مقالات أخرى
أخر الأخبار

الاقتصاد أولًا والسياسة عاشرًا ( ترمب وخزنة الخليج )

لم يكن اختيار ترمب الخليج كأول محطة خارجية يزورها منذ توليه الرئاسة مرة ثانية لأهميتها الحضارية أو التكنولوجية أو العسكرية. وقد كان شديد الصراحة في اعلان هدف الجولة، إنه المال الذي يبحث عنه بصفته تاجرًا وإن الرئاسة بالنسبة له هي أداة لجني المال وليس غير المال..

تصوّر الرياض زيارة ترمب في 13 مايو 2025 بأنها انتصار لها وفاتحة عهد جديد بعد سنوات من العزلة فرضتها إدارة بايدن نتيجة ضلوعه في جريمة اغتيال الصحافي الحجازي جمال خاشقجي في نوفمبر 2018.

ترمب يعلم ما يريد، وابن سلمان يعلم ما يريده ترمب منه، وهنا تبدو الأمور واضحة، علاقة سمتها تجارية محض، وكل شيء يرتبط بهذه العلاقة يكون ممكنًا. ولكن ابن سلمان الذي أدمن اطلاق الأرقام الفلكية، هل هو قادر على مجاراة جشع ترمب..

لنبتعد قليلًا عن جدل المال، ونتوقف عند ما كان يأمله ترمب في الداخل الاميركي وعلى المستوى الدولي، وهي احياء الاتفاقيات الابراهيمية بعد انقطاع دام أربع سنوات، وكاد أن يصل الى خاتمة مريحة بالنسبة لفريق بايدن في عام 2023 لولا اندلاع طوفان الأقصى الذي قوّض مجهودًا مكّثفًا أميركيًا سعوديًا اسرائيليًا قبل أن يصل الى لحظة استعلانه ذات يوم في الربع الأخير من ذلك العام.

بعد وصول ترمب في 20 يناير 2025 بدا وأن ثمة تناغمًا أميركيًا اسرائيليًا في موضوع التطبيع بشروط جديدة. وشعرت السعودية للحظة بأنها باتت في قبضة التغوّل الصهيوأميركي، تنفّست الصعداء بعد أن ظهرت مؤشرات على جفاء وبداية قطيعة  بين ترمب ورئيس وزراء الكيان نتنياهو.

ولكن، ليست تلك هي العقبة الوحيدة التي كان ابن سلمان يسعى لتجاوزها، فهناك عقبات أخرى أيضًا. وعلى أية حال، فإن ثمة هدفًا رئيسًا إن لم يكن وحيدًا جاء ترمب من أجله وهو نقل المال الخليجي الى الولايات المتحدة. ولذلك، فقد كانت زيارة اقتصادية بامتياز وأن السياسة كانت موضوعًا ثانويًا.

طلب ترامب تريليون دولار للاستثمار في الولايات المتحدة لم يكن مستحيلًا فحسب، بل أن الرياض لا تملك ربعه. صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت تقريرًا في 12 مايو 2025 بعنوان “ترامب يريد من السعودية استثمار كل أموالها في الولايات المتحدة”.

ترمب كان يسعى وراء استثمارات بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي السعودي بأكمله لمدة عام. إبن سلمان عرض 600 مليار دولار وترمب رفع الرقم الى تريليون، ولكن خبراء اقتصاديين يقولون إن إيًا من الرقمين غير واقعي. فلا ابن سلمان يمتلك هذا المبلغ ولا ترمب كان مدركًا لما يعنيه تريليون دولار. السعودية التي تتعثر مشاريعها الضخمة باهظة التكلفة، تواجه أزمة تمويل حادة خصوصًا بعد انخفاض أسعار النفط بشكل كبير عن المستوى اللازم لتمويل إنفاقها. وسوف تواجه السعودية، حكمًا، عجزًا قياسيًا في الميزانية قد يصل إلى أكثر من 70 مليار دولار هذا العام. وإن السبيل لمعالجة هذا العجل بات هو الاقتراض والمزيد من الاقتراض.

وقع ابن سلمان وترامب سلسلة اتفاقيات وحصل الأخير وعدًا باستثمار السعودية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، بحسب بيان للبيت الأبيض في 13 مايو 2025. كما تم توقيع اتفاقية عسكرية بقيمة 142 مليار دولار، وهي الأعلى في تاريخ الصفقات العسكرية بصورة إفرادية.

محمد بن سلمان في سخائه مع ترمب، إما إنه مخادع أو ذكي أو أبله، فقد تمسّك بتعهده في يناير الماضي باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة أثناء ولاية ترامب. الأخير أعجبه هذا التعهد فأطرى على ابن سلمان الذي وصفه بأنه “رجل رائع”، وقال بأنه سيطلب من ولي العهد رفع هذا الرقم إلى تريليون دولار، بالإضافة إلى خفض سعر النفط – المصدر الأساسي لثروة المملكة. ترامب لم يكن يخفي خلفية طلبه فهو لا يرى في ما يفعله السعوديون بل وكل الخليجيين بأنهم محسنون للولايات المتحدة، وحسب كلامه”لقد كنا جيدين جدًا معهم”. وقبل وصوله الى الرياض أعاد ترمب ما قاله سابقًا: “ما تقدمه السعودية والامارات وقطر للولايات المتحدة هو بادرة تقدير لدور الولايات المتحدة في حمايتها..نحن نبقي هذه الدول آمنة ولولا أمريكا لما استمر وجودها ـ أي هذه الدول ـ على الخريطة”.

الاموال التي يطلبها ترمب تتجاوز قيمة جميع أصول صندوق الثروة السيادية للمملكة والتي تبلغ نحو 925 مليار دولار، ومعظمها مرتبط بالأصول المحلية. وقد علق تيم كالين، الخبير الاقتصادي ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي السابق إلى السعودية: “لا أرى كيف يمكنهم الوصول إلى ما يقارب 600 مليار دولار، ناهيك عن تريليون دولار”.

لقد أصاب كالين في وصفه ترمب وابن سلمان، وكأنهما شريكان في الكذب والخداع. وحسب قوله، إنهما يتحدثان اللغة نفسها، واصفًا إياهما بأنهما “رجلان يُحبان المبالغة في الأرقام”. وتعلق صحيفة “نيويورك تايمز”: “يميل كل من السيد ترامب وولي العهد السعودي إلى التصريحات المفاجئة، مما يترك تساؤلات حول جدوى هذه التصريحات على عاتق مرؤوسيهما”.

لناحية محمد بن سلمان، الذي أثمرت سياساته الراديكالية في تخفيف القيود الاجتماعية في المملكة المحافظة، مما مكّن النساء من الانضمام إلى القوى العاملة، والمراهقين من الرقص في حفلات صاخبة في الصحراء، ولكن بالنسبة إلى خطط أخرى، مثل مشروع الطاقة الشمسية بقيمة 200 مليار دولار، والذي كان سيصبح الأكبر في العالم، فقد تم تجاهلها بهدوء.

وحتى مبلغ 450 مليار دولار الذي زعم ترامب أنه حصل عليها في زيارته الأولى للسعودية في مايو 2017، لم يكن دقيقًا، وبحسب كالين إنه حلل البيانات العامة ووجد أن هذا المبلغ لم يتحقق بالكامل. ووجد أن إجمالي صادرات السلع والخدمات الأمريكية إلى المملكة السعودية خلال فترة رئاسة السيد ترامب (2017-2020) بلغ 92 مليار دولار، وهو أقل من إجمالي الصادرات خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية التي انتهت عام 2017. بل هناك من تحدث عن أقل من هذا المبلغ بكثير، وأن الرقم لا يكاد يتجاوز 20 مليار دولار. ولكن على ما يبدو فإن ترمب تعلم الدرس جيدًا، وأنّه لم يعد من الرياض خالي الوفاض، وإنما محمّل بحقائب من الأموال والهدايا العينية المنقولة وغير منقولة..

في طليعة النشاطات التي أقيمت في اليوم الأول لزيارة ترمب الى الرياض كان المنتدى الاستثماري السعودي الأميركي بمشاركة نخبة من قادة الأعمال الأمريكيين، بمن فيهم الرؤساء التنفيذيون لشركات IBM وBlackRock وCitigroup ويرتبط العديد منهم بالفعل بعلاقات مع السعودية. وقبل وصول ترمب الى السعودية أعلنت الخارجية عن موافقتها على صفقة محتملة لبيع صواريخ جو-جو بقيمة 3.5 مليار دولار إلى السعودية. وتم توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعدين والموارد المعدنية.

على نحو إجمالي، قد تكون بعض الصفقات اتفاقيات مؤقتة لا تُنفذ. وقد تُعيد صفقات أخرى صياغة صفقات سابقة، مما قد يُعزز إجمالي الاستثمارات التي يُمكن للسيد ترامب القول إنه حصل عليها، بحسب الصحيفة.

عدا عن ذلك، في منتدى الاستثمار الرائد في الرياض والذي نظمه ابن سلمان في أكتوبر 2024، صرّح ياسر الرميان، رئيس صندوق الثروة السيادية، بأنه يهدف إلى خفض نسبة أصول الصندوق المُستثمرة في الخارج. وقال: “نحن أكثر تركيزًا على الاقتصاد المحلي”، واصفًا هذا بأنه “نقلة نوعية كبيرة”.

إجمالاً، استثمر صندوق الثروة السيادية السعودي ما مقداره 110 مليارات دولار في الولايات المتحدة منذ عام 2017، بالإضافة إلى 58 مليار دولار أخرى من إنفاق المشتريات، وفقًا لما ذكره الصندوق في بيان لصحيفة التايمز.

ومن أجل تغطية نفقات المشاريع الاستثمارية العملاقة في السعودية، يقول زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في “بلومبرغ”، إنه بالنظر إلى إنفاق صندوق الثروة السيادية، تحتاج المملكة السعودية إلى أسعار نفط تبلغ حوالي 108 دولارات للبرميل حتى تتمكن الدولة من تحقيق التعادل، بينما يحوم سعر خام برنت حتى كتابة المقالة فوق 60 دولارًا للبرميل. وأضاف داود أن بإمكان المسؤولين السعوديين استثمار مبالغ طائلة في الولايات المتحدة، لكنهم سيحتاجون إلى الاقتراض للقيام بذلك. وأضاف: “وتريليون دولار مبلغ بعيد المنال”. وقال إن الكثيرين يعتقدون أن السعودية دولة “تقدم المنح والقروض والاستثمارات”، لكن هذا قد تغير.

ولزيادة الاستثمار في الولايات المتحدة، يمكن للمسؤولين السعوديين أيضًا إعادة موازنة محافظهم الاستثمارية – ربما عن طريق بيع أصول في دول أخرى، كما قال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط في جولدمان ساكس. لكن من غير المحتمل أن يتمكنوا من تحرير تريليون دولار.

وقدّر سوسة أن إجمالي أصول المملكة في الخارج يبلغ حوالي 1.4 تريليون دولار، ومعظمها موجود بالفعل في الولايات المتحدة. قال: “لا أحد يعلم كم من المال متاح للنقل إلى الولايات المتحدة”.

أما في الشق السياسي للزيارة، والذي يأتي في مرتبة ثانوية وربما في أسفل قائمة جدول الأعمال، والسبب هذه المرة هو تعنّت رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو الذي سدّد ضربة موجعة لترامب لأنه عطّل مشروع التطبيع الذي كان يأمل أن يستأنفه من الرياض وأن يجعل منه حدثًا احتفاليًا. وقد أدت الحرب الدائرة في غزة إلى تعقيد هدف ترامب طويل الأمد المتمثل في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. يضغط المسؤولون الأمريكيون سرًا على إسرائيل من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما وضعته السعودية كشرط مسبق لأي محادثات تطبيع. على الرغم من ذلك، فإن معارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف دائم للحرب وإقامة دولة فلسطينية جعلت التقدم في مثل هذه المحادثات غير مرجح، وأيضًا فرضت على الجانبين الاميركي والسعودي تعديل جدول أعمال زيارة ترمب. فبعد أن كانت الخطة أن تعقد قمة عربية يتم خلالها الاعلان عن اتفاقية التطبيع بين السعودية واسرائيل مشمولة بمسار واضح لإقامة دولة فلسطينية، تبدّلت تلك الخطة واقتصرت على قمة خليجية أميركية ذات طابع اقتصادي. إذ كرّست زيارة ترامب للاستثمارات المربحة في الأسلحة والمشاريع الضخمة والذكاء الاصطناعي، فيما لفت ترمب في خطابه في القمة الاميركية الخليجية في 14 مايو بقوله “سنعمل على إضافة المزيد من الدول إلى الاتفاقيات الابراهيمية” ولكن من دون تحديد أسماء ومواعيد..

تحليل خطاب ترمب :

في 13 مايو 2025، ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطابًا في منتدى الاستثمار الأمريكي-السعودي في الرياض، حيث أعلن عن سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع المملكة السعودية، شملت استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في مجالات الدفاع والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى صفقات تجارية تتجاوز تريليون دولار مع شركات أمريكية كبرى مثل   Amazon و Oracle

في الشكل، قدّمت مجلة (New Republic) في 13 مايو 2025 قراءة نقدية لاذعة لخطاب ترامب بعنوان “ترامب يمضي خطابه كاملًا في السعودية مُتملقاً المُستبد” جاء فيه:

عاد دونالد ترامب إلى هوايته في تملق المُستبدين يوم الثلاثاء، عندما أدلى بعدّة تعليقات مُبالغ فيها عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”. وقال “خلال خطاب مُطول في منتدى الاستثمار السعودي بالرياض، أغدق الرئيس المديح على رأس العائلة المالكة في البلاد، مُشيداً بولي العهد واصفاً إياه بأنه “رجل مُذهل”. ووصف رد فعل ابن سلمان لهذا المديح: بينما كان محمد بن سلمان يُشرق وجهه من بين الحضور: “لدينا شركاء عظماء في العالم، لكن ليس لدينا من هو أقوى مني، ولا أحد يُضاهي الرجل الذي أمامي مباشرةً، إنه أعظم مُمثل لكم، أعظم مُمثل لكم”. وأضاف: “ولو لم أكن أحبه، لخرجتُ من هنا بسرعة. أنت تعلم ذلك، أليس كذلك؟ إنه يعرفني جيدًا”، قال ترامب. “أنا أعرفه، وأحبه كثيرًا. أحبه كثيرًا، ولهذا السبب نعطيه الكثير، أتعلم؟ كثيرًا جدًا. أحبك كثيرًا!”.

وتعلّق المجلة على اطراءات ترمب بالتساؤل: “ولكن من تحديدًا يُعجب الرئيس بهذا القدر؟ يحكم الأمير البالغ من العمر 39 عامًا دولة مراقبة حديثة، حيث لا يُتسامح مع المعارضة السياسية، ومعايير حقوق الإنسان مُزرية. يشغل محمد بن سلمان أيضًا منصب رئيس صندوق الثروة السيادية الضخم في المملكة السعودية، والذي سهّل انتهاكات حقوق الإنسان واستفاد منها. ولكن مع ذلك، لم يستطع ترامب، الذي بدا عليه النعاس، إلا أن يُثني على المملكة.

“نحن نتأرجح، الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر جاذبية – باستثناء بلدك، أليس كذلك؟” قال ترامب مازحًا، مُخاطبًا محمد بن سلمان وسط الحشد.

وتنقل المجلة المزيد من جمل التملق لابن سلمان “لن أقبل بهذا. لا يا محمد، لن أقبل به. ألن يكون أمرًا فظيعًا لو أدليت بهذا التصريح الكامل؟ لن أفعل. أنتَ أكثر جاذبية! على الأقل ما دمتُ هنا، فأنتَ أكثر جاذبية”. وختم ترمب خطبته الاطرائية بالقول: “يا إلهي، ما أفعله من أجل ولي العهد”.

  في تفكيك خطاب ترامب يظهر أن هناك توظيفًا مقصودًا للعلاقات الاقتصادية لتعزيز المصالح الشخصية. ويثير توقيت الخطاب ومحتواه تساؤلات حول تداخل المصالح الاقتصادية الشخصية لترامب مع السياسات العامة، خاصة في ظل استمرار ارتباطاته التجارية في الخليج، مثل مشاريع “برج ترامب” في جدة والرياض.

ومن الملاحظات أيضًا، هو تجاهل ترمب لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، إذ لم يتطرق الخطاب إلى قضايا حقوق الإنسان أو الإصلاحات السياسية في السعودية، مما يعكس استمرار السياسة الأمريكية في دعم الأنظمة السلطوية مقابل المصالح الاقتصادية والأمنية.

وثالثًا، هناك نزوع واضح نحو تعزيز التحالفات العسكرية على حساب الاستقرار الإقليمي. فقد تضمنت الاتفاقيات صفقة دفاعية بقيمة 142 مليار دولار، مما يعزز من سباق التسلح في المنطقة ويزيد من التوترات، خاصة في ظل النزاعات المستمرة في أكثر من بلد عربي.

ورابعًا، هو تجاهل تجاهل القضية الفلسطينية، إذ لم يتناولها الخطاب بشكل جدي، بل أشار إلى إمكانية انضمام السعودية إلى اتفاقيات “أبراهام” دون تقديم حلول عادلة للفلسطينيين، مما يُظهر انحيازًا واضحًا لصالح إسرائيل.

وخامسًا، توظيف الخطاب لأغراض انتخابية داخلية، حيث يسعى لتقديم نفسه كصانع صفقات ناجح يعزز الاقتصاد الأمريكي، دون اعتبار لتداعيات هذه السياسات على الاستقرار الإقليمي وحقوق الشعوب.

وبشكل عام، يُظهر خطاب ترامب في الرياض استمرار النهج الأمريكي في تغليب المصالح الاقتصادية والعسكرية على حساب القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يعزز من التحالفات مع الأنظمة السلطوية ويُهمش تطلعات الشعوب في المنطقة.

الاتفاقية الدفاعية والنووي السعودي :

سعى ابن سلمان لاقناع الادارة الاميركية السابقة والحالية بتوقيع اتفاقية دفاعية. ولكن من الناحية الواقعية، فإن اتفاقية من هذا القبيل لا تزال تواجه صعوبات بيروقراطية وقد تكون صعبة التحقيق بالشكل الذي تطمح إليه الرياض، رغم التصريحات الإيجابية من ترامب حول استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن السعودية. هناك عدة اعتبارات تُضعف فرص إبرام اتفاق دفاعي شامل وملزم:

الأول: طبيعة ترامب “الصفقوية” والمزاجية، إن نهجه المعروف بـ

 (Deal-making) بدلًا عن بناء تحالفات مؤسساتية طويلة الأمد يضعف فرص عقد اتفاق دفاعي استراتيجي ومفتوح. فهو يفضل الصفقات السريعة المشروطة بمكاسب اقتصادية، وليس التحالفات الأمنية الملزمة التي تقيّد قراراته أو تفرض التزامات دفاعية صارمة على أمريكا.

الثاني: معارضة محتملة من الكونغرس، فحتى لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن أي اتفاق دفاعي ملزم مع السعودية سيحتاج إلى موافقة الكونغرس، الذي بات أكثر تماهيًا مع الاسرائيلي.

ثالثًا: ربط الدعم بالتطبيع مع إسرائيل: إحدى التنازلات المطلوبة من السعودية مقابل اتفاق دفاعي هي “التطبيع الكامل مع إسرائيل”. وحتى الآن، تبدي الرياض ترددًا بسبب الرأي العام الداخلي وتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة.

رابعًا: التحولات الجيوسياسية: الولايات المتحدة باتت تُقلّص وجودها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، مفضلة إدارة الأزمات عبر الوكلاء أو الشراكات المرنة، مما يجعل التزامًا دفاعيًا دائمًا أقل ترجيحًا.

في العموم، توحي تصريحات ترامب في الرياض باستعداد دفاعي أمريكي، لكنها في الواقع “لا تعني اتفاقًا دفاعيًا شاملًا” بالمعنى التقليدي (كالمعمول به مع كوريا الجنوبية أو اليابان). بل هي رسالة ضمن إطار سياسي واقتصادي انتقائي، قد تتغير وفق المصالح الشخصية والإقليمية.

من ناحية أخرى، جرى الحديث في السنوات والشهور الفائتة عن مشروع نووي سعودي أميركي كجزء من صفقة شاملة، ولكن لحظنا أن هذا الملف ركن جانبًا ولم يتم التطرق اليه على الإطلاق، وكأنه مرتبط بصفقة أخرى لم تتم، أي التطبيع مع الكيان الاسرائيلي. ومن المرجح أن الاتفاق الدفاعي والمشروع النووي يندرجان في إطار الاتفاقية الابراهيمية التي سوف تبقى مؤجّلة الى حين نضج الشروط الاسرائيلية، وقد يكون الخلاف بين ترمب ونتنياهو هو السبب في تعطيلها، بانتظار وصول شخصية اسرائيلية جديدة تمتلك الرغبة في الدخول في الصفقة لاابراهيمية..

الحصيلة الترامبية:

لاشك أن ثمة آثار اقتصادية كبيرة لزيارة ترمب الى السعودية. وقد ترك الإعلان عن صفقات بقيمة تريليون دولار أثره بشكل إيجابي على الأسواق الأمريكية، وخاصةً قطاعات الدفاع والطاقة والذكاء الاصطناعي.

سلطت الزيارة الضوء على التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، حيث حضر لاعبون رئيسيون مثل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وجينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة  Nvidia، منتدى استثماري سعودي أمريكي.

في ختام المؤتمر الاستثماري السعودي الأميركي وقع ابن سلمان وترمب سلسلة من الاتفاقيات بقيمة 600 مليار دولار وتشمل:

ـ صفقة دفاعية قياسية بقيمة 142 مليار دولار تشمل معدات أميركية متطورة وتدريب شامل للقوات السعودية.

ـ تزويد  السعودية بمعدات وخدمات حربية متطورة من أكثر من 12 شركة دفاعية أمريكية.

ـ استثمار سعودي بـ 20 مليار دولار من شركة DataVolt في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وبنية الطاقة داخل الولايات المتحدة.

ـ استثمارات تكنولوجية مشتركة بـ 80 مليار دولار من شركات كبرى مثل Google  و Oracle  وUber  وAMD  في البلدين.

ـ مشاريع بنية تحتية سعودية كبرى تنفذها شركات أميركية مثل AECOM و Parsons  بقيمة 2 مليار دولار.

ـ صادرات أميركية تشمل توربينات غاز من GE Vernova بقيمة 14.2 مليار دولار وطائرات بوينغ 737-8 بقيمة 4.8 مليار دولار.

ـ استثمار صحي بـ5.8 مليار دولار من Shamekh IV  Solutions، يتضمن إنشاء مصنع في ولاية ميشيغان.

ـ إطلاق 3 صناديق استثمارية بقيمة إجمالية 14 مليار دولار تركز على الطاقة، الدفاع، والرياضة داخل الولايات المتحدة.

وكانت الولايات المتحدة قد وافقت مؤخرًا على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار مع السعودية، تشمل صواريخ متطورة، مما يُعزز العلاقات العسكرية.

أما الآثار الجيوسياسية لزيارة ترمب الى السعودية على الشرق الأوسط فتشمل:

تشير الزيارة إلى نية واشنطن مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في الخليج، حيث من المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة بين دول الخليج والصين حجم تجارتها مع الاقتصادات الغربية بحلول عام 2027.

أما على صعيد العدوان الاسرائيلي على غزة، فإن عدم زيارة ترمب الكيان الاسرائيلي قد أثار مخاوف في تل أبيب بشأن أولويات الولايات المتحدة. تُقلل إدارته من أهمية إسرائيل، في ظل تعثر محادثات التطبيع السعودية الإسرائيلية بسبب الحرب الدائرة في غزة. وهذا يسجل نجاحًا للدبلوماسية السعودية. ومع أن السعودية خفّضت من سقف توقعاتها ولم تعد تطرح حل الدولتين، فإنها اشترطت مجرد وقف إطلاق النار في غزة في مقابل التطبيع مع إسرائيل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لا يزال يعارض وقفًا دائمًا للحرب، فيما تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، مع حصار الغذاء والدواء.

ثمار ترمب :

ثمة مؤشر لافت على سعي الولايات المتحدة نحو تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، مع تقليل تدخلّها المباشر في الشؤون الاسرائيلية. تُطمئن إدارة ترامب حلفاءها الخليجيين باستمرار الدعم العسكري الأمريكي ضد التهديدات الخارجية.

وفيما يخص العلاقة مع ايران، التي تخوض مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة فإن السعودية تتطلع الى  منع ايران من امتلاك قد نووية تهدد دول الخليج وفي الوقت نفسه تسعى الى التفاهم مع ايران على الملفات الاقليمية.

يُجري ترامب دبلوماسية هادئة مع دول الخليج بشأن البرنامج النووي الإيراني، مما يُشير إلى تحول مُحتمل في السياسة الأمريكية.

من المتوقع أن تعزز زيارة ترامب إلى السعودية النفوذ الإقليمي للمملكة السعودية بعدة طرق:

1 ـ تعزيز الريادة الاقتصادية

ترسيخ السعودية مكانتها كقوة اقتصادية في غرب آسيا

2ـ النفوذ الدبلوماسي في الخليج

استضافة السعودية قمة خليجية أمريكية، يمنحها دورًا محوريًا في الشأن الاقليمي ويجعلها مركزا استقطاب لأي مناقشات حول تسوية الصراع في غرب آسيا.

وسوف تستخدم السعودية نفوذها الاقتصادي للتأثير على سياسات الاستقرار والأمن الإقليميين.

3ـ التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية

تشير زيارة ترامب إلى إضفاء أهمية على الدور السعودي في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي. كما تعيد موضعة ولي العهد محمد بن سلمان في المسرح الدبلوماسي الدولي بعد سنوات عزلة عاشها نتيجة مقاطعة دبلوماسية غربية وأميركية. ومع أن ابن سلمان قد يفك عزلته على المستوى الرسمي ولكن سوف يتطلب عملًا مختلفًا على المستوى الشعبي والأهلي ولا سيما في مجالي القضاء وحقوق الانسان في الغرب.

4ـ توسيع الشراكات العالمية

تسعى السعودية إلى موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة وتعميق علاقاتها مع الصين والاقتصادات الآسيوية الأخرى. وإن زيارة ترمب بقدر ما تقوي موقفه الاقتصادي والسياسي فإنها في الوقت نفسه تعزز نهج السعودية متعدد الأقطاب، مما يضمن بقاءها لاعباً رئيسياً في الجغرافيا السياسية العالمية.

وتتطلع الرياض لأن تُعيد زيارة ترامب إلى السعودية تشكيل الجغرافيا السياسية في غرب آسيا بعدة طرق:

1 ـ التحول الاستراتيجي الأمريكي تجاه دول الخليج

يُعطي ترامب الأولوية للسعودية وقطر والإمارات، مُعززًا دورها كشركاء رئيسيين للولايات المتحدة. كما يشير يُشير قراره بتجنب زيارة الكيان الاسرائيلي إلى تحول في الأولويات الدبلوماسية الأمريكية، مع التركيز بشكل أكبر على العلاقات الاقتصادية والأمنية مع دول الخليج.

2 ـ التأثير على ملف العدوان الاسرائيلي على غزة، إذ تستمر الحرب، ويؤدي الحصار المفروض على الغذاء والدواء إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.

قد تضغط زيارة ترامب على إسرائيل لإعادة النظر في موقفها، مع أن تحقيق تقدم يُستبعد.

3 ـ النفوذ الإيراني المتنامي

من المتوقع أن تُطمئن زيارة ترامب السعودية حيال نتائج المفاوضات النووية بين امريكا وايران، وباستمرار الدعم العسكري الأمريكي، ضد طموحات إيران النووية، لكن الصين تُوسّع أيضًا نطاق حضورها الأمني ​​الإقليمي.

تتمحور استراتيجية السعودية للعقد المُقبل حول التنويع الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي، والنفوذ الجيوسياسي، وذلك على النحو الآتي:

1ـ التنويع الاقتصادي بما يتجاوز النفط

تُسرّع السعودية تنفيذ خطتها لرؤية 2030، مُقلّلةً الاعتماد على النفط من خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والسياحة، والبنية التحتية. ولكن حتى الآن لا نتائج واعدة في هذا الصدد، مما يفرض على النظام السعودية مراجعة خططه وسياساته الاستثمارية وأولوياته الاقتصادية.

2 ـ تُوسّع المملكة الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يجعلها وجهة استثمارية رائدة في غرب آسيا. ولكن هذه الجهود لا تزال متواضعة حيث النفط مصدر رئيسي للدخل، فيما تواجه كثير من المشاريع تعثرًا كبيرًا بسبب نقص التمويل.

3 ـ تعزيز مشاريع بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا كمصدر في قاعدة التنوع الاقتصادي، وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن النجاح لا يزال في مراحله الأولى مقارنة بالطموحات المعلنة. ومن بعض المؤشرات الإيجابية:

ـ إطلاق مشاريع ضخمة مثل نيوم وقرية الذكاء الاصطناعي

ـ تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)

الاستثمارات الكبيرة في شركات التكنولوجيا العالمية

برامج تطوير رأس المال البشري في مجالات التقنية

ولكن هناك تحديات كبيرة تقف أمام تطوير هذا القطاع الحيوي:

1 ـ فلا تزال إيرادات النفط تشكل النسبة الأكبر من الدخل الوطني

2ـ البنية التحتية التقنية والرقمية لا تزال في طور التطوير

3ـ المنافسة العالمية الشديدة في قطاع التكنولوجيا

4 ـ الحاجة لتطوير منظومة أكاديمية وبحثية أكثر ابتكارية

عليه، لا يمكن وصف التجربة بأنها نجاح كامل أو فشل تام، بل هي مسار طموح لا يزال في بداياته، مع وجود مؤشرات إيجابية لكن التحول الاقتصادي الحقيقي يتطلب وقتاً أطول وجهوداً مستمرة.

ومن المبادرات الاستراتيجية في هذا المجال:

مشروع نيوم: ويعد أحد أضخم المشاريع التكنولوجية في العالم، ويتضمن مدينة “ذا لاين” التي خُطط لها لتكون نموذجًا للمدن الذكية بالكامل، مع تكامل الذكاء الاصطناعي في كل جوانب الحياة. ولكن هذا المشروع واجه انتكاسة كبيرة بعد تقليص حجمه من 170 كم الى 2.4 كم وتخفيص المخصصات المالية له، وتأجيل الموعد المقرر لإطلاقه.

سدايا: الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي أطلقت عدة مبادرات مثل “مسار التميز” لبناء القدرات الوطنية في الذكاء الاصطناعي.

صندوق الاستثمارات العامة: خصص استثمارات ضخمة في شركات التكنولوجيا العالمية مثل أوبر ولوسيد موتورز.

التعليم والبحث العلمي: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) أصبحت مركزاً رائداً للبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي.

برنامج الابتعاث الخارجي الذي يركز على التخصصات التقنية المتقدمة.

شراكات مع جامعات عالمية مرموقة لنقل المعرفة والخبرات.

وهذا التحويل لا يخلو من تحديات من بينها:

ـ التنافس مع دول الخليج الأخرى التي تستثمر أيضًا بقوة في هذا المجال.

ـ تحدي بناء وتوطين المعرفة التقنية وليس فقط استيراد التكنولوجيا.

ـ الحاجة لتطوير بيئة ريادة أعمال أكثر ديناميكية في مجال التقنية.

في المقابل، هناك مؤشرات نجاح من بينها:

ـ تضاعف الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا خلال السنوات الأخيرة.

ـ نمو عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

ـ زيادة نسبة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي.

تتبنى السعودية الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، وتُقيم شراكات استراتيجية مع رواد التكنولوجيا العالميين.

تستثمر الحكومة في المدن الذكية، والأتمتة، والتحول الرقمي، مُرسّخةً مكانتها كاقتصاد قائم على التكنولوجيا.

3 ـ . الاستدامة والمبادرات الخضراء

تلتزم السعودية بالاستثمارات الصديقة للبيئة، حيث يُبادر 72% من الرؤساء التنفيذيين في البلاد بمشاريع استدامة.

تُطوّر المملكة مشاريع للطاقة المتجددة، بما في ذلك مبادرات الطاقة الشمسية والهيدروجين، للحد من انبعاثات الكربون.

ومع ما قيل عن نجاحات ملحوظة في مشاريع الطاقة المتجددة ولا في مجال الطاقة الشمسية مثل:

مشروع سكاكا للطاقة الشمسية: وهو أول مشروع طاقة شمسية ضخم بقدرة 300 ميغاواط، وقد بدأ تشغيله الكامل في 2020.

ـ مشروع محطة سدير للطاقة الشمسية: ويعد واحدًا من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم بقدرة إنتاجية تصل إلى 1.5 جيجاواط، وبكلفة استثمارية تقارب 3.4 مليار ريال سعودي (906 مليون دولار).

ـ البرنامج الوطني للطاقة المتجددة: وهدفه توليد 50% من احتياجات الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، وخطط لإنتاج 58.7 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030.

ـ ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة  (KACARE)، أسست لقيادة التحول في قطاع الطاقة، وتطوير أبحاث وتقنيات الطاقة المتجددة.

لا تخفى أهمية العوامل المساعدة للنجاح ومن بينها:

ـ الموقع الجغرافي المثالي للطاقة الشمسية (معدل سطوع شمسي من الأعلى عالمياً)

ـ توفر مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية

ـ انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة الشمسية عالمياً

في المقابل هناك تحدّيات كبيرة إذ:

ـ لا تزال الطاقة المتجددة تشكل نسبة متواضعة من مزيج الطاقة الكلي  (~1%)

ـ ضعف البنية التحتية وشبكات النقل

ـ الحاجة لتوطين صناعة معدات الطاقة الشمسية

ـ المنافسة مع استمرار تكلفة إنتاج النفط المنخفضة نسبيًا

فالتحول الحقيقي يتطلب استمرار الزخم الحالي وزيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني.

في ضوء ما سبق، من غير من المتوقع أن يكون لاستراتيجية المملكة العربية السعودية المتطورة آثار كبيرة على الأسواق العالمية، لا سيما في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وتدفقات الاستثمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى