذا الفرع في الحكم، ليتولى عبد الله الذي ورث الحكم من إبن أخيه سعود، حتى سقطت الدولة السعودية السعودية على يديه عام 1234هـ، ونقل الى تركيا عن طريق مصر بعد سقوط الدرعية، وتمّ إعدامه في الاستانة.
وتوارث الحكم إبناه تركي وصنيتان بن عبد الله بن بن سعود، وأقصي صنيتان من الإمارة ومات عقيماً، فانحصرت الإمرة في بيت تركي بن عبد الله الذي أسس الدولة السعودية الثانية، بعد أن قام بقتل مشاري بن معمر سنة 1236هـ، وفرض نفسه حاكماً على نجد حتى عام 1246هـ حيث قتله إبن اخته مشاري بن عبد الرحمن. وتولى فيصل بن تركي الحكم بعد أبيه وإليه ينتسب حكم آل سعود من خط عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الثالثة. أما جلوي المؤسس لعائلة آل جلوي التي شاركت في فتح الرياض سنة 1902، وتسلّمت إمارتي المنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية فقد أقصيت تماماً عن السلطة مع وصول الجناح السديري الى السلطة.
وتولى آل فيصل الحكم في الفترة ما بين 1246هـ و 1282هـ، وخلف أربعة أبناء هم عبد الله بن فيصل، وحكم بعد والده لمدة أربع سنوات أي في الفترة ما بين 1282 ـ1286، بعد انقلاب أخيه الأصغر، سعود، واستلامه الحكم حتى عام 1291هـ، في عام 1302 عاد عبد الله وانتزع الحكم من أخيه، ولكنه مات عقيماً فانتقلت الإمارة إلى غيره. وحكم سعود بن فيصل في الفترة ما بين 1286 ـ 1291 وترك أربعة أبناء هم عبد العزيز ومحمد وسعد وعبد الله. أما محمد بن فيصل فحكم لسنة واحد 1309 ـ 1310 ومات ولم يخلف أحداً..وأما عبد الرحمن، والد الملك عبد العزيز فخلف من الأبناء: فيصل، وعبد العزيز، عبد الله، وسعود، وسعد ومساعد ومحمد وأحمد وسعد الثاني وعبد المحسن وثلاث بنات (نورا، وهيا، ومنيرة).
عمد عبد العزيز في مرحلة مبكرة الى تقويض فرص ظهور منافسين من داخل الأجنحة الأخرى من آل سعود، ورفض مبدأ تقاسم السلطة مع أبناء عمومته وحين كان يضطر للجوء الى القوة لا يتردد في فعل ذلك.
وفيما خسر الاخ الأكبر فيصل فرصته في احتكار السلطة، نجح عبد العزيز في فرض نفسه بقوة السلاح حاكماً مطلقاً بعد احتلاله الرياض عام 1902، فلم يكن هناك من ينافس عبد العزيز سوى من أبناء عمومته المتحدّرين من عبد العزيز بن سعود بن فيصل بن تركي، المعروفين بإسم العرّافة وهم (سعود الكبير ومحمد وفيصل وتركي). وقد لجأ سعود ومحمد الى الشريف حسين في الحجاز وجمعا قبائل العجمان والحساسنة بهدف قيادة تمرّد ضد عبد العزيز سنة 1908، ولكن عبد العزيز نجح في القضاء على التمرّد وحين طاف على أسرى التمرّد قام بقطع رؤوس ثمانية عشر قائداً في وقت واحد، وأبقى التاسع عشر على قيد الحياة كيما يقوم بنقل ما رآه من انتقام ابن سعود الى ابناء عمومته وحلفائهم من القبائل للكف عن التفكير في المشاركة في الحكم.
وبصورة إجمالية، لجأ عبد العزيز الى سياسة صارمة لتقويض فرص المنافسة على الحكم تقوم على: المصاهرة لاستمالة القبائل التي قد تنافسه على العرش، وثانياً استخدام القوة العسكرية في حال الضرورة. كان التحدّي الأكبر الذي واجهه عبد العزيز يأتي من الفرع الرئيسي في العائلة، المتحدّر من سعود الكبير، وسعى الى إحباط تطلعات هذا الفرع بتزويج إحدى خواته، نورة، بالمطالب الرئيسي بالحكم، سعود بن عبد العزيز بن سعود الكبير، ليستميل بذلك أسرة عبد العزيز الكبير وكسب تأييدها كما جعلها تشارك في حكم فرعه في العائلة. واتبع التكتيك نفسه مع الحليف الديني من أسرة محمد بن عبد الوهاب، إذ سار على خطى سلفه محمد بن سعود بالزواج من إبنة محمد بن عبد الوهاب، فتزوج عبد العزيز من إبنة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، التي أنجبت فيصل.
في واقع الأمر، كان على عبد العزيز أن يضاعف جهوده لاحتواء التطلعات السياسية لدى إخوته التسعة، وقد شكّل أخواه محمد وعبد الله تحدّياً جدّياً لمشروع عبد العزيز في تشكيل سلطة عمودية. على أية حال، فإن الحوادث اللاحقة تفيد بأن محمد وعبد الله لعبا دوراً إيجابياً في تسوية النزاع على السلطة بين فيصل وسعود، ودخلا في وساطة إلى جانب الأمير فهد، الملك لاحقاً، لإقناع سعود بالتنازل عن السلطة لصالح أخيه فيصل.
وكان الخلاف الشديد بين فيصل وسعود في ستينيات القرن الماضي قد تسبب في تمزيق العائلة المالكة. وباستثناء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز (تولى العرش في 23 كانون الثاني/يناير 2015)، كان يأخذ الصراع على السلطة شكل ثنائيات متعاقبة (سعود ـ فيصل)، (خالد ـ فهد)، (فهد ـ عبد الله)، (عبد الله ـ سلطان/نايف/سلمان على التوالي). وبرغم من أن عهد الملك فيصل بدا كما لو أنه بدون منافس، إلا أن النهاية الدموية التي ختم بها الأخير عهده باغتيال ابن أخيه (فيصل بن مساعد بن عبد العزيز) للملك فيصل داخل مكتبه في 25 آذار (مارس) 1975 كشفت عن جانب خفي من الصراع على السلطة.
جهود الملك عبد العزيز لجهة احتواء الصراعات المستقبلية بين أبنائه وأحفاده بإقرار مبدأ “الأكبر سنّاً” لم تحل دون تفجّر الصراع بين أبنائه بفعل النزوع الغريزي نحو احتكار السلطة وحصرها في الأبناء والمقرّبين.
اكتسب الصراع على السلطة طابعاً علنيّاً كما في ستينيات القرن الماضي بين الملك سعود وولي عهده فيصل وأدّى الى نشوء اصطفافات داخل العائلة المالكة بمشاركة رجال الدين وزعماء القبائل النجديّة. حينذاك، قرّر الجناح السديري المؤلّف من الأشقاء السبعة بقيادة فهد وهم: سلطان، نايف، سلمان، تركي الثاني، عبد الرحمن، أحمد الانحياز بصورة كاملة الى جانب أخيهم فيصل ومناصرته في صراعه مع أخيهم سعود.
يرى تيم نيبلوك بأنه في الفترة ما بين 1962 ـ 1979 نجح فيصل في خلق دولة جديدة (بالرغم من أن فيصل أصبح ملكاً آواخر 1964 وتوفي في 1975) الا أن نيبلوك يرى بأن السياسة خلال هذه الفترة كانت تتسم بالثبات). وقد أصبحت السعودية دولة مركزية قويّة مع جهاز إداري مقتدر، ومشروعية قائمة على التقديمات الاجتماعية المباشرة، وتنمية اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق[1].
وقد تركت تلك المرحلة آثارها على ما يلي من السنوات، إذ بقيت مراكز القوى داخل العائلة المالكة ثابتة خلال ثلاثة عقود لاحقة. طبعت ثنائية السديرية ـ عبد الله معادلة السلطة داخل المملكة السعودية في الفترة ما بين 1982 ـ 2014 والتي تستغرق عهد الملك فهد (1982 ـ 2005) وعهد الملك عبد الله (2005 ـ 2014).
تجدر الاشارة الى أن أمراء الجناح السديري عملوا منذ تولي خالد بن عبد العزيز السلطة خلفاً للملك فيصل في 1975 على تنحيه عبد الله من رئاسة الحرس الوطني بهدف تجريده من القوة التي تبقيه في حلبة المنافسة على السلطة. وفي فبراير 1977 استغل ولي العهد حينذاك، فهد، غياب الملك خالد في رحلة علاجية في الخارج تقدّم بدعم من أشقائه من عبد الله بطلب التخلي عن رئاسة الحرس الوطني، ولكن شقيق الملك خالد، محمد أبو شرّين، النافذ في العائلة المالكة وقف الى جانب عبد الله ومنع حصول هذه الخطوة للحيلولة دون تفرّد الجناح السديري بالسلطة. ولم يوقف الجناح السديري محاولاته في وقت لاحق، حتى بعد تولي الملك فهد العرش عام 1982، حيث بقيت الخلافات بين عبد الله وأمراء الجناح السديري متفاعلة ومتداولة الى حد ما.
تجدر الإشارة الى أن عهد الملك فهد يعد أكثر العهود استقراراً في تاريخ المملكة السعودية على مستوى وحدة السلطة وتماسكها، فكان يحتفظ بعلاقات إقليمية ودولية متينة، الى جانب كونه محاطاً بأشقائه السديريين الذي أمسكوا بالوزارات السيادية (الدفاع والداخلية) إضافة الى إمارة الرياض التي كان يرأسها الملك الحالي، سلمان بن عبد العزيز، وإمارة المنطقة الشرقية التي كان يتولاها نجله، الأمير محمد بن فهد منذ العام 1985. وحتى بعد إصابته بجلطة دماغية في العام 1996 بقي الملك فهد على رأس السلطة حتى وفاته نهاية آب (أغسطس) عام 2005 ولم ينجح منافسه، أي عبد الله، في عزله رغم عجزه التام عن القيام بشؤون الحكم بسبب ممانعة أشقاء فهد وأبنائه لنقل السلطة إلى ولي عهده، وهذا في حد ذاته أحد مؤشرات الصراع على السلطة.
الملك عبد الله: تفتيت السديرية
منذ اعتلائه العرش في 2 آب (أغسطس) 2005، خلفاً لأخيه غير الشقيق فهد، وضع الملك عبد الله قواعد جديدة لانتقال الحكم تفضي، نظرياً على الأقل، إلى كسر احتكار منافسه الرئيس، أي الجناح السديري للسلطة في المرحلة المقبلة.
وكان التقليد السائد منذ زمن الملك عبد العزيز يقضي بتعيين “نائب ثان” للملك لضمان انتقال سلس للسلطة. في سنة 1941، أصدر عبد العزيز أمراً ملكياً بتعيين نجله سعود ولياً للعهد ومن بعده فيصل. وسرى التقليد في العهود السابقة، فكان خالد نائباً ثانياً للملك سعود. لكن بعد تولي فيصل العرش وإنشاء مجلس الوزراء، بات منصب النائب الثاني ينطبق على ولاية العهد ومجلس الوزراء، منذ توحيد منصبي الملك ورئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل سنة 1964، فكان الملك فهد أول نائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء، وكان عبد الله نائباً ثانياً في عهد الملك خالد (1975 ـ 1982).
بقي منصب النائب الثاني في عهد الملك عبد الله (2005 ـ 2015) شاغراً لأربع سنوات. والسبب يعود الى عدم رغبته في تمكين الجناح السديري عبر الإمساك بمنصبي ولاية العهد والنيابة الثانية، وبما يؤسس لمرحلة مقبلة تكون فيها السلطة السياسية سديرية بالكامل.
كان الإعلان عن تشكيل “هيئة البيعة” في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2006، مخرجاً ذكياً من الملك عبد الله للتنصل من البتّ في مسألة تعيين النائب الثاني، وتفويض اختياره إلى الهيئة بعد موت الملك. فكرة الهيئة تقوم على بناء تحالف داخل العائلة المالكة ضد الجناح السديري وإشراك الأطراف الأخرى التي كانت مهمّشة لعقود طويلة وأن تخوض صراعات السلطة بالمشاركة في دعم هذا الجناح أو ذاك.
صدر الأمر الملكي في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2007 بتكوين هيئة البيعة من أبناء عبد العزيز وأحفاده وعددهم 35 أميراً، برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز. وأوضح البيان الصادر عن الديوان الملكي الخاص بالأمر الملكي أن نظام هيئة البيعة لا يسري على الملك وولي العهد (حينذاك)، أي عبد الله وسلطان.
وُصِفَ الأمرُ الملكي حينذاك بأنه استجابة لتحديات تطوير نظام الحكم السعودي، وحماية للوحدة الوطنية، وأن نظام هيئة البيعة يأتي ليستكمل الأنظمة الثلاثة: نظام الحكم، نظام مجلس الشورى، نظام مجلس المناطق. والحال، أن الطرفين المتصارعين: الملك عبد الله والجناح السديري كانا على دراية كافية بأن الهدف من تشكيل الهيئة هو تفادي وصول عضو سديري إلى ولاية العهد، وحتى لا تصبح الدولة سديرية في المستقبل.
بقي منصب النائب الثاني شاغراً من بعد تأسيس الهيئة لنحو سنتين. وفي 27 آذار (مارس) 2009، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، واحتفاظه بمنصبه كوزير للداخلية. كانت الخطوة هذه كافية لأن تطلق موجة شكوك حول دور هيئة البيعة، لأن مجرد تعيين نائب ثانٍ للملك يعني ببساطة أن لا دور منتظراً للهيئة بتعيين ولي العهد في حال موت الملك، فقد تثبّت مكان ولي العهد المقبل، وهذا ما حصل لاحقاً. وبحسب بيان أرسله الأمير طلال بن عبد العزيز، عضو الهيئة، لوكالة رويترز في 2009 إنه كان ينبغي استشارة هيئة البيعة، ودعا الديوان الملكي إلى توضيح ماذا يعني بهذا التعيين وإنه لا يعني أن الأمير نايف سيصبح ولي العهد[2].
أظهرت التعيينات اللاحقة أن ثمة تقاسماً للسلطة جرى بين الملك عبد الله والأمير نايف، فيما كان الأمير سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع الأسبق، يقضي أيامه الأخيرة بعد أن تمكّن السرطان من جسده. وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 صدر أمر ملكي آخر بتعيين الأمير نايف وليّاً للعهد خلفاً لشقيقه الأمير سلطان. وبرغم من أن الأمر الملكي يستند بحسب النص الى النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة، إلا أن ردود فعل أعضاء الهيئة تخبر عن خلاف عميق حول قرار تعيين نايف. يتصدر ردود الفعل قرار الأمير طلال تقديم استقالته من الهيئة في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على تعيين الأمير نايف ولياً للعهد.
على مستوى تقاسم السلطة بين الملك عبد الله والامير نايف، صدر أمر ملكي في 3 تموز (يوليو) 2011 بتعيين سعود بن نايف مستشاراً لوالده بمرتبة وزير. وصدر أمر ملكي آخر في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً لوالده بمرتبة وزير. وفي المقابل، أُعلن في اليوم نفسه عن سلسلة أوامر ملكية بإسناد رئاسة عدد من المجالس واللجان إلى رئاسة مجلس الوزراء، أي الملك، ونيابة ولي العهد، أي نايف.
تشي الأوامر الملكية بتفتيت للصلاحيات التي كانت منوطة بالجناح السديري والتي كان يتولاها في مرحلة سابقة سلطان ونايف، ثم جرى توزيعها بين الملك وولي العهد السابق نايف ووزير الدفاع سلمان.
وفي 22 تموز (يوليو) 2011، صدر أمر ملكي بتعيين عبد العزيز بن عبدالله، ابن الملك، نائباً لوزير الخارجية بمرتبة وزير، ويعدّ ذلك قراراً جريئاً يمهّد، في حال موت الوزير أو استقالته، لوصول ابن الملك الى وزارة سيادية أخرى الى جانب الحرس الوطني.
وفاة الأمير نايف المفاجئة في 16 حزيران (يونيو) 2012، أحدثت اختلالاً كبيراً في ميزان القوى الداخلي، منذ غياب أكبر قطبين في الجناح السديري، أي فهد وسلطان، وباتت المواجهة مقتصرة على شخصين، أي عبد الله وسلمان.
صدر أمر ملكي في اليوم نفسه بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد، والأمير أحمد بن عبد العزيز وزيراً للداخلية. وصدر أمر ملكي آخر بتغيير اسم وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة ليصبح وزارة الدفاع فقط، وعيّن فهد بن عبدالله رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني. ويأتي هذا القرار في سياق تقليص سلطة وزير الدفاع، من الجناح السديري، في قطاع حيوي لطالما جرى التحّكم فيه والاستفادة منه الى حدّ التحكم في حركة الطيران المدني بكل تفاصيلها.
وفي 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، صدر، بصورة مفاجئة، أمر ملكي بإعفاء أحمد بن عبدالعزيز من منصبه (بناءً على طلبه) وتعيين محمد بن نايف بدلاً منه. أثار قرار الإعفاء لغطاً حول أسبابه الحقيقية وخلفيته، إلا أنه في التداعيات أضعف الجناح السديري برغم من أن تعيين محمد بن نايف أشاع جوّاً من الارتياح وسط السديريين ولدى الدوائر الأميركية التي تنظر الى الأخير بكونه الأقدر على التنسيق معها في مكافحة الارهاب وخطر القاعدة. كان قرار تعيين أحد أبناء الجيل الثاني في منصب سيادي مبرراً كافياً للملك عبد الله كيما يقدم على خطوات مماثلة تمهّد لوصول إبنه الى العرش.
تكرّر سيناريو عبد الله ـ نايف مع الأمير سلمان، وأصبح تقاسم السلطة ممكناً بين المتنافسين الأخيرين في معادلة السديري ـ عبد الله. فقد تمّ تعيين مشعل بن عبد الله أميراً على العاصمة الدينية، مكة المكرمة، وفي 14 كانون الثاني (يناير) 2013، صدر أمران ملكيان، الأول يقضي بإعفاء محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية من منصبه (بناءً على طلبه) وتعيين سعود بن نايف بدلاً منه، وصدر أمر ملكي آخر بإعفاء عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة من منصبه (بناءً على طلبه) وتعيين فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز بديلاً منه.
مذّاك، بدأ فصل جديد في تقاسم السلطة بين الملك عبد الله والجناح السديري، وكانت أهم خطوة هي تحويل مؤسسة الحرس الوطني الى وزارة في 27 آيار (مايو) 2013، يتولاها نجل الملك الأكبر، متعب بن عبد الله، لتعزيز فرص وصوله الى العرش في مرحلة لاحقة.
وفي 27 آذار (مارس) 2014 أعلن عن: “مبايعة مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلوّ منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد”. وبحسب الأمر الملكي: “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقّعة منا ومن أخينا سموّ ولي العهد ـ أي الأمير سلمان ـ رقم 19155 وتاريخ 19/ 5/ 1435هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1/هـ ب وتاريخ 26/ 5/ 1435هـ المؤيد لاختيارنا واختيار سموّ وليّ العهد لصاحب السموّ الملكي مقرن بن عبدالعزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة”.
وبخلاف الأعراف المعمول بها في المملكة في تعيين النائب الثاني، استحدث الملك عبد الله منصباً جديداً وهو (وليّ وليّ العهد) مبقياً على منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ما يشي بخلاف داخل العائلة المالكة حول منصب ولي العهد بعد تولّي سلمان العرش، رغم أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك عبد الله لتفادي استحقاق منصب النائب الثاني.
ما يلفت في البيان أن (منصب وليّ وليّ العهد) لم يكن مفتوحاً ولم يأخذ مسمى القانون أو المرسوم الملكي الثابت، واقتصر على الحالتين المشار إليهما في البيان. وينطوي الأمر الملكي على دلالتين على درجة كبيرة من الأهمية: الأولى: أن الأمر الملكي يمنع الملك القادم، بعد موت الملك عبد الله، من إجراء أي تغيير، بما يجعل مقرن بن عبد العزيز ولي العهد بصورة ملزمة في حال موت الملك، والثانية، أن صلاحية الأمر الملكي تقتصر على عهد الملك عبدالله فحسب، ولا تمنح الملك القادم سلطة مماثلة، أي أن منصب ولي ولي العهد ينتفي بموت الملك عبد الله. بيد أن النظام الأساسي للحكم الصادر في مارس 1992 يهب الملك سلطة مطلقة في تعيين وإعفاء من يشاء من الأمراء مع مراعاة الأعراف المعمول بها في العائلة بعدم المساس بمنصب وليّ العهد.
في النتائج، إن التغييرات الجوهرية التي قام بها الملك عبد الله على مدى عقد من الزمن، كان يمكن أن تفسح في المجال أمام نجله متعب للاحتفاظ بموقع ثابت في خط الوراثة مع بقاء الأمير مقرن في منصبه ولياً للعهد كضمانة، إلا إن تلك التغييرات بقيت رهينة إرادة الملك وحده، المطلق الصلاحية بحسب النظام الأساسي للحكم.
عهد سلمان..من الجناح الى الشخص
التحديات التي فرضت نفسها منذ بداية تولي سلمان العرش ترسم، حكماً، مستقبل المملكة. ومن بين تحدّيات كثيرة تواجه عهد الملك سلمان، فإن سمات الأخير الشخصية تبرز
المقارنة كأداة فاحصة لفهم التمايز بين الأشياء تصلح لقراءة شخصية ما على ضوء سماتها النفسية والثقافية والقيادية المتمايزة عن شخصية أخرى. وحين المقارنة بين الملك عبد الله وسلفه سلمان، يبدو واضحاً أن الأخير يفتقر لمواصفات الشخصية الكاريزمية، ومن سوء طالعه أنه يأتي بعد الملك عبد الله، الذي حظي بشعبية وازنة على مستوى البلد، بصرف النظر عن نوع الانجازات التي تحقّقت في عهده.
على مستوى السمات الشخصية للملك سلمان ثمة ما يدعو للتأمل، في ظل أحاديث عن مواصفات نفسية لافته. وبرغم من صعوبة العثور على ما يكشف عن التكوين النفسي لشخصيات رفيعة المستوى في العائلة المالكة، فكيف بشخصية مثل الملك، إلا أن ثمة مؤشرات يمكن الوقوف عليها والتأمل فيها.
الكاتب والأكاديمي علي سعد الموسى كتب مقالاً إطرائياً في الملك سلمان، وذكر مثالاً على النحو التالي:
“كنت مع سلطان بن سلمان في زيارة قصيرة إلى سراة عبيدة وهو يقضي نصف المشوار في محاولة إقناع بنت أخيه اليتيمة أن تذهب إلى الطبيب وهي ترفض أن تذهب دون حضور “العم” معها إلى العيادة. وفي طريق العودة كان “الجد” ـ أي سلمان ـ يتصل بابنه مؤنّباً ومعنّفاً للإبن على إهمال موعد هذه اليتيمة”[3].
وبرغم من أن المقالة مدبّجة بالمديح الفارط، الا أن الأمير سلطان بن سلمان، نجل الملك، شعر بأن الكاتب لامس جانباً مكتوماً، وأراد أن ينفيه عن والده، فكتب ردّاً توضيحياً في الصحيفة نفسها على قاعدة أن“المقال تضمّن بعض الجمل والعبارات التي لا تتوافق مع الحقيقة” ومنها أن والده “اتصل به مؤنّباً ومعنفاً” وعلّق قائلاً “لا أتذكر أن سيدي الوالد الملك سلمان عنّف أحداً من أبنائه وأفراد أسرته..”[4].
العارفون بخبايا القصر، والمقرّبون من بيت الملك سلمان، يتحدّثون عن صرامة الأخير في التعامل مع أبنائه ورجال حاشيته، وأن العادات المعروفة عنه مثل الانضباط في الوقت، والالتزام بساعات الدوام، والزيارات المنتظمة التي يقوم بها لوجهاء القبائل في الرياض ومنطقة نجد عموماً، والابتسامة المريبة التي يطلقها لزوّاره تخفي شخصية عنيفة. أوساط العائلة المالكة تتحدث عن طباع حادّة للملك سلمان غير موجودة لدى بقية إخوته، تتوارى خلف عادات للتمويه على الشخصية الحقيقية مثل توقه للاجتماع بالمثقفين والاعلاميين والابتسامات المصنطعة التي يوزّعها على زوّاره..
وبصورة عامة، فإن ثمة في شخصية الملك سلمان ما يدعو للتأمل: يقول أرسطو “تحدّث حتى أراك”. وبرغم من أن المقولة تتجاوز الشكل الا أن طريقة الكلام تعكس جانباً من شخصية الإنسان. في دراسات علم النفس يتمّ تحديد طبيعة شخصية الانسان من خلال طبائعه ومنها طريقة الكلام، فإذا كان يتحدث بشكل سريع سواء عن قصد أو خلافه فإنّه يمرُّ في الأغلب بحالة عاطفية حادة، ويعانون من التوتر في أغلب علاقاتهم مع الآخرين. وفي مثل هذه الحالات يحاول علماء النفس ومن خلال جلسات الكشف النفسي البحث في أسباب الحالة، التي قد تعود لعامل تربوي، أو لتجربة عاطفية حادة..ولذلك فإن التحدّث بنبرة سريعة وإظهار الحدّة في الصوت والتسرّع دليل على شخصية عصبية ومتسرّعة، وهو شخص مندفع لا يفكر كثيراً في خطواته ويحسبها، هوائي في تصرفاته وفي حكمه على الأمور..
وكما هو ظاهر، فإن الملك سلمان يعاني من حالة من حالات إضطراب النطق (Articulation Disorders) ويجمع إلى جانب سرعة الكلام الحذف والاضافة والتحريف والإبدال، بحيث تخرج الكلمات تارة ناقصة أو بزيادة حروف أو محرّفة، وقد اشتهر عنه قوله “الاسترخاء” التي ظهرت في هيئة “استخراء”.
ثمة مؤشرات كثيرة تفيد بأن سلمان يقتفي سيرة شقيقه الأكبر فهد، الذي يعدّه “والده الثاني”. ويقول عنه:”لقد تربيت من صغري تحت ظله ورعايته..أعتز وأفتخر أن أكون أخًا للفهد..”[5]. وثمة إشارات في سيرة إبنيه فهد وأحمد الى طبيعة العلاقة التي تربط سلمان بفهد وكذلك العلاقة التي تربط سلمان بأبنائه. فقد توفي فهد بن سلمان بسكتة قلبية في 25 تموز (يوليو) 2001، ووصف أحد المقرّبين منه بأنه “مات قهراً” بسبب خلاف مع إبن عمّه أمير المنطقة الشرقية محمد بن فهد. وكان فهد بن سلمان تولى منصب نائب أمير المنطقة الشرقية، وأعفاه الملك فهد من منصبه بعد خلاف مع إبنه الأمير محمد بن فهد، أمير الشرقية حينذاك. أما إبنه أحمد بن سلمان، وكان يرأس الشركة السعودية للأبحاث التسويق المالكة لعدد من الصحف والمجلات من بينها (جريدة الشرق الأوسط، ومجلة المجلة)، فتوفي في 22 تموز (يوليو) 2002 في المستشفى التخصصي بالرياض بسبب مرض عضال، حسب ما جاء في بيان الديوان الملكي. وكان والده، سلمان، حينذاك يمضي رحلة استجمام في جنيف، وقد صلي على أحمد بن سلمان ودفن في مقبرة العود الخاصة بآل سعود. أول سؤال يتبادر للذهن، كيف لأب وهو يعلم بأن إبنه في مرحلة متقدّمة من المرض وأحوج ما يكون فيه الى عاطفة والده وحنانه وقربه منه، وأن يموت إبنه وهو يقضي أيامه في الاستجمام والمتعة؟
على أية حال، فإن المثالين يلمحان الى ما تتناقله أوساط مقرّبة من بيت الملك سلمان بأنه يتّسم بالقسوة والجفاف العاطفي وحدة الطبع في تربيته لأولاده، وانعكس ذلك على علاقاته مع الآخرين، وإن حاول إخفاء ذلك. وبحسب أوساط وزارية محلّية أن اجتماعاً عقد بعد حادثة جهيمان العتيبي في مكة المكرمة في نوفمبر سنة 1979 بحضور الملك خالد، وولي العهد حينذاك فهد، والأمراء سلطان ونايف وأمير الرياض حينذاك سلمان ووزير الصناعة والكهرباء غازي القصيبي ووزير البترول والثروة المعدنية أحمد زكي يماني وطرح موضوع النقاش في خطة التخلّص من عوائل مجموعة جهيمان العتيبي. وطرح سلمان وفهد فكرة دفن عوائل جماعة جهيمان المعروفة بإسم (الجماعة السلفية المحتسبة) وهم أحياء، ولكن الملك خالد رفض فكرة المساس بالنساء والأطفال، فيما كان رأي آخر يحذّر من الفضيحة الاعلامية والسياسية، ولكن سلمان وفهد أصرّا على تنفيذ الفكرة وهذا ما تمّ بالفعل، وكان مهندس العملية هو الملك سلمان.
أُسبغت ألقابٌ على الملك سلمان، بعضها يأتي كإسقاط متأخر بعد توليه العرش والبعض الآخر ألصقت به دونما دليل مؤّكد من بينها: أمين سر العائلة ورئيس مجلسها، والمستشار الشخصي لملوك المملكة[6]. ومن المعروف أن رئيس مجلس العائلة هو من يصبح ملكاً، باستثناء حالات نادرة يكون فيها رئيس المجلس الأكبر سنّاً. أما كونه مستشاراً شخصياً لملوك المملكة، فمن الصعب إثباته في ظل أحاديث عن أدوار لعبها مستشارون خاصّون في حياة الملوك منذ عهد فيصل وصولاً الى عهد الملك عبد الله.
نعم هناك ما يفيد بأن الملك سلمان حظي بفرص أكثر من غيره في الاقتراب من مشكلات إخوته والتدخّل لحلّها. فقد ورد في وثيقة ويكيليكس بتاريخ مايو 2006 للمستشار السياسي في السفارة الأميركية في الرياض ديفيد راندل تحدّث فيها عن الخلافات داخل الأسرة وذكر بأن الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز التالي في العمر بعد ولي العهد سلطان كان صريحاً في احتجاجاته حول الترتيبات الجديدة. ثم يعلّق بأنه غالباً ما يكون سلمان بن عبد العزيز حكماً في النزعات العائلية، ويرجع لجهة اتصال موثوقة وجيدة الوصول إلى دوائر الأسرة الحاكمة فإن سلمان قال لأخيه “اخرس وعد إلى العمل” في محادثة صريحة مع عبد الرحمن مؤخراً[7].
من الحقائق في سيرة الملك سلمان، كما يخبر عنه الاعلامي السعودي جمال خاشقجي بأنه “ليس محافظاً على المستوى الشخصي ولكنّه يثمّن رأي الجمهور المحافظ في البلاد”[8]. وهذا التوصيف صحيح الى حد كبير، لجهة نزوعه نحو تقريب التيار الديني المحافظ من خلفية سياسية وليس دينية، من أجل بناء تكتّل يواجه به خصومه على مستوى العائلة المالكة وعلى مستوى الجمهور العام. وقد بدا ذلك واضحاً منذ الأيام الأولى لتوليه العرش، والوتيرة الصادمة لنوعية القرارات التي أعلن عنها.
كان عهد الملك سلمان الأكثر راديكالية وسرعة من أي عهد مضى في حسم الصراع على السلطة. في غضون عشرة أيام أحدث سلمان تغييرات مفاجئة وخاطفة أطاحت ما بناه سلفه الملك عبد الله خلال قرابة عقد من الزمن.
خطة الملك سلمان في حسم الصراع على السلطة لم تقتصر على مجرد إزاحة الأشخاص واستبدالهم بآخرين مقرّبين منه وإنما طاولت بنية السلطة نفسها من خلال إلغاء الكثير من المجالس والهيئات والمناصب وإنشاء لجنتين هما: اللجنة السياسة والامنية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، واللجنة والاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد محمد بن سلمان، وزير الدفاع.
في غضون شهر من توليه السلطة، استطاع الملك سلمان ترسيخ سلطته وتركيزها في عدد قليل جداً من الأفراد، فيما وجد آلاف الأمراء بمن فيهم أبناء أشقاء الملك سلمان (فهد، سلطان، أحمد، تركي الثاني، عبد الرحمن)، خارج معادلة السلطة، الأمر الذي يثير أسئلة حول قدرة الملك سلمان على ضبط ردود الفعل داخل العائلة المالكة إزاء قرارات تبدو صادمة لكثيرين داخل الأسرة.
تميّز عهد الملك سلمان بخلوه من أبناء الملك/المؤسس الأقوياء. في العهود السابقة، كان أمراء كبار يمسكون بمناصب مهمة، ويتقاسمون الى حد كبير السلطة مع الملك وكان لهم نفوذ بشكل وآخر داخل العائلة المالكة، الأمر الذي يحد من نفوذ واحتكار الملك للسلطة وصنع القرار في كل الاوقات. وحده سلمان، الملك السابع في تاريخ المملكة السعودية، الذي يبدو أنه آخر عناصر الجيل الأول من أبناء عبد العزيز الذين تناوبوا على العرش في المملكة السعودية.
على أفق واسع، فإن التغييرات المفاجئة والشاملة التي قام بها الملك سلمان فتحت أبواب التكهّنات على مصراعيها بخصوص تغييرات مفاجئة وبنيوية. فليس هناك من أمير أو وزير في الدولة السعودية محصّن إزاء الاعفاء. بعد إرغام الأمير مقرن، الأخ الأصغر غير الشقيق للملك سلمان على تقديم استقالته (بناء على طلبه) ضمن سلسلة تغييرات وزارية أعلن عنها في 29 نيسان (إبريل) 2015، وهو أول قرار من نوعه في تاريخ المملكة السعودية، كان الاعتقاد بأنه يأتي في سياق خطة نقل السلطة الى الجيل الثاني. والحال، أن المناصب العليا والصلاحيات الواسعة التي حصل عليها محمد بن سلمان، كشف عن منطلقات أخرى غير منظورة في التغييرات، الى جانب ما كشف عنه التجاذب بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان. في النتائج، أصبحت التكهّنات تتجه الى إمكانية قيام الملك سلمان بإحداث تغييرات أخرى مفاجئة لضمان وصول إبنه محمد الى العرش وحتى لا يكرّر محمد بن نايف سيناريو عزل ولي العهد من منصبه على غرار ما فعله سلمان نفسه. ومن شأن متغيرات مفاجئة كهذه أن تفتح الأبواب على أزمة القيادة في المملكة.
يرجع سيمون هندرسون أزمة القيادة في عهد الملك سلمان الى الأيام الأولى من اعتلائه العرش، حين قام بخطوات راديكالية غير معهودة بتخطي أبناء الملك المؤسس وعشرات الأمراء من أبناء جيله ليمنح إبنه الأصغر مناصب عليا بالغة الحساسية منها (وزير الدفاع، وولي ولي العهد، ورئيس اللجنة الاقتصادية والتنمية، ورئيس الديون الملكي..) إلى جانب عشرات المسؤوليات في جوانب المال والنفط والاقتصاد. وبات الاعتقاد راسخاً بأن “يكون هو الخليفة الحقيقي للعاهل السعودي”[9].
إن تجاوز الملك سلمان لتقليد متوارث في العائلة المالكة، بالتشديد على التراتبية القائمة على الأكبر سنّاً والرجوع الى “مجلس العائلة” لحسم الخلافات أو تحصيل الإجماع يغذّي فرص النزاعات الداخلية بين الأمراء، في ظل استبعاد لعدد كبير من أفراد الجيلين الأول والثاني عن دائرة السلطة وتركيزها في شخصيتين.
إن طبيعة الصراع على السلطة بعد موت الملك عبد الله شهدت تبدّلاً جوهرياً. وبحسب ديفيد اغناطيوس، أن الأمراء السعوديين سوف يفكّرون بعد موت الملك عبد الله كيف يحافظون على بقاء البيت السعودي. توازن القوة في الشرق الأوسط سوف يتشكّل من خلال قراراتهم، ولكن في السعودية، كما في معظم الأماكن، السياسة محلية الطابع[10].
من المناسب الوقوف عند شائعات إصابة الملك سلمان بمرض الزهايمر، لارتباطها بصراع الأجنحة. فالشائعة تعود الى عهد الملك عبد الله، وقد أثيرت في أوقات كان الأخير يواجه تحديّات صحيّة. وفق المعطيات المتوافرة، الملك سلمان يعاني من أمراض تتعلق بكبر سنه، وأنه “بالتأكيد ليس سلمان الأمس” بحسب أحد السعوديين الذي التقاه حينذاك، وهو يتطابق مع تقييم مسؤولين أميركيين أيضاً[11]. في لقائه بالمثقفين والاعلاميين في 28 أكتوبر 2015، حاول إثبات حضور ذهني لافت من خلال سرد قائمة أسماء الملوك السابقين دون تلعثم أو خطأ في التسلسل بحسب حقبة كل ملك، ولكنّه تحدث عن أشياء غير واقعية بل مستهجنة خصوصاً قوله: “نحن والحمد لله نتمتع بالأمن والاستقرار فيه، ويأتونا حجاج بيت الله والمعتمرون والزوار آمنين مطمئنين بين مكة والمدينة بأمن واستقرار..”. وتثير هذه الجملة تساؤلات مشروعة حول ذاكرة الملك إن كان يتعمّد بالفعل تجاوز الحقائق على الأرض خصوصاً العمليات الارهابية في المنطقتين الشرقية والجنوبية، أو مأساة التدافع في منى وقبلها مأساة سقوط رافعة الحرم، ثم حريق الفندق في مكة، وكل تلك الحوادث المأساوية لم يمض شهر على وقوعها. وقد يكون ما قاله سيمون هندرسون عن الحالة العقلية المضطربة للملك مقبولاً “العاهل السعودي يمر بأيام جيدة وأيام سيئة”. ويستند التقييم الاجمالي للحالة الصحية للملك على معطيات منها كونه يسير بمساعدة عصا، ويظهر تدهوراً في قدرته العقلية “وهذه حقيقة تمّ الإعتراف بها حالياً على نطاق واسع – وإن ليس بصورة علنية – من قبل العديد من المسؤولين الغربيين”، حسب سيمون هندرسون[12].
مهما يكن، فإن حرب الشائعات حول الأوضاع الصحية للملك غالباً ما تعكس وتيرة الصراع على السلطة، وإن حاولت الأطراف المتصارعة إظهار عدم ارتباطها بتلك الحرب. في نهاية آذار (مارس) 2014 سرت شائعات عن تنحي الملك عبد الله عن العرش وتولّي سلمان مكانه بسبب عجزه عن أداء سلطاته، فصرّح “مصدر مسؤول” من جماعة الملك عبد الله في أول نيسان (إبريل) من العام نفسه بنفي التنحي، ولمّح إلى مصدر الشائعة بردّه على المتذرعين ببند عجز الملك عن أداء سلطاته (بحسب نظام هيئة البيعة): “ولكنه ما زال قادراً على إدارة دفة الحكم بكل كفاءة واقتدار”.
مهما يكن، فإن إصرار الجناح السديري على أن تكون الفحوصات مقتصرة على القدرات الذهنية للملك لإثبات قدرته أو عدمها على أداء سلطاته فيتقرر بقاؤه أو تنحيته، هو الذي دفع جناح الملك عبد الله للترويج لشائعة إصابة سلمان بمرض الزهايمر لنفي قدرته على مزاولة الحكم.
وتنص المادة (11) من نظام الهيئة على أنه: “في حالة توافر القناعة لدى الهيئة بعدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته لأسباب صحية تقوم الهيئة بتكليف لجنة طبية بإعداد تقرير طبي، فإذا ثبت عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته وأنها حالة مؤقتة، تقوم الهيئة بإعداد محضر إثبات لذلك، وتنتقل سلطات الملك إلى ولي العهد. أما إذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته تعد حالة دائمة، عندئذ تدعو الهيئة لمبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد”.
من الواضح أن الجناح السديري توسّل هذه المادة لإرغام جناح الملك عبد الله على “التسويّة”، بالإستناد إلى نظام هيئة البيعة بكونه المرجع الذي يحظى، نظرياً، بإجماع داخل العائلة المالكة وليس أوامر الملك. مع أن تفويض هيئة البيعة يكون ساري المفعول بعد موت الملك وولي عهده معاً. وكان النظام قد صدر في حياة الأمير سلطان، ولي العهد الأسبق، الذي توفي في تشرين الأول (أكتوبر) 2011. وبناءً عليه، فإن موته منح الملك فرصة ممارسة صلاحياته وفق النظام الأساسي للحكم، إذ عيّن خلفاً له في منصب ولي عهد لأكثر من مرة (الأمير نايف في تشرين الأول/أكتوبر 2011)، وبعد موت الأخير في حزيران (يونيو) 2012 أعلن تعيين الأمير سلمان مكانه على الفور. وكلاهما من الجناح السديري، ولم يجد هذا الجناح في قرار تعيين الملك لهما مخالفة لنظام هيئة البيعة، بينما يصرّ السديريون على اعتماد النظام كمرجعية في المناكفة مع جناح الملك.
ـ ما بعد الزلزال
في فجر 29 نيسان (إبريل) 2015 أصدر الملك سلمان 25 أمراً ملكياً غيّر بنية السلطة بصورة شبه كاملة وكانت صادمة للداخل وللعالم العربي وللعالم بصورة عامة. وتمّت التغييرات هذه قبل مرور أكثر من مائة يوم على التعيينات الأولى عقب اعتلاء سلمان العرش في يناير 2015. وصفت تلك الأوامر بأنها بمثابة “زلزال” ووصفها آخرون بـ “انقلاب ناعم”. كانت التوقعات منذ أول دفعة أوامر ملكيّة أصدرها الملك سلمان بعد ساعات من وفاة أخيه الملك عبد الله، أنه لن يستثني الأمير مقرن من خطة تصفية تركة سلفه[13].
الأوامر الملكية الـ 25 طالت مجالين: الوراثة والسياسة الخارجية. في الأولى أزال أخاه غير الشقيق مقرن واستبدله بمحمد بن نايف المعروف في الغرب بـ (MBN)، كما عيّن إبنه الأصغر محمد بن سلمان (المعروف في الغرب بـ MBS) وزيراً للدفاع وولي ولي العهد. وفي المجال الثاني، أي السياسة الخارجية، أزاح الملك سلمان وزير الخارجية سعود الفيصل واستبدله بعادل الجبير. في الدلالات، يعد تعيين الأخير الى رغبة الملك سلمان بأن يكون له صوت في واشنطن، في ظل توترات شهدتها العلاقة بين البلدين على خلفية تخلي أوباما عن قرار الحرب في سوريا ومواقف واشنطن خلال مرحلة الربيع العربي، وأخيراً الاتفاق النووي الايراني[14].
وفي النتائج:
ـ لأول مرة يحصل تغيير بنيوي في خط الوراثة، بما يشي بنهاية حكم أبناء المؤسس وصعود الجيل الجديد من الأحفاد. فقد تم عزل الأمير مقرن، الإبن الأصغر سناً من أبناء عبد العزيز وآخر من لديه أمل في استمرار حكم الجيل الأول، فيما أصبح الملك سلمان آخر أبناء المؤسس الذين يحكمون السعودية، اللهم الا في حال نجاح محاولات أمراء من آل سعود في فرض أحد أبناء الجيل الأول (أحمد بن عبد العزيز مثالاً) ملكاً..
ـ إن السرعة التي تمّ بها صدور قرارات التعيين والاعفاء منذ الساعات الأولى لوفاة الملك عبد الله ثم بعد إسبوع من اعتلاء الملك سلمان العرش وصولاً الى إعفاء الامير مقرن وأمراء آخرين بمن فيهم سعود الفيصل وتعيين المحمدين في منصبي ولي العهد وولي ولي العهد كشفت عن خلاف عميق بين الملك عبد الله وولي عهده، سلمان، الملك لاحقاً، كما كشفت عن كون القرارات كانت جاهزة وتنتظر لحظة توليه العرش لإعلانها وتنفيذها على الفور..
ـ ولأول مرة أيضاً، فإن الأوامر الملكيّة وجّهت خط الوراثة ناحية إثنين من أبناء شقيقين في الجناح السديري، أي نايف وسلمان.
ـ إزاحة سعود الفيصل كوزير للخارجية يشير الى تهميش أبناء الملوك السابقين. تجدر الإشارة الى أن عادل الجبير هو الأول من غير الأمراء من تولى منصب وزير الخارجية، منذ تأسيس المملكة، باستثناء فترة قصيرة شغل فيها ابراهيم السويل المنصب (من 1961 ـ 1962)، أي في الفترة التي كان فيها الصراع محتدماً بين سعود وفيصل. نشير الى أن الخارجية السعودية تسلّمها أربعة وزراء فقط (الملك فيصل، وابراهيم السويل، وسعود الفيصل، وأخيراً عادل الجبير). وتقاسم الملك فيصل وإبنه سعود أطول فترة في تولي المنصب، فقد كان فيصل ملكاً ووزيراً للخارجية من عام 1962 ـ 1975 ثم تولاه إبنه سعود الفيصل في الفترة من 1975 ـ 2015.
ـ بن نايف والجبير هما مقرّبان من الولايات المتحدة. وبرغم من تباين الرياض وواشنطن في مقاربة موضوع ايران، فإن المسؤولين الأميركيين تربطهم علاقات مريحة مع بن نايف والجبير. ويقال بأن لدى الأمير محمد بن نايف مقاربة براغماتية لملفات المنطقة قد تساعد في تسهيل التعاون مع امريكا وايران. وتتطلع واشنطن لأن يلعب بن نايف دوراً محورياً في المساعدة لجهة تسوية النزاعات الاقليمية. على أية حال، فإن من الصعب تشكيل تصوّر ثابت عن بن نايف في كل الملفات، فقد عرف عنه تشدّده في الملف البحريني، وكذلك في ملف الناشطين السياسيين والحقوقيين إذ كان له دور سيء الصيت في قمع التيار الاصلاحي..
إن التخفيف من تداعيات القرارات الراديكالية التي اتخذها الملك سلمان ومن قبله الملك عبد الله في موضوع تعيين الأبناء والأقارب في المناصب الحساسة، كان يتم، من بين بدائل أخرى، عبر اعتماد سياسة انفاق سخيّة خصوصاً في مجال التقديمات الاجتماعية، من أجل التعويض عن انعدام آليات ديمقراطية مثل الانتخابات.
من نافلة القول، عرف عن الملك سلمان معارضته للديمقراطية في بلاده، فلا يرى بأنها تسجم مع المملكة “المحافظة”، كما كشفت وثائق ويكيليكس. وذكرت إحدى الوثائق المسرّبة أن سلمان قال في اجتماع مع السفير الأميركي في مارس 2007: “إن الإصلاحات الاجتماعية والثقافية التي يحث عليها الملك عبد الله يجب أن تمضي ببطء خشية أن تثير رداً عكسياً من المحافظين”[15]. وقال في مقابلة صحفية مع مجلة (ديرشبيغل)، أجريت في عام 2010: “لا يمكن أن تكون لدينا ديمقراطية في السعودية، وإلا ستؤسس كل قبيلة حزباً، وسنصبح مثل العراق وتنتهي بنا الأمور إلى الفوضى”[16].
نزوع سلمان المحافظ ونفوره من الديمقراطية والانفتاح السياسي يجعلان منه ملكاً غير شعبي وإن حاول إظهار نفسه في هيئة أخرى وديّة. وبات في حكم المؤكّد أن موت الملك عبد الله ترك المملكة السعودية ضعيفة داخلياً ومحاطة بالأعداء أكثر من أي وقت مضى. في حقيقة الأمر، كشف أداء سلمان منذ توليه العرش عن رؤية عدمية، فبدلاً من تصويب اتجاه سفينة الدولة قادها الى المزيد من المغامرات. وبعد شهرين من توليه العرش شنّ حرباً على اليمن، وأطلق العنان للتيار الديني المتشدّد لقيادة نزاع طائفي بهدف شدّ العصب في الحاضنة الشعبية للنظام، ولكن هذا النزاع أفاد منه تنظيم (داعش) أيضاً لجهة تنفيذ عدد من الهجمات الارهابية على مساجد وحسينيات شيعية في المنطقة الشرقية وفي الكويت وفي نجران، جنوب المملكة..
وعلى خلاف طائفية الملك عبد الله ذات الطابع السياسي، فإن طائفية الملك سلمان أخذت طابعاً دينياً وجعلت الأخطار المحدقة في عهد سلمان أشد وذات عواقب وخيمة على وحدة المملكة واستقرارها ومستقبلها. وبحسب كارين إيليوت هاوس، مؤلفة كتاب (السعودية: شعبها، ماضيها، دينها، خطوط الصدع ـ والمستقبل) فإن العلاقات الوثيقة التي تربط الملك سلمان بالمؤسسة الدينية المحافظة سوف تدفع الأخيرة للعمل من أجل أن يكون أكثر ارتياباً وسلبية إزاء إيران على وجه الخصوص، والشيعة بصورة عامة بما يشمل شيعة العراق”[17].
ولابد من الفات الإنتباه الى أن التحالفات الدينية والقبلية التي عقدها الملك عبد العزيز وأبناؤه في سبيل إقامة كيانهم في الجزيرة العربية ليست على نفس القدر من القوة والزخم في عهد الأبناء والأحفاد. ففي حال تفجّر الغيرة وصراع النفوذ والثروة في حرب مفتوحة داخل العائلة، فإنها قد تفضي الى تفكك الدولة السعودية. وإن فناء الملكية المطلقة لن يكون غير قابل للتحقّق بعد الآن. غياب قيادات كاريزمية مرتبطة بفترة التأسيس والمؤسس، واتساع دائرة التنافس والصراع على السلطة بين أبناء الجيل الثاني سوف تفضي الى توزّع الولاءات القبلية بين عدد غير محدود من الأمراء.
في مجتمع يخضع لتجاذب تيارات فكرية واجتماعية وسياسية متنافرة، ينزع بعض الملوك والأمراء الكبار الى توظيف الخلافات لتعزيز مواقعهم في حلبة الصراع على السلطة. على سبيل المثال، حظي الملك عبد الله بمكانة خاصة وسط المجتمع نتيجة مواقفه المعلنة من قضايا الإصلاح وحقوق المرأة. وكان كثير من النساء السعوديات ينظرن اليه بكونه نصيرهم السري في مجتمع يقمع بشدّة حقوق المرأة. لم يقم باصلاح السعودية، ولكنه كان قادراً على الحفاظ على مستوى من الاستقرار[18]. في المقابل، كان الأمير نايف يتبنى موقفاً متشدّداً إزاء المرأة، وأطلق تصريحاً قبل أيام من تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في 27 آذار (مارس) سنة 2009 بأن السعودية “لا تحتاج إلى تمثيل للمرأة في مجلس الشورى”، المعيّن من قبل الملك، و”لا تحتاج إلى إجراء انتخابات لأن التعيين يختار الأفضل دائماً”، وأنه “لو كانت العضوية بمجلس الشورى بالانتخاب لما كان الأعضاء على مستوى من الكفاءة”[19].
ب ـ ثنائية الأحفاد
تقليدياً، ينأى آل سعود عن مناقشة شؤون الحكم عبر وسائل الاعلام أو حتى في مجالسهم الخاصة، ولم تجر العادة في السيرة السعودية على المجاهرة بالخلافات الداخلية أو السماح للإعلام بالنفاذ الى العالم الخاص للأسرة المالكة وأسرارها. ولذلك، فإن قراءة الخلافات تتم في الغالب من خلال السياسات المتباينة والقرارات المتضاربة بين ملك سابق وآخر لاحق أو بين أمير وآخر في مناصب سيادية أو في مواقع القرار.
لا يقتصر الصراع بين الأمراء على مستويات عليا، فقد يندلع الصراع على نطاق ضيق وفي مستويات متدنية، كما حصل بين الأمير بندر بن سلطان وابن عمه الأمير تركي الفيصل.
الاعلامي السعودي جمال خاشقجي المقرّب من تركي الفيصل، كتب في صحيفة (الحياة) اللندنية والمملوكة للأمير خالد بن سلطان عن نهاية عصر الرجل الواحد، ومثّل لذلك برجل المخابرات الذي يعمل على تخريب البلدان وقال:
“من الخطأ معاندة قوّة التاريخ بوهم أن الأقوياء يستطيعون عقد الصفقات وتخطيط المستقبل بعيداً من الشعوب التي سمحت انقساماتها وقلة خبرتها بالديموقراطية في أن تعبث بها القوة المتماسكة محلياً وإقليمياً ودولياً، إلا أنها لا تزال في حال سيولة وغليان أحياناً. إنها تعرف ما تريد، ولكنها مرتبكة حياله، ولن تقبل بالتأكيد بفاتح يأتيها على حصان أبيض، يقودها نحو فجر مشرق جديد… لقد انتهى عصر الرجل الواحد”[20]. وجاء المقال بعد تخلي أوباما عن قرار الحرب على سوريا في إيلول (سبتمبر) عام 2013، والذي تسبب في إحباط الأمير بندر بن سلطان وتالياً سحب ملف سوريا من يده وإعفائه من منصبه في وقت لاحق.
ديفيد هيرست، الكاتب البريطاني المعروف، وضع مقالة خاشقجي في سياق النقد لدور بندر، وأن كثيراً من قرّاء المقالة فهموها على هذا النحو . بالنسبة لهيرست، كمراقب من الخارج، وفي ضوء معايير الصحافة السعودية، فإن المقالة تعدّ مادة جريئة، وتعكس التوتّر بين الأمراء المتنافسين في البيت السعودي وسياسات بندر وفريقه، بما يشمل وزير الخارجية السابق سعود الفيصل.[21]
وعلى مستويات عليا، يبدو مشهد الصراع على السلطة أشد تعقيداً وإثارة، ويلفت الى جوهر الخلافات الداخلية، والى الحد الذي يعمل كل جناح على تعزيز موقعه في معادلة السلطة.
في الصراع بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ثمة رواية مثيرة للغاية. فقد لعب القدر لصالح الأمير محمد بن نايف الذي لم يكن من الممكن، وفق ترتيبات انتقال السلطة في العائلة المالكة، أن يتبوأ مقعداً في خط الوارثة. وكان إعفاء الأمير أحمد بن عبد العزيز من منصبه كوزير للداخلية “بناء على طلبه” بأمر ملكي في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، قد أزاح عقبة كؤودة من طريق محمد بن نايف نحو العرش. فالخلاف المتجذّر بين محمد بن نايف وعمّه الأمير أحمد يجعل من إمكانية حصول الأول على فرصة راجحة للوصول الى السلطة شبه معدومة. وبقدر ما أثار قرار إعفاء الأمير أحمد موجة جدل واسعة داخلياً وخارجياً، فإن تعيين محمد بن نايف مكانه أشاع جوّاً من الإرتياح لدى الدوائر الاميركية التي وجدت فيه حليفاً موثوقاً يمكن التفاهم معه في المستقبل، تأسيساً على تجربة التعاون والتنسيق بينهما في مكافحة الارهاب ومحاربة القاعدة.
في المقلب الآخر، لم يكن الأمير محمد بن سلمان في عهد الملك عبد الله مرشّحاً للعب أي دور محوري، ببساطة لأن منصب ولي العهد لا يهب صاحبه صلاحيات واسعة. وصدر أمر ملكي في 25 نيسان (إبريل) 2014، بتعيين محمد بن سلمان وزير دولة وعضو في مجلس الوزراء، بدلاً من عبدالعزيز بن فهد، مفضياً إلى استبعاد آل فهد بالكامل من حلبة التنافس على السلطة.
وما كان مقرّراً في مضامين الأوامر الملكية الصادرة خلال عهد الملك عبد الله (2005 ـ 2015)، لجهة إفساح المجال أمام نجله الأكبر متعب، وزير الحرس الوطني الحالي، لأن يحجز مكاناً في خط الوراثة مع بقاء الأمير مقرن بن عبد العزيز في منصبه ولياً للعهد كضمانة، تلاشى بصورة نهائية وخاطفة فور إمساك سلمان بمقاليد السلطة.
بدت التغييرات الكبيرة التي قام بها الملك عبد الله في عهده غير ذات جدوى أمام سلطة الملك المطلقة، بحسب مواد النظام الأساسي للحكم. على سبيل المثال، جاء الاعلان عن تشكيل هيئة البيعة وعن منصب جديد “ولي ولي العهد” في إطار محاولات الملك عبد الله لجهة تعديل موازين القوى داخل العائلة المالكة. ولكن بدت هشاشة الهيئة واضحة في مرحلة مبكرة بعد تجاوزات متكررة من الملك عبد الله نفسه ولاحقاً الملك سلمان بتعيين نايف نائباً ثانياً ومن بعده سلمان، كما نقض الأخير نص الأمر الملكي الخاص بتعيين مقرن بن عبد العزيز في منصب ولي ولي العهد، حيث أصدر أمراً ملكياً بإعفائه من منصبه..
تجدر الاشارة الى أنالأمر الملكي الذي صدر عن الملك عبد الله بتعيين الأمير مقرن في منصب ولي ولي العهد حدّث عن “رغبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد..وتأييد ذلك بأغلبية كبيرة من أعضاء هيئة البيعة تجاوزت الثلاثة أرباع” بحسب نص الأمر[22]. الا أن هذه الرغبة كما تأييد أغلبية أعضاء هيئة البيعة لم تصمد طويلاً حين أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بإعفاء الأمير مقرن بدعوى “بناء على طلبه”، وأن التأييد لتعيين محمد بن نايف في منصب ولي العهد ونجله محمد بن سلمان في منصب ولي ولي العهد جاء “وبعد الاطلاع على تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموه ليكون ولياً لولي العهد”[23].
وبخلاف الأوامر الملكية الأخرى، فإن نص الأمر الملكي الخاص بتكليف محمد بن سلمان بمناصبه الجديدة أخذ طابعاً دفاعياً، وكأنه يحمل في طيّاته إجابات عن أسئلة مكتومة سواء في الشارع أو داخل الأسرة المالكة، ولاسيما البعد القرابي. يقول النص:
“نظراً لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ولما يتصف به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من قدرات كبيرة – ولله الحمد – والتي اتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن – بتوفيق من الله – من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به سموه من صفات أهّلته لهذا المنصب، وأنه – بحول الله – قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا المنصب، وبناء على ما يقتضيه تحقيق المقاصد الشرعية، بما في ذلك انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم، فإن سموه يرشح سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ليكون ولياً لولي العهد”[24].
لم يخبر الأمر الملكي عن طبيعة المهمات الجسّام التي تحمّلها محمد بن سلمان في السابق، ولكنّها على ما يبدو لغة مطلوبة لتبرير قرار خطير من هذا القبيل.
ومع استقرار معادلة السلطة على أساس المقاسمة المتكافئة بين المحمدين، يعاد مشهد ثنائية السلطة التي طبعت سيرة الحكم السعودية منذ موت المؤسس، وقدّر لها أن تنتقل من أبنائه الى أحفاده. فقد ظهرت علامات الخصومة بين المحمدين في وقت مبكر، برغم من أن حجم السلطة لدى كلا الأميرين غير مسبوق في تاريخ العائلة المالكة، باستثناء الملوك.
يستحضر محمد بن سلمان عقدة العمر في العائلة المالكة. وينقل أحد زوّاره عنه قوله أنه لا يتوقع أن يصبح ملكاً حتى يصبح في سن 55 عاماً أي في عمر ابن عمه محمد بن نايف[25]. يمكن أن نلتقط هذه الاشارة للقول بأن الحديث عن خلافات محمد بن سلمان ومحمد بن نايف يستوجب حذراً شديداً، لأن ليس كل ما ينقل في الإعلام يستند الى معطيات واقعية. في الوقت نفسه، لابد أن تلفت بعض المواقف والتصريحات وكذلك التعيينات والاعفاءات الى تباينات في مستوى وآخر في السلطة. على سبيل المثال، وضعت مأساة التدافع في منى خلال موسم الحج لعام 1436/2015، والتي راح ضحيتها آلاف من الحجاج، في سياق الصراع على السلطة بين محمد بن نايف، الذي يتولى رئاسة اللجنة العليا للحج، ومحمد بن سلمان. على أية حال، فإن وقوع الحوادث المأساوية يصنّف غالباً في خانة الاخفاقات الأمنية، وإن لم يتم المحاسبة عليها في العلن. قد يستغل خصوم محمد بن نايف الحادثة للتصويب على أدائه في إدارة ملف الحج، وكذلك ملف الأمن في حال وقوع هجمات إرهابية، وكذلك الحال بالنسبة للأمير محمد بن سلمان، ولكن المساحة المتاحة لكل طرف باستغلال هذه الحوادث لتسجيل مواقف أو زحزحة مواقع تبقى رهينة موازين قوى داخلية وأيضاً إرادة الملك وبقية الفاعلين الكبار في العائلة المالكة.
وبصورة عامة، ليس من مصلحة أي أمير، وإلى أي جناح ينتمي، أن تسود الفوضى في المملكة، لأن الخسارة سوف تكون حينذاك من نصيب الجميع. ولكن هذه الخلفية قد تكون أقوى لدى الجيل الأول منه لدى الجيل الثاني الذي لم يشهد متاعب وتحديات التأسيس بل عاش نعيم السلطة ومغانمها فحسب..
جانب آخر في الخلاف بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان يتعلق بملفات السياسة الخارجية، مع الإشارة الى أن قلّة نادرة من ملفات السياسة الخارجية باتت منوطة بالأمير محمد بن نايف، باستثناء ملف البحرين الذي ورثه من والده، إذ كان مسؤولاً مباشراً عنه، تماماً كما ورث محمد بن سلمان ملف اليمن من والده، وزير الدفاع السابق. ومع ذلك يمكن رصد التباين في وجهات نظر الرجلين بحسب الدول:
ـ اليمن
تصدر مقاربة محمد بن نايف للمسألة اليمنية من منطلق أمني، على قاعدة أن اليمن دولة فاشلة، بحسب وثيقة للسفارة الأميركية في الرياض تعود الى شهر آيار (مايو) سنة 2009 سرّبها موقع ويكيليكس ونشرت في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2010. وقال محمد بن نايف حينذاك (لدينا مشكلة إسمها اليمن)، وأن بلاده تشعر بالقلق بخصوص احتمال استغلال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدم الاستقرار في اليمن لشن مزيد من الهجمات داخل أراضيها بعد أن تمكنت بمساعدة خبراء أجانب من وقف حملة للمتشددين في عام 2006.
لاشك أن الحرب السعودية على اليمن والفراغ الأمني الكبير الذي أحدثه انسحاب الجيش واللجان الشعبية من المحافظات الجنوبية قد وفّر فرصة مثالية لعودة تنظيم (القاعدة) بوتيرة أسرع من السابق. في حقيقة الأمر، ساهمت إدارة محمد بن سلمان للحرب والاستراتيجية العسكرية التي اتبعها منذ الأيام الأولى في استقطاب مقاتلي (القاعدة) و(داعش) كيما يتحوّلوا الى لاعبين أساسيين في الميدان اليمني. وسوف يواجه محمد بن نايف ارتدادات انتشار المقاتلين من (القاعدة) و(داعش) في مناطق شاسعة من جنوب اليمن على الامن القومي السعودي لسنوات قادمة.
ـ سوريا
منذ صدور الأمر الملكي الخاص بتجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في 3 شباط (فبراير) 2014، أصبح محمد بن نايف، من موقعه كوزير للداخلية والمسؤول الأول عن الملف الأمني ومكافحة الإرهاب في السعودية معنياً بصورة مباشرة بالتعامل مع تبعات مرحلة انخراط السعودية في الملف السوري منذ صيف 2012.
لم يستكمل محمد بن نايف مهمة احتواء تبعات انخراط المقاتلين السعوديين في الميدان السوري، فقد عاد الامير محمد بن سلمان للإمساك بالملف مجدّداً وراح ينسّق مع الاتراك والقطريين من جهة لناحية دعم الجماعات المسلّحة في الوقت الذي فتح باب التفاوض مع القيادة الروسية بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد ثم باللقاء المباشر مع ممثل للأخير، اللواء علي مملوك، من أجل فك الارتباط مع ايران وحزب الله، وهو الطرح نفسه الذي قدّمه نائب وزير الخارجية السعودي، عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك عبد الله، ورفضه الجانب الروسي.
من الناحية العملية، كان تولي محمد بن سلمان قيادة التحالف العربي في العدوان على اليمن تحت شعار “عاصفة الحزم” فرصة لتوسيع صلاحياته، كما ظهر في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في منتصف ديسمبر 2015، وقد جرى توظيفه لبناء تحالف إقليمي بقيادة السعودية لمواجهة النفوذ المحور الذي تقوده إيران.
من منظور أمني، يجد محمد بن نايف نفسه أمام وضع غير متماسك بل ومربك، ولا يمكن البت فيه بمقاربات متضاربة. من جهة، مطلوب منه ملاحقة عناصر (القاعدة) و(داعش) أينما وجدوا من أجل الحفاظ على الوضع الأمني الداخلي، ومن جهة ثانية هناك من يريد الإفادة منهم في حروبه مع الآخرين.
في ضوء تجربة الانخراط السعودي في الأزمة السورية، ثبت أن المقاتلين السعوديين الذي يذهبون الى هناك يصعب التكهّن بخياراتهم، منهم من يعود ليفجّر نفسه في الداخل السعودي كما حصل مع تفجير مسجد المشهد في نجران في تشرين الأول (أكتوبر) 2015.
إن استئناف السعودية بعد تولي سلمان العرش لدعمها للجماعات المسلّحة وانغماس مقاتليها المدنيين والعسكريين مجدّداً في ساحات القتال السوري قد تكون قراراً سياسياً بدرجة أساسية ولكنه في الجوهر يتعارض مع الحسابات الامنية، وقد يبعث سؤالاً حول التنسيق بين إبن نايف وإبن سلمان في هذا الملف، بالنظر الى ما جرى بعد تجريم المقاتلين السعوديين في الخارج وتسلّم إبن نايف الملف، لاستيعاب التداعيات المحتملة على الأمن الداخلي في المملكة.
ـ الاخوان المسلمين
بدا واضحاً أن ثمة تحوّلاً لدى الملك سلمان ونجله في مقاربة ملف الاخوان المسلمين، وكان ذلك واضحاً من انخفاض مستوى العلاقة بين السعودية ومصر السيسي بعد موت الملك عبد الله وتولي سلمان مقاليد الحكم، وزيادة درجة التنسيق مع تركيا في عهد سلمان. كان لهذا التحوّل ترجمة داخلية من خلال انفتاح الملك سلمان على التيار السلفي الصحوي المقرّب من الاخوان المسلمين، إذ يشعر رموز التيار بأن سلمان انتصر لهم ولظلامتهم وعوّضهم عمّا أصابهم في السنوات السابقة.
في المقابل، يتبنى محمد بن نايف مقاربة متشدّدة إزاء الإخوان المسلمين عموماً، وكذلك التيار السلفي الصحوي على وجه الخصوص. وقد ورث محمد بن نايف موقفه المتشدّد من جماعة الإخوان من أبيه الأمير نايف الذي وصفها بأنها “أصل البلاء” وأن كل مشكلات المملكة جاءت من الاخوان المسلمين، حسب قوله لصحيفة (السياسة) الكويتية في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، ثم كرّر المواقف ذاتها وبلهجة أشد في مقابلة أخرى مع صحيفة (الشرق الأوسط) في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013. وعليه، فإن محمد بن نايف الحريص على اقتفاء سيرة والده يعتنق النظرة ذاتها في تحميل الإخوان المسلمين مسؤولية تفشي الارهاب في العالم، وأن الجماعة هي الحاضنة التي تربت فيها الجماعات الارهابية..
يذكر في السياق لقاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع محمد بن نايف في 27 شباط (فبراير) 2015 للإطلاع على التقرير البريطاني عن الإخوان المسلمين والتحقيق الذي تجريه السلطات البريطانية حول نشاطهم. طلب محمد بن نايف من الجانب البريطاني توفير “أرضية فهم مشتركة للتهديدات التي تشكلها التنظيمات الإسلامية التي تعمل تحت غطاء المنظمات الخيرية وهيئات الجالية في حين أثبت الكثير من التحقيقات السعودية ان لدى الرياض خيوط ارتباط بحركات التشدد التي صارت داعش رمزاً عالمياً لها”. وطالب بن نايف الحكومة البريطانية بأن “تتخذ موقفاً ضد الجماعة”، وهنا يفتح باب على العلاقة بين محمد بن نايف مع قطر الراعية الأكبر للإخوان المسلمين في الخليج، حيث تبدو علاقة فاترة مشوبة بالحذر في مقابل التنسيق بين محمد بن سلمان مع الجانب القطري في الملف السوري ودعم حزب الإصلاح (فرع الإخوان) في اليمن.
ومن دون ريب، فإن تباين وجهات نظر محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في مسألة الإخوان المسلمين تنعكس على كل وجودات الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط (تونس، ليبيا، سوريا، العراق، المغرب العربي..) الى جانب مصر.
ـ ايران
قد يبدو تعاطي الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان غامضاً الى حد ما، كون المواقف الصادرة عن كليهما متطابقة في سلبيتها إزاء إيران، وإذا ما اعتمدنا معيار التقليد، فلابد أن يكون محمد بن نايف متشدّداً في الموقف من ايران على طريقة والده الأمير نايف الذي كان متصلّباً في الموقف من ايران. أما الأمير محمد بن سلمان، فإن أداءه السياسي العام ينزع نحو الخصومة مع ايران أكثر منه نحو التقارب معها. ولكن يبقى فارق بينهما في النزعة الواقعية لدى محمد بن نايف وميله الى السير على خطى السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، وما تمليه من مواقف معتدلة في الملف الإيراني وهذا ما يراهن عليه الأميركي لجهة كسر التصلّب في مواقف الملك سلمان ونجله. يعتقد الأميركيون وفق إشارات جمّة بأن محمد بن نايف قد يحقق ما يتطلع إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما بعلاقة متوازنة ايرانية سعودية في المنطقة تحقق الاستقرار وتحفظ مصالح الولايات المتحدة وتقضي على الارهاب أو على الأقل تحد منه.
من الضروري الإشارة الى أن التنافس بين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان يزيد في تعقيد المشهد السياسي في المملكة. فقد تراجع دور محمد بن نايف الذي يرأس اللجنة السياسة والأمنية لصالح الأمير محمد بن سلمان الذي تحوّل الى اللاعب السياسي الأقوى في البلاد، وهو من يدير فعلياً السياسة الخارجية، فيما يقتصر دور محمد بن نايف على القطاع الأمني حصرياً، وهو المجال الذي برع فيه من خلال مواجهة النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان الى جانب علاقاته القديمة والعميقة مع المؤسسات الأمنية الكبرى في الولايات المتحدة.
على أية حال، فإن العلاقة المتميّزة مع الولايات المتحدة لا تمنح أي من حلفائها في العائلة المالكة ضمانة أكيدة على دعمها له في كل الأزمنة. وحين نقارن بين إنجازات بندر بن سلطان في إطار تعزيز التعاون الشامل بين واشنطن والرياض وما قدّمه محمد بن نايف سوف يصبح مجحفاً مجرد المقارنة، ولكن في كل الأحوال فإن الإدارة الأميركية على استعداد للتخلي عن حليف استراتيجي وعريق خدم الولايات المتحدة أكثر مما خدمه أركان كبار في الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان وصولاً الى الرئيس أوباما. ولذلك، فإن التعويل على مجرد كون محمد بن نايف حليفاً مأموناً للولايات المتحدة لا يجعله ضامناً للعرش على الدوام. فالواقعية السياسية قد تفرض قوانينها أحياناً كثيرة.
ينقل ديفيد إغناتيوس كيف أن المسؤولين الأميركيين كانوا متحمّسين للقاء ولي ولي العهد الشاب، ولكنهم كانوا قلقين من أن محمد بن سلمان، والمعروف باختصار (MBS) أن يكون في حالة تحدٍ مع محمد بن نايف، والذي ينظر إليه في واشنطن بكونه حليفاً موثوقاً في مواجهة القاعدة[26].
على أية حال، فإن ثمة ملفات تغذّي الخلاف والصراع بين المحمدين ومن بينها الحرب على اليمن التي يقودها محمد بن سلمان. تجدر الاشارة الى أن الأخير يعد أصغر وزير دفاع في العالم وقت تعيينه في هذا المنصب، ومع ذلك قاد حرباً بعد شهرين من تعيينه، فكانت مغامرة غير مسبوقة..
ثمة تباين في الطبائع الشخصية لدى بن نايف وبن سلمان، وبحسب س.هندرسون: “فالأمير محمد بن نايف المعروف باقتضابه في الكلام، هو المفضل بالنسبة لواشنطن بسبب تعاونه في مكافحة الإرهاب؛ ويعكس أحياناً شخصية مكتئبة مقارنة بالأمير محمد بن سلمان المندفع والواثق من نفسه..”..يضيف هندرسون الى ذلك بعداً جديداً في خلاف الرجلين، فبرغم مما يظهره من احترام لابن عمه، إلا أن محمد بن سلمان بدا مستخفاً به ومثّل لذلك بالصورة الرسمية للإجتماع الذي ترأسه الأمير محمد بن نايف في مكة المكرمة بعد وقوع كارثة تدافع الحج لعام 1436/2015، حيث ظهر محمد بن سلمان وهو يقرأ مجلة.
الكلام عن دور محمد بن سلمان في ترتيبات السلطة قبل وفاة الملك عبد الله كان رائجاً. وقيل بأنه خطّط لخطوات انتقال السلطة بعناية في الاسابيع التي سبقت وفاة الملك عبد الله في23 يناير 2015، ونفّذها بسرعة لضبط الاحتجاجات داخل العائلة المالكة[27]
سرعة استحواذ محمد بن سلمان على مواقع حساسة في الدولة تثير شكوكاً وهواجس لدى غريمه محمد بن نايف ولدى عشرات الأمراء الذين يرون بأنهم خسروا الرهان الأخير لناحية إعادة تقسيم السلطة على أحفاد عبد العزيز بالتساوي وأنهم تعرّضوا لعملية إقصاء كيدية من قبل الملك سلمان، وإن تصرّف محمد بن سلمان على أساس أنه الملك الفعلي يثير توتّراً وسط العائلة المالكة..يبقى أن الأخير لم يصل الى مرحلة يكون فيها قادراً على التخلّص من محمد بن نايف المدعوم أميركياً ولا يزال يحظى بتأييد قطاع وازن من مسؤولي الداخلية، تماماً كما كان الحال بالنسبة للملك عبد الله الذي لم يقدر على إزاحة ولي عهده حينذاك، سلمان، تحت أي ذريعة بما في ذلك الوضع الصحي..
مناصرو محمد بن سلمان يرون فيه رجل التغيير القادم في المملكة التي هي بحاجة الى شخص شاب مثابر طموح بعد معاناة مع كبار السن، القادة الدفاعيين. الأمير الشاب يلح في سبيل تنويع القاعدة الاقتصادية، والمزيد من الخصخصة، ومستقبل يقترب من نموذج الانفتاح على غرار الامارات العربية المتحدة وليس الأسرة المحافظة لآل سعود. ينقل عنه أنه طلب من شركات استشارية أميركية لوضع خطط تحديثية. وبحسب مسؤول أميركي رفيع التقى محمد بن سلمان يقول “رؤيته مثيرة للإعجاب بشكل كبير في مجالها، وتفاصيلها، ووتيرتها”[28].
كان نجاحه في اقتناص فرصة الجدل الدائر حول الأرض التي يشارك عليها المنتخب السعودي لكرة القدم أمام المنتخب الفلسطيني والتي هدّدت بعقوبة الفيفا لاتحاد كرة القدم السعودي حيث أنقذ محمد بن سلمان الموقف باتصاله برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 واتفقا على نقل المباراة الى عمان ضاعف شعبيته وسط جمهور المشجّعين لكرة القدم. كانت تلك إشارة إضافية إلى أن محمد بن سلمان يمارس سلطة مطلقة تجعله قادراً على اكتساب شعبية من ورائها.
في المقابل، هناك من ينتقد أدائه ويصفونه بالمتسّرع وعديم الخبرة، وأنه خاض حرباً مكلفة وفاشلة في اليمن. ويجادل هؤلاء المعارضون بأن الحرب على اليمن ساهمت في تقوية موقف (القاعدة) و(داعش) هناك وجلبت ضغطاً جديداً من اللائجين والمعارضين على الحدود السعودية.
بعد لقاء القمة الذي جمع سلمان وأوباما بحضور محمد بن سلمان في 4 أيلول (سبتمبر) 2015، كتب ديفيد إغناتيوس مقالاً بعنوان (الإبن الذي سوف يكون ملك السعوديين)، وكان يشير الى محمد بن سلمان. من وجهة نظر إغناتيوس القريب من البيت الأبيض، أن محمد بن سلمان قدّم مطالعة شخصية لتقوية “الشراكة الاستراتيجية” التي يمكن أن تنعكس في تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية خارج الدور التقليدي للمملكة كمصدر للنفط.
المراقبون، بحسب اغناتيوس، يتوقّعون بأن جرأة الملك سلمان على إجراء تغيير بنيوي وراديكالي في عملية الوراثة بإزاحة الأمير مقرن، قد تستوعب خطوة أخرى مماثلة إن تطلب الأمر من أجل ضمان وصول إبنه محمد للعرش. وبحسب مسؤول عربي بارز عندما سئل عن محمد بن سلمان قال: “دعونا نواجه الحقيقة..إنه نجل الملك، وهناك فرص قوية بأنه سيعتلي عرش المملكة خلفاً لأبيه، وكلما طال عمر الملك سلمان، كلما ازدادت فرص محمد بن سلمان لاعتلاء العرش في المرحلة المقبلة”، ويردف المسؤول مستحثاً الولايات المتحدة لمجاراة بعض دول الخليج وبعض الدول الأوروبية لغرس فكرة اعتلاء نجل الملك لعرش المملكة خلفاً لأبيه في المستقبل. ويضيف المسؤول العربي “لا تقلقوا كثيراً، استثمروا في محمد بن سلمان، تعرّفوا عليه كما فعلتم مع محمد بن نايف، خذوه إلى وول ستريت وإلى وادي السليكون، بيّنوا له بأنكم مهمتون به”.
نقل اغناتيوس عن اتجاه آخر في الادارة الاميركية يرفض الدخول على خط وراثة العرش “يعتقد بعض المسؤولين الكبار بأن أي تدخل أمريكي حتى ولو على مستوى طفيف في هذا النطاق قد يأتي بنتائج عكسية، بينما يرى آخرون بأن نسبة المخاطرة والمكافأة عالية مع محمد بن سلمان؛ فالفوائد المحتملة التي قد تنجم عن اعتلاءه العرش هي هائلة، بالنظر إلى وجود عاهل سعودي شاب وديناميكي، يُقال بأنه يسعى للتحرك باتجاه تحديث المملكة على غرار دولة الإمارات العربية المتحدة”.
يعتقد اغناتيوس بأن المسؤولين السعوديين لم يطلبوا رأي واشنطن في موضوع الخلافة في المملكة، وإن كان هناك شعور بأنهم قد يقدمون على ذلك مستقبلاً، وعليها أن تستعد لذلك سلباً أو إيجاباً[29].
قد يكون شق قناة حوار فاعل مع موسكو من قبل محمد بن سلمان وبغطاء من أبيه الملك يحمل دلالة ما مهمة، وكذلك لقائه آواخر تموز (يوليو) 2015 مع مسؤول أمن الدولة في سوريا اللواء علي مملوك في الرياض وبوساطة روسية له معنى ما حيث طرح “فكرة بقاء الأسد في السلطة مقابل تخليه عن ايران وحزب الله”. ولكن مثل هذا العرض فشل ودفعت الرياض نحو المزيد من التصلّب في المواقف في الملف السوري وانعكس مباشرة على مسار حوارها مع موسكو..
البيان المشترك الصادر عن البيت الأبيض حول لقاء القمة بين سلمان وأوباما والإشادة بالعلاقة الدائمة حمل دلالات معينة، وأهمها الفقرة الاخيرة من البيان والاشارة الى الدور المستقبلي للأمير محمد بن سلمان في فتح الآفاق المستقبلية للشراكة الاستراتيجية.
مهما يكن، فقد تزايدت التوترات الداخلية بعد أيام من عودة سلمان وإبنه من واشنطن، حين أصدر الملك، وبإلحاح من إبنه محمد بن سلمان، أمراً ملكياً في 10 إيلول (سبتمبر) 2015 بإعفاء سعد بن خالد بن سعد الله الجبري وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء من منصبه. وكان الجبري عضواً في اللجنة السياسية والأمنية ويعد شخصية مقرّبة من محمد بن نايف، وأمضى سنوات طويلة في وزارة الداخلية كمستشار أمني، وهو من طلب ترقيته للوزارة، ثم أصبح الذراع الأيمن للأمير محمد بن نايف. وكان الجبري مسؤولاً عن متابعة الملف الأمني والاستخباري الخاص باليمن، وقدّم معطيات له حول مسار الحرب تتعارض مع ما كان يقدّمه فريق محمد بن سلمان الأمر الذي دفع الأخير لطلب إعفائه..
أثار إعفاء الجبري قلق الحكومات الغربية والإدارة الأميركية بوصفه واحداً من أهم رجالات الاستخبارات السعودية الذين كانوا على صلة بالغرب. ويقال بأن الجبري أثار أسئلة حول تكتيكات محمد بن سلمان في الحرب خشية أن تكون القاعدة تتنامى بقوة هناك[30].
وبحسب ديفيد أوتاوي أن واشنطن لديها سبباً وجيهاً للنظر باهتمام الى محمد بن نايف: “فالأمير ليس فقط من الجيل الشاب، ولكنّه كان مهندس الحملة السعودية الناجحة في منتصف العقد الأول من الالفية الثالثة لتقويض القاعدة في المملكة. كما أصبح بطل العائلة بعد هجوم إرهابي ضده داخل قصره في أغسطس 2009، والتي نجا منها باستثناء جروح طفيفة[31] بحسب ديفيد أوتاواي.
زيارة محمد بن نايف الى واشنطن في يناير 2013 وإجرائه لقاءات مستقلة ومثمرة مع كل من الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ورئيس مجلس الأمن القومي توم دونيلون وعدد آخر من كبار المسؤولين في الادارة الأميركية خلقت انطباعاً لدى الكثير من المراقبين كما المواطنين بأن محمد بن نايف هو الشخصية الأثيرة لدى واشنطن. ولذلك، فسّر المراقبون إعفاء الجبري من منصبه بأنه محاولة لتجريد بن نايف من مصادر قوته الرئيسة. يقال بأن تحقيقاً سريّاً أجراه فريق يقوده محمد بن نايف، وقد يكون الجبري هو من يدير الفريق، حول الأخطاء في حرب اليمن.
في السياق نفسه، وبخلاف أولياء العهد السابقين، فإن محمد بن نايف لم يحصل سوى على امتيازات ضئيلة للديوان المخصص لولي العهد، وإن عليه الاعتماد بصورة أو أخرى على محمد بن سلمان، الذي يتحكم في شؤون القصر.
بات الحديث عن قفز الأمير محمد بن سلمان إلى العرش متخطّياً ابن عمه محمد بن نايف رائجاً. وهناك من حدّد وقتاً للقيام بخطوة من هذا القبيل، والبعض حصرها في مرحلة ما بعد انتهاء موسم الحج لعام 1436هـ/2015 بأمر ملكي من والده وتعيين نفسه ولياً للعهد. لكن في المقابل، ينظر الأمراء الى هذه الخطوة على أنها مغامرة مع أنهم لم يستبعدوا حصولها. يتفق كثير من الأمراء على أن خطوة من هذا القبيل سوف تفجر ثورة داخل العائلة المالكة، وقد تكون سبباً لدفع الأمير أحمد للقيام بعمل ما وتولي السلطة.
إن تقاليد الحكم السعودي تقتضي وجود توافق من نوع ما داخل الاسرة المالكة من أجل ضمان استقرار موقع القيادة. وربما هذا ما يحول دون القيام بخطوة جريئة تفضي الى تجاوز كبار الأمراء وتتويج محمد بن سلمان ملكاً دون المرور بسلسلة معقّدة من الترتيبات والتسويات دخل الاسرة للحيلولة دون وقوع انقسامات واصطفافات تؤدي الى تصدّع وحدة الأسرة والسلطة. وعلى حد جاين كينيمونت، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هوس، وهو مركز دراسات استراتيجية في لندن، بأنه “على الرغم من كونه نظاماً سياسياً تسلّطياً، الا أن عليه أن يصل الى درجة من الاجماع داخل النخبة الحاكمة”[32].
اعتصام الملك عبد الله ومن بعده الملك سلمان بـ “هيئة البيعة” لتمرير قرارات وإن لم يتم الرجوع اليها، أي الهيئة، مع كونها من صميم صلاحياتها أكّد على الحاجة للإجماع داخل الأسرة، لما ترمز إليه الهيئة كإطار جامع يمكن اللجوء إليه لإضفاء مشروعية على قرارات مصيرية قد يقدم عليها الملك. على أية حال، تبقى “هيئة البيعة” أمام تحديات تتعلق بدورها وصلاحياتها التي قد تبرز في مرحلة لاحقة لحسم أي خلاف حول توارث العرش وتقاسم السلطة بين الأجنحة، خصوصاً في غياب شخصيات كاريزمية أو ذات نفوذ معنوي أو حتى مادي داخل الأسرة. ومن غير المستبعد أن تلعب الهيئة دوراً محورياً في مرحلة ما بعد رحيل الملك سلمان، إذ سوف تبرز الحاجة بصورة أكبر وأكثر من أي وقت مضى للإجماع داخل الإسرة.
إن تركيز السلطة في يد قلة من أمراء الأسرة، والانتقال من حكم العصبة/الجناح الى حكم البيت/الشخص أو من قبيل واحد، يعني حصول تبدّل جوهري في مراكز القوى وتلاشي خارطة التحالفات القديمة، وبروز تحدّيات جديدة نتيجة التهميش الواسع لعدد كبير من الأفراد والذي لن يصمد طويلاً ولن يصمت عليه بقية الأمراء الى أجل غير مسمى.
هناك من يقلل من شأن الحديث عن مخطط لدى محمد بن سلمان لإزاحة ولي العهد وتعيين نفسه الأول في خط العرش.. وبحسب كوتش من مركز الخليج للأبحاث “لا بد من التذكير بأن العائلة المالكة كبيرة وإن أي شخص يريد فرض سلطته بحاجة لأن يكون قادراً على تحصيل إجماع واسع من داخلها، وعليه فإن الآراء، التي تروج حالياً، بأن محمد بن سلمان يحضّر لانقلاب هي غير واقعية”[33].
ما يؤمّله المراقبون والمناصرون للدولة السعودية بأن تأتي المتغيّرات في بنية السلطة خصوصاً نقل السلطة الى الجيل الثاني متزامنة مع تغييرات في النظام السياسي نفسه بأن يكون استيعابياً بدرجة أكبر عبر زيادة الحقوق المدنية، وإدماج المرأة. ولكن هذا لم يحصل، بل المؤشرات حينذاك أفادت عكس ذلك تماماً. وقد قام الملك سلمان بخطوات لترضية المحافظين الدينيين بما يشمل إعادة السلطة الى الشرطة الدينية الرجعية[34].
في لقائه المقتضب بالمثقفين والاعلاميين، كرّر الملك سلمان “الكتاب والسنّة” ثلاث مرات: “يجب أن يكون إعلامنا دائماً كما نحن سائرون على نهج الكتاب والسنة الذي قامت عليه هذه الدولة”، “المملكة تشكل الجزء الأكبر من الجزيرة العربية، هي منطلق العرب وبالتالي المنطلق للكتاب والسنة”، “أن هذه الدولة التي نحن فيها الآن عندما أقامها عبدالعزيز وتبعه أبناؤه سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله قامت على الكتاب والسنة هذه الدولة”.[35]
ليس من تفسير متاح لزيادة الجرعة الدينية في كلمة الملك سلمان المقتضبة سوى نزوعه نحو توكيد العلاقة الوثيقة مع المؤسسة الدينية، واستبعاد أي عبارة تتعلق بالإصلاحات على أي مستوى، سياسياً كان أم اجتماعياً. كانت كلمته بمثابة درس في الدولة الدينية، وهذا ما أراد ايصاله للصديق والعدو في الداخل والخارج. ويذكّر ذلك بالازدواجية التي يعتمدها بعض الأمراء المصنّفين على يسار العائلة المالكة. فبرغم من اعجابه بالجنرالات والجواسيس الاميركيين الا أن الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الداخلية الأسبق، شنّ حرباً ضد الإصلاحيين الليبراليين في وقت متزامن مع حربه ضد الارهابيين. وبالتالي، فإن العلاقة الوثيقة مع المؤسسة الدينية لا تجعل من الملك محافظاً، ولا العلاقة الحميمة مع الولايات المتحدة تحيله إصلاحياً، لأن ضرورات المصالح السياسية تتفوق لدى ملوك آل سعود على مبادىء العلاقة.
ـ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية
فيما يتركّز الاهتمام على النزاع الداخلي الكامن بين الجيل الشاب والمهمّش من الأمراء، فإن المملكة تواجه في الوقت نفسه تحدّيات داخلية اقتصادية واجتماعية والمتمثلة في تصاعد معدلات الفقر، والبطالة، وأزمة السكن الى جانب التعليم الرديء، والانتهاكات الحقوقية، وأيديولوجية التطرّف المنتشرة[36].
في الشق الاقتصادي ـ الاجتماعي، تواجه المملكة السعودية بطالة عالية بين الشباب، على وقع تراجع الاداء الاقتصادي بفعل أنخفاض اسعار النفط. التعليم هو تحد خطير آخر. فالتعليم التقليدي لم يعد يؤهل الشباب للتنافس على الوظائف في اقتصاد عالمي حديث، بل ترك الكثير منهم في حالة احباط، واغتراب، وبدون إحساس بالوحدة الوطنية أو الولاء العميق للأسرة المالكة. بعض هؤلاء الشباب توجّه الى “الجهاد” والارهاب كرد فعل على حالة الاحباط على مستويات عدة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية. والبعض الآخر الذي لم يفد من الرفاه الاقتصادي وليس لديه صوت في إدارة البلاد بدأ يشجّع على الاصلاح السياسي، ولكن سياسة القمع التي تتبعها المملكة في عهد الملك سلمان أغلقت فرص الحوار الداخلي، وفتحت أبواب العنف على مصراعيها..
وبرغم من مستوى الثقة المرتفع لدى العائلة المالكة المصاحب لحالة انكار مفتعلة إزاء المشكلات الملحّة الاقتصادية والمعيشية، فإن ثمة معطيات واقعية تفرض نفسها على الطبقة الحاكمة..
لا تزال السلطات السعودية تتعامل مع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين وفق مبدأ “الأسرار الخاصة” أو عدم الاكتراث، لما يترتب على ذلك من مراجعات نقدية ومحاسبة وتالياً خطط علاجية..
على سبيل المثال، لا تزال البطالة في السعودية محفوفة بالشك والتناقض وتالياً سؤال الحقيقة. أدلجة البطالة دفعت وزير الاقتصاد والتخطيط السابق محمد الجاسر لأن يضفى طابعاً قدرياً على البطالة، والتي خرجت في هيئة “سنّة إلهية”[37]. الجاسر اختار نسبة متدنية للبطالة، وقال أنها أقل من 6% مع أن نسبة البطالة تبلغ 11.8% بحسب الاحصاءات والمعلومات الحكومية لعام 2014[38].
تضارب الإحصائيات يؤشر، بحسب المحللين الاقتصاديين، الى ارتباك خطط وزارة العمل. وفي حقيقة الأمر أن تحميل وزارة العمل المسؤولية غير واقعي، لأن الوزراء في الحكومة السعودية هم مجرد موظفين يمتثلون لأوامر عليا، وإن التخبط الذي يراد تحميل وزارة العمل أو أي وزارة أخرى مسؤوليته ما هي الا محاولة هروبية لعدم توجيه النقد الى القيادة السياسية المسؤولة المباشرة عن تلك الأزمات..
وبحسب الخبير الاقتصادي برجس البرجس أن البطالة في السعودية مرشّحة للتضاعف خلال الـ 15 عاماً المقبلة، وأن هناك تقارير رسمية تقول إن عدد المشتغلين السعوديين 4.9 ملايين شخص، وتقارير رسمية أخرى تشير إلى أن العدد لا يتعدى 3.5 ملايين شخص. ويضيف، “لم توضح وزارتا العمل والتخطيط ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، حقائق 1.4 موظف مجهولي التعريف ما يرفع معدل البطالة كثيراً”. المحلل الاقتصادي فهد الزيد يرفض المعطى الحكومي لمعدل البطالة والذي لا يتجاوز 12% “بينما هي في الحقيقة تصل لأكثر من 22%”، حسب تقديره[39]. وكانت الغرفة التجارية بالرياض قد أصدرت تقريراً جاء فيه أن معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6% سنوياً[40].
وفي عام 2014، ذكرت مصلحة الاحصاءات أن القوّة العاملة الوطنية تبلغ 5.26 ملايين، ويبلغ المشتغلون منهم 4.63 ملايين والباقي 629 ألفاً عاطلون عن العمل، أي أن نسبة البطالة وفقاً لتقديرات مصلحة الاحصاءات هي 12%، ولكن وفقاً لحافز فإن عدد الباحثين الجادين عن العمل 1.9 مليون عاطل وأن أكثر من 20% منهم جامعيون، أي أن نسبة البطالة 36%[41].
في ملف الفقر في المملكة ثمة ما يثير الدهشة، في بلد يحتضن 13 مليون أجنبياً بحسب تقارير شبه رسمية[42]. تقارير عديدة تحدّثت عن نسبة عالية من الفقر في المملكة السعودية تصل الى 25%[43]. وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية بأن ما بين 2 ـ 4 مليون نسمة يعيشون على 530 دولاراً في الشهر أي 17 دولار في اليوم ما يعتبر أدنى من الخط الفقر في السعودية[44].
وفي ظل تراجع مداخيل النفط والانضاب المتواصل للفائض النقدي والعجز الفلكي للموازنة السنوية لعام 2016، فإن التوقعات أفادت بارتفاع متواصل لنسب البطالة، والفقر، ومعدلات المعيشة خصوصاً بعد تصريح وزير النفط السعودي علي النعيمي في 28 أكتوبر 2015 بأن بلاده تدرس رفع أسعار الطاقة المحلية. ومن المؤكّد أن رفع الدعم عن الطاقة في بلاد يبلغ عدد سكانها نحو 30 مليوناً سيكون له أثر واضح على مستوى معيشة الطبقات الفقيرة التي تعتمد في معيشتها على رخص الكهرباء والوقود الى حد كبير[45].
نشير الى أن النظام السعودي أقام موازنة العام 2015 على أساس سعر للبرميل بقيمة 90 دولار، ولكن بسبب الالتزامات المالية التي فرضها الملك سلمان على نفسه سواء في الحرب على اليمن، ومواجهة التهديدات الأمنية في الداخل، وانهيار اسعار النفط، وأشكال الدعم المالي للجماعات المقاتلة في العراق وسوريا ولبنان وغيرها فإن الوضع المالي السعودي يتراجع بوتيرة متسارعة.
إن التراكم النقدي في الفترة ما بين 2003 ـ 2014 والذي بلغ 737 مليار دولار يتآكل بصورة دراماتيكية. ويرجع الأمراء المعارضون ذلك الى إخفاق الملك سلمان في إدارة شؤون الدولة وتسليمها لنجله محمد بن سلمان الذي تسبب في استنزاف الموارد المالية للدولة وتآكل مخزونها النقدي..
يميل بعض المراقبين الى مقولة أن السعودية تمتلك احتياطات كافية لدعم موقفها المالي لمدة عام على الأقل، وأن مخزونها النفطي الكبير يجعلها قادرة على تعويض خسائرها بصورة سريعة. في المقابل، فإن اعتماد السعودية على النفط كمصدر دخل رئيس بنسبة 90 بالمئة، يضاف الى ذلك التزاماتها المالية المتزايدة سواء في تمويل الحروب، أو بناء التحالفات القائمة على أساس ابرام صفقات أسلحة (على سبيل المثال: 40 مليار دولار مع الولايات المتحدة و10 مليارات دولار مع فرنسا في العام 2015)، فضلاً عن الاستحقاقات الداخلية (البطالة، الفقر، الصحة، التعليم، الخدمات، التقديمات الاجتماعية…الخ)، يجعل من إمكانية التعويض السريع طرحاً غير واقعي.
صندوق النقد الدولي توقّع بأن يكون عجز موازنة لعام 2016 يصل الى 150 مليار دولار[46]. وفي تقرير صادر عنه نشر في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 جاء بأن السعودية من بين دول شرق أوسطية أخرى سوف تعاني من الإفلاس خلال خمس سنوات بسبب الهبوط في أسعار النفط. واقترح التقرير أن السعودية إذا أرادت تلبية التزاماتها فلابد أن يصل سعر البرميل الى 106 دولاراً[47]. وبحسب محلل في سيتي بنك فإنه بدون اللجوء الى الاقتراض فإن مدخرات البلاد قد تجف في غضون عامين أو ثلاثة[48].
معطيات الموازنة السعودية للعام 2016 جاءت الى حد كبير متطابقة مع توقعات الخبراء الاقتصاديين وتقارير المؤسسات المالية الدولية، لا سيما في تقديرات العجز المتوقّعة والتي تراوحت بين 100 ـ 150 مليار دولار.
وبحسب بيان الموازنة الصادر عن وزارة المالية السعودية في 29 ديسمبر 2015 فإن الايرادات العامة قدّرت بمبلغ 513.8 مليار ريال، والمصروفات العامة حدّدت بمبلغ 840 مليار ريال. وبذلك، قدّر العجز بمبلغ 329.2 مليار ريال أي ما يعادل (87 مليار دولار). في موازنة العام 2015 بلغ العجز 145 مليار ريال (ما يعادل 38.61 مليار دولار).
وبناء على بيان الوزارة فإن تمويل العجز يشمل الاقتراض المحلي والخارجي. وتجدر الإشارة الى أن الدين العام بنهاية العام 2014 بلغ 44 مليار ريال (أي ما يعادل 11.7 مليار دولار)، وتضاعف مع نهاية العام 2015 ليصل الى 142 مليار ريال (أي ما يعادل 37.8 مليار دولار).
في قراءة مخصصات القطاعات، نال القطاع الأمني والعسكري الحصة الأكبر في موازنة العام 2016، أي 213.246 مليار ريال (ما يعادل 56.8 مليار دولار)، أي ربع الموازنة. وتلفت الزيادة العالية في مخصص هذا القطاع الى التوجّه العام لدى السعودية في المرحلة المقبلة برغم من التحديّات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد السعودي حالياً وفي المرحلة المقبلة. قد يجادل البعض بأن بند دعم الموازنة للعام 2016 بمبلغ 183 مليار ريال من شأنه التخفيف من وطأة النقص المحتمل في الايرادات نتيجة التقلبات الحادة في أسعار البترول في الفترة الأخيرة. ولكن المؤشرات الراهنة والمسقبلية تفيد بأن التقلبات سوف تتجاوز قدرة الاقتصاد السعودي على التحمّل. يذكر أن أسعار البترول تراجعت بما يزيد عن 70 بالمئة عن معدلها عام 2014 ثم بلغت أدنى مستوياتها منذ إحدى عشر عاماً، وتفيد التوقّعات بأن سعر برميل النفط سوف ينخفض الى ما دون 20 دولاراً.. قد يكون اجتماع الدوحة في 16 فبراير 2016 والذي ضمّ وزراء النفط في كل من السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر أول إعتراف من الرياض بضرورة التنسيق مع الدول المصدّرة من أجل الحد من تدهور الاسعار..
انعكاسات العجز المالي فرضت نفسها مباشرة بعد يوم على إعلان موازنة العام 2016. وكان بيان وزارة المالية قد تحدّث عن مصادر تغطية العجز عن طريق تطبيق سياسة ضريبية صارمة تشمل الى جانب الرسوم المفروضة على الماء والكهرباء والاتصالات ورفع أسعار الوقود ورسوم الجمارك والغرامات.
ثمة ما يلفت في بيان وزارة المالية وهو المتعلق بقرار الملك سلمان إلغاء 12 من اللجان والهيئات والمجالس العليا وإنشاء مجلسي الشؤون السياسية والأمنية والشؤون الإقتصادية والتنمية بهدف “رفع كفاءة الأداء ومستوى التنسيق، وتسريع آلية اتخاذ القرارات ومتابعها تنفيذها، ورسم الاتجاهات المستقبلية”، حسب البيان. وشدّد البيان حصرياً على دور مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه نجل الملك، محمد بن سلمان، والذي عمل على “مناقشة توجهات ورؤى وأهداف 46 وزارة وجهاز حكومي وإقرارها من أجل وضع خطط وأهداف عملية قابلة للقياس والمتابعة لإحداث تنويع ونمو اقتصادي وتنمية مستدامة”.
ولكن من الصعوبة بمكان الحصول على ما يؤكّد دور الترتيبات التنظيمية في الاصلاحات الاقتصادية المأمولة. إذ قدّر عدد المشاريع الحكومية المتعثرة 672 مشروعاً، بقيمة إجمالية تفوق تريليون ريال ( 267 مليار دولار). وبحسب احصائيات وزارة الشؤون البلدية والقروية في إيلول 2015، فإن ما يقارب 85% من إدارات المشاريع الحكومية تجاوزت المدة الزمنية المخطط لها لتنفيذ مشروعاتها، مشيرة إلى تعثر نحو 64.2% من المشاريع الحكومية في مرحلتي التنفيذ والإنشاء.
وبرغم من أن كلمة الملك سلمان في الاعلان عن الميزانية تضمنت إشارة واضحة الى أن التعثّر يعود الى عهد سلفه الملك عبد الله، وقال بأنه وجّه المسؤولين “بأن تعطى الأولوية لاستكمال تنفيذ المشاريع المقرّة في الميزانيات السابقة والتي دخل كثير منها حيز التنفيذ” حسب قوله، إلا أن مسؤولين في قطاع المقاولات وخبراء ماليين شكّكوا في جديّة السياسة الاقتصادية المعلنة وقالوا بأن ثمة توجيهات عليا صدرت بتقليص الانفاق عبر تأجيل المشاريع غير الضرروية وتمديد مدة بعض المشاريع القائمة، للحد من تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد، في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، والتي تمول نحو 90% من موازنة الدولة. ولأن الاقتصاد السعودي يعتمد على الانفاق الحكومي فإن القطاعات الأخرى سوف تتأثر سلباً بدرجة كبيرة.
لا بد من إلفات الانتباه الى أن ثمة ملابسات محيطة ببنود الموازنة السعودية في مجالي الايرادات والمصروفات معاً. ومن المؤكد أن ثمة بيانات في هذين الحقلين معدومة، بسبب عدم وجود أية معلومات حولها لا سيما إيرادات الحج والعمرة، والقروض المسترجعة، وبيع المشتقات البترولية، والمعادن، والرسوم المستحصلة.
في كل الأحوال، فإن السياسة الضريبية القاسية التي فرضتها الحكومة السعودية كان لها ارتدادات اجتماعية ومعيشية على المواطن السعودي نتيجة الموازنة المتقشفة كرد فعل على ارتفاع العجز. الأخطر في تداعيات العجز يتمثل أولاً في فقدان أكثر من مليوني وظيفة نتيجة تراجع قطاع الانشاءات والمقاولات، والذي يعد ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية بعد النفط. ونتيجة لذلك، فقد تمّ تأجيل مشاريع إنشاء عدد من المستشفيات والمدارس ومترو الرياض والدمام وكذلك الملاعب الرياضية، وإيقاف برامج الابتعاث بشكل شبه كامل، وتجميد الرواتب والعلاوات. في المقابل، فإن زياد أسعار الوقود سوف تؤدي الى رفع النفقات التشغيلية للشركات في قطاع المقاولات والانشاءات، لتشغيل المعدّات وشاحنات النقل التي تعتمد على المشتقات البترولية، وهذا سوف يؤدي الى ارتفاع في أسعار السلع، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.
في النتائج، إن تناقص الموارد المالية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر والمعيشة سوف تترك تأثيراتها المباشرة على الواقع السياسي والاجتماعي المحلي. لابد من التذكير أن النظام السعودي بوصفه نظاماً ريعياً كان يتوسّل سياسة التقديمات الاجتماعية لاحباط مظاهر السخط الشعبي، وقد نجح في حالات كثيرة في احتواء حركات الاعتراض المحلية عن طريق برامج عطاءات سخية، ولكن في ظل تقارير متشائمة حول مستقبل الاقتصاد السعودي خصوصاً إشارة تقرير صندوق النقد الدولي حول احتمال وصول السعودية الى مرحلة الافلاس التام في غضون خمس سنوات، فإن الدولة السعودية سوف تواجه تحديّاً من داخل المجتمع وسوف ينعكس على الصراع على السلطة.
د ـ الحروب المفتوحة
لايمكن عزل الانخراط الواسع والمتواصل في الحروب الخارجية عن دائرة الصراع على السلطة. تجارب عديدة سابقة تؤكد هذه الفرضية، فقد لاحظ جوزيف أ. كيشيشيان أن الدور الذي لعبته مصر في خلع ملك اليمن قد أثار نقاشات حادة في البلاط الملكي السعودي لم يكشف النقاب عنها حتى اليوم، ولكنها انتهت في 17 تشرين أول/أكتوبر من عام 1962 إلى تجريد كبار العائلة في الرياض سعود من السلطة وأوكلوا رئاسة مجلس الوزراء إلى الأمير فيصل[49].
وكان خلاف حاد وقع بين الملك فهد وولي العهد حينذاك عبد الله، حول مدّة بقاء القوات الأميركية على الأراضي السعودية بعد انتهاء عمليات (عاصفة الصحراء) لتحرير الكويت من الغزو العراقي تحت قيادة صدام حسين في أغسطس 1990.
وغالباً ما كان يلجأ الأمراء الى الأخطار الخارجية للتخفيف من وطأة خلافاتهم الداخلية. وبحسب وثيقة سرية تعود الى مايو 2006، أن وزير الداخلية الأمير نايف وحاكم الرياض الأمير سلمان، الملك الحالي، سعيا إلى مواجهة الملك عبد الله علناً لخفضه المستحقات الملكية، وينقل المستشار السياسي في السفارة الاميركية في الرياض ديفيد راندل عن مصادر وصفها راسخة الوصول إلى هذه المعلومات فإن ولي العهد سلطان وقف إلى جانب الملك في هذا الشجار، وعلى ما يذكر فإن سلطان أبلغ اخوته أن تحدي الملك “خط أحمر” لا ينبغي تجاوزه، ونصحهم بأن استقرار وأمن الأسر الحاكمة هو أهم الأهداف، وأضاف “إذا تحدينا عبد الله فإلى أين ستكون النهاية”، وحذّر إخوته أن المملكة تواجه مخاطر جدية في العراق وإيران، وانه لا وقت للانقسام الداخلي[50].
في المشهد العام يبدو انخراط السعودية في حربين: الاولى في العراق وسوريا شمالاً والأخرى في اليمن جنوباً على درجة كبيرة من الأهمية لجهة الحفاظ على الدور القيادي الحاسم للمملكة في المنطقة وكذلك لتقوية علاقاتها مع الحلفاء الاقليميين والغربيين الأساسيين[51].
في ضوء ما سبق، فإن الحرب السعودية ضد اليمن قد تكون مؤشراً على مشكلات داخلية جديّة تواجه النظام. لقد بدا واضحاً بأن انخراط السعودية في حرب خارجية بعد شهرين على تولي سلمان العرش، وبعد أقل من ذلك على تولي نجله منصب وزير الدفاع، يتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة أو حتى السياسية المعلنة. كان للحرب أجندة أخرى خفيّة، عبّرت عن أحد وجوهها في زيادة مستوى التنسيق بين الرياض وواشنطن. ولابد أن ينعكس ذلك على الموقف من الأمير الشاب الطموح الذي يتطلع لأن يكون رجل أمريكا ليس في المملكة فحسب بل في المنطقة، ومن هنا يبدأ الافتراق بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف.
ثمة أبعد من مجرد التطلعات الذاتية لدى الملك أو نجله أو حتى محمد بن نايف أو أي أمير آخر، فالانخراط الواسع والكثيف في حروب المنطقة من اليمن جنوباً الى العراق وسوريا والى حد ما لبنان شمالاً وايران شرقاً، سوف يؤول حكماً إلى انهاك المجهود السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري لدى الدولة السعودية، ما يجعل تدخّل الأمراء الكبار أو نشوب خلافات بينهم أمراً اعتيادياً.
طبيعة انغماس السعودية في حروب وأزمات المنطقة ودرجته تنطوي على مخاطر وجودية، أي مرتبطة بمصير الكيان وليس من قبيل التدخل الحذر. وإن خطوط الرجعة تبدو شبه معدومة في الاستراتيجية السعودية التي بدأت منذ عهد الملك عبد الله وازدادت رسوخاً في عهد الملك سلمان..وهذا ما تناوله أمير، من أحفاد عبد العزيز، في رسالته بما نصّه: “ثم كيف رضينا بسياسة خارجية تضعف ثقة شعبنا فينا وتؤلب علينا الشعوب الأخرى؟ وكيف رضينا الدخول في مخاطرات عسكرية غير محسوبة مثل الحلف العسكري لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن؟ وكيف رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات مستعجلين؟”.
منذ توليه منصب وزير الخارجية اقتصرت زيارات عادل الجبير على العواصم الضالعة في الأزمات والحروب. ولم يكن مفاجئاً أن تخلو خطابات الملك سلمان منذ توليه العرش من أي بعد إقليمي عربي وإسلامي ودولي. في لقائه بالمثقفين والاعلاميين في الرياض في 27 تشرين الثاني (أكتوبر) 2015، لم يشر حتى مجرد الاشارة الى أي من الملفات الخارجية، مع أنه يقود حرباً على دولة عربية جارة، ولم يتناول ملف مأساة التدافع في منى لحج العام 1436/2015 ولا حتى أشار الى الحرب على الارهاب..
فالسعودية في وضع لا تحسد عليه بفعل انغماسها شبه التام في حروب ضد شعوب وأنظمة على حد سواء، ما يجلب عليها نقمة عارمة، ومن شأنها تشجيع بعض الأجنحة على التدخل من أجل إنقاذ الكيان من الدخول في متاهة خطيرة. إن إمساك الملك سلمان بزمام المبادرة ومنع أي طرف في الأسرة من المشاركة في صنع القرار، لايعني أكثر من كبت الأصوات المعارضة للحرب، ولكن في أي فرصة سانحة قد تفضي تلك الأصوات الى تغيير جوهري في معادلة الحكم.
ـ تمزّق شبكة التحالفات الإقليمية والدولية
التأمل في السياسة الخارجية السعودية كمؤشر على مسار العلاقات الاقليمية والدولية، يفيد أن تلك السياسة تعمل على خطوط الأزمات والحروب الاقليمية. فقد تخلّت السياسة الخارجية السعودية عن ثوابتها وأدواتها السابقة التي تتسم بالهدوء والمواربة والحذر والتريّث، الى القدر الذي أمكن القول بأن الدبلوماسية السعودية الجديدة تشتمل على كل شيء ماعدا الدبلوماسية، لأنها تتوسّل المصادمة كخيار أول. باختصار: إن السياسة الخارجية اليوم هي معنيّة بإدارة حروب وأزمات فحسب، وليس البحث عن أصدقاء جدّد أو حتى تعزيز العلاقات مع أصدقاء حاليين. وحتى الأصدقاء لم تعد تربطهم بالمملكة السعودية علاقات مبدئية بقدر ما هي علاقات محكومة الى نوع المصالح التي يمكن الحصول عليها من خلال “تحالف إدارة الحروب”. بكلمات أخرى، إن الدول المتحالفة مع السعودية لا تثق بحكمة صنّاع القرار فيها، كما يظهر ذلك من خلال تثاقل كثير من الدول وترددها في السير وراء خيارات الرياض في الحرب.
في تجربة التحالفات (التحالف العربي ) في الحرب على اليمن المعلن عنه في 26 مارس 2015 و(التحالف الاسلامي) على الارهاب المعلن عنه في منتصف ديسمبر 2015 بدا واضحاً أن ثمة تعسفاً في استدراج دول عربية وإسلامية نحو تحالفات لم تنل موافقتها أو حتى مشاورتها قبل إدراج إسمها، الأمر الذي يؤكد أن الرياض تسابق الزمن لجهة إثبات دورها المحوري والقيادي في العالم العربي والاسلامي..
في المحصلة، المملكة تخسر المزيد من الأصدقاء، وتكتسب عداوات ليس فقط على مستوى دول بل حتى شعوب ترى في طريقة تعاملها مع القضايا العربية والاسلامية وبات ذلك سبباً موجباً للنفور منها..
ـ الدور الأميركي
في المبدأ، سوف تبقى السعودية تجهد لإبقاء التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة فاعلاً وحيوياً لأطول فترة ممكنة، وبنفس القدر سوف تعمل على إبقاء الدعم الاميركي والدخول في مواجهة مباشرة مع ايران للحد من نفوذها في المنطقة حتى بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في يناير 2016.
الرؤية الاستراتيجية في عهد الرئيس باراك أوباما تقوم على عدم الانخراط في حروب وأزمات المنطقة، والاقتصار على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها المصالح الحيوية للولايات المتحدة. وهذا ما يدفع الملك سلمان الى خيار دعم الجماعات المسلّحة المصنّفة على السنّة خصوصاً في العراق وسوريا واليمن ولبنان لمواجهة النفوذ الايراني. ثمة قلق بالغ يراود القادة السعوديين إزاء تواري الدور القيادي الأميركي في الشرق الأوسط، بما في ذلك التزام الولايات المتحدة بحماية المملكة، فيما يتصدر النزاع مع ايران الواجهة”[52]. على أية حال، عبّرت الادارة الاميركية في أكثر من مناسبة عن التزامها بالحفاظ على أمن العرش السعودي، وتأكّد ذلك في قمة كامب ديفيد بين الرئيس أوباما والمسؤولين الخليجيين في 13 ـ 14 آيار (مايو) 2015، ولقاء القمة الثنائي بين أوباما ـ سلمان في 4 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه. جرى التشديد في اللقائين عن التزام واشنطن بالدفاع عن حلفائها في الخليج، دون أن يحدث ذلك تغييراً جوهرياً في الاستراتيجية الأميركية الجديدة لجهة نقل جزء جوهري من اهتمامها الى الشرق الأقصى.
لاريب أن التغييرات البنيوية في النظام السياسي السعودي بعد وصول سلمان الى العرش ساهمت الى حد كبير في تعميق الروابط السعودية ـ الأميركية وجعلت من الرياض شريكاً أمنياً موثوقاً. وكان أهم مؤشرات هذا التحوّل النسبي تعيين شخصيتين على صلة وثيقة بالولايات المتحدة وهما: عادل الجبير (الخارجية)، ومحمد بن نايف (الداخلية).
وبالنسبة للولايات المتحدة، وكما هو الحال دائماً، يشكّل التأثير المحتمل على إمدادات وأسعار النفط العالمية العامل الحاسم في العلاقة بين البلدين، الى جانب الموقع الاستراتيجي والدور الوظيفي الذي تلعبه السعودية في ملفات المنطقة. ثمة من يجادل أن أوباما يميل الى التوازن الاستراتيجي بين السنة (بقيادة المملكة العربية السعودية) والشيعة (بزعامة إيران). وقد يعبّر مثل هذا الرأي عن اتجاه في الادارة الأميركية وليس بالضرورة هو رأي الأغلبية.
على مستوى الصراع على السلطة في السعودية، فإن المعطيات المؤكّدة حول التدخل الأميركي في صراع أجنحة الحكم في السعودية قد تبدو ضئيلة أو غير ظاهرة، ولكن ثمة مؤشرات ذات دلالة على دور أميركي في صراع الأجنحة.
من المفيد القول بأنه ظهر في العهود الثلاثة الأخيرة (فهد، عبد الله، سلمان) رغبة شديدة باستدراج الدعم الأميركي لترشيح أحد الأبناء لتولّي منصب ولاية العهد وتالياً الملك بعد وفاة الأب.
على سبيل المثال، ورد في (مذكّرة سرّية) رفعها فريق مؤلف من وزارة الخارجية ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الى الرئيس الأميركي بيل كلينتون في بداية عهده في الأول من كانون الثاني (يناير) سنة 1992 حول الأوضاع في السعودية إبان أزمة الخليج الثانية وما بعدها. وجاء في المذكرة ما يلي:
“ألمح ـ أي الملك فهد ـ الى رئيسنا ـ أي جورج بوش الأب ـ الى أنه يريد دعم الولايات المتحدة بنفس الدرجة (من القوة) التي قدّمتها خلال الحرب (=حرب تحرير الكويت)، من أجل تمكين إبنه الأصغر ـ الأمير عبد العزيز ـ لأن يصبح ملكاً بعد موته. وقد تفادى رئيس الولايات المتحدة أي تعليق، أي رد فعل مقارب للموضوع وقال له: “كل ما نسعى إليه هو ضمان أمن السعودية ورفاه الشعب السعودي”.
في عهد الملك عبد الله، أخذ التنافس بين الأخير وأخيه غير الشقيق الأمير نايف شكل السباق نحو واشنطن لتسويق متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف كمرشّحين مستقبليين للعرش. حزمة الأوامر الملكية المتعاقبة التي صدرت في عهد الملك عبد الله بتخطيط من مستشاره خالد التويجري كانت مصمّمة لتعبيد الطريق أمام متعب للوصول الى العرش بما في ذلك تحويل الحرس الوطني الى وزارة يرأسها متعب، واستحداث منصب ولي ولي العهد ليكون ضامناً لوصول الأخير الى العرش عبر تعيينه ولياً للعهد بعد موت الملك سلمان. من جانبه دفع الأمير نايف بإبنه لكي يكون شريكاً فاعلاً في أي مفاوضات مع واشنطن في ملف مكافحة الإرهاب، ونجح في بناء علاقة وثيقة وراسخة مع قادة الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعله على رأس مفضّلة المرشّحين الأميركيين للعرش في السعودية.
في عهد الملك سلمان، بدا الجهد الشخصي من الملك واضحاً منذ البداية لجهة تصعيد مكانة نجله محمد بن سلمان كيما يقترب من موقع القيادة. وفي القمة الأميركية السعودية التي جمعت أوباما ـ سلمان في البيت الأبيض في 4 إيلول (سبتمبر) 2015 بدا الملك سلمان حريصاً على حضور إبنه محمد اللقاء والتشديد على الدور المحوري الذي كان يقوم به في ملفات القمة.
كان بيان البيت الأبيض حول اللقاء الثنائي بالغ الدلالة. ونقرأ في الفقرة الأخيرة من البيان ما يلي:
” ناقش الزعيمان شراكة استراتيجية جديدة للقرن الـ 21 وكيفية رفع مستوى العلاقة بشكل كبير بين البلدين. صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أطلع الرئيس على وجهات نظر المملكة بشأن الشراكة الاستراتيجية. ووجّه الرئيس والملك سلمان المسؤولين في حكومتي بلديهما لاستكشاف السبل المناسبة للمضي قدماً في الأشهر المقبلة”.
“Finally, the two leaders discussed a new strategic partnership for the 21st century and how to significantly elevate the relationship between the two countries. His Royal Highness Prince Mohammed bin Salman briefed the President on the Kingdom’s views regarding the strategic partnership. The President and King Salman directed officials in their respective governments to explore appropriate ways to move forward in the coming months”[53].
ليس مجرد عبارة تقنية تلك المتعلقة بإطلاع محمد بن سلمان الرئيس أوباما على وجهات نظر المملكة حول الشراكة الاستراتيجية، وإنما تنطوي على إشارات بالغة الدلالة بأن الرجل قد يصبح خيار واشنطن في المملكة وإن تضمين إسمه في البيان يحمل أيضاً إشارة أخرى ذات دلالة بأن واشنطن قبلته خياراً بالنسبة لها في المملكة.
على أية حال، من الصعب الذهاب بعيداً في الانحياز الأميركي الى جانب محمد بن سلمان. في الرد على تقارير إعلامية غربية تحدّثت عن مخطط يقوده محمد بن سلمان بالاتفاق مع والده لإزاحة محمد بن نايف عن ولاية العهد، تعمّد الملك سلمان اصطحاب الأخير في لقائه مع المثقفين والاعلاميين في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وأشار إليه في كلمته “وأحب أن أقول لكم يا إخوان نتحمل مسؤولية الآن وولي العهد معي وأبناؤنا..”[54].
بصورة إجمالية، تنظر واشنطن الى صعود الجيل الثالث بإيجابية بالغة، وتعتقد بأنها أقدر في التعاطي مع الأحفاد، ويبقى السؤال حول الشخصية الأوفر حظاً والحائزة على توافق أكبر وسط العائلة المالكة والأقرب الى تحقيق المصالح المشتركة بين واشنطن والرياض. مهما يكن، فإن من غير الممكن تصوّر دعم أميركي للأمير محمد بن سلمان دون حساب دور والده الملك.
الى هنا
سيناريوهات العرش
قد تبدو السيناريوهات المحتملة حول مستقبل الصراع على السلطة متقاربة لدى المراقبين والخبراء في الشؤون السياسية السعودية. ولعل أكثرها شيوعاً إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد وتعيين الأمير محمد بن سلمان. ويرجع ذلك الى إمكانية تكرار سيناريو عزل مقرن من منصبه بعد تولي محمد بن نايف العرش. ولكن هذا السيناريو تراجع بعد اصطحاب الملك سلمان لولي العهد في لقائه بالمثقفين والاعلاميين وإشادته بدوره، ما بعث برسالة واضحة الى أصحاب السيناريو بأن لا تغيير في المعادلة القائمة. على أية حال، هذا المشهد لا يبدد الشكوك بصورة كاملة لأن من غير المستبعد حصوله في حال قرر الملك ذلك. موانع هذا السيناريو: غياب توافق داخل الأسرة، ممانعة أميركية، غياب بديل عن محمد بن نايف لإدارة ملفي الأمن والإرهاب.
سيناريوهات أخرى باتت معروفة على النحو التالي:
ـ تنحي الملك سلمان ونقل حقه في العرش الى إبنه محمد بن سلمان، ويصبح هو بمثابة رئيس مجلس العائلة على أن يبقى محمد بن نايف في منصبه ولياً للعهد، ويتم اختيار أحد أبناء إخوته الاشقاء السديريين في منصب ولي ولي العهد.
في سيناريو مواز، تنازل الملك سلمان عن منصبه الآخر كرئيس للوزراء، على الطريقة البريطانية، فيملك ولا يحكم، وينقل حقّه الى نجله محمد بن سلمان لهذا المنصب، في عملية فصل بين منصبي رئاسة الوزراء وولاية العهد. ولكن مثل هذا الفصل سوف يبقي الباب مفتوحاً على تكرار سيناريو سلمان الذي غيّر شكل السلطة وموازين القوى فور توليه العرش. وهذا ما قد يقوم به محمد بن نايف في حال سارت عملية انتقال السلطة بحسب المعادلة القائمة.
ـ إجراء تعديل في النظام الأساسي للحكم، يفضي إلى نزع بعض صلاحيات الملك لضمان وصول محمد بن سلمان الى العرش. وهي خطوة تبدو سهلة بالنسبة للملك سلمان الذي بيده مقاليد السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن المساس بالنظام الأساسي سوف يؤسس لسابقة خطيرة من وجهة نظر العائلة المالكة لأن بإمكان الملوك اللاحقين القيام بخطوات مماثلة.
ـ دخول المحمدين في سباق محموم على بناء تحالفات داخلية وخارجية تفضي في نهاية المطاف الى تفوق أحدهما على الآخر وتالياً حسم الصراع لصالح أحدهما. سيناريو من هذا القبيل يجري بصورة طبيعية سواء كان المتنافسون على السلطة من جناحين متخاصمين أو من جناح واحد أو حتى من بيت واحد. ولكن ما يميّز سباق المحمّدين أنه شبه علني، ومتكافىء الى حد كبير من حيث القوة، برغم من أن بن سلمان يحتمي بوالده الملك في سباقه نحو العرش. على أية حال، فإن الملك وجوداً وعدماً وحده كافٍ لحسم المنافسة بين المحمدين، ولكن لا يغيّر ذلك من حقيقة لهاث الأخيرين.
ـ أورد سيمون هندرسون سيناريو يقول بـإجبار آل سعود على التنازل عن بعض أو كامل السلطة لصالح كبار الشخصيات العسكرية غير الملكية التي تحظى بدعم القوات التي تحت إمرتها، والتي قد ترى حرب اليمن بأنها عمل أحمق. وكانت تلك الشخصيات قد ضاقت ذرعاً من قلة الخبرة التي تتمتع بها قيادة العائلة المالكة وعدم كفاءتها.
غير أن مثل هذا السيناريو مستبعد فضلاً عن كونه غير واقعي، فليس هناك من الناحية العملية “كبار الشخصيات العسكرية” من خارج العائلة المالكة، دع عنك وجود تكتّل أو طبقة داخل المؤسسة العسكرية ذات خصائص متماثلة تجعلها قادرة على فرض إرادتها أو إحداث تغيير ما في معادلة السلطة. وفي حقيقة الأمر، لم يعهد في أي من تجارب الصراع على السلطة السابقة دخول شخصيات عسكرية على خط الصراع، بل هناك توافق داخل الأسرة المالكة على إبقاء شؤونها محصّنة أمام عموم الناس، والأمر الآخر، غياب شخصيات عسكرية مؤثّرة ومقتدرة يمكن الرهان عليها..
ـ نذير من الداخل
لم يعد سرّاً أن أسرة آل سعود تعيش صراعاً متعاظماً على السلطة، سواء على خلفية خروج أجنحة أساسية من خط السباق الى العرش في عهد الملك عبد الله، أو كرد فعل على سياسة التهميش التي اعتمدها الملك سلمان منذ الأيام الأولى لاعتلائه السلطة، أو نتيجة الانتقال المفاجىء للسلطة من الجيل الثاني الى الجيل الأول دون حساب للتوازنات داخل الأسرة المالكة والقائمة على توزيع متعادل للمناصب بين الأجنحة الرئيسة.
على أية حال، فإن معركة الخلافة فتحت الطريق أمام مناظرة واسعة داخل العائلة بما في ذلك الرسائل التي انتشرت خلال العام 2015 وتدعو الى إزالة الملك ووليي عهده.
في الرابع من إيلول (سبتمبر) 2015 وجّه أحد الأمراء من أحفاد الملك عبد العزيز آل سعود دعوة أطلق عليها (نذير عاجل لكل آل سعود) استحضر فيها التحديات السابقة التي واجهت الحكم السعودي منذ بداياته وحتى اليوم. وشدّد الأمير على خاصيتي (الأكبر والأصلح) في المرشّح لتولي العرش، وأضاف اليهما خصائص أخرى مساعدة مثل إشراك بقية الأمراء في القرار، والحفاظ على الصبغة الاسلامية للدولة، وعدم التساهل في تطبيق الشريعة، واحترام العلماء وحفظ دورهم في المجتمع وإعطاء وجهاء المجتمع قيمتهم. ولفت الى إحدى المشكلات التي تعاني منها العائلة المالكة وهي “الخلط بين الحكم والتجارة” في إشارة الى محمد بن سلمان بدرجة أساسية الذي بات يمسك بملفي الحكم والاقتصاد في المملكة السعودية.
ورأى الأمير الذي لم يكشف عن هويته خشية القتل، كما صرّح بذلك الى الكاتب البريطاني هيو مايلز في حواره مع شبكة (بي بي سي) في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أن العائلة المالكة في عهد سلمان لم تعد تلتزم بوصايا عبد العزيز “فصرنا قريبين من انهيار الدولة وخسارة السلطة، حتى توشك الكارثة أن تحل علينا وعلى غيرنا” على حد قوله.
وأرجع الأمير التدهور في أوضاع الحكم الى بداية عهد الملك عبد الله بسبب “سياسات خلخلت ثوابتنا ومنهجنا”، ومثّل لذلك “بتهميش أبناء عبدالعزيز سواء في السلطة أو بالمشاركة بالقرار” كما انتقد السياسة الخارجية والدخول في “حلف عسكري” لضرب العراق وسوريا وحرب اليمن. ووجّه انتقاداً لاذعاً للمحمدين (بن نايف وبن سلمان) بقوله: “كيف رضينا أن يكون مصيرنا رهين نزوات مراهقين وتطلعات مستعجلين؟”.
بدا الأمير أشدّ وضوحاً وجرأة في نقد الملك سلمان ونجله حين شدّد على ضرورة التحرّك على مستوى صناعة القرار بهدف “إيجاد حل حقيقي لمشكلة الملك العاجز سلمان الذي يستغل وضعه شاب مراهق”. وخلص من ذلك الى ضرورة “تغيير آلية القرار حتى لو استدعي الأمر تغيير الملك نفسه”.
ولفت الأمير الى تأييد كثير من الأمراء لدعوته “أعلم أن الكثير منكم يؤيدني فيما كتبت لكن كلٌ يقول من الذي يرفع الراية”.
وبرغم من أن الأمير يشدّد على مبدأ الحفاظ على ملك آل سعود وتماسك الأسرة وبقائها في الحكم، إلا أنه في الوقت نفسه طالب “بعزل الثلاثة الملك العاجز سلمان بن العزيز، والمُفَرّطْ المستعجل المغرور ولي العهد الأمير محمد بن نايف، والسارق الفاسد المُدَمّرْ للوطن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليتولى الأصلح والأكبر إدارة شؤون البلاد و العباد”. وتنصيب “ملك جديد وولي عهد، وأخذ البيعة من الجميع على ذلك، وإلغاء المنصب المستحدث المستغرب وهو ولي ولي العهد”.
وبعد أقل من إسبوعين، عاد الأمير ونشر بياناً ثانياً يشتمل على إيضاحات حول خطابه السابق أخبر فيه بالدعم الواسع من العائلة المالكة ومن رموز شعبية، وناشد أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز لسرعة التحرك وجمع التوقّعات “لعزل الملك العاجز سلمان وولي العهد وولي ولي العهد”.
وفيما يبدو، فإن الأمير واجه انتقادات من أبناء وبنات الملك سعود على قاعدة المماثلة بين عهده وعهد سلمان في الفساد وسوء الادارة ونفى المساواة بينهما وقال “إن الأمور التي عزل بسببها الملك سعود لاتساوي إلا عشرين بالمئة مما يـُقترف الآن، سواء في تبديد مقدرات الأمة والوطن أو في فوضى السياسة الداخلية والخارجية”.
في توضيح حول معنى عجز الملك سلمان قال بأنه يعني “عجزه عن القيادة وإدارة شؤون البلاد والعباد اليومية ورئاسة مجلس الوزراء على نحو فعال بسبب حالته الصحية وأمراضه العديدة..ولم يعد سراً أن المشكلة الأخطر في وضعه الصحي هي الجانب العقلي الذي جعل الملك خاضعا بالكامل لتحكم ابنه محمد”.
وفي شأن الاسراف كشف الأمير عن إهدار 160 مليار دولار (600 مليار ريال، وكذلك سحب ما لا يقل عن 100 مليار دولار أخرى (375 مليار ريال) لجيب محمد بن سمان وأشقائه تركي وخالد ونايف وبندر وراكان. ولم يقدّم الامير تفاصيل حول هذه المبالغ من أين اقتطعها ووجوه صرفها..وذكر “بند الشؤون الخاصة” والذي يشتمل على 50 مليون ريال يومياً للملك (أو من يتحكم بختمه=إشارة لابنه محمد) لأي أمر يريده. وذكر الامير الحساب الملكي الخاص وهو حساب جاري في البنك الأهلي بقيمة 9 مليار ريال وتلتزم مؤسسة النقد بتغطية أي مبلغ يسحب منه بشكل فوري. يضاف الى ذلك 2 مليون برميل يومياً تذهب لحساب تابع لمحمد بن سلمان باسم الملك.
على أية حال، تبقى المعطيات خاضعة للنقاش لغياب وسيلة تحقيق أخرى محايدة أو الاعتماد على مصادر أخرى تؤكدها أو تنفيها، ولكن من شأنها الاضاءة على أحد جوانب الصراع على السلطة في العائلة المالكة.
تحدث الأمير عن منصب رئيس الديوان، وعارض تكرار ظاهرة عبد العزيز بن فهد، وخالد التويجري، ومحمد بن سلمان في السيطرة على شؤون الملك.
تقدّم الأمير مرة أخرى بمناشدة أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز لسرعة التحرك وجمع التوقّعات “لعزل الملك العاجز سلمان وولى العهد وولى ولى العهد، بعد عيد الأضحى المبارك، وتولية الأكبر والأصلح لإدارة شؤون البلاد والعباد، قبل هلاك الجميع”. وفي حال وفاة الملك سلمان عليهم عزل الملك الجديد كائناً من كان وولى عهده، وإعادة الأمور إلى نصابها، بتولية الأكبر والأصلح والأكفأ من أولاد وأحفاد الملك عبد العزيز..
في مضامين الرسالتين ما يشي بتطابق من نوع ما مع مواقف كان الأمير طلال بن عبد العزيز قد أطلقها في مقابلة مع صحيفة (القدس العربي) الصادرة في لندن في 20 حزيران (يونيو) سنة 2012، في ردّه على قرار تعيين أخيه غير الشقيق سلمان، الملك الحالي، وليّاً للعهد. قال الأمير طلال حينذاك أنه يخشى أن يتكرر ما حدث في الأيام الأخيرة للإتحاد السوفييتي في المملكة السعودية، حيث أدّى الدفع بمسؤولين كبار في السن الى قمة الحكم الى الإنهيار. وقال:”إن مجلس العائلة الذي يضم أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز لم يجتمع منذ أشهر”[55].
وفي حوار مع شبكة (بي بي سي) البريطانية في الحادي عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2015 أكد كاتب المقال هيو مايلز، المختص في شؤون السعودية والشرق الأوسط، أنه التقى بالأمير وتأكد من هويته مئة في المائة”. وقال له بأن: “الأسرة تتخوف من حدوث كارثة إذا لم تتغير الأمور”. الكاتب الأميركي ديفيد إغناطيوس قال أنه تحدّث عبر الهاتف عدّة مرات مع من وصفه “أحد الأمراء الكبار الذين كتبوا رسالتين”. وذكر الأمير المعارض له بأنه يفضّل تعيين الأمير أحمد، 73 عاماً، إبن الملك المؤسس عبد العزيز. وقال الأمير الذي رفض الكشف عن هويته مجدّداً “وأنه ـ أي الأمير أحمد ـ يمثل إختيار 85 بالمئة من عائلة آل سعود”[56].
الأمير كشف عن أن أربعة أو خمسة من أعمامه سوف يجتمعون لمناقشة رسالتيه، وأنهم يعدّون خطة مع أبناء إخوتهم لجهة البحث عن مخرج لأزمة الدولة. وقال بأن الكثير من أبناء الجيل الثاني قلقون للغاية..
يصدر الأمراء الغاضبون عن دوافع شخصية في الغالب، ما يجعل دعوات التغيير التي يطلقونها موضع ريبة قطاع واسع من الناس، ولا سيما الاصلاحيين. حديث الأمراء عن سقوط أسعار النفط يعبّر عن نزاع داخل البيت، أي بين من يعتقدون بأنهم شركاء حصريون في تقاسم السلطة والثروة، وليس على أساس الإحساس بضرورة إصلاح النظام بما يستوجبه من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية.
تحدث الامير عن سقوط أسعار النفط الى النصف في العام 2015، ما اضطر الحكومة السعودية الى سحب 70 مليار دولار من صناديق الاستثمار الأجنبية لدعم موقفها المالي ومواجهة انهيار أسعار النفط. لا يمكن بطبيعة الحال عزل هذا الانهيار عن دور الملك شخصياً، فهو مسؤول عن السياسة النفطية للمملكة الى جانب إبنه محمد بن سلمان، وزير الدفاع ورئيس اللجنة الاقتصادية والتنمية والمسؤول عن شركة أرامكو، وهذا يجعل الملك ونجله في موقع المسؤولية المباشرة عن الاخفاق الاقتصادي، كما تجعل الحوادث المأساوية خلال موسم الحج لعام 2015 (سقوط رافعة الحرم، التدافع في منى، انهدام فندق في مكة) الأمير محمد بن نايف في موقع المسؤولية المباشرة عن الاخفاق الأمني.
في رسالتي الأمير دعوة للأمراء الثلاثة عشر (بإضافة الأمير نواف بن عبد العزيز الذي توفي في 29 سبتمبر 2015) من أبناء عبد العزيز وخصوصاً الأمراء طلال وتركي وأحمد “بما لهم من باع طويل، وخبرات سياسية وإدارية يعرفها الجميع، يجب استثمارها فى صالح الدين والمقدسات والشعب” للخروج بموقف موحّد وإزاحة سلمان من القيادة في انقلاب داخل القصر، قبل اختيار حكومة جديدة من داخل العائلة المالكة. وفي النتائج: تعد الرسالتان فريدتين لناحية كونهما لا سوابق لهما منذ انقلاب القصر في العام 1964[57]. أي المطالبة، بتكرار تجربة عزل الملك سعود من منصبه نتيجة اتفاق فيصل وإخوانه وأبنائهم وأبناء إخوتهم على ذلك وأن يقوم هؤلاء الأمراء الكبار من أبناء عبد العزيز “بعزل الثلاثة الملك العاجز سلمان بن العزيز، والمُفَرّطْ المستعجل المغرور ولى العهد الأمير محمد بن نايف، والسارق الفاسد المُدَمّرْ للوطن ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ليتولى الأصلح والأكبر إدارة شؤون البلاد و العباد”. وتنصيب “ملك جديد وولى عهد، وأخذ البيعة من الجميع على ذلك، وإلغاء المنصب المستحدث المستغرب وهو ولى ولى العهد”.
يقول الامير بأنه تلقى مواقف داعمة لدعوته داخل العائلة المالكة والمجتمع بصورة عامة. ولكن لم يعبّر سوى أمير واحد عن موقفه الداعم لهاتين الرسالتين، ولا غرابة في ذلك بسبب التاريخ الطويل للنظام السعودي في قمع المخالفين..ولكن، هناك كلام منسوب لأمير سعودي منشق بأن 8 من أصل 12 من أبناء الملك عبد العزيز يدعمون التحرك لعزل الملك سلمان من منصبه كما حدث مع شقيقه الملك سعود عام 1964. وهناك دعم متنامي لعزل الملك سلمان وتولية شقيقه الأصغر الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية. وأن 75% من العلماء ورجال الدين يفضلون تولي الأمير أحمد بن عبد العزيز لزمام الأمور في المملكة. وأضاف: أن دعم رجال الدين سيكون أمراً حيوياً لأي تغيير يحدث في المملكة منذ قيامها، مشيراً إلى أنهم يملكون القوة لمنح الشرعية الدينية ومن ثم السياسية لمن يقود البلاد.
ويُنظَر الى الأمير أحمد الذي كان بحسب تقاليد الوراثة في البيت السعودي بأنه كان الأوفر حظاً بعد الملك سلمان في حال بقي في منصبه السابق وزيراً للداخلية قبل أن يُعفى منه بعد ستة شهور من توليه المنصب في الفترة ما بين (18 يونيو ـ 5 نوفمبر 2012). وبحسب ديفيد أوتاواي: “لايزال يحظى الأمير أحمد يحظى داخل عائلة آل سعود، بحسب دوائر ملكية ودبلوماسية سعودية”[58]. في المقابل، يلحظ على الأمير أحمد بحسب مقرّبين أنه رغم توقه للعودة الى الحكم الا أنه يؤخذ عليه التردد والحذر، وينتظر من الآخرين الدفاع عنه والانتصار لما يعتقد بأنها ظلامة بحقه.
لا يريد أحمد الظهور في هيئة المنازع لملك شقيقه سلمان وإبنه محمد، الأمر الذي يقلل من فرص استلامه زمام المبادرة، بانتظار جهة ما تقوم بالمهمة نيابة عنه وحمله الى العرش..رسالة الأمير من أحفاد عبد العزيز تعلي من مكانة الأمير أحمد وتحمّله مسؤولية جمع الآراء وحشد المقامات داخل العائلة المالكة من أجل القيام بالتغيير المأمول، أي عزل الملك سلمان وولي عهده محمد بن نايف ونجله محمد بن سلمان الذي يطلق عليه “السارق الفاسد”.
نقل أن عدّة مئات من مناصري الأمير أحمد تجمّعوا في مطار الرياض لاستقباله والتعبير عن مناصرته عقب عودته بعد إعفائه من منصبه، وكان من بين المناصرين ناشطون في مجال حقوق الانسان والجناح الليبرالي في العائلة المالكة يقوده الأمير طلال.
يقترح الأمير المنشق أن يتولى الأمير أحمد بن عبد العزيز مسؤولية كل شيء من البترول الى الدفاع الى الداخلية والاقتصاد حتى مع بقاء الملك في منصبه على أن لا يزاول أي مهام[59].
طالب الأمير بعقد اجتماع طارىء لكبار الأمراء في الأسرة للبحث عن مخرج “وإجراء تغييرات فى المناصب الهامة، و تولية أصحاب الكفاءات من العائلة الحاكمة، سواء كانوا من الجيل الأول أو الثانى أو الثالث أو الرابع. ونقترح أيضاً جمع توقيعات من أبناء وأحفاد الملك المؤسس بشأن الإجراءات المقترحة، و تنفيذ ما تُقِرّه الأغلبية للصالح العام”.
هناك من يعتقد بأن دعوة الأمير صاحب الرسالة الى اجتماع عاجل لأبناء عبد العزيز قد تحقّقت ولكن طلب عزل ولي العهد أو وولي العهد تبدو غير قابلة للتحقّق”، حسب الباحث كريستوفر ديفدسون، مؤلف كتاب (مابعد الشيوخ)[60].
لاريب، إن طبيعة الصراع بعد موت الملك عبد الله شهدت تبدّلاً جوهرياً. وبحسب ديفيد اغناطيوس، أن الأمراء السعوديين سوف يفكّرون بعد موت الملك عبد الله كيف يحافظون على بقاء البيت السعودي. توازن القوة في الشرق الأوسط سوف يتشكّل من خلال قراراتهم. ولكن في السعودية، كما في معظم الأماكن، السياسة محلية الطابع[61]. وأمكن القول في الخلاصات أن رسالتي الأمير تعكسان جزئياً على الأٌقل صراع بين الأجيال داخل آل سعود، وتأتي بعد أن حاربت الأجنحة القوية في العائلة من أجل السيادة في أعقاب موت الملك عبد الله[62].
خلاصة
يبدو مشهد الصراع على السلطة في المملكة مفتوحاً على احتمالات عديدة وأيضاً مفاجئات، وقد يضمر المستقبل ما هو أسوأ في حال بقيت معادلة السلطة على حالها. وفيما تحول الإجراءات الصارمة في العائلة المالكة دون تسرّب أسرار الصراع على السلطة الا أن ما ينشره الأمراء من رسائل ويدلون به من تصريحات أو ما تنبىء عنه القرارات والمواقف الصادرة عن الملك وكبار الأمراء تكشف عن خلاف عميق يتمحور حول مبدأ تقاسم السلطة بين ابناء وأحفاد المؤسس.
ينظر كثير من المراقبين الى العاصفة السياسية المتنامية في السعودية بقدر من الاهتمام، وإن المملكة الهادئة لم تعد كذلك، بل كل مافيها ويحيط بها ينبىء عن أيام صعبة وأوضاع مرتابة.
ولأول مرة تبدو صورة المستقبل ضبابية وحالكة الى حد كبير في ضوء المتغيرات الدراماتيكية الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا مراكز القوى مرشحة للتبلوّر في الأمد القريب، ولا عوامل الاستقرار التقليدية يمكن توفيرها بسهولة. وعليه، فإن ثمة حدثاً استثنائياً يغير مسار التدهور في البلاد ويفتح آفاق جديدة لعمليات تحول واسعة النطاق تعيد تصويب مسار الدولة وتؤسس لمرحلة استقرار ولكن وفق شروط أخرى..
يواجه آخر أعضاء الجيل القديم تحدّيات غير مسبوقة لإرساء عملية نقل للسلطة لتفادي “أسئلة المشروعية التي لم تواجه في القرن الأخير من الحكم السعودي” بحسب ملاحظة العميل السابق في السي آي أيه، بروس ريدل، والذي يعمل في معهد بروكنز حالياً[63].
مراكز القوة الحالية في المملكة السعودية قد تبقى ثابتة لبعض الوقت ولكن تبطن مخاطر جمّة على مستقبلها. سلمان يسيطر على المال، ومحمد بن نايف يدير وزارة الداخلية وشبكة المراقبة، ومحمد بن سلمان يسيطر على البترول والوزارات الاقتصادية الرئيسية، ولكن تبقى هذه المواقع محفوفة بالتبدّل السريع نتيجة أي تغيّر مفاجىء في موازين القوى.
وبرغم من أن الإجراءات الراديكالية التي قام بها الملك سلمان في بداية عهده وبما أحدثه من تغييرات هيكلية في السلطة تمهّد السبيل أمام نجله لوصول مريح الى العرش، إلا أن ثمة تحدّيات من داخل الأسرة وخارجها تعيق مثل هذه الفرصة. فمثل تلك الإجراءات ألغت تقليداً سائداً منذ عقود في العائلة المالكة يقوم على التوافق بين أبناء عبد العزيز فيما يرتبط بالقضايا المصيرية. وعليه، فمن غير الراجح أن يكون وجود محمد بن نايف ومحمد بن سلمان على رأس منصبين رفيعي المستوى (ولي العهد، وولي ولي العهد) يجعل تحقيق ذلك ممكناً في ظل وجود إثنى عشر من أبناء الملك المؤسس وأحفاده من كبار السن وأصحاب الخبرة الطويلة بالمقارنة مع محمد بن سلمان الذي لم يكمل عقده الثالث وليس له خبرة طويلة في السياسة.
ولذلك، فإن توصيف التغييرات التي قام بها الملك سلمان في بداية عهده بكونها تندرج في سياق ما يعرف بـ (تغيير الأجيال) (generational change)، لا يجيب على السؤال الأهم حول السبب الذي يجعل محمد بن سلمان الأقل خبرة والأصغر سنّاً أوفر حظاً من أبناء جيله الآخرين.
على أية حال، فإن الصراع على السلطة داخل أسرة آل سعود لا يؤول بالضرورة الى تفكك الأخيرة أو انهيار الكيان، ولكنّه بالتأكيد يضعف من بنيته، وقد يكون هذا العامل، الى جانب عوامل أخرى داخلية اقتصادية وأمنية وخارجية في هيئة اضطرابات أمنية وحروب وتفشي ظاهرة الارهاب في المحيط الجغرافي بما يؤول الى اختلال موازين الاقليمية وتبدّل في شبكة التحالفات الدولية، تفضي في نهاية المطاف الى تصدّع الكيان وتالياً تفكّك الدولة السعودية.
[1] Tim Niblock, Saudi Arabia: Power, Legitimacy and Survival, Routledge 2006, see:
http://dannyreviews.com/h/Saudi_Arabia.html
[2] أسماء شريف، امير سعودي كبير يستقيل من هيئة البيعة، وكالة رويترز، 16 (تشرين الثاني)، نوفمبر 2011، الرابط:
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE7AF0NO20111116
[3] علي سعد الموسى، أيتام سلمان بن عبد العزيز، جريدة (الوطن) بتاريخ 9 شباط (فبراير) 2015، أنظر الرابط:
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=25056
[4] سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، سلطان بن سلمان لـ”الموسى”: أبناء الفقيدين لم يشعروا باليتم، صحيفة (الوطن) بتاريخ 15 شباط (فبراير) 2015، أنظر الرابط:
http://www.alwatan.com.sa/Discussion/News_Detail.aspx?ArticleID=214669&CategoryID=8
[5] الملك سلمان: فهد بن عبد العزيز والدي الثاني..تربيت تحت ظله ورعايته، صحيفة (الشرق الأوسط)، بتاريخ 31 آذار (مارس) 2015
[6] الملك سلمان.. محافظٌ أبطأ مسيرة الإصلاحات في عهد سلفه، موقع DW (Deutsche Welle)، بتاريخ 23 يناير 2015
[7] برقية بعنوان (ولي العهد يدعم الملك في نزاعات العائلة)، صنّفها المستشار السياسي ديفيد هـ. راندل، رقم البرقية: 07RIYADH296، سري الرياض: 000296، التاريخ 2 أيار (مايو) 2006، أنظر الرابط:
http://wikileaks-a.blogspot.com/2011/09/blog-post_21.html
أنظر نص الوثيقة الأصلية باللغة الانجليزية على الرابط:
https://wikileaks.org/plusd/cables/07RIYADH296_a.html
[8] Angus McDowall, New Saudi king seeks to reassure on succession and policy, Reuters, January 23, 2015, see: http://www.msn.com/en-us/news/world/new-saudi-king-seeks-to-reassure-on-succession-and-policy/ar-AA8v0yL
[9] سايمون هندرسون، الشقاق الملكي في بيت آل سعود، معهد واشنطن، 16 تشرين الأول/أكتوبر ، 2015 أنظر:
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/royal-schism-in-the-house-of-saud
[10] David Ignatius, Saudi Arabia’s coming struggle, op.cit.
[11] David B. Ottaway, The Struggle for Power in Saudi Arabia, ibid
[12] سايمون هندرسون، الشقاق الملكي في بيت آل سعود، معهد واشنطن، 16 تشرين الأول/أكتوبر ، المصدر السابق
[13] David Hearst, A Saudi Palace Coup, Huffingtonpost, January 23, 2015, see:
http://www.huffingtonpost.com/david-hearst/a-saudi-palace-coup_b_6531246.html
[14] Glen Carey and Wael Mahdi, Saudi King Cements Power Around Next Generation in Reshuffle, Bloomberg, April 29, 2015, see:
[15] Angus McDowall, NEWSMAKER – New Saudi ruler King Salman bin Abdulaziz, Reuters, Jan 23, 2015; see:
http://in.reuters.com/article/2015/01/23/saudi-succession-salman-newsmaker-idINKBN0KW00Z20150123
[16] عبد الحميد قدس، عبد الله أم سلمان؟..سياسة واحدة مع فارق العملة!، مجلة (الحجاز)، عن الجمعية الوطنية الحجازية، عدد شباط (فبراير)، 2015، أنظر الرابط: http://www.alhejaz.org/seyasah/0114804.htm
[17] Alessandria Masi, Saudi Arabia King Salman’s Success Hinges On Making New Political Friends In The Region, International Business Times, January 24, 2015
[18] David Ignatius, Saudi Arabia’s coming struggle, Washington Post, January 22, 2015, see:
http://www.washingtonpost.com/blogs/post-partisan/wp/2015/01/22/saudi-arabias-coming-struggle/
[19] الأمير نايف شخصية تولت مهامها بكل اقتدار وحنكة سياسة بارعة، جريدة (البلاد) 16 حزيران (يونيو) 2012 أنظر الرابط:
[20] جمال خاشقجي، نهاية “لعبة الأمم”، صحيفة (الحياة) بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أنظر الرابط:
http://www.alhayat.com/Details/572359
[21] David Hearst, Saudi’s internal power struggle sends ripples across international borders, The Guardian, 21 November 2013; see: http://www.theguardian.com/commentisfree/2013/nov/21/saudi-power-struggles-egypt
[22] السعودية: الامير مقرن ولياً لولي العهد، موقع (العربية)، بتاريخ 27 مارس 2014
[23] سيف سويلم وخالد العمري، وبعد الاطلاع على تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموه ليكون ولياً لولي العهد، صحيفة (الحياة) بتاريخ 29 نيسان (إبريل) 2015، أنظر الرابط: http://www.alhayat.com/m/story/8883750#sthash.PI54mGfe.dpbs
[24] أنظر: صحيفة (الحياة) بتاريخ 30 نيسان (إبريل) 2015
[25] David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia, Washiongton Post, October 13, 2015, see:
[26] David Ignatius, Opinion: Saudi power struggle oddly public, LJWorld, October 14, 2015, see: http://m.ljworld.com/news/2015/oct/14/opinion-saudi-power-struggle-oddly-public/?templates=mobile
[27] David Ignatius, Reshuffling the House of Saud, Washington Post, February 3, 2015; see:
[28] David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia, Washington Post, October 13, 2015; see:
[29] David Ignatius, The son who would be the Saudis’ king?, Washington Post, September 8, 2015; see:
[30] David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia, Washiongton Post, October 13, 2015, see:
[31] David B. Ottaway, The Struggle for Power in Saudi Arabia, ibid
[32] Carol J. Williams and Alexandra Zavis, New Saudi king moves quickly to avoid future power struggle, Los Angeles Times, January 23, 2015, see: http://www.latimes.com/world/africa/la-fg-saudi-succession-20150124-story.html
[33] Rori Donaghy, ibid
[34]Editorial Board, Shake-up in the House of Saud, Washington Post, May 3, 2015; see:
[35] خادم الحرمين: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، صحيفة (الرياض)، 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/1095304
[36] Dr Emile Nakhleh, A Political Earthquake Hits Saudi Arabia?, LobeLog..Foreign Policy, 11 May 2015; see:
http://lobelog.com/political-earthquake-hits-saudi-arabia/
[37] بطالة زمن النبوة.. تعيد الجاسر إلى الجدل، صحيفة (الوطن) السعودية بتاريخ 24 شباط (فبراير) 2015، أنظر الرابط:
http://alwatan.com.sa/Local/News_Detail.aspx?ArticleID=215640&CategoryID=5
[38] خالد الشايع، البطالة في السعودية: ارتباك حكومي، وتضارب في الاحصائيات الحكومية، موقع العربي الجديد، بتاريخ 5 مارس 2015، أنظر الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/3/4
[39] خالد الشايع البطالة في السعودية، المصدر السابق. وانظر أيضاً: عبد الحميد العمري، كم هو معدل البطالة في السعودية الآن؟!، صحيفة (الشرق)، بتاريخ 20 آيار (مايو) 2012، أنظر الرابط:
http://www.alsharq.net.sa/2012/05/20/295503
[40] “غرفة الرياض”: معدل البطالة يزيد بمتوسط 3.6% سنوياً، أخبار 24، بتاريخ 13 آب (أغسطس) 2015، أنظر الرابط:
http://akhbaar24.argaam.com/article/detail/229260
[41] د. أنور أبو العلا، تقديرات معدل البطالة في المملكة، صحيفة (الرياض) بتاريخ 5 يناير 2014، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/898383
[42] عبد الرحمن الراشد، السعودية: 13 مليون أجنبي!، صحيفة (الشرق الأوسط)، 4 إبريل 2013، أنظر الرابط:
http://archive.aawsat.com/leader.asp?article=723310&issueno=12546#.VjT39el3vIU
[43] كرم نعمة، في بلاد الثراء والنفط: ربع السعوديين تحت خط الفقر، موقع (ميدل ايست أون لاين)، 3 يناير، 2013، أنظر الرابط:
http://middle-east-online.com/?id=146523
[44] Kevin Sullivan, Saudi Arabia’s riches conceal a growing problem of poverty, The Guardian, 1 January 2013; see: http://www.theguardian.com/world/2013/jan/01/saudi-arabia-riyadh-poverty-inequality
[45] كيف ستتأثر حياة السعوديين في حال رفع الدعم عن الطاقة؟، بي بي سي، بتاريخ 28 تشرين أول (أكتوبر) 2015، أنظر الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/10/151028_comments_oil_price_gulfeconomies
[46] السعودية تتجه لإصدار صكوك تمويلاً لعجز الموازنة، وكالة رويترز 6 سبتمبر 2015، موقع (العربي الجديد) الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/9/6/السعودية-تتجه-لإصدار-صكوك-تمويلا-لعجز-الموازنة
[47] Hazel Sheffield, One chart that shows which Middle Eastern countries could run out of money in less than five years, Independent, 27 October, 2015; see:
http://www.independent.co.uk/news/business/news/one-chart-that-shows-which-middle-eastern-countries-could-run-out-of-money-in-less-than-five-years-a6709511.html
[48] Rori Donaghy, ibid
[49] جوزيف أ. كيشيشيان، الخلافة في العربية السعودية، ترجمة غادة حيدر، دار الساقي، بيروت 2002، ص 158
[50] وثيقة بعنوان (ولي العهد يدعم الملك في نزاعات العائلة)، مصدر سابق،
[51] Martin Reardon, Three bold moves by King Salman, Aljazeera, 01 May 2015, see:
[52]David B. Ottaway, The Struggle for Power in Saudi Arabia, Foreign Policy, June 19, 2013
http://foreignpolicy.com/2013/06/19/the-struggle-for-power-in-saudi-arabia/
[53] https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/09/04/joint-statement-meeting-between-president-barack-obama-and-king-salman
[54] خادم الحرمين: رحم الله من أهدي إلي عيوبي، صحيفة (الرياض) 29 أكتوبر 2015، أنظر الرابط:
http://www.alriyadh.com/1095304
[55] الأمير طلال بن عبد العزيز لـ “القدس العربي”: هيئة البيعة لفظت أنفاسها منذ تعيين الأمير نايف ولياً للعهد والبديل ملكية دستورية وبرلمان منتخب، أنظر الرابط:
http://www.alquds.co.uk/pdfarchives/2012/06/06-19/qfi.pdf
[56] David Ignatius, A cyclone brews over Saudi Arabia, Washiongton Post, October 13, 2015, see:
[57] Hugh Miles, Saudi royal calls for regime change in Riyadh, 28 September 2015, see: http://www.theguardian.com/world/2015/sep/28/saudi-royal-calls-regime-change-letters-leadership-king-salman
[58] David B. Ottaway, The Struggle for Power in Saudi Arabia, ibid
[59] Hugh Miles, Saudi Arabia: Eight of King Salman’s 12 surviving brothers want to oust him, The Independent, 24 October, 2015; see:
[60] Rori Donaghy, ibid
[61] David Ignatius, Saudi Arabia’s coming struggle, op.cit.
[62] Rori Donaghy, Senior Saudi royal urges leadership change for fear of monarchy collapse, Middle East Eye, 22 September 2015, see: http://www.middleeasteye.net/news/saudi-arabia-senior-royal-urges-change-amid-fears-monarchy-collapse-1612130905
[63] Carol J. Williams and Alexandra Zavis, New Saudi king moves quickly to avoid future power struggle, Los Angelese Times, January 23, 2015, see: http://www.latimes.com/world/africa/la-fg-saudi-succession-20150124-story.html