
لقد فشل السعوديون في اليمن والآن يستغلون ما حققه الإسرائيليون في لبنان والأتراك والقطريون في سوريا، فما هي الأسباب وراء فشل السعوديين في تحقيق نصر واضح وحاسم في الرهانات الخارجية؟
لم تنجح في اليمن، بالرغم من حشدها تحالف عسكري واسع ضم إحدى عشر دولة عربية وإسلامية ولكنه انتهى الى حلف ثنائي سعودي إماراتي. وقيل بأن الاميركي أوصل عتابًا إلى الثنائي السعودي الاماراتي بأن الثنائي التركي القطري نجح في إسقاط نظام الأسد في غضون أقل من اسبوعين، فيما فشلتم في إسقاط “الحوثيين” بعد حرب دامت ثمان سنوات ومعكم نصف العالم. قيل بأن واشنطن شجّعت الرياض وأبو ظبي على تكرار التجربة مع صنعاء ولكن لم تفلح المحاولات في أقناعهما لأن ما حصل في سوريا ينطوي على خطر استراتيجي على الأمن القومي للسعودي.
وحتى مصر التي ساهمت السعودية باسقاط نظامها في يوليو 2013 ما كان لها فعل ذلك من دون دور إماراتي محوري. خلاصة القول، أن السعودية لا تنجح منفردة في أي رهانات خارجية. وإن الفشل السعودي في تحقيق نصر واضح وحاسم في تدخلاتها الخارجية، وخاصة في اليمن، فضلاً عن صراعاتها في ديناميكيات القوة الإقليمية الأوسع في لبنان وسوريا وما بعدهما، يمكن أن يُعزى إلى مزيج من العوامل الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والجيوسياسية. وقد شكلت هذه العناصر تحديات السعودية في تأكيد هيمنتها وتحقيق أهدافها في المنطقة.
دعونا نحلل الأسباب الرئيسية وراء الصعوبات التي تواجهها المملكة العربية السعودية في هذه التدخلات الأجنبية:
1. الإفراط في استخدام الموارد العسكرية والدبلوماسية:
في اليمن، على سبيل المثال، بدأ التدخل الذي تقوده السعودية في عام 2015، بهدف استعادة حكومة هادي وهزيمة حركة أنصار الله. ومع ذلك، أصبحت الحرب صراعًا طويل الأمد، دون تحقيق نصر عسكري حاسم على الرغم من الاستثمارات الضخمة في الغارات الجوية والعمليات البرية والمساعدات العسكرية للقوات الموالية. على العكس، فإن السعودية وجدت نفسها عالقة في ورطة لا خروج سهل منها، فيما نجحت حكومة صنعاء في إعادة ترميم قواها العسكرية والادارية وبناء ترسانة عسكرية استطاعت في الدخول كجبهة اسناد فاعلة لصمود غزة ومقاومتها إبان العدوان الاسرائيلي على مدى خمسة عشر شهرًا.
- التحديات اللوجستية: أثبتت تضاريس اليمن، إلى جانب تكتيكات حرب العصابات التي ينتهجها أنصار الله، صعوبة التغلب عليها بالنسبة إلى السعوديين. كما تفاقم الصراع بسبب الأزمات الإنسانية، مما أدى إلى تقليص مكانة المملكة السعودية على المستوى الدولي. وقد أدى هذا إلى تزايد الضغوط المحلية والدولية للإنسحاب أو خفض التصعيد.
- النفوذ الإيراني: على الرغم من الجهود السعودية لمواجهة محور المقاومة والنفوذ الإيراني في اليمن، فقد حافظت حركة أنصار الله، وحكومة صنعاء عامة، على مقاومة قوية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الدعم الإيراني من حيث الأسلحة والتدريب والمستشارين العسكريين. وهذا يعكس التحدي الأوسع المتمثل في مواجهة محور المقاومة في دول مثل العراق وسوريا ولبنان.
- التوسع المفرط: شاركت المملكة السعودية في العديد من القضايا الإقليمية في وقت واحد، من سوريا إلى لبنان، وفي محاولة مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد أدّى هذا الانخراط المتعدد الجبهات إلى تشتيت الموارد السعودية وتقليص فعالية سياساتها وإجراءاتها العسكرية.
2. القيود السياسية والاقتصادية الداخلية:
- ديناميكيات الخلافة: أدى انتقال القيادة في المملكة السعودية من الملك عبد الله إلى الملك سلمان والآن إلى ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحولات في السياسة الخارجية والداخلية. لقد افتقرت السياسة الخارجية الحازمة التي ينتهجها إبن سلمان ودفعه نحو القيادة الإقليمية في بعض الأحيان إلى “البراعة الدبلوماسية” المطلوبة لبناء التحالفات اللازمة للنجاح. وقد لحظنا تراجعًا دراماتيكيًا في السياسة الخارجية منذ رحيل الملك عبد الله بموقعه الرمزي عربيًا ودوليًا، فيما حكمت سياسة النأي الأداء السعودي في الملفات الخارجية، وكرّس ابن سلمان جهوده لتثبيت أركان سلطته في الداخل وإبعاد المنافسين له في العرش.
- الافتقار إلى الرؤية الواضحة: لقد تعارضت إصلاحات محمد بن سلمان الطموحة، وخاصة خطة “رؤية 2030″، ودفعه نحو الهيمنة السعودية في المنطقة في بعض الأحيان مع المصلحة الوطنية الأوسع. لقد أضر “أسلوبه القيادي الوقح”، الذي أدّى إلى أفعال بارزة مثل “قتل الصحفي جمال خاشقجي” في 2018، بصورة المملكة السعودية على المستوى الدولي، مما جعل من الصعب تكوين شراكات وكسب الحلفاء في القضايا الحرجة.
- القيود الاقتصادية والعسكرية: في حين أن المملكة السعودية هي واحدة من أغنى البلدان في العالم، فإن إنفاقها العسكري كان يتعرض لانتقادات متكررة بسبب عدم كفاءته. على سبيل المثال، كشفت “حرب اليمن” عن حدود “القوة الجوية السعودية” و”الأسلحة عالية التقنية” ضد الحرب غير المتكافئة و”تكتيكات حرب العصابات”.
- الاعتماد الاقتصادي على النفط: إن اعتماد المملكة السعودية الاقتصادي على “عائدات النفط” يفرض أيضًا قيودًا على سياستها الخارجية، حيث يمكن أن تؤثر التقلبات في أسعار النفط على قدرتها على فرض قوتها وتمويل العمليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي صراع مطوّل يخاطر بإجهاد الصحة المالية للبلاد، خاصة مع انتقال العالم نحو بدائل “الطاقة الأكثر خضرة”.
3. التنافس الجيوسياسي مع إيران والصراعات بالوكالة:
نجحت إيران في إنشاء “شبكة قوة إقليمية” عبر بناء محور المقاومة وفصائل مقتدرة في لبنان والعراق واليمن وسوريا سابقًا، الأمر الذي أدى إلى تعقيد جهود المملكة السعودية لممارسة السيطرة أو النفوذ في هذه البلدان. غالبًا ما تنطوي “الاستراتيجية الإقليمية” لإيران على “نفوذ غير مباشر” من خلال فصائل محور المقاومة التي تتمتع بقدرة عالية على الصمود ولديها قواعد دعم محلية عميقة، مما يجعل هزيمتها عسكريًا أكثر صعوبة.
على النقيض من ذلك، وجدت المملكة السعودية صعوبة أكبر في بناء أو دعم “شبكات محلية” مماثلة، وخاصة في مواجهة فصائل المقاومة والتي غالبًا ما تكون أكثر ترسخًا أو أكثر التزامًا أيديولوجيًا. في حين حاولت المملكة السعودية تأكيد قوتها من خلال دعم “الفصائل السُنية، أو المسيحية، والدرزية” في لبنان أو تنظيمات السلفية المسلحة في سوريا والعراق، فإن هذه الجماعات لم تكن فعالة أو مخلصة مثل فصائل المقاومة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى التماسك الأيديولوجي أو الشرعية المحلية.
4. التحديات في سوريا ولبنان: عدم القدرة على تكوين تحالفات دائمة:
- سوريا: كان دور المملكة السعودية في سوريا إلى حد كبير يتمثل في “دعم جماعات المعارضة” التي كانت تقاتل “نظام الأسد”. وفي حين نجحت السعودية في البداية في تمويل وتسليح “فصائل المتمردين” المختلفة، إلا أن العديد من هذه الجماعات كانت تفتقر إلى التماسك، وتحول بعضها إلى “أيديولوجيات متطرفة”، ولم تكن السعودية تشعر بالارتياح تجاهها (على سبيل المثال، “تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش”، و”تنظيم القاعدة”).
- التنافس التركي السعودي :لم تكن القيادة التركية من الحصافة بمكان إلى القدر الذي أثارت تصريحاتها حول دورها وتطلعاتها في سوريا مخاوف السعودية وبلدان أخرى في 15 يناير 2025 ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردغان ليس فقط حلب والشام وحماة وحمص، بل كل المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السوري تم تحريرها كانوا يقولون لنا ماذا تفعلون في الشام وحلب.. نحن نقول لهم إن ماضينا مشترك وحاضرنا مشترك وقلبنا وواحد، ونبذل قصارى جهدنا لبناء سوريا جديدة أجدادنا ذهبوا إلى تلك المناطق، ونحن نسير على نفس الطريق لن نبخل بأي جهد لإرساء الاستقرار، وأرسلنا وزير خارجيتنا ورئيس استخباراتنا لدمشق اليوم ستكون هناك زيارة لوزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس الاستخبارات السوريين إلى تركيا، وسنبحث عددا كبيرا من الملفّات المتعلقة بإعادة إعمار سوريا وإحياء المؤسسات على الجميع أن يرفع يده عن المنطقة.. ونحن أقوياء لنسحق رأس كل المنظمات الإرهابية في سوريا اهتمام تركيا بدولة جارة لها (يقصد سوريا) لأسباب مشروعة ومحقة وإنسانية أمر طبيعي جدا من واجبنا كإخوة وجيران أن نداوي جراح إخواننا (السوريين) ونضمن لهم النهوض في أقرب وقت .
- الدور التركي المتنامي: في الآونة الأخيرة، استفادت “تركيا” من مصالحها الخاصة في سوريا، حيث نحتت نفوذًا في شمال سوريا ودعمت مجموعات “المعارضة السورية”، والتي قد لا يتوافق بعضها تمامًا مع رؤية السعودية مثل هيئة تحرير الشام التي تحكم سورية في الوقت الراهن. لقد كافحت السعودية للتنسيق بشكل فعال من أجل احتواء التطوّر الجديد في سوريا، ولكن وجدت نفسها أمام قوى أخرى منافسة مثل تركيا وقطر، وخاصة عندما تتباعد المصالح.
- لبنان: كان النفوذ السعودي التقليدي في لبنان في دعم الأطراف السياسية السنيّة والمسيحية، وخاصة سعد الحريري و”تيار المستقبل” ، وحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وحزب الكتائب بزعامة سامي الجميل. ومع ذلك، فإن نفوذ حزب الله المتزايد قلل من نفوذ المملكة السعودية في لبنان، مما جعل من الصعوبة بمكان الحفاظ على التوازن السياسي أو مواجهة نفوذ إيران. بعد الحرب المدمّرة على لبنان في الفترة ما بين أكتوبر 2023 ـ نوفمبر 2024، استعجلت السعودية قطف ثمار العدوان قبل أن يلتقط حزب الله أنفاسه ويعيد ترميم قدراته العسكرية والسياسية والقيادية والتنظيمية.
في لبنان، فشلت السعودية على مدى خمس عشرة سنة بسب رهانها على حلفاء جشعين وفاشلين، لا همّ حقيقي لهم سوى جني المال من السعودية، دون تلبية أي من مطالبها. ولم تعد الى لبنان نتيجة اختلال موازين القوى بفعل عامل داخلي، وإنما جاءت بعد حرب مدمرة لتستثمر “الانجاز الاسرائيلي”، على فرضية أن الحرب انتهت بهزيمة المقاومة، فدعمت السعودية مرشحًا محددًا لرئاسة الجمهورية ومرشًحا محددا لرئاسة الحكومة، وأوفدت مبعوثيها لفرض الشروط على الفريق السياسي اللبناني (المغلوب منها على وجه الخصوص)..
ولم يكن المتغيّر اللبناني مفصولًا عن المتغيّر السوري منذ 8 ديسمبر 2024 وخشية السعودية من “اجتياح تركي” لبلاد الشام، وصعود فرص أنقره في استيعاب الكتلة السنيّة في الشمال اللبناني المرشّح لأن يدخل ضمن مجال النفوذ التركي. من الملف للإنتباه أن تجربة السعودية مع الشمال اللبناني (بغالبيته السنيّة) غير مشجّعة، مع ان سنّة الشمال اللبناني هم أقرب إلى سوريا. وكانت محمد بن سلمان قد أوفد ضابطًا أمنيًا رفيعاً ال الشمال للتحقق من موارد إنفاق المساعدات المالية التي قدّمتها السعودية الى سنّة الشمال اللبناني، ولكن الضابط الأمني أصيب بدهشة كيف أن حلفاء بلاده، وخصوصًا زعماء تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري “تفنّنوا” في تجيير مئات ملايين الدولارات لحساباتهم الخاصة، وفبركوا وثائق عن مشاريع لا مكان لها سوى على الورق بعد أن قدموا رشاوى للمخاتير ورؤسات البلديات للحصول على شهادات وإفادات بوجود مشاريع ومبّرات على قطع من الأراضي مخصصة لها ولكن تبيّن أن كلها وهمية..
على أية حال، فإن السعودية تجد نفسها ملزمة بالانغماس في الشأن اللبناني والسوري لمواجهة تنامي النفوذ التركي منذ سقوط النظام في سوريا والذي يعيد إحياء مشروع العثمنة الذي حاربته السعودية ومعها الإمارات في 2013 وأسقطته في مصر، وتخشى أن تعوّض أنقرة تلك الخسارة من البوابة السورية.. السعودية تنظر إلى الخطر التركي بصفته تهديدًا استراتيجيًا يتجاوز في خطورته النفوذ الايراني أو حتى الحوثي. وفيما لا تزال مصر والامارات والاردن متردّدة في دخول الحلبة السورية سلمًا أو حربًا، فإن السعودية استعجلت الدخول بعد رسائل إيجابية وصلتها من حكام سوريا الجديدة، والذين قد يفتحوا الأبواب أمامها لكي تكون صاحبة النفوذ الأكبر، خصوصَا مع قدوم ترمب الذي لن يتردد في منح السعودية أفضلية في الملف السوري في مقابل تركيا وقطر. مع ملاحظة جديرة بالإهتمام، أن السعودية المثقلة بالديون والاعبار المالية الهائلة لتمويل مشاريعها الداخلية والمقبلة على نوبة جشع هائلة من الرئيس الأميركي ترمب الذي يطالب السعودية بإنفاق تريليون دولار في بلاده، لن تكون يداها مبسوطتان، كما كانت سابقًا أو كما يأمل شركاؤها في لبنان. ولكن في الوقت نفسه، سوف تبقى قدرًا من النفوذ الدبلوماسي والسياسي القائم على المال، لأن غيابه يسمح لمنافسين آخرين مثل قطر والكويت وتركيا والعراق فضلًا عن إيران من اقتطاع حصة وازنة من النفوذ في الملف اللبناني.
- التفتت السياسي الداخلي: إن التفتت السياسي الداخلي في لبنان، والذي يشمل نفوذ حزب الله الكبير، يعني أن السعودية لا يمكنها الإعتماد ببساطة على شريك واحد لتأكيد إرادتها. وعلاوة على ذلك، كانت قدرة السعودية على التدخل محدودة بسبب الديناميكيات الطائفية المعقدة في لبنان، حيث يوجد لاعبون إقليميون آخرون ولهم مصالح عميقة.
5. تغيير التحالفات الإقليمية والعوامل الخارجية :
- تحول السياسة الأمريكية والغربية: كان اعتماد السعودية على “حلفائها الغربيين”، وخاصة “الولايات المتحدة”، عاملاً رئيسًا، فحين تقبل واشنطن على المنطقة تقبل الرياض معها وحين تدبر واشنطن تدبر معها. وقد قدّمت “إدارة ترامب” في دروته الأولى (2017 ـ 2020) للمملكة السعودية دعمًا قويًا لاستراتيجيتها الإقليمية، وخاصة في مواجهة “إيران”، فيما كانت “إدارة بايدن” (2021 ـ2024) أكثر حذرًا بشأن دعم المبادرات التي تقودها السعودية في المنطقة، وخاصة بعد “مقتل خاشقجي” والمخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في “العدوان على اليمن” والضغوطات التي مارستها منظمات حقوق الانسان الدولية. وقد أدّى “الانسحاب الغربي” أو “انخفاض الدعم” للجهود العسكرية والدبلوماسية السعودية إلى ترك الرياض أكثر عزلة. ومع عودة ترامب الى البيت الأبيض تنتعش آمال الرياض في استئناف دور فاعل في ملفات المنطقة، مستغلة الكيمياء المفقودة حتى الآن بين واشنطن من جهة وأنقرة والدوحة من جهة ثانية.
- النفوذ الإسرائيلي المتزايد: من جانبها، كانت إسرائيل أكثر “نجاحًا” في نحت دور في الساحتين “اللبنانية” و”السورية”، وخاصة من خلال “تعاونها الأمني” مع “الولايات المتحدة” وتعاملاتها الأكثر تحفظًا وفعالية مع دول الخليج (على سبيل المثال، اتفاقيات إبراهيم). وقد سمح النهج البراجماتي لإسرائيل وتفوّقها التكنولوجي في الدفاع والاستخبارات “بإدارة مصالحها” بطرق كافحت المملكة السعودية لمحاكاتها. اليوم، وبعد عودة الحديث عن إحياء الاتفاقيات الإبراهيمية من المرجّح أن ينشأ تحالف سعودي اسرائيلي في مقابل تركيا التي قد تكون الخصم المشترك لكل منهما نتيجة الخطر المشترك الذي يوجهه الكيانان بفعل الطموحات التركية في البلاد العربية (ليبيا، والعراق وسوريا ولبنان …)
- تركيا وقطر: بنت دول مثل “تركيا” و”قطر” نفوذها الإقليمي بطرق طغت أحيانًا على الجهود السعودية. تتمتع تركيا بحضور عسكري قوي في سوريا واستغلت تحالفاتها “الإسلامية السُنّية” لبناء الدعم المحلي، في حين استخدمت “قطر” بمهارة “الدبلوماسية المالية” ووجودها الإعلامي (على سبيل المثال، “الجزيرة”) لتشكيل الخطاب الإقليمي والتأثير على النتائج السياسية.
بالعودة إلى السؤال مجدّدًا: لماذا فشلت السعودية في إدارة مصالحها الخارجية؟
يمكن رصد مجموعة عوامل من بينها:
- اعتماد استراتيجية مجزأة: عملت السعودية على تنفيذ استراتيجية غير متماسكة وطويلة الأجل في العديد من تدخلاتها الخارجية. وكان تبدّل التكتيكات وسياسة النفس القصير والانتقائية في التعاطي مع الملفات الخارجية قد تسبب في الحد من نفوذ السعودية في الملفات الخارجية الاقليمية على وجه الخصوص. وغالبًا ما أعاق “الإفتقار إلى الاصطفاف” بين حلفائها، فضلاً عن “عدم القدرة على إدارة الديناميكيات المحلية المتغيرة” (على سبيل المثال، في لبنان أو سوريا)، نجاحها.
- موازنة إيران: أجبر التنافس بين السعودية وإيران المملكة على اتخاذ موقف رد الفعل في العديد من الصراعات، في محاولة لمواجهة التحالفات المتعمقة لإيران وفصائل المقاومة، ، وهو أمر صعب بالنظر إلى “التزام إيران المستمر” و”شعبيتها المحلية” في العديد من المناطق. بينما كانت ايران تقف الى جانب القضية الفلسطينية ودعم المقاومة اللبنانية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وأنصار الله في مواجهة العدوان السعودي ـ الاماراتي المدعوم أميركيًا، فإن السعودية بدت في موقف الحليف لعدو الشعوب العربية والاسلامية: الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة.
- القيود الداخلية: لم تتمكن السعودية من “استدامة الحملات العسكرية المطولة” (على سبيل المثال، اليمن) أو إرساء “الشرعية المحلية” لتدخلاتها الخارجية. وقد أدى “الافتقار إلى الإجماع الداخلي” والحاجة إلى موازنة الإصلاحات الطموحة مع الأهداف العسكرية إلى خلق احتكاك في التنفيذ الأوسع لسياساتها الإقليمية. بدا واضحًا تراجع التأييد الداخلي لحرب السعودية على اليمن بعد تبدّد الآمال بتحقيق نصر سريع وحاسم، وهذا ما عكسته التغطية الإعلامية والضعف الشديد لحضور الحرب في الصحف المحلية بعد على الأقل سنة من العدوان.
- الإشراف الاستراتيجي: إن أحد عوامل الفشل في تحقيق انتصارات واضحة، هو “إلإفراط في التركيز على القوة العسكرية” بدلاً من تنمية علاقات إقليمية أعمق وأكثر شمولاً أو التركيز على “الحلول السياسية طويلة الأجل” لقضايا المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، استفادت أطراف مثل الكيان الاسرائيلي وتركيا وقطر من نهج أكثر دقة، حيث استفادت من القوة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية مجتمعة.
في نهاية المطاف، فإن السعودية تميل حاليًا إلى استثمار انجازات الآخرين، وتوظيفها لمصلحتها، إن استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وهذا يعبّر عن نهج قديم تعتمده في الحرب والسلم، فحين تعجز عن صنع المنجز بمفردها تلوذ بالتسلّق على أكتاف المنتصرين.