مقالات أخرى
أخر الأخبار

الجامع بين إبن سلمان والشرع، أثمان “وصمة الماضي”

تفرض وصمة الماضي نفسها على عملية صنع القرار نتيجة للآثار النفسية التي تتركها على صاحبها، وتملي سلوكًا قهريًا بغرض التخلّص من تلك الآثار، وهذه هي حالة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد قتل جمال خاشقجي مما أدى إلى الكثير من التنازلات السياسية والاقتصادية للقوى الأجنبية، وهذا ينطبق أيضًا على رئيس الإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الذي كان ذات يوم عضوًا في جماعة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

إنها قضية معقّدة نسبيًا وتتعلق بكيفية تشكيل “وصمة الماضي” – سواء من “القرارات الشخصية” أو “الانتماءات إلى حركات مثيرة للجدل” – للسلوك السياسي والاقتصادي للقادة في الوقت الحاضر، وخاصة عندما يواجهون “التدقيق الدولي” و “الضغوط النفسية”.

1 ـ حالة إبن سلمان.

في قضية محمد بن سلمان، أصبح مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 حدثًا رئيسيًا أثر بشكل عميق على “مساره الشخصي” و”السياسي”. وقد أدى القتل إلى “رد فعل دولي هائل”، مع اتهامات لمحمد بن سلمان بالتواطؤ، حيث كان خاشقجي منتقدًا صريحًا للحكومة السعودية. وقد شوه الحادث سمعته وخلق “عبئًا نفسيًا” كبيرًا عليه.

– التأثير النفسي والتنازلات: بعد القتل، واجه محمد بن سلمان ضغوطًا شديدة من كل من “الجهات الفاعلة الدولية” (مثل الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وتركيا) والمصادر المحلية لمعالجة الدور المحوري  الذي لعبه في مقتل خاشقجي. في حين أن محمد بن سلمان نفى علنًا تورطه المباشر، ولكن ثبوت التهمة بالدلائل جعلت من غير الممكن فراره من الضلوع المباشر، فكان للثقل النفسي للاتهامات والتدقيق الدولي تأثير عميق على عملية اتخاذ القرار.

يمكن اعتبار التنازلات السياسية والاقتصادية للقوى الأجنبية، جزءًا من محاولة محمد بن سلمان لتقليل الضغوط وإعادة بناء صورته. على سبيل المثال، في أعقاب فضيحة خاشقجي، سعت المملكة العربية السعودية إلى إعادة تأكيد علاقاتها مع القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب وآخرين، من خلال الشراكات الاقتصادية، مثل وعود الاستثمارات واتفاقيات زيادة إنتاج النفط.

– التنازلات الاستراتيجية: يمكن النظر إلى القرار بمواصلة إقامة علاقات أوثق مع دول مثل “الكيان الاسرائيلي” من خلال “اتفاقيات إبراهيم”، وعرض “استثمارات” كبيرة في الولايات المتحدة، وتقديم “تنازلات عسكرية ودبلوماسية” في أجزاء مختلفة من العالم، على أنها جهود “لتعويض الوصمة” الناجمة عن مقتل خاشقجي، وتصوير نفسه على أنه “مصلح” في مواجهة انتكاسات خطيرة. في الأساس، يمكن أن تكون هذه الإجراءات مدفوعة بالحاجة إلى “شراء النفوذ” أو الحصول على “دعم سياسي ملموس” دوليًا، مما يساعد في تخفيف بعض الاهتمام السلبي.

2 ـ حالة أحمد الشرع .

طرحت قضية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) رئيس الإدارة السورية الجديدة الذي تزّعم ذات يوم بجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة أسئلة حول حاضره السياسي في سوريا ومدى قبوله إقليميًا ودوليًا. إن انتماءات الشرع السابقة تثير أسئلة مماثلة حول كيفية تأثير ماضي الزعيم على قراراته وتصوراته المستقبلية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

إن تورط الشرع المبكر مع جبهة النصرة (التي كانت جزءًا من شبكة القاعدة الأوسع) يشكل وصمة عار كبيرة، خاصة وأن “الحرب الأهلية السورية” شهدت معارك ضارية بين “الفصائل المتطرفة” (مثل جبهة النصرة وداعش) وقوى المعارضة “العلمانية” أو “المعتدلة”، فضلاً عن “نظام الأسد” و”القوات المدعومة من إيران”. كانت علاقات الشرع السابقة مع مثل هذه الجماعات موثقة جيدًا ومعروفة على نطاق واسع، ولذلك، فإنها تثير الشكوك والتحديات الدبلوماسية من الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة “الدول الغربية” و”دول الخليج” ولا سيما الامارات والسعودية التي اتخذت مواقف حازمة من جماعة الاخوان المسلمين وقادت إنقلابًا في يوليو 2013 لإطاحة حكومة محمد مرسي الاخوانية.

على غرار محمد بن سلمان، يشعر الشرع بـ “عبء نفسي” من ارتباطاته السابقة و “الوصمة” التي تحملها. ويؤثر هذا على “حساباته السياسية والدبلوماسية”، خاصة إذا كان يهدف إلى وضع نفسه كزعيم شرعي وجدير بالثقة، سواء في سوريا أو في “المنطقة الأوسع”. ربما أعاقت ارتباطاته “بالجماعات المرتبطة بالقاعدة” قدرته على تأمين الدعم من البلدان التي تنظر إلى مثل هذه الانتماءات على أنها تهديد أمني.

الوصمة والتنازلات :

إن مفهوم “الوصمة الماضية” التي تدفع الزعيم إلى تقديم “تنازلات” للقوى الأجنبية ليس فريدًا من نوعه بالنسبة لمحمد بن سلمان أو الشرع. إن تأثير “المعاناة النفسية” من الأفعال المثيرة للجدل أو الإجرامية في ماضي الزعيم يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على عملية “صنع القرار”. في حالتي محمد بن سلمان والشرع، قد تدفعهما أفعالهما أو انتماءاتهما السابقة إلى:

– السعي إلى الشرعية: غالبًا ما يكون القادة الذين لديهم ماضي مثير للجدل مدفوعين بالحاجة إلى “إضفاء الشرعية على أنفسهم” على الساحة العالمية، كوسيلة للتغلب على التأثير السلبي لأفعالهم السابقة. قد يميلون إلى “تقديم تنازلات” للدول القوية أو المؤسسات الدولية لتجنب المزيد من العزلة أو العقاب. قد يشمل هذا “الصفقات الاقتصادية”، أو التعاون العسكري، أو مبادرات القوة الناعمة مثل “التبادل الثقافي” أو “الاستثمارات الأجنبية”.

إدارة العلاقات الدولية: بالنسبة إلى محمد بن سلمان، فإن الحاجة إلى الحفاظ على “علاقة مستقرة” مع الولايات المتحدة والقوى الغربية – التي كانت شديدة الانتقاد لمقتل خاشقجي- قد تدفعه إلى أن يكون أكثر “استيعابًا” في مجالات أخرى، مثل “سياسات إنتاج النفط” أو “ترتيبات الأمن الإقليمي”. وبالمثل، قد يشعر الشرع بأنه مجبر على السعي إلى “الاعتراف الدولي” من القوى الغربية أو الجهات الفاعلة الإقليمية، التي قد تطالب بفواصل واضحة من “الجماعات المتطرفة” قبل تقديم الدعم.

التعزيز المحلي: قد يستخدم القادة الذين لديهم مثل الماضيات سيئة الصيت أيضًا “التنازلات الأجنبية” كوسيلة لتعزيز “موقفهم المحلي”. في حالة محمد بن سلمان، تهدف “الإصلاحات الاقتصادية” المرتبطة بـ “رؤيته 2030” جزئيًا إلى تحويل المملكة السعودية إلى “اقتصاد أكثر حداثة وتنوعًا”، وجذابًا للشباب السعوديين. بالنسبة إلى الشرع، فإن اكتساب دعم القوى الخارجية قد يخدم في “إضعاف المنافسين” و”تعزيز موقفه” كزعيم للمعارضة بلا منافس في سوريا.

التأثير النفسي والسلوك الاستراتيجي:

إن “المعاناة النفسية” الناجمة عن أفعال الماضي (مثل مقتل خاشقجي بالنسبة إلى محمد بن سلمان أو علاقات الشرع السابقة بتنظيم القاعدة) قد تؤثر على “السلوك الاستراتيجي الطويل الأمد” للزعيم بالطرق التالية:

– نفور المخاطرة: قد يصبح هؤلاء القادة أكثر نفورًا من المخاطرة، ويسعون إلى تجنب الإجراءات التي قد تعيد إشعال الخلافات الماضية. وقد يدفعهم هذا إلى تبني نهج أكثر “تصالحية” تجاه الدبلوماسية الدولية أو الحكم الداخلي، وتجنّب الإجراءات التي قد تزيد من عزلة الحلفاء الأساسيين أو تصعيد الصراعات.

الحساسية المتزايدة للنقد: يمكن أن تجعل وصمة العار التي تلحق بالأفعال السابقة الزعيم حساسًا بشكل خاص لأي شكل من أشكال النقد أو “الاهتمام السلبي”، مما يؤدي إلى رغبة متزايدة في “استرضاء الجهات الفاعلة الأجنبية الرئيسية” أو “التأكيد على الولاء” للشركاء الدوليين المهمين.

التأثير النفسي على السياسة الخارجية: يمكن أن تؤثّر الحاجة إلى “تخفيف الضرر السمعي” على قرارات السياسة الخارجية. يمكن اعتبار محاولات محمد بن سلمان “تحويل التركيز نحو التنمية الاقتصادية” و”التحالفات الإقليمية” وسيلة “لتحويل الانتباه” عن ماضيه. وبالمثل، يمكن أن يدفع ماضي الشرع إلى السعي للحصول على “دعم خارجي أقوى” لموازنة “الوصمة الداخلية والخارجية” لانتماءاته السابقة.

وعليه، فإن وصمة الماضي جعلت من محمد بن سلمان وأحمد الشرع في مواجهة ضغوط نفسية كبيرة و”وصمة عار دولية” بسبب أفعال أو انتماءات سابقة. بالنسبة إلى محمد بن سلمان، فإن مقتل خاشقجي شكّل علامة دائمة على مكانته الدولية، وترك تأثيرًا على قراراته الاستراتيجية في المجالين السياسي والاقتصادي. أما بالنسبة إلى الشرع، فإن ارتباطاته السابقة بجبهة النصرة وتنظيم القاعدة تعقد جهوده لتقديم نفسه كبديل شرعي في سوريا، وخاصة للغرب والقوى الإقليمية.

في كلتا الحالتين، يمكن فهم التنازلات للقوى الأجنبية – سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو دبلوماسية – على أنها محاولات للتخفيف من آثار هذه الوصمة الماضية وتأمين المزايا الاستراتيجية. إن الوصمة الماضية الناجمة عن الأفعال أو الانتماءات المثيرة للجدل، جنبًا إلى جنب مع الحاجة إلى تأمين الشرعية السياسية، تجعل هؤلاء القادة متناغمين بشكل خاص مع الرأي الدولي وعلى استعداد لإجراء تعديلات كبيرة في السياسة الخارجية لاستعادة الدعم والنفوذ.

هل يبيّض “التطبيع” وصمة الماضي؟

إنه سؤال مثير للاهتمام، واحتمال التطبيع مع إسرائيل لكل من محمد بن سلمان وأحمد الشرع قد يكون بالفعل جزءًا من استراتيجياتهما الأوسع لكسب الدعم من الغرب، على الرغم من وجود ديناميكيات دقيقة في اللعب لكلا الزعيمين. إن إمكانية التطبيع تتشكل من خلال مزيج من الاعتبارات الأمنية الإقليمية، والسياسة الداخلية، والضغوط الخارجية، وخاصة من الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين.

لناحية محمد بن سلمان والمسار نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، فإن ثمة رؤية استراتيجية طويلة المدى تفرض نفسها في هذا السياق. فقد أظهر إبن سلمان تحولًا تدريجيًا في موقف المملكة السعودية تجاه الكيان الاسرائيلي على مدى السنوات القليلة الماضية. في حين لم تقم السعودية بتطبيع العلاقات رسميًا مع الكيان، فقد كانت هناك علامات متزايدة على “التعاون السري” و”تخفيف الخطاب”، خاصة وأن كلا النظامين يتقاسمان مصلحة مشتركة في مواجهة محور المقاومة وإيران. كما أيّدت السعودية ضمنيًا “اتفاقيات إبراهيم”، التي طبّعت العلاقات بين الكيان الاسرائيلي والعديد من الدول العربية (مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين) في عام 2020 بوساطة أمريكية.

تهدف رؤية 2030 التي يقودها إبن سلمان إلى “تحديث” اقتصاد السعودية وفتح آفاق جديدة للشراكات العالمية، وخاصة في “التكنولوجيا والدفاع والبنية الأساسية”. يمكن أن يكون الكيان الاسرائيلي بقطاعها التكنولوجي المتقدّم، وخاصة في مجالات مثل “الأمن السيبراني” و”الابتكار”، شريكًا مهمًا للسعودية في سعيها إلى التنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

ولكن ثمة اعتبارات محلية على النحو الآتي:

– على الرغم من رغبة إبن سلمان الخاصة في السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الكيان الاسرائيلي،  فإن “الرأي العام” الداخلي (وفي مختلف أنحاء العالم العربي) لا يزال متشككًا بشدة بشأن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع الكيان الاسرائيلي طالما ظلت “القضية الفلسطينية” دون حل وقد تزايد الأمر حضورًا منذ طوفان الاقصى في 7 أكتوبر 2023. ستحتاج القيادة السعودية إلى الموازنة بين “الحقائق الجيوسياسية الإقليمية” و”الضغوط المحلية”، حيث لا يزال “الدعم العام” للكيان الاسرائيلي منخفضًا بسبب الصراع العربي الإسرائيلي الطويل الأمد.

– من المرجح أن تكون “القضية الفلسطينية” سدًّا منيعًا وحجر عثرة رئيسيًا أمام التطبيع. لقد وضعت السعودية نفسها تاريخيًا كداعم رئيسي “للتطلعات الفلسطينية”، وقد يؤدي التطبيع الكامل للعلاقات مع الكيان الاسرائيلي إلى ردود فعل عنيفة محليًا ما لم يكن هناك تقدم كبير على الجبهة الفلسطينية. ومع ذلك، قد يكون إبن سلمان على استعداد للتضحية ببعض هذا الدعم الرمزي للفلسطينيين إذا كان سيحصل على فوائد أمنية واقتصادية وتكنولوجية أساسية من الشراكة مع إسرائيل.

الحسابات الجيوسياسية:

– تلعب البيئة الأمنية الإقليمية أيضًا دورًا رئيسيًا. ترى المملكة السعودية نفسها بمثابة قوّة موازنة لإيران في المنطقة، والكيان الاسرائيلي شريك قوي في هذا الصدد. قد يؤدّي تبادل المعلومات الاستخباراتية المشترك، والتنسيق العسكري، والتحالفات الاستراتيجية ضد النفوذ الإيراني في المنطقة إلى تقارب النظامين ، على الرغم من غياب الاعتراف الرسمي.

– تلعب الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في الدفع نحو التطبيع. في عهد ترامب، شجعت الولايات المتحدة بقوة الدول العربية على تطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي. وقد أبدت إدارة ترمب في الولاية الثانية مؤشرات على استئناف مشروع التطبيع. وقد تحدّث ترمب في تصريحات له بعد يوم من دخوله البيت الأبيض بأن السعودية سوف تطبّع مع الكيان الاسرائيلي بحلول نهاية العام الجاري.

الطريق إلى الأمام:

من المرجح أن تكون “عملية التطبيع” تدريجية، وربما تبدأ بـ “التعاون الاقتصادي”، و”القنوات الدبلوماسية الخلفية”، و”التنسيق الأمني”، تليها علاقات دبلوماسية أكثر رسمية. هكذا كان سياق العام 2023 منذ يناير حتى ما قبل السابع من أكتوبر من العام نفسه، وإن ما أوقف هذا المسار هو طوفان الأقصى. حتى الآن، يبدو أن ابن سلمان ينتظر ظروفًا أكثر ملاءمة، مثل أوضاع ما بعد وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ومفاوضات وقف اطلاق النار ومستوجباتها من عودة الأهالي الى مناطقهم في قطاع غزة، وانسحاب الجيش الاسرائيلي منه، وإتمام صفقة التبادل، وفي نهاية المطاف تشكّل بيئة إقليمية أكثر ملاءمة، قبل تبني التطبيع بشكل كامل.

الشرع والتطبيع..هل هذا ممكن؟

على الرغم من التصريحات الايجابية التي يطلقها أحمد الشرع للغرب وللإدارة الاميركية الجديدة، لا سيما بيانه المثير للجدل في 20 يناير 2025 بتهنئة ترمب بالفوز، والذي أعرب فيه عن ثقته بأنه “الزعيم القادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، واستعادة الاستقرار بالمنطقة”، فإن هذا البيان وإن كإن بمثابة “دفعة على الحساب”، سوف يخضع للفحص الشعبي والإقليمي.

يواجه الشرع، بصفته الشخصية موقفًا أكثر تعقيدًا. فثمة ديناميكيات في سوريا تجعل من الذهاب نحو خيار التطبيع مع الكيان الاسرائيلي قضية أمن قومي سوري، وإن كثيرًا من الأحزاب والتيارات السياسية في سوريا لديها موقف تاريخي من الكيان الاسرائيلي، ولن تسمح للشرع أو أي شخصية أخرى المساس بهذه القضية التي دفع فيها الشعب السوري دماء غالية من أجل الحفاظ على مكانة سوريا كجبهة نضال عربي متقدّمة. وفي حين نأى الشرع نفسه بنفسه عن الفصائل المتطرفة في السنوات الأخيرة، فقد تكون رغبته في التعويم على الساحة الدولية والحصول على شرعية خارجية تدفع به إلى المغامرة نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، والذي من شأنه أن يخلف آثارًا كبيرة على مكانته السياسية، كما يعتقد.

ديناميكيات سوريا والعالم العربي :

اتسمت علاقة سوريا بالكيان الاسرائيلي بالعداء منذ حرب 1948، وكانت سوريا مناصرة قوية لـ “القضية الفلسطينية”. ولكي يتحرك أي زعيم سوري ــ وخاصة زعيم ناشئ من المعارضة مثل الشرع ــ نحو التطبيع مع إسرائيل، فسوف يتطلب الأمر “تحوّلًا جوهريًا” في موقف سوريا الراسخ، وهو ما يمكن اعتباره “خيانة” للتضامن العربي والفلسطيني.

بالنسبة إلى الشرع، فإن الطريق إلى التطبيع لن يتطلب فقط التعامل مع العلاقة المتوترة بين سوريا والكيان الاسرائيلي، بل يتطلّب أيضًا التغلب على المقاومة من العالم العربي الأوسع وحتى الفصائل داخل المعارضة السورية نفسها.

الدعم الدولي والضغوط الغربية :

فيما يتعلق بـ “الدعم الغربي”، فإن الكثير يعتمد على موقف “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي”. إذا اكتسب الشرع قوّة كبيرة في سوريا، فقد تكون هناك ضغوط خارجية، وخاصة من “الولايات المتحدة”، للتحالف مع الكيان الاسرائيلي كجزء من التحوّل الأوسع نحو “إعادة بناء علاقات سوريا” مع الغرب. ولكن هذا من شأنه أن يواجه تحديات سياسية هائلة، سواء من جانب الشعب السوري أو من جانب الجهات الفاعلة الإقليمية (وقوى المقاومة من بينها)، التي تنظر إلى إسرائيل بكونها عدوًا إقليميًا.

قد يكون هناك أيضًا حافز استراتيجي للشرع، خاصة إذا كان يهدف إلى إعادة بناء سوريا بعد الحرب وجذب الدعم الدولي لإعادة الإعمار. إن التحالف مع الكيان الاسرائيلي، على الرغم من أنه مثير للجدل للغاية، من الممكن أن يفتح قنوات دبلوماسية وشراكات اقتصادية يمكن أن تساعد في تعافي سوريا. ومع ذلك، فإن هذا يعتمد على مقدار النفوذ الذي يتمتع به محليًا ودوليًا، وكذلك على نظرة المجتمع الدولي إليه مقارنة بشخصيات أخرى داخل المعارضة.

اعتبارات محلية:

إن التطبيع مع إسرائيل لن يكون خيارًا مقبولًا بالنسبة لشرائح كبيرة من الشعب السوري والعالم العربي الأوسع. ونظراً للعداء التاريخي والأهمية الرمزية للقضية الفلسطينية في المنطقة، فإن الشرع سوف يحتاج إلى التعامل مع هذه القضية بحذر، وموازنة حاجته المحتملة إلى الدعم الغربي مع مشاعر الشارع العربي.

في تلخيص لموقف ابن سلمان والشرع حيال التطبيع مع الكيان الاسرائيلي ربطًا بوصمة الماضي الذي تلاحق الرجلين ما يدفع بهما لتبني خيارات متصالحة مع الغرب، أو بالأحرى القوى الغربية الداعمة، فإن من المرجح أن يتحرك إبن سلمان نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي في الأمد المتوسط ​​إلى الطويل، ولكن العملية من المرجح أن تكون تدريجية ومرتبطة بالمخاوف الأمنية الإقليمية (وخاصة إيران)، والتطورات الفلسطينية، والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان أشار إلى الانفتاح على التعاون مع إسرائيل، فإن التطبيع الدبلوماسي الكامل سوف يتطلب موازنة دقيقة بين المعارضة الداخلية والديناميكيات الإقليمية.

أما الشرع، فهو يواجه مسارًا أكثر صعوبة، وأي تحرك نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي سوف يكون مثيرًا للجدل إلى حد كبير، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. إن هذا يتطلب تحوّلًا هائلًا في سياسة سوريا الراسخة، والتي كانت تُعرف تاريخيًا بالعداء لإسرائيل. وبالنسبة إلى الشرع، من المرجح أن يُنظر إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني على أنه خيانة للقضايا العربية والفلسطينية، ومن شأنه أن يثير مقاومة كبيرة من كل من الجهات الفاعلة الإقليمية والفصائل المحلية.

باختصار، يتمتع إبن سلمان بمزيد من النفوذ والحيز للمناورة نحو التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، في حين يواجه الشرع تحديات أكبر بكثير بسبب الديناميكيات التاريخية والداخلية لسوريا. ومع ذلك، يمكن أن يتأثر كلا الزعيمين بالضغوط الغربية والسياق الجيوسياسي الأوسع، لكن التطبيع يتطلب منهما أن يتعاملا بحذر شديد، ويوازنان بين التحالفات الدولية والحساسيات الإقليمية والمحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى