البحر الاحمر والجيوستراتيجا السعودية
البحر الأحمر له أهمية استراتيجية كبيرة للمملكة العربية السعودية، فلم يعد مجرد ممر مائي للتجارة، بل أصبح مركزًا لمشاريع استثمارية ضخمة ضمن رؤية السعودية 2030. يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحويل هذه المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية، تتضمن مشاريع مثل “مشروع البحر الأحمر” و”مدينة نيوم”، بهدف جذب ملايين السياح سنويًا وتنويع مصادر الدخل السعودي بعيدًا عن النفط.
البعد السياحي والاستثماري:
أحد أهم هذه المشاريع هو “مشروع البحر الأحمر”، الذي أُعلن عنه في 2017 وافتُتح في أكتوبر 2023. يغطي المشروع مساحة 28 ألف كيلومتر مربع، ويضم أكثر من 90 جزيرة طبيعية وعددًا من البراكين الخاملة، ويُتوقع أن يحتوي على 50 فندقًا و1300 عقار سكني بحلول 2030. هذا المشروع جزء من الجهود السعودية لتنويع الاقتصاد وتوفير فرص العمل، حيث يُتوقع أن يسهم بـ5.3 مليار دولار في الاقتصاد السعودي ويوفر 70 ألف وظيفة.
تُدار هذه المشاريع من قبل “شركة البحر الأحمر الدولية”، وهي شركة مستقلة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، ويرأسها محمد بن سلمان. تركز هذه الشركة على تطوير البنية التحتية السياحية وتعزيز الجذب السياحي، حيث يُعد الموقع الجغرافي والمناخ من العوامل الرئيسية لاختيار هذه المنطقة لتكون وجهة سياحية شبيهة بمنتجعات الغردقة المصرية.
البعد الجيوسياسي:
على الرغم من البعد الاستثماري الواضح، إلا أن البحر الأحمر ليس بمعزل عن التوترات الجيوسياسية. فقد تحول إلى ساحة للمواجهة بين القوى الإقليمية والدولية، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة. تؤثر النزاعات المستمرة في المنطقة العربية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحرب اليمن على استقرار البحر الأحمر. ومن المتوقع أن تزداد التحديات الأمنية مع تحول البحر الأحمر إلى مسرح لعمليات عسكرية محتملة.
تجاهل الأبعاد الجيوسياسية في رؤية 2030 يمثل تحديًا كبيرًا، حيث أن الاعتماد الكامل على استقرار البحر الأحمر لتحقيق النجاح الاقتصادي قد لا يكون واقعيًا في ظل التحولات الاستراتيجية المستمرة في المنطقة. فالسعودية، رغم امتلاكها رؤية اقتصادية، لم تطور بعد استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار التغيرات الجيوسياسية.
التحديات الأمنية:
البحر الأحمر منطقة حساسة من الناحية الأمنية، فهو يمثل شريانًا للتجارة العالمية، حيث تمر من خلاله نسبة كبيرة من البضائع المتجهة بين الشرق والغرب. كما أن الممرات المائية التي تربط البحر الأحمر ببحر العرب والخليج تُعتبر ممرات استراتيجية مهمة. إلا أن المنطقة تعاني من تهديدات مستمرة من القرصنة، تهريب الأسلحة، وتزايد الأزمات الإقليمية.
العمليات العسكرية التي تقودها قوى إقليمية مثل الحوثيين في اليمن تؤثر بشكل مباشر على أمن البحر الأحمر. الهجمات على السفن التجارية والتوترات بين اليمن والسعودية تسببت في تراجع الإيرادات من قناة السويس وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين. كما زادت عمليات القرصنة والتهريب، مما يؤثر على التجارة في المنطقة ويزيد من الضغط على السعودية لتطوير استراتيجيات دفاعية لحماية مصالحها.
الحلول الواقعية:
السعودية تواجه ضغوطًا لتعديل سياستها الأمنية والاقتصادية في البحر الأحمر. تحتاج المملكة إلى تفاهمات إقليمية مع دول الجوار، مثل اليمن وإيران، لضمان استقرار المنطقة. وقد أظهرت الهجمات التي تعرضت لها منشآت سعودية، مثل تلك التي وقعت في عام 2019، أهمية تحسين العلاقات الإقليمية لتفادي المزيد من الأزمات.
على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز القدرات العسكرية السعودية في البحر والجو، إلا أن الحلول العسكرية وحدها ليست كافية. تحتاج المملكة إلى استراتيجية شاملة تتضمن التعاون الإقليمي والتفاهمات السياسية لتجنب انزلاق الأزمات الإقليمية إلى داخل حدودها.
الخلاصة هي أن رؤية السعودية 2030 للبحر الأحمر تهدف إلى تحويله إلى مركز استثماري وسياحي عالمي، إلا أن هذه الرؤية تواجه تحديات كبيرة بسبب الأوضاع الجيوسياسية المتوترة. ولضمان نجاح المشاريع العملاقة في البحر الأحمر، تحتاج السعودية إلى استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الأمنية والسياسية بجانب البعد الاقتصادي.