
هل المتغيّر السياسي في سوريا ولبنان يمكن أن ينعكس على منافسة بين السعودية وتركيا؟
الجواب: نعم، إن المنافسة بين السعودية وتركيا على النفوذ في “سوريا” و”لبنان” ليست ممكنة فحسب، بل إنها بالفعل حقيقة مستمرة، وخاصة في سياق طموحاتهما الإقليمية المختلفة وتحالفاتهما وتوجهاتهما الإيديولوجية. فكلا البلدين لديه مصالح استراتيجية في سوريا ولبنان، وينبع التنافس بينهما من عوامل جيوسياسية وطائفية وأيديولوجية أوسع نطاقًا. ومن المرجّح أن تشتد المنافسة في السنوات القادمة حيث تهدف كل من السعودية وتركيا إلى تأكيد نفوذهما في بلاد الشام في سياق الفرص المثالية التي وفّرها سقوط بشار في سوريا وخروج المقاومة الاسلامية في لبنان من حرب مدمّرة.
ففي الخلفيات، فإن السعودية دعمت تاريخيًا “جماعات المعارضة السنيّة” و”المتمردين” الذين يقاتلون ضد نظام بشار. إن تورّط السعودية في سوريا كان مدفوعًا إلى حد كبير برغبتها في “مواجهة النفوذ الإيراني”، الذي نما بشكل كبير في سوريا من خلال دعم نظام الأسد ووجود فصائل المقاومة المدعومة من إيران و”حزب الله”. وكما كانت السعودية قلقة بشأن توسع محور المقاومة في منطقة تهيمن عليها تقليديًا القوى السنية، فإنها اليوم تزداد قلقًا بشأن توسّع المحور التركي القطري الذي تنظر الرياض إليه على أنه تهديد أكبر من وصول الاخوان المسلمين الى سدة الحكم في مصر في 2012.
سوريًا، لا يزال من المبكر التنبؤ بالسياسة السورية، لناحية قدرة السعودية على التأثير في الشأن السوري. فالنظام السوري الجديد متحالف بشكل كبير مع تركيا وقطر، وفي حين تسعى السعودية إلى إعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، فإن الوضع في سوريا لا يزال معقدًا. وقد تعوق الجهود السعودية للحد من النفوذ التركي والقطري في سوريا استمرار هذا النفوذ وتمدّده الى بلدان أخرى مثل الأردن ومصر بل وحتى السعودية نفسها ليست بمنأى عن المتغيّر الجديد في سوريا بلحاظ أن الطبقة الحاكمة في دمشق تتقاسم عقديًا وتيار عريض في المملكة.
من المرجح أن تستمر المنافسة بين السعودية وتركيا في سوريا ولبنان وقد تشتد في السنوات القادمة. وفي حين تتقاسم الدولتان مصلحة مشتركة في مواجهة نفوذ إيران والحفاظ على توازن الأغلبية السنية في المنطقة، فإن اختلافاتهما الطائفية والإيديولوجية والاستراتيجية تخلق مسارات وأولويات مميزة في هذه البلدان. تظل السعودية القوة المهيمنة في لبنان، لكن النفوذ التركي المتزايد في كل من لبنان وسوريا يمثل تحديًا للهيمنة الإقليمية للرياض. وسيعتمد مستقبل المنافسة السعودية التركية على تطور الديناميكيات الإقليمية، والتحالفات الخارجية، وتوازنات القوة المتغيرة في كل من سوريا ولبنان.
العوامل الدافعة للمنافسة السعودية التركية :
1ـ الاختلافات الإيديولوجية:
على الرغم من انتماء السعودية وتركيا للمجال الإسلامي السنّي، فإن لدى كل منهما “توجّهات أيديولوجية” مختلفة جدًا. تلتزم السعودية بالإسلام الوهابي، وهو تفسير صارم للإسلام السني يؤكد على المحافظة والتقليدية، في حين تبنت تركيا، وخاصة في عهد الرئيس أردوغان، شكلاً أكثر براجماتية واعتدالًا من الإسلام السني، وهو أقل عقائدية وأكثر تركيزًا على الإسلام السياسي. تؤثر هذه الاختلافات على كيفية تعامل كلا البلدين مع الحركات السياسية السنية في المنطقة.
2 ـ دعم الحركات الإسلامية:
دعمت السعودية تقليديًا “الجماعات السُنية المحافظة”، أو المجموعات السلفيّة في كل من مصر والسودان وليبيا وتونس والمغرب وباكستان وأفغانستان وغيرها، ووظّفت هذه التحالفات في الترويج لخطابها السياسي والديني. على المقلب الآخر، كانت تركيا، وخاصة في عهد أردوغان و”حزب العدالة والتنمية”، أكثر ميلًا إلى دعم “الفصائل الإسلامية” ذات الطابع “السياسي البراجماتي” مثل “جماعة الإخوان المسلمين” في مصر وتونس واليمن وسوريا، أو “الجماعات القومية الإسلامية” في سوريا ولبنان. يخلق هذا الانقسام الأيديولوجي منافسة على النفوذ على الحركات السياسية السُنية في كلا البلدين.
3 ـ التنافس الطائفي:
يسعى السعوديون والأتراك إلى مواجهة نفوذ “إيران”، لكن أساليبهما تختلف. ركزت السعودية على مواجهة ما تسميه “نفوذ إيران الشيعي” في سوريا ولبنان، وخاصة من خلال دعمها لجماعات المعارضة السُنية والفصائل السياسية. إن تركيا، على الرغم من حذرها من الوجود الإيراني المتزايد في سوريا، لديها علاقة أكثر تعقيدًا مع إيران ولا تتبنى نهجًا طائفيًا صارمًا. لقد انخرطت تركيا في تعاون دبلوماسي مع إيران في سياقات مختلفة، وخاصة في سوريا، حيث وجد كلا البلدين أرضية مشتركة في معارضتهما للحكم الذاتي الكردي. وكانت تركيا وإيران إلى جانب روسيا بصدد التوصّل إلى ترتيبات بين النظام السابق والمعارضة قبل سقوط بشار، على أساس تقاسم السلطة ولكن الانهيار السريع لجيش النظام جعل من أي ترتيبات غير ذات جدوى.