مقالات أخرى
أخر الأخبار

تحالف دولي تموّله السعودية: الحرب الكبرى على اليمن

مروحة رهانات السعودية على التغييرات الكبرى في المنطقة تتسع، على وقع الحوادث الفاصلة في غزة ولبنان وسوريا، شعرت السعودية بالحرج الشديد لأن صديقها اللدود، تركيا، نجح في تحقيق منجز في سورية، باسقاط النظام، فيما عجزت هي عن تحقيقه في اليمن على الرغم من مرور ثمان سنوات قضاها السعودي في حرب ضروس عبّأ لها أطنانًا من العتاد، وحشودًا من الجنود، ومليارات من الدولارات لشراء الذمم لاسقاط حكومة صنعاء بقيادة حركة انصار الله، لم يغلق ملف الحرب على اليمن، وحين سقط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 هناك من همس في أذن السعودية معاتبًا ومحرّضًا بأن تركيا وحليفتها الصغرى قطر، فعلتا ما لم تفعله هي ولا حليفتها الاماراتية ومعهما تحالف دولي تشارك فيه قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا..

بعد العدوان الاسرائيلي المدمّر على قطاع غزة وجنوب لبنان وتاليًا سقوط نظام بشار، توصلت السعودية إلى قناعة بأن محور المقاومة قد تعرض إلى ضربة قاصمة وأن الوقت قد حان لأن تستكمل ما بدأه الاسرائيلي، ولكن هذه المرة في اليمن الذي شارك كجبهة إسناد من أجل شعب غزة خلال عام ونصف، وخاض مواجهات بحرية ضارية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى من أجل منع مرور السفن الاسرائيلية أو المتوجّهة إلى موانىء فلسطين المحتلة، بكلمات أخرى، أن من لديهم “ثأر” مع اليمن المقاوم هم كثر وعلى استعداد لأن ينخرطوا في الحرب من أجل تصفية الحساب القديم..

عوامل تآزرت من أجل شن حرب كبرى على اليمن، وهناك معطيات على الأرض تعزّز هذه الفرضية، فالتحشيد قائم على قدم وساق، وتجنيد المرتزقة، وتسليح المقاتلين، ونقل الأسلحة والذخائر إلى  مناطق القتال، وتهيئة الجبهات لبدء ساعة الصفر، فيما تستعد البوارج الحربية الأميركية والبريطانية وسلاح الجو الاسرائيلي للإنخراط فور صدور الأوامر..

كل ما سبق كان موضوع الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى واشنطن في 24 فبراير 2025 والتقى خلالها بوزيري الدفاع والخارجية، هي الزيارة الأولى لمسؤول سعودي رفيع الى واشنطن منذ تولي ترمب الرئاسة، وكأنها زيارة من خارج جدول الأعمال الكلاسيكي، حيث كان من المقرر أن يقوم ترمب بزيارة الى السعودية (على غرار زيارته الخارجية في مايو 2017 التي بدأها بالرياض)، أن يفتتح خالد بن سلمان العلاقة مع الرئيس الجديد في دورته الثانية بصفته وزيرًا للدفاع، يعني أن القضية أكبر من مجرد “تعزيز العلاقات الدبلوماسية” أو “بناء جسور التواصل مع واشنطن” كما ذكرت الصحافة السعودية.

 في الواقع، إن توقيت الزيارة والصفة التي حملها خالد بن سلمان (والوفد المرافق له) لهما علاقة مباشرة بما يحضّر لليمن، وما يعقد التحالف الأميركي الذي يضم (السعودية والامارات والكيان الاسرائيلي وبريطانيا) العزم على القيام به في الشهور المقبلة، وربما يلمّح تعليق الكاتب السعودي المقرّب من القصر عبد الرحمن الراشد إلى أهمية الزيارة سواء في الشكل على مستوى الاستقبال الحافل من قبل قادة البنتاغون، والذي فسّره بأنه يعكس “أهمية الزيارة في أوقات غير عادية”، بل وألمح إلى أن زيارات خالد بن سلمان إلى أمريكا دائمًا ما ارتبطت “بإعلانات كبرى وأحداث كبار”، وإن كان ربطها بالتفاهمات الاستراتيجية مع البيت الأبيض تمهيدًا لزيارة ترمب الى السعودية. في الواقع، قد يكون هذا من بين أهداف أخرى، ولكن ثمّة أولوية قصوى يجري العمل عليها على نحو طارىء وهي استكمال التحضيرات لإعلان الحرب على اليمن، التي يصفها قائد في حركة “أنصار الله” بأنها “حرب ضروس”، وإن صنعاء قد أعدّت نفسها لأسوأ السيناريوهات، وفي السؤال عن إمكانية وقوع الحرب قال بأنها: “واقعة لا محالة”، لأن الولايات المتحدة شعرت بالإهانة الكبيرة في مواجهاتها البحرية خلال جبهة الاسناد لعملية طوفان الاقصى ولصمود قطاع غزة ومقاومتها، التي تعرّضت فيها إلى ضربات موجعة وقاسية وفشلت في فك الحصار البحري المفروض على البواخر المتوجهّة الى فلسطين المحتلة.

زيارة خالد بن سلمان الولايات المتحدة تثير سؤالًا كبيرًا حول استئناف الحرب على اليمن، ولكن إلى أي مدى ترغب الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب في الانخراط في مثل هذه الحرب؟ وما هي الحوافز للقيام بذلك؟، وما هي أهداف السعودية والإمارات من هذه الحرب حيث بدأت كل منهما في تسليح حلفائها اليمنيين؟

في الشكل، إن زيارة خالد بن سلمان، هي إشارة واضحة إلى الجهود الجارية لإحياء فرص الحرب على اليمن، أو على الأقل الحفاظ على “ديناميكيات الأمن الإقليمي” من خلال  خوض الحرب على اليمن على أمل حسمها، إذ إن ديناميكيات الحرب متشابكة بشكل عميق مع المصالح الاستراتيجية لكل من التحالف الذي تقوده السعودية (بما في ذلك الإمارات) والولايات المتحدة، خاصة وأن هذه البلدان كانت متورطة في الصراع لسنوات.

التدخل الأمريكي في عهد إدارة ترامب

1 ـ الاستعداد للتدخل في حرب اليمن:

في عهد إدارة ترامب، كانت الولايات المتحدة تتبنى سياسة “الدعم القوي للمملكة السعودية” وحلفائها، وخاصة في “جهودهم لمواجهة النفوذ الإيراني” في المنطقة. وعلى الرغم من سعي إدارة بايدن إلى تقليص الدعم العسكري المباشر للصراع (مع وقف الدعم الهجومي والتحول نحو الضغوط الدبلوماسية)، فإن ولاية ترامب الثانية تشير إلى العودة إلى “الدعم الثابت” للمصالح السعودية والإماراتية، بما في ذلك في اليمن، في ظل استعداد الرياض وأبو ظبي إلى تحمّل الأثمان المطلوبة لتغطية نفقات الحرب.

-المصالح الاستراتيجية: ثمة توجّه واضح لدى ترمب لإعطاء الأولوية لاستثمار الأزمات في المنطقة لمصلحة بلاده ولمصالحه الشخصية أيضًا، حيث يتطلع إلى استقطاب مئات المليارات من الدولارات كمشتريات سعودية من البضائع الأميركية التي تتراوح ما بين السلاح، والتجهيزات التقنية والاتصالية، والطائرات المدنية. وطالما أن الهدف هو “المال” فلا فرق حينئذ أن يكون السبب هو الحرب أو السلام، ففي الحرب هناك مال وفي السلام أيضًا. وإذا كان المعلن هو ان أولوية إدارة ترمب هي “الاستقرار الإقليمي” ومواجهة نفوذ إيران، أو تقليصه الى الحد الأدنى، وهذا يتطلب رفع مستوى الدعم العسكري والاستخباري لحلفائها في المنطقة، فإن ما هو غير معلن ويندرج في رأس أولويات ترمب هو أن يكسب الكثير من المال وتقديم القليل من الخدمات والامتيازات للحلفاء، فهو ليس على استعداد لخوض الحرب من أجلهم، مع أنه سوف يعمل على توفير الدعم بالسلاح والاستخبارات للتحالف السعودي، ضد حكومة صنعاء. وبإمكان ترمب التذرّع بأن الإهانة التي تعرّضت لها بلاده كانت في عهد سلفه وغريمه جو بايدن (الفاشل كما يصفه دائمًا) الذي لم يحسن إدارة الأزمة، وهو من يتحمل المسؤولية وأن سياسته تختلف عن بايدن.

ـ مبيعات الأسلحة والدعم العسكري: في ضوء التوتر المتصاعد في المنطقة وقرع طبول الحرب على اليمن، سوف تشهد المنطقة سباق تسلح جديد. وعليه، سوف تقدّم الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة بأنواعها باستثناء تلك التي تتعارض مع التفوق العسكري الاسرائيلي، كما سوف تزوّد السعودية والامارات بالمعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي في شكل تزويد الطائرات بالوقود جوًا أو المساعدة في المراقبة. وهذا من شأنه أن يعزّز العلاقات السعودية والأميركية ويمهد لنقلة نوعية في العلاقة الى مستوى “الاتفاقية الدفاعية” كما تتطلع اليها السعودية، كما يعمق التعاون في مكافحة ما يراه الجانبان “نفوذًا إيرانيًا متزايدًا” في اليمن والمنطقة ككل.

– توازن القوى الإقليمي: أحد الجوانب المهمة لتدخل الولايات المتحدة في اليمن هو “توازن القوى” في الخليج والبحر الأحمر، حيث تمتلك الولايات المتحدة أصولاً ومصالح عسكرية في الأمن البحري. وقد تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى منع حكومة صنعاء من الحصول على موطىء قدم استراتيجي في شبه الجزيرة العربية، بما يهدد استقرار النظام السعودي، حيث إن أي خطأ في الحسابات العسكرية مع اليمن قد يؤدي الى تغيير موازين القوى بشكل دراماتيكي، وقد يقوم الجيش اليمني بقيادة أنصار الله بعمل مفاجىء يهدد وحدة المملكة السعودية.

2 ـ حوافز التدخل الأميركي:

لدى الولايات المتحدة استراتيجية اشتباك تتجاوز حدود منطقة غرب آسيا، وتضع في حساباتها المنافس الصيني والتطلّع الروسي للتعويض عن خسارة سوريا. ولكن واشنطن تلتقي مع الرياض في بعض الحوافز ومن بينها:

– مواجهة إيران: ثمة حافز أساسي لدى الولايات المتحدة للتدخل في اليمن هو “التنافس الاستراتيجي مع إيران”. فقد ركّزت السياسة الأمريكية، وخاصة في عهد ترامب، بشكل كبير على احتواء ومواجهة نفوذ إيران في المنطقة من خلال اعتماد سياسة “العقوبات القصوى”. يُنظر إلى أنصار الله على أنهم قوة بالوكالة تُستخدم “لتوسيع نطاق نفوذ إيران” في شبه الجزيرة العربية. في الواقع، إن السعودية تتطلع اليوم إلى أن يستكمل حلفاؤها بما في ذلك الكيان الاسرائيلي مسلسل الحروب ضد محور المقاومة واستعادة ما خسرته في اليمن، وهي خسارة استراتيجية.

– الحفاظ على التحالفات مع دول الخليج: المملكة السعودية والإمارات حليفان رئيسيان للولايات المتحدة في غرب آسيا. إن التحالف العسكري والدبلوماسي من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة النفوذ على سياسات هذه البلدان وضمان الوصول إلى “طرق الطاقة” الحيوية في المنطقة.

– المصالح الاقتصادية: في حين قلّلت إدارة ترامب في كثير من الأحيان من أهمية قضايا حقوق الإنسان، فإن “الحوافز الاقتصادية” مثل الحفاظ على “تجارة الأسلحة” وحماية “أسواق الطاقة” قد تظل عوامل دافعة لتورط الولايات المتحدة في الصراع. يضاف إلى ذلك التطلع للحصول على حصة وازنة من ثروات دول الخليج، وكذلك امتيازات أخرى لم تتمكن الإدارات السابقة من الحصول عليها ولا سيما الشخصية منها، وليس برج ترمب سوى تفصيل صغير في أطماع ترمب في الثروات الخليجية والاستثمار في أسواق المنطقة.

أهداف السعودية والإمارات

أهداف السعودية:

1 –  مواجهة النفوذ الإيراني: تنظر السعودية إلى حركة أنصار الله على أنهم امتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة. ويسعى التحالف الذي تقوده السعودية إلى انهاء حكم أنصار الله وتاليًا تقويض النفوذ الايراني في اليمن.

2- منع انتصار انصار الله: الهدف الأساسي للسعودية هو منع أنصار الله من تعزيز سلطتهم في اليمن، وتاليًا ضمان عدم وقوع البلاد تحت “النفوذ الإيراني”. ويتضمن ذلك دعم “الفصائل اليمنية” المعارضة لأنصار الله سواء في الشمال أو الجنوب.

3 – المخاوف الأمنية: تواجه السعودية “تهديدات أمنية مباشرة” من هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار التي شنها الجيش اليمني واللجان الشعبية إبان جبهة الاسناد لصمود غزة ومقاومتها، والتي أظهرت تطوّرًا ملحوظًا في نوع الصواريخ والمسيرات التي استعملت في عمليات الاسناد، وقد أعادت التذكير باستهداف البنية التحتية السعودية، بما في ذلك “المنشآت النفطية” في بقيق وخريص و”المطارات” وكذلك قصر اليمامة الخاص بالملك سلمان. إن تعطيل جبهة اليمن من شأنه أن يساعد السعودية في الحفاظ على أمنها ونفوذها الإقليمي.

4- إعادة تأكيد السيطرة: ترى السعودية اليمن كحديقة خلفية بالنسبة إليها، كما تتعامل معها كدولة عازلة مهمة على حدودها الجنوبية. ومن خلال السيطرة على اليمن أو التأثير عليها بشكل كبير، يمكن للسعودية منع أي نفوذ من قوى أخرى غير متصالحة معها أو منافسة لها وتاليًا توافر فرص احتكار النفوذ في اليمن والسيطرة على قراره السيادي واستقلاله السياسي.

أهداف الإمارات

ثمة أهداف موازية لدى الامارات قد تلتقي فيها مع السعودية وقد تتعارض، ومن بينها:

1– النفوذ الإقليمي: إن الإمارات وعلى الرغم من كونها شريكة في التحالف الذي تقوده السعودية، لديها مصالحها الخاصة في اليمن والتي تتجاوز الخطاب المناهض لإيران. تسعى الإمارات إلى “توسيع نفوذها” في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. كانت مهتمة بشكل خاص بالسيطرة على الموانئ الاستراتيجية مثل عدن وسقطرى وبناء تحالفات مع القوات المحلية في جنوب اليمن (مثل المجلس الانتقالي الجنوبي). وسوف يبقى هذا الهدف حاضرًا في كل تدخلاتها العسكرية والأمنية والاقتصادية..

2- تأمين الطرق البحرية: يعد البحر الأحمر ومضيق باب المندب من المناطق المهمة للتجارة البحرية العالمية، وللإمارات مصالح في السيطرة على نقاط الاختناق البحرية الرئيسية في المنطقة أو التأثير عليها. يساعد وجود موطئ قدم في اليمن في حفظ مصالحها الخاصة عبر تأمين هذه الطرق.

3- النفوذ في اليمن بعد الحرب: تستعد الإمارات أيضًا لمرحلة ما بعد العدوان على اليمن، بهدف تشكيل النتيجة السياسية من خلال الحلفاء المحليين والجماعات القبلية. يسمح تورط الإمارات لها بتأمين النفوذ السياسي والاقتصادي في اليمن في مرحلة ما بعد الحرب.

تسليح الحلفاء

لقد قامت السعودية والإمارات على نحو متزايد بتسليح الفصائل اليمنية التي تتوافق مع مصالحهما. وتشمل هذه الفصائل قوات موالية للحكومة المنتهية الصلاحية على الرغم من اعتراف امريكا والغرب الرأسمالي بها، فضلاً عن المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي جماعة انفصالية تريد العودة إلى جنوب اليمن. والهدف هو ضمان بقاء هذه الفصائل قوية، حيث تعمل كثقل موازن لقوات حكومات صنعاء.

– دور الإمارات: تعمل الإمارات على تعزيز الميليشيات المحلية في الجنوب، والتي قاتل بعضها ضد كل من أنصار الله والحكومة المدعومة من السعودية. ويعكس هذا استراتيجية أوسع نطاقًا للإمارات لدعم وسطاء القوة المحليين في المنطقة لتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في جنوب اليمن والبحر الأحمر.

آفاق التدخل الأميركي والتأثير الإقليمي

نظرًا للديناميكيات المتغيرة في المنطقة، قد تكون الولايات المتحدة راغبة في إعادة الانخراط في اليمن، ولكن من المرجح أن يكون دعمها “مشروطًا” بعدة عوامل:

– الوضوح الاستراتيجي: تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية واضحة في اليمن لتجنب خسائر محتملة لمصالحها أو الانجرار إلى “حرب أهلية” مستمرة دون حل متوقع بما يحرمها من تثمير الوقائع الجيوسياسية والاقتصادية على الأرض. ومن المرجح أن يظل التركيز على احتواء النفوذ الإيراني بدلًا من الإلتزام بالتدخل العسكري الطويل الأمد. ولكن قد تلجأ الى خيار وسطي بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري الى جانب مبيعات السلاح الى السعودية والامارات فيما تكتفي هي بمراقبة الممرات المائية والقصف من البوارج الحربية بصواريخ استراتيجية مثل توماهوك..

– العوامل المحلية: الاعتبارات السياسية المحلية في الولايات المتحدة، مثل تخطي المؤسسات التشريعية وتجاهل دور الاعلام والمؤسسات الأهلية قد تكون غير مؤثرة هذه المرة في صناعة القرار في إدارة ترمب ولكن من غير المستبعد الانخراط غير المباشر في الحرب بالتحايل على اللوبيات المحلية عن طريق تحويل الحرب الى مشروع استثمار مالي للصناعات العسكرية وللاقتصاد الأميركي عمومًا.

وعليه، فإن إن احتمالات التدخل الأمريكي في الحرب الكبرى على اليمن في ظل ولاية ترامب الثانية تبقى عالية، مدفوعة بالمصالح الجيوسياسية، وخاصة أجندة مواجهة إيران ومحور المقاومة، والرغبة في “حلب” أكبر كمية ممكنة من المال من السعودية والإمارات. لدى السعودية والإمارات أهداف محددة في اليمن، ومع قيام كل منهما بتسليح “حلفائهما اليمنيين”، فإن مستقبل الصراع سوف يتشكل من خلال هذه الطموحات المحلية والإقليمية، جنبًا إلى جنب مع مستوى الدعم الدولي الذي يمكنهما تأمينه، وخاصة من الولايات المتحدة.

موقف صنعاء

تدرك حكومة صنعاء جيدًا حقيقة ما يحضّره السعودي والاميركي والاسرائيلي والاماراتي، إلى جانب التجييش المتواصل في الجنوب وفي حضرموت والمهره. فهناك حرب كبرى يجري العمل على شنّها ضد حكومة صنعاء، ويبدو أنها سوف تكون أشد شراسة من الحرب السابقة. وقد أوصلت قيادة أنصار الله رسائل تحذيرية الى الرياض بان التورط في أي عدوان على اليمن سوف يجعل الحرب بلا أسقف وبلاد حدود، وأن الأهداف التي تفادتها حكومة صنعاء في السنوات الماضية سوف تكون هذه المرة في المقدّمة.

لناحية السعودية، فإنها أوقفت الحوار مع صنعاء وكل الترتيبات ذات الصلة، في إستعداد واضح للحرب، فيما بدأت عمليات التعبئة والتجنيد للمرتزقة في الداخل والخارج للتجمع في المعسكرات والجبهات استعدادًا للانغماس. تتحدث مصادر صنعاء عن نشاطات مشتركة متزامنة من جانب ابو ظبي والرياض وبالتنسيق مع واشنطن ولندن وتل أبيب تحضيرًا للعمليات العسكرية الموحدة ضد صنعاء.

السفارة الاميركية في اليمن تقوم بتحضير الميدان، والذي يشمل تأهيل المدرجات للطيران الحربي في منطقة ذوباب في مقابل باب المندب، إلى جانب تنسق الجهود وتكثيف اللقاءات مع قيادات عسكرية ومشايخ قبائل مسلحة في المحافظات الجنوبية في إطار الاستعداد للعمليات العسكرية بغطاء جوي أميركي اسرائيلي. يسبق ذلك تطبيق قرار العقوبات الأميركي الذي يدخل حيز التنفيذ في التاسع من مارس 2025، بعد تصنيف وزارة الخزانة الأميركية حركة أنصار الله منظمة إرهابية أجنبية. وقد طاولت العقوبات بنك تجاري يديره القطاع الخاص اضافة إلى 12 كيان وشخصية عامة، بهدف إضعاف القدرة المالية وتأليب الجمهور اليمني في مناطق سيطرة حركة أنصار الله.

السعودية التي حاولت المرواغة وإيهام صنعاء بأنها ليست في وارد الانخراط في الحرب على حكومة صنعاء، باتت بعد زيارة خالد بن سلمان الى واشنطن ولقائه قادة البنتاغون في قلب المعركة وأنها سوف تكون شريكًا كاملًا في العدوان على اليمن الى جانب الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي والامارات..الملفت أن خالد بن سلمان اصطحب في زيارته الى واشنطن السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر بما يؤكّد أن اليمن، إن لم يكن هو القضية التي من أجلها جاء خالد إلى واشنطن فإنه كان على رأس القضايا التي ناقشها مع وزيري الخارجية والدفاع في واشنطن. تجدر الإشارة إلى أن اللقاء الثنائي الذي جمع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، في مقر وزارة الدفاع بالعاصمة الأميركية واشنطن، في 25 فبراير 2025، وخالد بن سلمان، أعقبه اجتماع موسّع حضره سفيرة السعودية الأميرة ريما بنت بندر، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، ومساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية الدكتور خالد بن حسين البياري، والسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ومدير عام مكتب وزير الدفاع هشام بن عبدالعزيز بن سيف، ووكيل وزارة الدفاع للشؤون الإستراتيجية المكلف اللواء الطيران الركن سلمان بن عوض الحربي، والملحق العسكري في سفارة السعودية في واشنطن وأوتاوا العميد الركن عبدالله بن خلف الخثعمي. وحضر من الجانب الأميركي نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الأول كريستوفر غريدي، ومساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي كاثرين تومبسون، ومدير مكتب وزير الدفاع جوزيف كاسبر، ووكيل وزارة الدفاع للسياسات أليكساندر فيليز غرين، والملحق العسكري بسفارة أمريكا في السعودية العميد ريتشارد كويرك. وهذه التشكيلة من المشاركين رفيعي المستوى تنبىء عن أهمية القضية التي جرى تداولها خلال الزيارة، وإنها من دون ريب ذات طابع عسكري.

صنعاء ترصد تحركات السعودية والامارات وحلفائهما على الميدان كما تراقب نشاطات أميركا والكيان الاسرائيلي في البحر والجو، ولديها خطط رادعة، بل نقلت مصادر يمنية وثيقة الصلة بقيادة أنصار الله أن الأخيرة تحضّر مفاجئات سوف تربك حسابات “العدو”. في المقابل، أصدرت السعودية والامارات أوامرهما الى حلفائهما اليمنيين بالتحضير لمعركة صعبة وطويلة، وقد شهدت جبهات الجوف والضالع ومأرب وحرض وميدي وغيرها خروقات متعددة لاتفاق وقف اطلاق النار، فيما رصدت تحركات عسكرية نشطة أميركية واماراتية في جزيرة سقطري المحتلة من قبل الامارات وصفت بأنها جزءٌ من التحضيرات للتصعيد العسكري ضد اليمن.

وكان موقع (Maritime Executive) قد ذكر في 3 يناير الماضي أن قاعدة جوية جديدة في جزيرة عبد الكوري اليمنية تتشكل بسرعة، وهي كتلة أرضية تقع في موقع استراتيجي بالقرب من ممرات الشحن الحيوية عند مصب خليج عدن، وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية التي أجرتها كل من وكالة أسوشيتد برس (AP) ومجلة The Maritime Executive. ويضيف الموقع: يثير البناء، الذي لم تعلن أي دولة مسؤوليتها عنه، تساؤلات كبيرة حول غرضه وتأثيره المحتمل على ديناميكيات القوة الإقليمية.

ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس، تكشف الصور من Planet Labs عن بناء المدرج وما يبدو أنه رسالة مكتوبة على الأرض بجوار المدرج: “أنا أحب الإمارات”. وأكدت الهيئة التنفيذية البحرية البناء الجاري بصور من Sentinel-2. بدأ العمل في المطار منذ عام 2021، لكنه تسارع في الأسابيع الأخيرة. وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن جهود البناء الأولية في عام 2022 نحتت مدرجًا أقصر، مع بدء بناء المدرج الأطول الحالي في يوليو 2022 قبل التوقف، ثم إعادة التشغيل.

ويتمتع موقع عبد الكوري بأهمية استراتيجية كبيرة، ويقع بالقرب من مصب خليج عدن، عند مدخل ممرات الشحن الحيوية. وأشارت الهيئة التنفيذية البحرية إلى أن المطار سيهيمن على قنوات الشحن عبر خليج عدن إلى مضيق باب المندب، ما يسمح لأي مشغّل بالحفاظ على وجود مستمر أو القدرة على الإستجابة السريعة لشن مهام تكتيكية. يمكن للمدرج الذي يبلغ طوله 2400 مترًا استيعاب طائرات الهجوم والمراقبة والنقل، وحتى بعض أثقل القاذفات، وفقًا للمصدرين، مما يمثل تطوّرًا مقلقًا للقوة الجوية في المنطقة.

ويشير وجود رسالة “أنا أحب الإمارات” إلى تورط محتمل للإمارات، والتي لديها تاريخ معروف من الوجود العسكري في سلسلة جزر سقطرى، ويعد عبد الكوري جزءًا منها. لم ترد السفارة اليمنية في واشنطن ولا السعودية، التي تقود تحالفًا يقاتل حكومة صنعاء، على أسئلة الموقع. في غضون ذلك، نفى الجيش الأمريكي أي تورط في بناء عبد الكوري أو أي وجود عسكري في اليمن.

يشير تحليل آخر من المصادر إلى جهود بناء كبيرة، وكان مصنع التكسير يعمل على بعد ثلاثة أميال إلى الجنوب الغربي، حيث تنقل الشاحنات المواد الخام لبناء ممرات قادرة على تحمل وزن الطائرات الكبيرة. تمّ بناء ثكنة بها عشرة منازل جديدة في خيصات صالح، على بعد أربعة أميال إلى الغرب من المطار، مع وجود أدلة على الاستخدام المكثف للطريق بين الثكنات والمطار. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن رصيفًا جديدًا قد تمّ بناؤه على الشاطئ في كيليميا، المواجه للجنوب، محميًا بشكل أفضل من هجمات الطائرات بدون طيار اليمنية مقارنة برصيف تمّ استخدامه سابقًا على الساحل الشمالي. كما تمّ إنشاء موقع للمرافق على تلة يبلغ ارتفاعها 100 متر إلى الغرب من المطار، ربما يعمل كهوائي لاسلكي أو موقع لضخ المياه أو لأغراض الاتصالات. ولاحظت وكالة أسوشيتد برس أنه جذب أيضًا اهتمامًا غير عادي بتصوير الأقمار الصناعية في أكتوبر، ربما بسبب الشائعات التي تفيد بأنه كان يعمل كمحطة لجمع المعلومات الاستخبارية.

ويأتي بناء المطار في خضم صراع إقليمي أوسع نطاقًا، حيث أصبح خليج عدن والبحر الأحمر ساحة معركة بين الجيش واللجان الشعبية اليمنية والقوات التي تقودها الولايات المتحدة. وأشارت صحيفة ماريتيم إكزيكيتيف إلى أن ظهور المطار يأتي في الوقت الذي توسع فيه إسرائيل هجماتها على الحوثيين. كما ذكرت وكالة أسوشيتد برس عن مهبط طائرات غامض مماثل في جزيرة ميون في عام 2021، يُزعم أيضًا أن الإمارات بنته، ويقع في مضيق باب المندب الضيق.

لا يزال الغرض وملكية مهبط عبد الكوري محاطًا بعدم اليقين. ويمكن أن يخدم هذا المطار كقاعدة للعمليات العسكرية، أو مطار تحويلي في حالات الطوارئ، أو لأغراض أخرى سوف تتضح أكثر بمجرد بدء العمليات الجوية. وبغض النظر عن ذلك، فإن الوتيرة السريعة للبناء والموقع الاستراتيجي لهذا المطار يشيران إلى أنه تطور يستحق المراقبة عن كثب.

في النتائج، إن ثمة استعدادات تجري على قدم وساق من أجل حرب كبرى على اليمن، بهدف تغيير الواقع الجيوسياسي القائم منذ أكثر من عقد من السنوات، فيما يتحضّر اليمنيون إلى مواجهة يرون فيها قضية استقلال وطني وكرامة وعزة لليمن وشعبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى