
بين تقاطع المصالح وتضاربها، كانت سوريا ساحة للصراع الخليجي (السعودي – الإماراتي – القطري) على النفوذ في الشرق الأوسط. ولعل هذا ما يفسر أحد أسباب تحول السعودية في سياساتها الخارجية تجاه سوريا من النقيض إلى النقيض. أما التأثير الثاني الأكبر، فكانت التوجهات الأميركية الجديدة مع تسلم دونالد ترمب السلطة. ليُتوقف عام 2017 الدعم المالي والعسكري الذي قُدم من السنوات 2012 إلى 2016 لإسقاط “نظام الأسد”.
أمام هذا الواقع الجديد، وبالإضافة إلى ما سبق من حسابات، كان لا بد من إعادة ضبط للعلاقات الإقليمية والدولية، وهو ما كان الدافع للتحول من معسكر القطري – التركي الداعم لمشروع إسقاط النظام، إلى معسكر الإماراتي – الأميركي المستثمر في شعار “الحرب على الإرهاب”.
بالنسبة للسعودية، صعود نجم محمد بن سلمان الساعي لفرض نفسه كلاعب إقليمي بارز ساهم في تدعيم الرؤية الجديدة التي لا تولي أهمية لتنحي الأسد، وتقدم تنازلات في الساحة السورية، وتقبل بالوضع الذي فرضه اللاعب الروسي، في مقابل التماهي مع “الرؤية الترمبية” في مواجهة خطر “المشروع الإيراني” ودعم مشاريع التطبيع في المنطقة.
أما بالنسبة للإمارات، فالحسابات تتعلق بالمصالح الاقتصادية. إذ ترى أبو ظبي في سوريا فرصًا واعدة للاقتصاد والاستثمار، وهي تهدف بالتنسيق مع موسكو للاستفادة من مشاريع إقليمية واعدة في مجالات الطاقة والنقل البحري. كما ترى القيادة الإماراتية كذلك فرصًا في الانخراط في القطاع المصرفي وعمليات التمويل، وهو مجال تعد الأخيرة رائدة فيه. وذلك إلى جانب رغبتها في الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار وعقود تنفيذ البنى التحتية.
أما قطر التي تتشارك الرؤية مع تركيا في مصلحة دعم حلفائهما “الإسلاميين” في المنطقة، إلا أن أملهما الأكبر كان في استئناف مشروع إنشاء خط أنابيب غاز قطر-تركيا، الذي يربط تركيا والدول الأوروبية بقطر عبر السعودية والأردن وسوريا، ويحمل تأثيرات مباشرة على ديناميكيات القوة بين دول المنطقة. وهو مشروع رفضه الأسد لأنه سيجعل الغاز القطري يحل مكان الغاز الروسي الذي كان يؤمّن 45% من احتياجات أوروبا للغاز الطبيعي قبل الأزمة الأوكرانية.