المعاهدة الدفاعية مع السعودية والتفوق العسكري الاسرائيلي
تشير التقارير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقترب من إتمام صفقة دفاعية استثنائية مع السعودية، تتضمن معاهدة تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن النظام السعودي مقابل تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل. تأتي هذه الصفقة في إطار سعي واشنطن لتوطيد التحالفات في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الإقليمية، خاصة إيران، والتنافس مع الصين وروسيا على النفوذ في المنطقة.
المعاهدة الدفاعية:
تركز المعاهدة المقترحة على تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية للسعودية في حال تعرضها لأي هجوم خارجي. هذه الخطوة تعتبر تحولاً كبيراً في العلاقات الأمريكية-السعودية، حيث تستند إلى المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة بين البلدين. علاوة على ذلك، فإن المعاهدة تهدف إلى منع السعودية من البحث عن شراكات أمنية مع دول أخرى مثل الصين أو روسيا.
من ناحية أخرى، تواجه الصفقة تحديات كبيرة بسبب رفض إسرائيل تقديم تنازلات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. يشترط الجانب السعودي، وفق ما يُفهم، الالتزام بحل الدولتين كجزء من الصفقة. لكن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية ترفض حتى الآن القبول بأي تسوية واضحة مع الفلسطينيين. في هذه الأثناء، تستمر الغارات الإسرائيلية على غزة، ما يزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف إطلاق نار شامل.
التفوق العسكري الإسرائيلي:
تلعب مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي دوراً حاسماً في الصفقة. فمنذ عقود، تعمل الولايات المتحدة على ضمان بقاء إسرائيل متفوقة عسكرياً على جيرانها في المنطقة. هذا التفوق يُعتبر “استثماراً أمريكياً” طويل الأمد في أمن إسرائيل، ويتجسد في القوانين الأمريكية مثل قانون “التفوق العسكري النوعي” الذي يضمن لإسرائيل القدرة على مواجهة أي تهديدات إقليمية، سواء من دول أو منظمات غير حكومية، مع تقليل الأضرار التي قد تتعرض لها.
هذا التفوق الإسرائيلي هو أحد أبرز التحديات أمام السعودية ودول الخليج التي تسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية. فقد اعترضت إسرائيل مرارًا على بيع الولايات المتحدة أسلحة متطورة للسعودية ودول أخرى في المنطقة، خوفاً من تقليص الفجوة في التوازن العسكري. من بين أبرز هذه الاعتراضات كانت على بيع طائرات إف-35 المتطورة للسعودية والإمارات.
المصالح السعودية في المعاهدة:
رغم التحديات، يبدو أن السعودية مهتمة بالمضي قدماً في الصفقة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. ترى الرياض في هذه الصفقة فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، وللحصول على حماية أمريكية مؤكدة في ظل التهديدات المتزايدة من إيران والجماعات المسلحة في المنطقة. كما أنها تسعى لاستغلال الفرص الاقتصادية التي قد تنتج عن التعاون مع الشركات الأمريكية، خاصة في إطار رؤية 2030 التي تهدف لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط.
المخاوف الإيرانية:
على الجانب الآخر، تعتبر إيران هذه الصفقة تهديداً مباشراً لها، إذ أن تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل قد يزيد من التوترات في المنطقة. من المتوقع أن ترى طهران في هذه التطورات محاولات لمحاصرتها سياسياً وعسكرياً، ما قد يدفعها لتعزيز تعاونها مع روسيا والصين كرد فعل على هذه الخطوات.
مواقف الكونغرس:
تتطلب المعاهدة الدفاعية موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو تحدٍ كبير بالنسبة لإدارة بايدن. يعتبر الكثيرون أن ربط المعاهدة بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد يساعد في تمريرها في الكونغرس. يُذكر أن التطبيع مع إسرائيل قد يلقى قبولاً لدى بعض الأعضاء الذين يرون فيه خطوة إيجابية نحو استقرار المنطقة، بينما قد يعترض آخرون على أي اتفاقيات دفاعية مع السعودية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان.
أبعاد الصفقة الإقليمية:
تعتبر الصفقة بمثابة تحول في الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة. في السابق، كانت العلاقات الأمريكية-السعودية تقوم على مبدأ “النفط مقابل الحماية”، لكن مع تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، أصبحت العلاقات تتجه نحو تعاون أوسع يشمل قضايا الأمن والدفاع والاقتصاد. تسعى واشنطن الآن لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة، ليس فقط لمواجهة التهديدات الإيرانية، ولكن أيضاً لمنافسة النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط.
التحديات أمام السعودية:
رغم الفوائد التي قد تجنيها السعودية من هذه الصفقة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمن جهة، تعاني المملكة من تباطؤ في تنفيذ مشروعاتها الاقتصادية الكبرى، كما أن الشركات الأمريكية قد تكون مترددة في الاستثمار في السوق السعودية. ومن جهة أخرى، يشكل رفض إسرائيل لحل الدولتين عقبة كبيرة أمام التوصل لاتفاق شامل، خاصة أن الدعم الشعبي في العالم العربي للقضية الفلسطينية لا يزال قوياً.
خلاصة:
تمثل المعاهدة الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية والتطبيع مع إسرائيل خطوة جريئة في السياسة الخارجية الأمريكية، تهدف لتعزيز التحالفات التقليدية في المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية والنفوذ الصيني. في الوقت نفسه، تسعى السعودية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، بينما تعمل إسرائيل على الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الصفقة، فإنها قد تشكل نقطة تحول في العلاقات الأمريكية-السعودية-الإسرائيلية، وتعيد تشكيل التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.