مقالات أخرى
أخر الأخبار

السعودية والوساطة بين روسيا وأوكرانيا ( الخلفيات والأبعاد )

سؤال صحيفة (الجارديان) البريطانية عن مدى حيادية السعودية وابن سلمان في المحادثات حول أوكرانيا في الصميم لا سيما حين يتجاوز حد الوساطة ويمضي إلى حيث تنتهي المصالح.

صحيح أن محمد بن سلمان كان في موقع المستجيب لطلب ترمب بأن يرعى المحادثات حول أوكرانيا، وصحيح أيضًا أنه لم يشارك في تفاصيل تلك المحادثات، ولكنه ليس في موقع المتفرّج أيضًا، بل هو يصدر عن مصلحة سعودية.

كانت علاقة الرياض وموسكو محكومة بمصلحة مشتركة وخطر مشترك أيضًا يتعلق بالبنية الاقتصادية لكلا البلدين. فالاقتصادان الروسي والسعودي لا يزالان مرهونين لمبيعات النفط كمصدر دخل رئيسي، وقد جمعهما القلق من انهيار الاسعار وتاليًا انهيار اقتصاد البلدين.

فالسعودية وروسيا يشكلان معًا 20% من الإنتاج العالمي للنفط، وتعاونهما في “أوبك+” ضروري لتحقيق استقرار الأسعار وحماية مصدريهما. التنسيق بين الرياض وموسكو (خاصة في خفض أو زيادة الإنتاج) يُدار بعناية لتجنب صدامات كتلك التي حدثت في 2020 والتي أدّت الى انهيار أسعار النفط ما تسبب في وصول اقتصادي البلدين الى حافة الانهيار.

وعليه، فإن العلاقة بين السعودية وروسيا في مجال الطاقة، خاصة من خلال أوبك+، هي واحدة من “العلاقات الاستراتيجية” التي تّربط الرياض وموسكو. وقد حافظ محمد بن سلمان على علاقة قوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يتشاركان في التنسيق المستمر بشأن “إنتاج النفط” وأسعاره على المستوى العالمي. وقد شكّلت أوبك+ الإطار الذي يجمع أكبر منتجي النفط في العالم، حيث تعمل السعودية وروسيا على “موازنة إنتاج النفط” لضمان استقرار أسواق النفط العالمية، وهو ما يُعد عنصرًا أساسيًا في السياسة النفطية السعودية.

وبصورة عامة، تعد “أسواق النفط” هي “الرقعة الأساسية” التي تُنظّم فيها “العلاقات السعودية-الروسية”، حيث يتعاون الطرفان بشكل “استراتيجي”| لضمان استقرار أسعار النفط العالمية. فالسعودية، بصفتها أحد أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم ، تحتاج إلى الحفاظ على “علاقات قوية مع روسيا”، المنتج الأكبر الثاني للنفط في العالم، لضمان “استقرار الأسعار” في سوق النفط.

وعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا، فإن السعودية وروسيا حافظتا على تعاون اقتصادي راسخ، مما يُظهر حاجة الطرفين، السعودية والروسي، على “الموازنة بين المصالح الاقتصادية” في أسواق الطاقة و”السياسات الجيوسياسية”.

ولذلك، قرّر الطرفان، فصل الملف النفطي عن الخلافات الجيوسياسية، وحافظا على ضمان استمرارية تحالف أوبك+. هذا يتجلى في تجنُّب الرياض انتقاد موسكو علنًا بسبب الحرب، مع التركيز على الحوار لحل الأزمات. وفي السياق نفسه، فإن السعودية سعت إلى الحفاظ على علاقة مستقرة مع روسيا خاصة في ملفات الأمن الإقليمي مثل “سوريا”. وينظر ابن سلمان إلى بوتين، وروسيا كدولة كبرى، كداعم رئيسي في بعض الملفات الإقليمية، مثل ملف سوريا، وهو يسعى للاستفادة من “الوجود الروسي” لتحقيق توازنات في المنطقة.

إن حاجة الرياض الى التوازن بين ضغوط الغرب (خاصة الولايات المتحدة) لزيادة الإنتاج النفطي لخفض الأسعار، ومصالحها المشتركة مع روسيا في الحفاظ على أسعار مرتفعة تبقى عنصر التحدي الأكبر في علاقات السعودية مع الغرب من جهة وروسيا من جهة ثانية. هذا التوازن يعكس سعي السعودية للحفاظ على تحالفات متعددة الأطراف دون التضحية بمصالحها.

وكان أول لقاء جمع السعودي والروسي في 2013 حين قرّرا التنسيق في الملف النفطي بصفتهما أكبر منتجين نفطيين في العالم حينذاك، قبل أن ينضم إليهما أعضاء آخرون من داخل أوبك لينشأ تحالف أوبك+ . ورث ابن سلمان تجربة من التنسيق مع روسيا، واستشعر حاجته الى التقارب مع بوتين، وزاد على الحاجة الاعجاب بقدرة بوتين على احكام قبضته على السلطة في روسيا.

في المقابل، السعودية صوّتت في أكثر من مناسبة ضد روسيا في الامم المتحدة ولمصلحة أوكرانيا، بل قدّمت المساعدات للأخيرة، مالية وإنسانية. وقد دعمت السعودية في عهد إدارة بايدن حملات الاغاثة الانسانية لأوكرانيا عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة، حيث قدمت الرياض مساعدات إغاثية ودعمت المبادرات الدولية التي تهدف إلى وقف الحرب وإنهاء الصراع عبر الوساطة.

من جهة ثانية، أدركت السعودية بأن موضوع خفض الانتاج بنية رفع الأسعار يشكل حساسية شديدة لحلفائها الأميركيين، وقد استوعب وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الأمر، وهذا ما ظهر في تصريحه على هامش فعاليات مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” في العاصمة السعودية، في 25 أكتوبر سنة 2022 وقال بأن بلاده قررت أن تتعامل بـ”نضج” تجاه توتر العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، بعد الخلاف حول قرار مجموعة أوبك بلس. وأضاف “سنورد النفط إلى كل من يحتاج منا، ولمن واجبي التحذير من استخدام الاحتياطات الاستراتيجية”. في الواقع، ما أراد قوله الأمير أن خفض الانتاج بات من الماضي، وإننا سوف نلبي رغبة الولايات المتحدة.

وقد فسّرت مواقف السعودية بأنها بمنزلة تقدمات للولايات المتحدة، ولإدارة بايدن من أجل تخفيف الضغوط عليها على خلفية ضلوع محمد بن سلمان في اغتيال الصحافي الحجازي جمال خاشقجي وتعهد بايدن بعزل السعودية عالميًا. أكثر من ذلك، كان بايدن قد اتهم السعودية بالوقوف إلى جانب روسيا بعد اعلان منظمة “أوبك+” التي تقودها السعودية عن خفض انتاج النفط في سبيل رفع الأسعار، الأمر الذي أثار غضب بايدن وتوعّد السعودية بـ “عواقب” لهذه الخطوة، ومن بينها اعادة التفكيرة في العلاقات الاستراتيجية طويلة الأمد مع المملكة السعودية. ولكن مثل خطوة السعودية بالتصويت ضد روسيا في الامم المتحدة في المسألة الاوكرانية قد هدأت من غضب بايدن، وباتت السعودية تنظر الى التعاطي بإيجابية مع أوكرانيا هو مفتاح الباب إلى واشنطن. ولذلك تعهدت السعودية بتقديم مساعدات مالية لدعم إعادة إعمار أوكرانيا.

ولا شك أن ثمة حسابات سياسية لكل ذلك، إذ بينما يحرص إبن سلمان على “تعزيز الصورة الإيجابية للسعودية” على الساحة الدولية، خاصة في مجالات “التعاون الإنساني والاقتصادي”، فإن العلاقة مع أوكرانيا قد تعزز من موقف المملكة في الدوائر الغربية، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، اللتين تراقبان عن كثب دور “السعودية” في الأزمة الأوكرانية.

وفي 24 فبراير 2023  صوتت السعودية لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يدعو روسيا إلى إنهاء الأعمال العدائية في أوكرانيا، ويدعو إلى انسحاب قواتها. وفي مارس 2022 صوتت السعودية لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يدعم سيادة وسلامة أراضي الدول، بما في ذلك أوكرانيا. وفي أكتوبر 2022 صوتت السعودية لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد ضم أربع مناطق أوكرانية.

تبدّل الحال قليلًا بعد وصول ترمب الى البيت الأبيض، وموقف الأخير من النزاع الروسي الاوكراني، وشعر ابن سلمان بأنه أصبح أكثر تحررًا ولذلك، استضاف وفدي روسي وأمريكا لمناقشة السلاح في أوكرانيا في ظل غياب لوفد كييف بما يفشل جهود أوروبا وإدارة بايدن بعزل روسيا.

يُذكر للسعودية استضافتها محادثات سلام حول أوكرانيا في أغسطس 2023 بمشاركة 40 دولة، على الرغم من أن بعض المشككين أشاروا إلى أن ذلك يتعلق بغسيل سمعة المملكة. الجدير بالاشارة إلى أوكرانيا تعوّل كثيرًا على المحادثات في السعودية أولًا من أجل الحصول على مساعدات سعودية بطلب من الراعي الأميركي، وثانيًا للعلاقات الشخصية التي تربط وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف الذي تربطه علاقات تجارية خاصة مع السعودية. وقد شارك عمروف في الوفد الاوكراني الذي زار الرياض في 11 مارس 2025 الى جانب رئيس مكتب الرئيس أندريه يرماك ونائبه بافلو باليسا ووزير الخارجية أندريه سبريبيا بهدف اجراء مباحثات مع الادارة الاميركية في مدينة جدة.

تمتلك السعودية واحدة من أكبر الشركات الزراعية في أوكرانيا، الذي قد يشير إلى أن ثمة مصلحة برغماتية لدى السعودية في لعب دور “المضيف” وليس “الراعي” أو حتى “الوسيط”. وبحسب تحليل أوريسيا لوتسفيتش، نائبة مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: “أحد دوافع السعوديين ـ في استضافة المحادثات ـ هو مد يد العون لترامب.”

يمكن تحليل العلاقة بين محمد بن سلمان وفولوديمير زيلينسكي، وكذلك التوازن السعودي بين مصالحها في أوكرانيا وعلاقتها مع روسيا، بما يعكس دبلوماسية سعودية مراوغة تستهدف تعزيز الموقع الجيوسياسي والاقتصادي للمملكة.

البداية من تقييم علاقة محمد بن سلمان والرئيس الاوكراني زيلينسكي، حيث برزت العلاقة بينهما خلال جهود الوساطة السعودية في ملف تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا في سبتمبر 2022، والتي أطلقت سراح مقاتلين أوكران وأجانب. هذه الخطوة وهبت الرياض فرصة لتعزيز دورها كفاعل على المسرح الدولي وقادر على لعب أدوار سياسية إقليمية ودولية، بما يحقق، حسب وجهة نظر ابن سلمان، رؤية 2030 لتعزيز النفوذ السعودي غير النفطي.

ومنذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، حافظت السعودية على سياسة “حيادية” إلى حد كبير، حيث حرصت على عدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف النزاع بشكل علني. ومع ذلك، كانت السعودية تسعى للاستفادة من هذه الأزمة في سياق “مواقفها الاقتصادية والسياسية”.

من جهة أخرى، يلعب التعاون الاقتصادي دورًا في العلاقة بين ابن سلمان وزيلينسكي. وعلى الرغم من كون المصالح التجارية بين البلدين متواضعة مقارنة بعلاقات السعودية مع دول أخرى، لكن أوكرانيا تُعد مصدرًا مهمًّا للحبوب والزراعة، وهي سلع أساسية للأمن الغذائي السعودي. في 2023، وقّعت السعودية اتفاقية مع أوكرانيا لتمويل صادرات القمح بقيمة 250 مليون دولار مما يعكس سعيًا لتنويع مصادر الاستيراد.

أوكرانيا من أكبر مصدري القمح في العالم، والسعودية تستورد حوالي 50% من احتياجاتها من القمح. التعاون مع كييف يُقلل من مخاطر الاعتماد على مصدر واحد (مثل روسيا أو الولايات المتحدة). وتدرس الشركات السعودية (بدعم من صندوق الاستثمارات العامة) الاستثمار في البنية التحتية الزراعية الأوكرانية، مثل مشاريع الري وتخزين الحبوب، لضمان سلاسل إمداد مستقرة. وتعد أوكرانيا سوقًا مهمًا للزراعة والطاقة، وخاصة في مجالات الحبوب والطاقة النووية، ما يجعل هناك فرصًا تجارية وسوقًا لتوسيع التعاون الاقتصادي. ولذلك، تنظر السعودية إلى أوكرانيا كشريك اقتصادي مستقبلي في مجالات عدّة. في الوقت ذاته، تسعى السعودية للإفادة من “فرص الاستثمار في أوكرانيا”، لا سيما في “المعادن، الطاقة، والزراعة”، وهي مجالات حيوية لها أهمية في رؤية 2030، التي تهدف إلى “تنويع الاقتصاد الوطني” بعيدًا عن النفط.

على المستوى السياسي، تحرص السعودية على عدم الانخراط في التصويت الدولي المؤيد أو المعارض لروسيا في النزاع الأوكراني، بدعوى التزامها بمبادئ سيادة الدول وفقًا لموقفها الرسمي. اللقاءات بين إبن سلمان وزيلينسكي (مثل الاتصالات الهاتفية أو زيارة زيلينسكي للرياض) تهدف إلى تعزيز التعاون في الملفات ذات الطابع الإنساني دون تجاوز الخطوط الحمراء مع موسكو.

فالدعم السعودي لأوكرانيا في المحافل الدولية (مثل التصويت على قرارات الأمم المتحدة الداعية لاحترام سيادة أوكرانيا) يعزّز صورتها كدولة تدعم القانون الدولي، دون الانحياز المباشر ضد روسيا.

فالسعودية تتعامل مع الملف الأوكراني من منظور براجماتي/مصلحي: على المستوى الاقتصادي، تعمل الرياض على تعزيز الأمن الغذائي عبر أوكرانيا، مع الحفاظ على  تحالف أوبك+ مع روسيا، وسياسيًا، تتمسك بدورها كوسيط لتعزيز مكانتها الدولية وفي الوقت نفسه دون الاصطدام مع موسكو. وفي الملف النفطي، لا تتنازل الرياض عن العلاقة المصلحية المشتركة مع موسكو، ولذلك تعمل على إدارة العلاقة مع بوتين عبر أولوية استقرار السوق، مع مرونة في التعامل مع الضغوط الغربية.

تحاول الرياض أن تمارس سياسة الحياد الايجابي والاستراتيجي بين “روسيا وأوكرانيا”، مما يتيح لها “موازنة” علاقاتها مع الطرفين دون تعريض مصالحها في أسواق النفط أو في الاستثمارات الدولية للخطر. هذه السياسة تضمن للسعودية أنها تظل لاعبًا رئيسيًا في “الملف النفطي” وفي “الاستثمارات الاقتصادية العالمية”، مع الحفاظ على “علاقات إيجابية مع كل من الغرب وروسيا”.

وفي حال استمرار الحرب في أوكرانيا، فإن ثمة تحديات وفرص مستقبلية تنتظر السعودية. وعلى الرغم مما يبديه الرئيس الأميركي ترمب من رغبة في إغلاق ملف الحرب والتعهد الذي اطلقه بإنهائها في غضون 100 يوم، فإن فرص التصعيد لا تزال قائمة، وعليه قد تصبح “المواقف الدولية” أكثر تشدّدًا تجاه “روسيا”، مما قد يضع السعودية في موقف صعب. فبينما تحافظ على علاقاتها مع “روسيا” في “أوبك+”، ستظل “السعودية” تحت الضغط لتكثيف الدعم الغربي لأوكرانيا، وهو ما قد يؤثّر على “علاقتها مع بوتين” في المستقبل.

في المقابل، قد تتيح الوساطة السعودية في ملفات مثل السلام في أوكرانيا إمكانية “تعزيز مكانتها الدولية” كمحور رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية.

نعود الى النتئجة المذكورة آنفًا أن محمد بن سلمان يعمل على موازنة علاقاته مع روسيا وأوكرانيا بحذر شديد. من ناحية، يتعاون مع بوتين في إطار “أوبك+” والملفات الإقليمية، بينما يسعى في ذات الوقت إلى “تعزيز علاقاته الاقتصادية” مع أوكرانيا، خاصة في مجالات الطاقة والمعادن.

باختصار: ستظل السعودية تسعى لتحقيق توازن دقيق بين مصالحها في “أسواق النفط” و “الاستثمار الأجنبي”، مع الحفاظ على “حياد استراتيجي” في الملف الأوكراني لجمع حسنات العلاقة بين الأطراف المتناقضة والمتنازعة.

المسكوت عنه في الوساطة السعودية؟

ثمة في الكواليس ما لا يظهر في الإعلام عن مشروع خفي يتقاسمه ابن سلمان وصهر الرئيس ترمب جاريد كوشنر حول الاستثمار في معادن أوكرانيا. لا أحد يريد الحديث عن ذلك ولو حتى همسًا. ولكن ثمة سؤال مشروع حول الادعاءات التي تربط بين المصالح التجارية المحتملة لترامب واتفاقيات التعدين السعودية الأوكرانية، ودور السعودية في محادثات السلام، والتداخل بين السياسة والأعمال.

فهناك مذكرة تفاهم في عام 2023 تركّز على التعاون  السعودي الاوكراني في قطاع التعدين، خاصة المعادن النادرة مثل الليثيوم، الذي تُعد أوكرانيا من أكبر مُنتجيه في أوروبا. الشركة السعودية “معادن” (وهي شركة حكومية) هي الطرف الرئيسي هنا، كجزء من استراتيجية السعودية لتنويع الاقتصاد تحت مظلة  رؤية 2030.

في السياق العالمي، يعد الليثيوم مادة حاسمة في صناعة البطاريات والطاقة النظيفة، مما يفسر اهتمام دول مثل السعودية (المُنتجة للنفط) بالاستثمار فيه لضمان موقع في التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة.

في العنصر الثاني للصورة، يأتي ترمب، رجل الأعمال والباحث عن الصفقات والذي يتطلع إلى وضع اليد على المعادن الثمينة في أوكرانيا في مقابل الاموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على الحرب ضد روسيا..

فثمة علاقة بين ترامب وأوكرانيا وهي علاقة المعادن والاستغلال السياسي. وفي الخلفية الجيوسياسية، فإن أوكرانيا الغنية بالمعادن الثمينة مثل التيتانيوم (وهو عنصر حيوي للصناعات العسكرية والفضائية) يجعلها منطقة جاذبة للاستثمارات الدولية. خلال فترة رئاسة ترامب (2017–2021)، اتُهم بعض مقربيه بمحاولة الربط بين السياسة الخارجية والمصالح التجارية. وفي فضيحة  (عزل الرئيس سنة 2019) impeachment 2019 ركّزت التحقيقات على اتهامات بضغط ترامب على الحكومة الأوكرانية للتحقيق مع خصومه السياسيين (مثل جو بايدن)، لكن بعض التقارير أشارت إلى أن ممثليه، مثل رودي جولياني، ربما بحثوا أيضًا عن فرص تجارية في أوكرانيا، بما في ذلك مشاريع تتعلق بالطاقة أو الموارد. وفي 2020 كشفت تقارير إعلامية عن اهتمام شركات أمريكية مرتبطة بترامب (مثل “جنرال موتورز”) بقطاع التيتانيوم الأوكراني.

ولأن الرئيس الأميركي خاضع لقانون الرقابة والشفافية داخل الولايات المتحدة فإن إمكانية استغلال شركة مثل “معادن” السعودية للعمل في أوكرانيا في مجال المعادن الثمينة كقنانة لتحويل أموال لترامب عبر عقود تعدين وهمية تبدو واردة.

وعليه، هل تتحول السعودية الى منصة غسيل أموال بالنسبة الى ترامب في عقد اتفاق التعدين مع اوكرانيا حيث سمح للسعودية باستضافة محادثات وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟ وحيث ان القانون الامريكي لا يسمح للمسؤولين العامين باستغلال مناصبهم للقيام بأنشطة تجارية خاصة فإن السعودية التي يتشارك ترمب معها في مصالح تجارية علنية وسرية سوف تكون القناة الأمثل للوصول الى المعادن الثمينة في أوكرانيا ويمكن عبرها حصول ترمب على فوائد شخصية كبيرة؟

نعم، هو سؤال شديد التعقيد ومتشابك ويربط العلاقة بين إبن سلمان وترمب وعائلته، وصهره جاريد كوشنر على وجه الخصوص، بتساؤلات عن “غسيل الأموال” و”المصالح التجارية” التي قد تتداخل مع “السياسة”.

صحيح أن “القانون الأمريكي” يحظر على “المسؤولين العامين” استخدام مناصبهم لتحقيق مصالح خاصة أو تجارية. ولكن، “دور ترامب” في هذا السياق لا يزال محط جدل، وقد ظهر أنه يستغل منصبه لتحقيق مكاسب تجارية هائلة وهذا ما يجري في مشاريع بناء أبرامج “ترمب” في السعودية والامارات وربما في اماكن أخرى وكذلك التسويق لمشروع الجولف الذي يتقاسمه مع ابن سلمان ومشاريع عقارية أخرى بالتشارك مع صهره كوشنر.

وعلى الضد من الرأي القائل بأن السعودية ترفض أن تتحول الى “منصبة لغسيل الأموال” بشكل علني أو متعمد في ظل “الضغوط الدولية” على السعودية لتطوير أنظمتها المالية ومكافحة الفساد، فإن ثمة تجربة قريبة ومجاورة لها تحوّلت بالفعل الى منصة غسيل أموال وهي الإمارات، ولا سيما إمارة دبي التي تحوّلت إلى أكبر منصة إقليمية لغسيل الأموال، تشارك فيها قوى كبرى ولم تخضع ذات يوم لضغوط دولية أو تحقيق دولي، ولا مراجعات دقيقة من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

شركة معادن السعودية هي شركة حكومية في مجال التعدين، ولها اهتمام متزايد في “الاستثمار في المعادن الثمينة”مثل “الليثيوم”، وهنا يلتقي الاهتمام السعودي “الاستثماري” في “المعادن الأوكرانية”، مع الطلب الأميركي بوضع اليد على المعادن الثمينة في أوكرانيا، وهنا تبدأ قصة التجارة والسياسة وأيضًا الفساد حيث تحاك الشراكة السعودية الا ميركية في “استثمارات التعدين” في أوكرانيا ضمن مشاريع ذات “طابع استثماري واقتصادي” باستغلال “النفوذ السياسي” من أجل مصالح شخصية أو عائلية لترامب ولابن سلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى