مقالات أخرى
أخر الأخبار

هل يحسم إبن سلمان الخلافة؟ المتنافسون على العرش…

طبع صراع الأجنحة مرحلة من التاريخ السياسي السعودي يمتد إلى عمر الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة، وكان الصراع يأخذ شكلًا عموديًا وأفقيًا، ويشمل بيوتات الإخوة والأبناء على السواء بل أبعد من ذلك.

في الدولة السعودية الثالثة، عارض إخوة عبد العزيز، المؤسس الرسمي للمملكة السعودية، حصر السلطة في أبنائه، وحرمانه إخوته وأبنائهم منها. وكان الصراع يأخذ طابعًا دمويًا أحيانًا وتصفويًا، وقد قام عبد العزيز نفسه بقطع رؤوس أبناء عمومته لأنهم ناجزوه العداء، كما صفّى أبناؤه أبناء عمومتهم لأنهم نافسوهم على السلطة.

ولم تكن تطوى صفحة الصراع على السلطة بين أجنحة آل سعود وبيوتاتهم، إذ فتحت على مديات لا نهاية لها. ونتوقف هنا عند فترة ما بعد رحيل الملك عبد العزيز في التاسع من نوفمبر 1953. فقد تولى نجله الأكبر سعود العرش، وسار على نهج والده في إدارة شؤون الدولة، وبدلًا من إشراك إخوته في السلطة مكّن أبناءه من مقدّرات الدولة (في عام 1957م، أزاح سعود أخاه غير الشقيق الأمير مشعل من وزارة الدفاع وعيّن إبنه فهد بن سعود مكانه، كما عين ابنه الآخر (مساعد بن سعود) رئيساً للحرس الملكي، وعين إبنه الثالث خالد رئيساً للجيش الأبيض ( قبل أن يتحول فيما بعد الى الحرس الوطني)، فيما أمسك هو بكل مفاصل الحكم، الأمر الذي أشعل خلافًا حادًّا داخل أسرة آل سعود وتطوّر إلى إنقسام أفقي تبلور في جناحين متنافسين: جناح الملك سعود ومعه أبناؤه وبعض الأمراء الذين انقلبوا عليه لاحقًا مثل طلال بن عبد العزيز، ومشاري بن عبد العزيز، وبدر بن عبد العزيز، وتركي الثاني، وفوّاز بن عبد العزيز. خرج هؤلاء الى المنفى الاختياري في عام 1958 اعتراضًا على إدارة سعود لشؤون الحكم، فيما قاد فيصل ومعه الاشقاء السديريون السبعة: فهد، وسلطان، ونايف وسلمان، وأحمد، ومتعب، وتركي. في أغسطس 1963، أعلن الأمير طلال تراجعه عن المعارضة، وقدّم ما يشبه الاقرار بالذنب وقال بأنه كان “مخطئًا تمامًا” في خياره السابق، وأشاد بإصلاحات فيصل، وقرّر بحلول أوائل عام 196 العودة هو وإخوته من المنفى في بيروت، وخرجوا من الحياة السياسية، فيما بدأت رواية جديدة لصراع الأجنحة يقودها الجناح السديري مع جناح فيصل الذي اختار خليفة له من خارج السديريين الذين دعموه في صراعه مع غريمه الملك سعود، فتولى أخوه غير الشقيق خالد، شقيق محمد بن عبد العزيز المعروّف بـ “أبو شريّن” وكان هو بيضة القبّان في خلافات العائلة، وكانت كلمته مسموعة، وهو الأكبر سنًّا وترجيحًا لتولي العرش بعد فيصل ولكنه تنازل لشقيقه الأصغر خالد.

 وفي عهد الملك خالد (1975 ـ 1982) بدأ صراع الأجنحة يتمفصل على الجناح السديري وجناح عبد الله الذي دام منذ 1982 حتى رحيل الملك عبد الله سنة 2015. وعلى مدى أكثر من نصف قرن نشأ جيل من الأمراء على وقع صراع الأجنحة، فكان يتموضع بحسب العلاقة القرابية (أبناء الملك وأشقاؤه) أو التحالفات التي نسجها قادة الأجنحة مع بقية الأمراء (أولاد فيصل مع الجناح السديري مثالًا)..

من الناحية التاريخية، وبالنظر الى خارطة العوائل المتصاهرة مع العائلة المالكة والتي كانت تخوض صراعًا صامتًا من أجل ضمان حصتها في كعكة الدولة في ضوء المادة الخامسة (ب) المنصوص عليها في النظام الأساسي والتي تجعل الحكم “في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعودد وأبناء الأبناء”، كانت هناك عوائل رئيسية تخوض منافسة داخل مجال السلطة وهم آل فيصل وآل الثنيان، وآل جلوي، وآل سعود الكبير. كان لهذه العوائل أدوار متعددة الأبعاد ومتأثرة بمجموعة من العوامل السياسية والتاريخية والاجتماعية التي تراوحت بين المشاركة السياسية، والتأثير في بعض القضايا الداخلية والخارجية.

إن تقييم دور الفروع المختلفة للعائلة المالكة في عهد سلمان وابنه محمد يعكس تحوّلات كبيرة في هيكل الحكم والسلطة، مع تركيز ملحوظ على المركزية وتقليص نفوذ الفروع التاريخية. وهنا تحليل مقتضب لدور كل فرع على النحو الآتي:

الأول: آل فيصل (أحفاد الأمير فيصل بن تركي الأول بن عبد العزيز، أول وزير للداخلية وقد توفي سنة 1963)، وتصاهر هؤلاء مع آل السديري عبر التزاوج: عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود تزوّج من سارة والجوهرة إبنتي أحمد الكبير بن محمد السديري، ومحمد بن فيصل بن تركي آل سعود وزوجته فلوة بنت أحمد الكبير بن محمد السديري). فشكّل آل فيصل أكبر حاضنة للجناح السديري (السديريون السبعة: فهد، سلطان، نايف، سلمان، عبد الرحمن، تركي، أحمد) بكتلة بشرية قوامها 4000 شخص. يجدر إلفات الإنتباه إلى أن الملك فهد (1982 ـ 2005) خلف فيصل بن تركي في وزارة الداخلية، وهو إبن حصة السديري. وبعد تسلّمه مقاليد السلطة خلفاً للملك خالد، كان غالبية آل فيصل من عائلة السديري، من ناحية الأم، وقد سيطرت على السلطة منذاك، باستثناء عهد الملك عبد الله (2005 ـ 2015)، حيث سعى فيها الى تفتيت العصبة السديرية وتجريدها من مواقع سيادية، إلى جانب موت الأمير سلطان في أكتوبر 2011 ومن ثم الأمير نايف في 12 يونيو 2012.

تغلغل آل فيصل/السديريون في المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، الأمر الذي جعلهم القوّة النافذة والمؤثّرة في صنع القرارات الكبرى في المملكة، وقد تعرّض هذا الجناح إلى ضربات متوالية من جناح سلمان وإبنه محمد بسبب مخاوف من تعاظم خطر الجناح على مستقبل إبن سلمان وفرصته في الوصول الآمن الى العرش، وقام بتصفية كثير من أفراد الجناح في المؤسسات العسكرية والأمنية..

ومع أن فرع آل فيصل يتمتع بقدرات مهنية وتاريخية، لكنهم ليسوا من الأجنحة الأكثر نفوذًا في فترة حكم الملك سلمان ونجله. رغم ذلك، يوجد بعض الأمراء من هذه العائلة الذين يحتفظون بمناصب حكومية في المملكة، إلا أنّ مشاركتهم في السياسة العليا ليست قوية كما كانت في عهد الملوك السابقين. فقد تراجعت أدوارهم التنفيذية المباشرة في الحكومة، لكن بعض الأفراد مثل الأمير خالد الفيصل (أمير مكة المكرمة)، والأمير تركي الفيصل الذي لا يزال يُشارك في الدبلوماسية غير الرسمية وتمثيل المصالح السعودية عالميًا. ولم يُعيّن أعضاء بارزون من هذا الجناح في مناصب سيادية كبرى (مثل الدفاع أو الداخلية أو الخارجية) في عهد محمد بن سلمان، مما يعكس انحسار نفوذهم السياسي المباشر. فقد تراجع تأثيرهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مقارنة بفترات سابقة.

الثاني: جناح آل الثنيان، وهم ينتسبون لآل سعود، إلى جانب آل الفرحان وآل المشاري. غالباً ما يُقصد بهم فرع الملك فيصل بن عبد العزيز عبر زوجته الملكة عفّت (من عائلة الثنيان)، وأبرز أبنائهم الأمير خالد الفيصل (أمير مكة المكرمة) والأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية الأسبق).

ويعود نسب آل الثنيان الى الامير محمد بن عبدالله بن ثنيان بن ابراهيم بن ثنيان ال سعود، وكانوا حكّامًا على العارض وضرماء في نجد. والثنيان فرع مقرّب من عائلة السديري، ويحتل مكانة مهمة في المجال البيروقراطي المدني من السلطة، في مقابل السلطة السياسية والعسكرية التي يمسك بها آل فيصل. ويدين الثنيان في جزء كبير من نفوذهم لتداخلهم مع عائلة آل الشيخ. وتتألّف قبيلة الثنيان من أكثر من 3 آلاف عنصر، وهم منتشرون في أرجاء متفرقة من المملكة.

في عهد الملك سلمان، كان آل الثنيان جزءًا من الفروع التي تلعب أدوارًا في إدارة بعض الملفات ولكن ليس لديهم الوزن السياسي الذي يمتلكه آل سعود الكبير أو آل فيصل. ورغم أن أبناء آل الثنيان يشغلون بعض المناصب الإدارية في المملكة، فإن دورهم يقتصر على المناصب التنفيذية دون التأثير على التوجهات السياسية الكبرى. أما تأثيرهم الحالي، فيمكن الحديث عن الأمير خالد الفيصل الذي يحتفظ بمنصب أمير مكة منذ سنوات، وهو منصب ذو رمزية كبيرة لكنه يخضع لسيطرة المركز. ويُعتبر من الشخصيات المقربة من الملك سلمان وإبنه، وإن كان نفوذه محدودًا بالقرارات السيادية. وبشكل عام، حافظ هذا الفرع على وجوده في المشهد العام، لكن دون تأثير استراتيجي في صنع القرار. وبسبب عامل السن، فإننا قد نشهد أفول شمس آل الثنيان مع رحيل خالد الفيصل ومعه تركي الفيصل..

الثالث: آل جلوي، وهم ايضا فرع من آل سعود،  وينحدر هذا الفرع من جلوي بن تركي بن عبد الله آل سعود (شقيق فيصل بن تركي، حاكم الدولة السعودية الثانية). تقليديًا، تولى هذا الفرع إمارة المنطقة الشرقية لعقود من الزمن، ولا سيما في مرحلة انطلاق النهضة الصناعية/ النفطية وقدوم الشركات الأجنبية، الأميركية على وجه الخصوص. وقد اشتهر حكّام آل جلوي في المنطقة الشرقية بقمع الحركات العمالية والاحتجاجات الشعبية السياسية والنقابية، وكان لهم نفوذ واسع في إدارة المنطقة الشرقية إذ أصبحت أشبه بامتياز حصري لآل جلوي.

دخل آل جلوي في خلاف مع آل فيصل وال الثنيان على خلفية الانقسامات التي حصلت في عهد الملك سعود، حيث انحاز بعض أفراد آل جلوي الى جانب الملك سعود، ووقفوا ضد آل فيصل. وبعد مقتل الملك فيصل عام 1975، سعى آل جلوي الى تحسين مواقعهم داخل السلطة في مقابل الجناح السديري الذي نجح في السيطرة على المراكز الرئيسة في الدولة.

وبعد تولي الملك فهد مقاليد السلطة سنة 1982، عمل على تعزيز مواقع السديريين في الجهاز البيروقراطي، وفي عام 1985 أصدر أمرًا ملكياً بإعفاء الأمير عبد المحسن بن عبد الله بن جلوي آل سعود، وعيّن إبنه محمد أميرًا على المنطقة الشرقية، وبذلك أنهى احتكار آل جلوي إمارة هذه المنطقة، وأبقى لهم على محافظة الإحساء حتى عام 2022. ولا يزال أبناء الجلوي ينظرون الى أنفسهم بكونهم شركاء في الدولة السعودية، ويتطلعون لاستعادة نفوذهم في المنطقة الشرقية.

وقد تراجعت أدوارهم الإدارية مع تعيين أميرين من غير الفرع (مثل الأمير محمد بن فهد ثم الأمير سعود بن نايف) في المنطقة الشرقية. يُعد وجودهم في الوقت الحاضر شرفيًا أكثر منه تنفيذيًا، مع استمرار بعض الأفراد في مناصب ثانوية أو عسكرية. وكان آخر منصب إداري لآل جلوي تولاه بدر بن محمد بن عبد الله بن جلوي آل سعود كمحافظ للإحساء حتى 5 مايو 2022 حيث خلفه الأمير سعود بن طلال بن بدر بن سعود بن عبد العزيز، وهو من الأمراء الصغار السن المقرّبين من محمد بن سلمان.

ويمكن القول أن تأثير آل جلوي تراجع بشكل ملحوظ مقارنة بالفترات السابقة، وذلك بسبب التغييرات الهيكلية داخل الأسرة المالكة.

الرابع: آل سعود الكبير بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل بن تركي آل سعود (ت 1959)، ابن عم عبدالعزيز، مؤسس الدولة السعودية. وهو من أقدم الفروع وكان له دور في قيادة المملكة السعودية وإدارة شؤونها. وشارك سعود الكبير مع عبد العزيز في عدّة معارك، وزوّجه عبد العزيز شقيقته نورة، وبعد وفاتها زوّجه أختها حصة. وبرغم من أن أبناء هذا الفرع لا يطالبون علنياً بالخلافة، ولكن يرون أن لهم حقًا تاريخيًا في السطة لدور والدهم في إقامة المملكة، وفي الوقت نفسه الانتماء لأسرة آل سعود.

وحتى سنوات من عهد سلمان ونجله، لا يزال لهم تأثير ملحوظ في الهيكل السياسي السعودي، وكانوا يحظون بوجود قوي في الحكومة، ويتولى بعض الأمراء من هذه العائلة في مناصب رفيعة، خاصة في القطاع الأمني والدبلوماسي. ولكن فقد هذا الفرع نفوذه في الجهاز الدولتي ولم يعد له حضور حقيقي في أجهزة الدولة العليا.  وبعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، تلاشى دور هذا الفرع.

وقد برزت الى الواجهة في نهاية 2020 قصة اعتقال غامضة طاولت فرع سعود الكبير، حيث أوقف الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان المعروف باسم (غزالان) ووالده عبد العزيز بن سلمان بن سلمان بن محمد آل سعود، وذلك في يناير 2018 على الرغم من أنهما لم يعرف عنهما معارضة لحكم سلمان، وقد شمل الاعتقال مجموعة من أحفاد سعود الكبير. وقال التلفزيون السعودي بأن الأمراء وعددهم 11 أميرًا تجمهروا داخل الديوان الملكي، وعبّروا عن رفضهم إلغاء إعفاء الأمراء من دفع فواتير الكهرباء، الذي دفع السلطات لاعتقالهم. وفيما أفرج عن بقية الأمراء بقي غزالان ووالده قيد الاعتقال.  تجدر الإشارة إلى أن سلمان متزوج من عريب بنت الملك عبد الله، شقيقة الأمير تركي بن عبد الله، أمير الرياض السابق، الذي تم اعتقاله في حملة الريتز، ولا يزال قيد الاعتقال، وفي 2 أغسطس 2022 صدر بحقه حكم بالسجن مدة 17 عامًا.

ومع أن غزالان ليست لديه تطلعات سياسية، فإن ابن سلمان أرسل كتيبة السيف الأجرب التي يقودها سعود القحطاني لاعتقاله هو والده ولا يزالان معتقلين حتى الآن.

 في التحليل العام، فإن المركزية الشديدة طبعت سياسة محمد بن سلمان بتقليص نفوذ الفروع الأخرى لمصلحة الخط المباشر (أبناء الملك سلمان). تجلّى ذلك عبر إزاحة الأمراء الكبار (مثل مقرن بن عبد العزيز ومحمد بن نايف ومتعب بن عبد الله) وتهميش هيئة البيعة وصولًا إلى بقية الفروع في آل سعود. وكان البديل هو الاعتماد على كفاءات تقنية وبيروقراطيين خارج العائلة المالكة، مع تعيين أبناء موالين مباشرة للملك وولي العهد في المناصب الحساسة (مثل إمارة الرياض والدفاع).

وعلى غرار السلام عبر القوة التي يقودها ترمب في الوقت الحاضر، فإن سياسة محمد بن سلمان تقوم على أن استقرار حكمه لا يقوم إلا على القوة، عبر استخدام أدوات الضبط الأمني (مثل اعتقالات 2017 و2018) لضمان عدم تحدي الفروع الأخرى لسلطته. وقد  تحوّلت السلطة في عهد الملك سلمان وابنه، من نظام “العائلة الممتدة” إلى نظام مركزي يهيمن عليه الملك وولي عهده.  وأنّ الفروع المذكورة سلفًا وإن احتفظت ببعض الرموز أو المناصب الإقليمية لم تعد تلعب أدوارًا محورية في صنع القرار، بل أُدمجت ضمن تحالفات محدودة أو أُبعدت إلى الهامش. هذا التحول يعكس رؤية محمد بن سلمان لإعادة هيكلة الحكم وتقليل الاعتماد على التوازنات التقليدية داخل العائلة المالكة.

بكلمات أخرى، في عهد سلمان ونجله نلحظ أن السلطة السياسية في المملكة أصبحت أكثر “تركيزًا” بيد إبن سلمان، مع احتفاظ بعض العائلات التاريخية مثل آل سعود الكبير بنفوذ محدود في بعض الملفات. إلا أن معظم الأدوار التنفيذية والقرارات الاستراتيجية أصبحت تتخذ من قبل محمد بن سلمان شخصيًا.

وفي التداعيات، فإنه في الوقت الذي يحاول محمد بن سلمان تعزيز سلطته وتعزيز دور “رؤية السعودية 2030″، تراجع تأثير بعض هذه العائلات. على الرغم من ذلك، تظل لديهم “أدوار مؤثرة” في بعض المجالات “الإدارية” و”التنفيذية” في المملكة، خاصة في الاقتصاد والتطوير.

وعلى مستوى التحوّلات الاجتماعية فثمة نزوع نحو التوازن بين التقليدية والإصلاح وأن بعض هذه العائلات مثل “آل سعود الكبير” و “آل الثنيان” قد يكون لهم تأثير في التوازن بين الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي يدفع بها محمد بن سلمان وبين الحفاظ على “التقاليد” والموروث الثقافي للمملكة. بينما “آل فيصل” و “آل جلوي” يظل دورهم في الحراك السياسي والاجتماعي محدودًا مقارنة ببقية العائلات.

وعلى نحو إجمالي، وإذ تستمر فروع آل سعود الكبير وآل فيصل وآل الثنيان وآل جلوي في لعب أدوار متباينة في الهيكل السياسي والإداري في المملكة، لكن مع تركيز السلطة الكبير في يد محمد بن سلمان، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا جزءًا من النظام الحاكم دون أن يكون لهم التأثير الكبير على السياسات “الاستراتيجية العليا” في المملكة.

وبصورة إجمالية، ثمة استحقاقات قادمة أمام هذه الأفرع الأربعة، ومن غير المستبعد أن تشكّل تحالفات إنطلاقًا من مصلحة مشتركة أو خطر مشترك، إذ سوف يتعيّن على محمد بن سلمان التعامل مع شبكة معقّدة من العوائل المندغمة في تركيبة آل سعود. إن التحدّي الأكبر سوف ينبع من داخل الفرع السديري نفسه، لكون أفراده كانوا يمسكون على مدى عقود بمفاصل حسّاسة في جهاز الدولة، وأيضاً لكون هذا الفرع منقسمًا بشكل عميق في عهد سلمان، ونتيجة الإقصاء الشامل لأفراده واحتكار السلطة من قبل سلمان.

سعى الملك سلمان من خلال سلسة تعينيات واعفاءات متوالية إلى تشتيت القوة وتوزيعها على عدد كبير من الأفرع بما يحرم الفرع السديري من رجحان القوة وفرص تهديد موقع محمد بن سلمان في المستقبل. وعليه، فإن الخطر المستقبلي المحدق بالمصير السياسي للأمير محمد بن سلمان يكمن في الفرع السديري الذي قد يلعب دورًا محوريًا في تقرير مصير السلطة والدولة معًا..

سلمان يبدّد الشمل:

كان يمكن أن تمدّد صلاحية صراع الأجنحة بانتقالها إلى الجيل الثاني من الأمراء، مثل أولاد نايف وأولاد فهد وأولاد سلطان وأولاد سلمان وأولاد عبد الله بحسب خارطة توزيع السلطة التي رسمها الملك عبد الله في حياته حين عيّن اخاه غير الشقيق الأمير مقرن في منصب مستحدّث وهو”ولي ولي العهد”، وطوّر الحرس الوطني من جهاز ومؤسسة إلى وزارة لديها الصفة البيروقراطية الكاملة التي تتمتع بها وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وعيّن نجله عليها فأصبح وزيرًا بما يمنحه فرصة الوصول الى العرش ذات يوم، مع توزير محمد بن نايف على الداخلية بعد طلب احمد بن عبد العزيز اعفائه من منصبه.

ولكن الترتيبات التي قام بها الملك عبد الله أبطل خلفه سلمان مفعولها بما يشبه الضربة القاضية فور توليه العرش في 23 يناير 2015، حيث بدأ يصدر أوامر ملكية متوالية مصمّمة في جوهرها لإعادة تشكيل السلطة واستبعاد المنافسين وتمكين إبنه محمد من مفاصل السلطة كاملة..

ضربات 29 إبريل 2015 بإعفاء الامير مقرن من ولاية العهد، و21 يونيو 2017 بإعفاء الأمير محمد بن نايف من كافة مناصبه (ولاية العهد ورئاسة مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ووزارة الداخلية ونيابة مجلس الوزراء)، و4 نوفمبر 2017 بإعفاء الأمير متعب بن عبد الله من وزارة الحرس الوطني وتوقيفه على خلفية تهمة الفساد، كانت ممنهجة وتستهدف إزاحة كل المنافسين من طريق نجله محمد بن فهد والوصول الآمن الى العرش.

ولكن المعركة لم تكن تنتهي عند مجرد قرارات الإعفاء، فقد ترافقت مع حملات تصفية واسعة في كل وزارات الدولة ومؤسساتها والتي تحتضن مؤيدين للأمراء المنافسين لابن سلمان، ولا سيما في الحرس الوطني والداخلية بكافة أذرعها بل وحتى وزارة الدفاع التي كانت من نصيب آل سلطان لنصف قرن (1962 ـ 2012). إن ملاحقات فلول وأنصار أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف وحتى متعب بن عبد الله بقيت متواصلة حتى الآن، لاعتقاد بيت سلمان أن الأمراء يحملون تطلعات متماثلة نحو السلطة وتقاسمها، وإنهم يتربّصون بالعرش، ولن يقبلوا باستفراد ابن سلمان بالكعكعة بمفرده.

إن الانقسام الداخلي غير القابل للإنكار، يمكم تلّمسه في ضوء معطيات ذات دلائل كبيرة مثل غياب الرؤوس الكبيرة والمؤثرة والفاعلة في آل سعود عن المشهد. ليس اختفاء محمد بن نايف واحمد بن عبد العزيز وغيرهما من الأمراء أمرًا مألوفًا في حياة آل سعود. على سبيل المثال، أن يغيب محمد بن نايف عن مجلس عزاء عمه عبد الرحمن (أحد السديريين السبعة)، في 13 يوليو 2017 فيما تختفي صورة محمد بن سلمان من مجلس أحمد بن عبد العزيز (شقيق الملك وعم ولي العهد)، وعدم مبايعة عبد الرحمن وأحمد ومقرن وعبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن سعد وأمراء آخرين من الجيل الثاني والثالث لمحمد بن سلمان، ويتزامن ذلك مع تغيّب الملك سلمان ونجله عن قمة العشرين في هامبورغ الالمانية في يومي 7ـ 9 يوليو 2017، والذي وصفت مجلة (فوكس) الإلمانية التغيّب على أنه خوف من الاضطراب السياسي على خلفية إعفاء إبن نايف، إلى جانب ما اعتبره عبد المطلب الحسيني، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إزدراء الملك السعودي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إذ كان بإمكانه إيفاد إبنه ولي العهد الجديد ممثلًا عنه. لم تكن قمة هامبورغ وحدها التي غاب عنها الملك وولي عهده، بل توقّف سفر إبن سلمان الى الخارج منذ عزل إبن نايف، وبدوره لم يسمح للأخير بالسفر مع عائلته إلى سويسرا أو بريطانيا، ما يؤشر الى أزمة عميقة داخل العائلة المالكة.

إن حظر السفر المفروض على مئات الأمراء والأميرات واحتجاز أموالهم وفرض قيود صارمة على استخدام الحسابات البنكية، ومراقبة هواتفهم وتحركاتهم، واعتقال آخرين لسنوات طويلة هي ليست تدابير عابرة وطارئة بل هي تعكس القلق من انفجارات كامنة في البيت الحاكم.

داخلياً أيضاً، تظهر مؤشرات عديدة على أن نهج الحكم في عهد محمد بن سلمان سوف يبقى قائمًا على المصادمة وقمع الأصوات المخالفة، وإن تخلّلتها انفراجات جزئية بين فترة وأخرى.

وفي القراءة الأولية، تتشكل الديناميكيات السياسية بين الأمراء السعوديين فيما يتعلق بولي العهد محمد بن سلمان (MBS) من خلال توطيد سلطته، والتحولات الجيلية، والتغييرات البيروقراطية والاجتماعية والاقتصادية أو ما يسبغ عليها عنوان “الإصلاحات”..

من المتوقع أن يتطور المشهد السياسي داخل العائلة المالكة استجابة لاستعدادات إبن سلمان لخلافة العرش بعد والده الملك سلمان. الديناميكيات داخل عائلة آل سعود معقدة، مع وجود العديد من الأجنحة والأمراء الأفراد ومواقفهم السياسية التي تشكل المسار المستقبلي للسعودية.

لناحية تصنيف الأمراء السعوديين حسب الموقف السياسي تجاه محمد بن سلمان، يمكن وضع مندرجات على النحو الآتي:

1 ـ المتماهون:

وتضم هذه الفئة الأمراء الأصغر سنًا، والتكنوقراط، والمستفيدين المباشرين من رؤية محمد بن سلمان 2030 (على سبيل المثال، المعينون في مشروع نيوم أو البحر الأحمر). ودافع هؤلاء هو: التقدم الوظيفي، أو التوافق الإيديولوجي مع أجندة محمد بن سلمان الوطنية، أو الخوف من الإقصاء.

عمل إبن سلمان بجد لتعزيز السلطة داخل العائلة المالكة ولديه فريق كبير من الأمراء الداعمين له. هؤلاء يتوافقون مع رؤيته الاقتصادية والسياسية من خلال خطته الإقتصادية الطموحة رؤية 2030 وإصلاحاته الإجتماعية، وتنويع الترفيه.

فهو يراهن على دعم الجيل الأصغر سنًا من أمراء العائلة المالكة، وخاصة أولئك الذين ولدوا بعد الثمانينيات، الذي يمكنه السيطرة عليهم وتوجيههم وفي الوقت نفسه ضمان إلتزام آبائهم الصمت. هؤلاء الأمراء إما يشغلون مناصب مؤثرة بالفعل أو يُنظر إليهم على أنهم جزء من الجيل القادم من القيادة. يعتقد هؤلاء الأمراء الصغار بأن ما يحسبونها “إصلاحات” محمد بن سلمان هي حيوية لمستقبل المملكة.

من جهة أخرى، بعض وازن من الأمراء الصغار هم أنصار التحرير الاقتصادي والاجتماعي، وقد أظهروا دعمهم لمحمد بن سلمان بسبب رؤيته الاقتصادية (رؤية 2030) والجهود المبذولة للحد من اعتماد السعودية على عائدات النفط. كان “التنويع الاقتصادي” نقطة نقاش رئيسية، ويرى الكثيرون في العائلة المالكة أنه ضروري لمستقبل البلاد.

وقد حظيت رؤية ابن سلمان بتأييد شخصيات رئيسية في الجهازين العسكري والأمني، وقام بتنمية علاقات مع شخصيات رئيسية في الجيش وأجهزة المخابرات وقوات الأمن، مما يضمن احتفاظه بالسيطرة على الجهاز الذي يمكن أن يعمل كضمانة لمنصبه السياسي.

من أمثلة هذه الفئة: خالد بن سلمان وزير الدفاع وهوشقيق محمد بن سلمان، وعبد العزيز بن سعود بن نايف (وزير الداخلية)، وفيصل بن فرحان (وزير الخارجية) وعبد العزيز بن تركي آل سعود (وزير الرياضة، المشرف على المشاريع التحويلية)،والأمير بدر بن عبد الله (وزير الثقافة سابقًا)، الأمير سعود بن عبد الله بن فيصل آل سعود، والأمير محمد بن فهد بن عبد الله آل سعود، والأمير تركي بن محمد بن فهد، وأبناء بندر بن سلطان خالد سفير السعودية في لندن وريم سفيرة السعودية في واشنطن..

2 ـ البراجماتيون:

وهم كبار أمراء آل سعود الذين يعطون الأولوية للبقاء بدلًا من الصدام والمواجهة. وكثير منهم من فروع غير السديريين (على سبيل المثال، أحفاد فيصل وعبد الله). ويترجم هؤلاء سلوكهم في التأييد العلني لمحمد بن سلمان بينما ينتقدون في مجالسهم الخاصة مركزيته للسلطة. يتجنب هذا الفريق المعارضة العلنية في سبيل الاحتفاظ بالثروة والمكانة ومن أمثلة ذلك: الأمير تركي الفيصل (رئيس الاستخبارات السابق، ناقد حذر ولكنه يتجنب الصدام المباشر)، ومقرن بن عبد العزيز ومتعب بن عبد الله ومن الأمراء من ذوي الرتب المتوسطة في الأدوار الاحتفالية (على سبيل المثال، حكّام الثلاث عشرة منطقة إدارية).

بعبارات أخرى، في حين نجح إبن سلمان في ترسيخ سلطته، لا يزال هناك أمراء يحملون “آراء محافظة” وأكثر تقليدية في توجهاتهم السياسية. قد يعارض هؤلاء الأمراء إصلاحات محمد بن سلمان الأكثر ليبرالية ومركزية سلطته. ويظل الأمراء من الجيل الأكبر سنًا حذرين من صعود محمد بن سلمان، وخاصة أولئك الذين تربطهم علاقات قوية بالفئات التقليدية داخل المجتمع. ويشمل هؤلاء الأمراء الذين قد لا يتفقون مع “الإصلاحات الاجتماعية” التي يقوم بها محمد بن سلمان مثل “توسيع مجال الترفيه” و”رفع القيود المفروضة على النساء”، ويرون أنها تقوض القيم التقليدية

ويخضع هذا الفريق تحت تأثير التقاليد الدينية، إذ إن دور المؤسسة الدينية الوهابية عامل رئيسي في توجهاته. فقد حاول محمد بن سلمان “تحرير جوانب معينة” من المجتمع، ولكن بعض الأمراء المحافظين، وخاصة أولئك الذين تربطهم علاقات بالسلطات الدينية، قد يقاومون وتيرة هذه الإصلاحات، خوفًا من أنها تقوض “القيم التقليدية” التي طالما دافعت عنها السعودية في العلن على الأقل.

3 ـ المعارضون الصامتون:

وهؤلاء هم أفراد العائلة المالكة المهمّشون، بما في ذلك بعض السديريين وأبناء الملوك السابقين (فهد وسلطان وعبد الله). ويعود استياء هؤلاء إلى تهميش محمد بن سلمان لهم لناحية تقاسم السلطة التقليدي، ولكنهم يفتقرون إلى النفوذ المؤسسي. وتقتصر المعارضة على الدوائر الخاصة. ومن أمثلة هذه الفئة: أبناء الملك عبد الله (على سبيل المثال، الأمير متعب، الذي كان رئيسًا للحرس الوطني، وهو الآن غير نشط سياسيًا). وبعض أبناء الملك فهد (مثل عبد العزيز بن فهد ومحمد بن فهد (توفي في يناير 2025)، وسلطان بن فهد) الذين جُردوا من النفوذ قبل وبعد حملة الريتز في أكتوبر 2017.

ويندرج في هذه الفئة، الأمير فيصل بن بندر والأمير خالد بن فيصل. فهذان الأميران عضوان في الجناح “الأكثر تقليدية” داخل العائلة المالكة، وهما جزء من “الحرس القديم”. وفي حين لا يُنظر إلى أي منهما على أنه منافس مباشر لابن سلمان، فإن مناصبهما قد تمنحهما دورًا في معارضة رؤية إبن سلمان. إنهما يحافظان على نفوذهما بين “النخب السعودية التقليدية” ويمكنهما السعي إلى موازنة قبضة جناح سلمان على السلطة.

4 ـ المعارضون المتشددون:

 وهؤلاء شخصيات مستهدفة بشكل مباشر من قبل محمد بن سلمان، وغالبًا ما تتمتع بشرعية تاريخية أو دعم أجنبي. ولكن مستوى التهديد ليس عاليًا جدًا، بسبب القدرة التشغيلية المحدودة بفعل المراقبة أو الاحتجاز أو النفي، ولكن المخاطر الرمزية لا تزال قائمة. ومن أمثلة هذه الفئة الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق، المحتجز منذ عام 2020. ولا يزال يحظى الأخير بالتعاطف في دوائر الاستخبارات الغربية.

إن الطريقة التي تمّت فيها إزاحة إبن نايف عن المشهد السياسي وبطريقة شاملة تركت وراءها شعورًا “بالاستياء” بين بعض الأفرع في آل سعود وحتى من خارجهم أي القبائل المتحالفة ورجال الدين. وقد يشكل بعض الأمراء الذين يظلّون موالين له أو يرون إزاحته “فصيلًا منشقًا” في المستقبل.

 وأيضًا، هناك الأمير أحمد شقيق الملك سلمان، الذي احتُجز لفترة وجيزة في عام 2020 بسبب انتقادات مزعومة، خلال سفرة له إلى لندن في سبتمبر 2018 ومصادفة وجود عناصر من المعارضة البحرينية التي واجهته بشعارات مناهضة لأسرة آل سعود، فتوقف للرد ونسب ما يجري في اليمن الى الملك ونجله محمد دون بقية آل سعود. وعلى الرغم من توطيد إبن سلمان لسلطته، والتزام الأمير أحمد الصمت، فإنه لا يزال يشكل تحديًا محتملًا لقيادته، إما من خلال المعارضة المباشرة أو باستخدام “نفوذها” في الدوائر الرئيسية. وسوف يبقى الأمير أحمد في طليعة الأمراء الذي يمكن ان يشكّلوا مصدر قلق لابن سلمان في المستقبل، إذ كان ينظر إليه، ولفترة وجيزة، كبديل محتمل لإبن سلمان، وخاصة خلال صراع السلطة في عام 2017 عندما تمّ التشكيك في صعوده إلى منصب ولي العهد من قبل بعض الأجنحة داخل العائلة المالكة. وينظر إلى الأمير أحمد على أنه محافظ، وأنه نأى بنفسه عن بعض التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والهيكلية التي أجراها ابن سلمان على مدى سنوات. وعليه، يمكن اعتبار الأمير احمد نقطة تجمّع لأولئك الذين يعتقدون أن سياسات إبن سلمان راديكالية وتنطوي على تهديد لمستقبل العرش السعودي ويفضلون شكلًا أكثر تقليدية للقيادة.

5ـ الأمراء المنفيون: حفنة من أفراد العائلة المالكة الأقل شأنًا في الخارج (على سبيل المثال في أوروبا) كانت توجّه انتقادات لكن أفرادها يفتقرون إلى النفوذ المحلي. وقد عاد عدد من هؤلاء في السنوات السابقة إما عن طريق التسوية أو الاختطاف مثل الأمير سلطان بن تركي والأمير سعود بن سيف النصر آل سعود (مصدر معلومات مجتهد صاحب الحساب المشهور).

 ومن هؤلاء الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز، الذي هرب قبل أيام من حملة ريتز ويعيش في فرنسا، والأمير سعد بن عبد الله بن عبد العزيز، وحصّة، زوجة الملك عبد الله. ولكن بقي هؤلاء بعيدًا عن الأضواء ولم يقرروا بعد القيام بأي نشاط سياسي علني ضد محمد بن سلمان، وهذا حال أمراء آخرين وأميرات أخريات من بيت عبد الله وسعد. ويقال بأن الامير خالد بن طلال الذي اعتقل في ديسمبر 2017 على خلفية رفضه إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم أفرج عنه في نوفمبر 2018 ولكن أعيد اعتقاله بعد شهر من ذلك التاريخ، وقيل أنه أفرج عنه، ثم هرب الى الخارج.

يضاف الى هؤلاء الأمير خالد بن فرحان، الذي يعيش في ألمانيا، وكان نشطًا في بعض الأوقات، ولكنه آثر الصمت والإنطواء بعد عودة أمراء آخرين الى الديار بصورة طوعية أو اختطافهم من الخارج وجلبهم الى الداخل بطريقة قطّاع الطرق، أو نزوعه نحو المصلحة الشخصية. 

ونعود هنا الى قصة عودة الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز الذي تعرّض للاختطاف مرتين الأولى سنة 2003 والثانية على يد سعود القحطاني، الذراع اليمني لابن سلمان، سنة 2020 حين نقل على متن طائرة سعودية من باريس الى القاهرة ولكنها غيّرت وجهتها الى الرياض واختفى الأمير منذ ذلك الوقت حتى الآن. يضاف إلى فئة الأمراء العائدين: الأمير فيصل بن عبد الله بن عبد العزيز والأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز.

 على نحو الإجمال، إن قصة الأمراء الذين يعيشون في المنفى تبدو غامضة وهناك تكتم شديد حولها بسبب خوف الأمراء من الاختطاف أو المقايضة مع دول المنفى.

مستويات التهديد:

في تقييم مستويات التهديد لكل فئة من الأمراء بحسب مواقفهم من ولي العهد ومصادر القوة التي بحوزتهم، يمكن الإضاءة على مستويات متفاوتة على النحو الآتي:

1 ـ تقييم التهديد الحالي:

 أ ـ خطر فوري منخفض: نجح محمد بن سلمان في تحييد منافسيه من خلال الاستقطاب والاحتجاز (على سبيل المثال، حملة ريتز كارلتون في أكتوبر 2017)، والسيطرة على قوات الأمن (الحرس الملكي، وأجهزة الاستخبارات بجميع أفرعها واستدماجها في جهاز جديد باسم رئاسة أمن الدولة).

ب ـ التهديدات الرمزية: يُنظر إلى شخصيات مثل محمد بن نايف أو أحمد بن عبد العزيز على أنها نقاط حشد للسخط، ولكنّها من الناحية الواقعية والعملانية تفتقر إلى الموارد اللازمة للتعبئة.

2 ـ محفزات محتملة لعدم الاستقرار :

– وفاة الملك سلمان: قد تختبر خلافة محمد بن سلمان الرسمية تعهدات الولاء من هيئة البيعة، على الرغم من أنه من المرجح أن يضمن دعمها. فهذه الهيئة التي وهبته غالبية أصواتها له بعد إعفاء محمد بن نايف في يونيو 2017، سوف تخضع لاختبار آخر في حال موت الملك سلمان، وسوف يبقى السؤال حول ما يمكن أن يصدر عنها من مواقف، وما إذا كانت سوف تخضع للولاء القهري كما فعلت في مبايعة ابن سلمان بولاية العهد.

– الأزمة الاقتصادية: قد يؤدّي فشل رؤية 2030 (على سبيل المثال، توقف المشاريع، وانهيار أسعار النفط) إلى تشجيع المنتقدين داخل العائلة المالكة، وهذا ما يحسب له ابن سلمان حسابًا دقيقًا لأنّه يخشى من تأثيرات الأوضاع الاقتصادية على اتجاهات الرأي العام وعلى نشوء تيار نقدي يمتد من الأسرة المالكة ويعبر المجتمع الديني ويصل الى باقي مكوّنات الشعب.

وبالرغم من المشروع الطموح الذي تبنّاه محمد بن سلمان المتمثل في رؤية السعودية 2030، فإن الشكوك ساورت الخبراء الإقتصاديين والسياسيين على السواء لناحية افتقار صاحب المشروع لقاعدة بيانات متينة حول الواقع الاقتصادي للمملكة. إن الانتقال الراديكالي من عصر النفط الى عصر الاستثمار لم يكن مبنيًا على رؤية عميقة لمتطلبات الانتقال، على مستويات تشريعية، وسياسية، وثقافية، واجتماعية. وإن مجرد استعارة نموذج قد يبدو في ظاهره ناجحًا لايعني تحويله الى نموذج معياري، خصوصًا في بلد يتفاوت في مقدّراته، وموارده البشرية، وحجمه السكاني وتنوّعه، ومساحته الجغرافية، عن البلد الذي يراد استنسساخ تجربته (دبي نموذجًا).

لقد كرّر الخبراء الاقتصاديون ودعاة الإصلاح السياسي النداء المدخلي للإصلاح الاقتصادي، إذ لا بد أن يسبق الأخير إصلاحات تشريعية وسياسية وحقوقية، ومن غير المملكن السير نحو إصلاح اقتصادي مستقلًا عن إصلاحات في المجالات الأخرى.

يقدّم التآكل المتسارع للاحتياطات من النقد الأجنبي من 737 مليار دولار في أغسطس 2014 الى 434 مليار دولار في يناير 2025، مؤشراً على تراجع الأداء الاقتصادي العام. وتعاني المملكة السعودية من أزمة مالية حادة، بسبب تراجع أسعار النفط العالمية، وأن تخفيض سقف الانتاج لم يحدث تغييرًا فارقًا في التسعيرة. وقد لجأت الحكومة السعودية الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات التقشفية القاسية لإصلاح الاقتصاد والاتجاه نحو الاقتراض للحد من الأزمة المالية (بلغ الدين العام 1.157 تريليون ريال سعودي أي ما يعادل 306 مليار دولار)، وفرض المزيد من الضرائب (تصل نسبة الضريبة على السلع والخدمات الى 20%). وعلى الرغم من مزاعم التخلي عن النفط بحلول عام 2020 أو حتى تخفيض مستوى الاعتماد عليه كمصدر للدخل، فإن توقعات صندوق النقد الدولي حول النمو الاقتصادي في السعودية لا تزال تعتمد على سعر البترول، ولذلك خفّض الصندوق توقعات النمو في السعودية بنسبة 1.3% لعام 2025. وما لم ترتفع أسعار النفط، فإن وتيرة الإصلاحات المالية من المرجح أن تبقى أبطأ مما كانت عليه في عام 2016، عندما خفضت السلطات الإنفاق وخفضت الدعم عن السلع.

الديوان الملكي

يظل الديوان الملكي عاملًا حاسمًا في السياسة السعودية. وينتمي أعضاء الديوان غالبًا إلى الحرس القديم، الذي عاصر الحكم السعودي لفترات طويلة وشهد تقلبات السلطة وصراعات الأجنحة. وتتمتع شخصيات رئيسية في الديوان مثل “مستشاري الملك” و”الوزراء” وكبار “المسؤولين العسكريين” بنفوذ كبير. وقد عمل محمد بن سلمان على وضع أنصاره في مناصب رئيسية من السلطة داخل الديوان، ولكن لا يزال هناك أفراد داخل “البيروقراطية الملكية” يمكنهم “مقاومة طريقه إلى العرش”. قد لا يشكل هؤلاء الأفراد تهديدًا مباشرًا ولكن قد يخلقون “تحديات” أو “مضاعفات” لخلافة إبن سلمان السلسة.

ـ التدخل الأجنبي

 قد يستغل الأمراء المنفيون أو الجهات الفاعلة الخارجية سواء في الجوار الإقليمي أو حتى في المجال الدولي الإنقسامات الداخلية، على الرغم من أن مكافحة التجسس السعودية لا تزال قوية. ولكن ذلك كلّه مشروط بوجود أوضاع اقتصادية مستقرة نسبيًا، وقدرة فائقة على الضبط الأمني، ولأن لا ضمانة أمنية من دون استقرار اقتصادي، فإن احتمالية التدخل تكون واردة في حال التراجع الاقتصادي الحاد، الذي يؤثر على الاوضاع الميعشية اليومية للناس..

إن القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، تؤثر أيضًا على المشهد السياسي السعودي. إن العلاقة الوثيقة بين إدارة ترامب ومحمد بن سلمان والتحالف الذي تقوده السعودية مع شركاء إقليميين آخرين هي عوامل عززت موقفه. ومع ذلك، فإن التحولات الدولية، مثل التغيرات في السياسة الأمريكية تجاه السعودية أو المخاوف المتزايدة بشأن حقوق الإنسان والتدخلات الإقليمية، يمكن أن تشكل أيضًا عناصر ضغط مؤثّرة. إذا تغيرت هذه الديناميكيات الدولية أو إذا زادت الضغوط الخارجية على إبن سلمان، فقد يشجع هذا الأجنحة داخل العائلة المالكة التي تعارض قيادته على التحرّك والضغط باتجاه إرغامه على التخلي في الحد الأدنى عن جزء من السلطة الاحتكارية.

3 ـ العوامل المضادة:

هناك عوامل ذات مفعول إيجابي بالنسبة إلى محمد بن سلمان، وتشكّل في مجملها مصادر حماية له إزاء الأخطار المحدقة بمستقبله السياسي واستقرار حكمه، وهي على النحو الآتي:

– التحول الجيلي: يدعم الشباب السعودي (70٪ تحت سن 35) إلى حد كبير الإصلاحات الاجتماعية لمحمد بن سلمان (حقوق المرأة، ونمو قطاع الترفيه). وهذا التأييد الشبابي يمثّل شبكة أمان بالنسبة إلى ابن سلمان في مواجهة خصومه والمعارضين لإصلاحاته.

– القوة القسرية: على خلاف العقود الماضية التي اعتمدت فيها الدولة السعودية سياسة العصا والجزرة، فإن عهد سلمان بدا مختلفًا تمامًا حيث استبدل الجزرة بالترفيه والنيوليبرالية الاجتماعية على أن لا يتحمل أيًا من الأثمان المطلوب دفعها لكسب صمت الناس وولائهم. فقد جمع الملك الفعلي محمد بن سلمان بين العصا والعصا، أولًا بأن حوّل الدولة الى جهاز ردعي يقوم بمهمة المراقبة الموسعة (عن طريق برامج تجسسية مثل برنامج بيجاسوس) من أجل تهديد معارضة الخارج، وفي الوقت نفسه فرض سياسة قمعية في الداخل عن طريق الاعتقال التعسفي والعقوبات المفتوحة التي طاولت آلاف المواطنين. لم يعوّض هذا القمع بقدر من التقديمات الاجتماعية، بل على العكس زاد عليها برنامجًا ضريبيًا قاسيًا..

– شبكات المحسوبية: سعى محمد بن سلمان إلى تشكيل حاشية من المنتفعين من داخل العائلة المالكة وخارجها تكون جبهة مساندة في مقابل الخصوم في العائلة المالكة وخارجها، وتمّ استعمال النخبة الجديدة وولائها لضمان السيطرة على أموال الدولة والمشاريع الضخمة التي تقوم بها شركات تابعة لابن سلمان وبمشاركة أفراد النخبة من حاشية ابن سلمان، وتضم النخبة أمراء صغراء من آل سعود من أجنحة متعدّدة، بما في ذلك الأجنحة المهمّشة، وأفراد من قبائل قريبة ونافذة في المجتمع أو أصدقاء له منذ أيام الدراسة..

عوامل كاسرة :

 هناك عوامل وان بدت متوقعة ولكنّها تحمل في طيّاتها تداعيات خطرة قد تغيّر موازين القوى وتعيد تشكيل المشهد السياسي برمته ومن بينها:

1 ـ الأزمات الصحية المفاجئة: درجت العادة على حساب تقدّم عمر الملك سلمان (88 عامًا) والذي من شانه أن يؤول إلى تسريع توترات الخلافة. ولكن الأزمات الصحية المفاجئة قد تشمل أيضًا محمد بن سلمان نفسه المدمن على المخدرات (وبعضها يحمل تهديدًا وجوديًا)، أو حتى أفراد حاشيته المؤثرين مثل سعود القحطاني رجل المهمات القذرة لابن سلمان ورجل الترفيه تركي آل الشيخ (ويعاني من ورم دماغي)، وهؤلاء باتوا فاعلين في الساحة المحلية إلى حد أنهم يتصدروا المشهد السياسي وأصبحوا صنّاع قرار في مواقع حيوية..

2 ـ الولاء العسكري: قد تؤدي أي شقوق في الجهاز الأمني ​​(مثل المعارضة داخل الحرس الوطني) إلى خلق فرص للمنافسين، وهذا ينسحب على الأذرع الأمنية وشبه العسكرية داخل وزارة الداخلية وحتى وزارة الدفاع..إن إضعاف وزارة الداخلية لم يؤد إلى تقويض جذور الولاء لبيت نايف، خصوصّا وأن من يتولى الوزارة هو حفيد نايف نفسه، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف.

3 ـ المشاعر العامة: في حين يتمتع محمد بن سلمان بشعبية نسبية بين الشباب، فإن تدابير التقشف أو ارتفاع معدلات البطالة قد تضعف قاعدته. فالتحوّل الجيلي وإن بدا عنصر قوة في مسيرة ابن سلمان السياسية، فإنه ينطوي في الوقت نفسه على خطر الإنقلاب، لا سيما في حال تراجع الأوضاع الاقتصادية بصورة حادة، فالبطالة لا تزال مشكلة جدّية وعميقة، وبخلاف الإحصائيات الرسمية التي تقول بأن نسبة البطالة انخفضت إلى 5%، فإن ثمة خداعًا يكمن في هذه النسبة لأنّها تجمع بين العمالة الوطنية والعمالة الوافدة في خانة واحدة، والتي تصل في مجموعها إلى ما بين 13 ـ 14 مليون عاملًا، ويشغل الأجانب أكثر من عشرة ملايين فرصة عمل، فيما العمالة الوطنية لا تتجاوز ثلاثة ملايين عاملًا من أصل نحو خمسة ملايين قوة عمل محلية، بما يشمل الذكور والإناث والذي يجعل البطالة عند مستوى قياسي يتجاوز 28% من دون الإشارة الى البطالة المقنّعة التي ينطوي عليها برنامج السعودة.

على نحو إجمالي، نجح محمد بن سلمان في تركيز السلطة بشكل فعّال، الذي جعل المعارضة الأميرية المنظّمة مجزأة وخاملة. وأصبح المعارضون المتشددون مثل محمد بن نايف وأحمد بن عبد العزيز معزولين، ويعطي أفراد العائلة المالكة البراجماتية الأولوية للبقاء على المقاومة. وتكمن أعظم المخاطر في:

 ـ الصدمات الاقتصادية

ـ التحالفات غير المتوقعة أثناء انتقال الخلافة

ولكن سيطرة إبن سلمان على المؤسسات القسرية وأنظمة المحسوبية تجعله مركز الثقل الواضح. وفي الوقت الحالي، من المرجّح أن يتكيّف الأمراء السعوديون مع الواقع القائم أكثر من الثورة عليه وتغييره.

في الفترة المقبلة، من المرجّح أن يحتفظ إبن سلمان بالسيطرة القوية على العائلة المالكة، وخاصة بدعم من الجيل الأصغر من الأمراء والمؤسسات الأمنية الرئيسية. ومع ذلك، لا تزال هناك مجموعة صغيرة ولكنّها مهمة من الأمراء بما في ذلك أولئك من الأجنحة الأقدم والأكثر تقليدية – الذين قد يتحدّون حكمه، إما من خلال المعارضة المباشرة أو من خلال تقويض سياساته. من المرجح أن يستمر نهج إبن سلمان في الحكم في تنفير العناصر المحافظة، لكن موقفه يبدو قويًا في المستقبل المنظور طالما حافظ على السيطرة على الأجهزة الأمنية والتحالفات الدولية.

في نهاية المطاف، في حين أن هناك تهديدات محتملة من داخل العائلة المالكة، فإن تعزيز محمد بن سلمان للسلطة على مدى السنوات القليلة الماضية يشير إلى أنه في وضع جيد لخلافة والده الملك، ما لم تنشأ أزمة سياسية أو أمنية كبيرة.

على أية حال، فإن إجراءً من هذا القبيل لا يضع نهاية حاسمة لمشكلة بنيوية في شخصية الملك، في ظل وجود جمهرة من الأمراء المنافسين والحانقين على اجراءات سلمان، والذين يشعرون بالغبن والخسارة، بما قد ينمّي لديهم رغبة في الإنتقام والإصطفاف مع أمراء آخرين قد يشكّلون تحالفًا ضدّيًا، كما حصل في عهد سعود حين لعب ائتلاف الأمراء الذي قاده فهد وإخوته لترجيح كفة فيصل على حساب سعود، وانتهى الحال بفوز فيصل بالسلطة وتنحية سعود، وفي نهاية المطاف كسب آل فهد معركة السلطة. بطبيعة الحال، فإن مكوّنات الصراع قد تغيّرت، وعدد المنافسين قد ازداد بأضعاف، وبالتالي فإن ضبط إيقاع العائلة المالكة يتطلب شخصية كاريزمية قويّة ونافذة، وهذا ما يفتقر اليه ابن سلمان الذي لا العمر ولا الخبرة ولا الموقعية في العائلة المالكة تؤهله للعب هذا الدور الجامع بين الهيبة على المستوى الشخصي والتوافق العائلي على مستوى إدارة القضايا الخلافية. ومع وهن عوامل التأثير الأخرى: الكاريزماتية، والانجاز الاقتصادي وحتى السياسي، وشبكة التحالفات الواسعة المحلية القائمة على شراء الولاءات، تبقى القوة المجرّدة وحدها العامل الذي يمكن أن يعوّل عليه في تأمين الوصول الى العرش..ولكن حتى القوة مفعولها مؤقّت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى