أبحاث ودراسات

شركات المال الأسود في السعودية

العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تعود إلى بداية اكتشاف النفط في السعودية وتأسيس شركة أرامكو. يُقال إن الملك عبد العزيز كان يدرك أهمية هذه الشركة ليس فقط للثروة، بل لأنها مفتاح للتواصل مع القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة. وقد عبّر الكاتب ريتشارد سانغر عن بداية هذه العلاقة بقوله إنها نشأت بين “ملك يفكر كشركة نفط، وشركة نفط تفكر كملك”.

وفقًا لدراسة الدكتوراه لمحمد محمود نيرب في جامعة شمال تكساس عام 1978، كانت أرامكو جسرًا للتواصل بين السعودية وأمريكا، وأسهمت في تعزيز العلاقات بينهما. كما أن الشركة لعبت دورًا في تحويل التركيز الأمريكي نحو السعودية بدلاً من بريطانيا، مما أدى إلى سيطرة الولايات المتحدة على مصادر النفط السعودية. تدخلت الحكومة الأمريكية لتأمين مصالحها في النفط السعودي، وتضمنت هذه التدخلات صفقات مالية واستثمارية.

تُظهر هذه العلاقة تعقيد المصالح بين النفط والسياسة والاقتصاد. أحد الأمثلة على تداخل السياسة مع الصناعة هو انتقال روبرت مكانمارا من وزارة الدفاع إلى رئاسة البنك الدولي، وهو الذي لعب دورًا محوريًا في حرب فيتنام. مكانمارا لم يكن الوحيد في هذا المسار؛ فهناك جورج شولتز الذي انتقل من شركة بكتل إلى وزارة الخارجية، وديك تشيني الذي كان رئيسًا لشركة هاليبرتون ثم نائبًا للرئيس جورج بوش الابن. جميعهم يعكسون نمطًا من التنقل بين السياسة والقطاع الخاص، حيث يعملون على تعزيز نفوذ الولايات المتحدة عبر شبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية.

أما في ما يتعلق بحظر النفط عام 1973، فقد شهد العالم رفع أسعار النفط بشكل كبير بعد قرار السعودية ودول الخليج. كان الحظر نقطة تحول كبرى في العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى تضخم كبير في الاقتصاد الأمريكي. أُرسلت بعثة أمريكية إلى السعودية في عام 1974 بقيادة وزير الخزانة وليام سايمون، بهدف التفاوض على صفقة تاريخية. اقترحت الخطة استثمار عائدات النفط السعودي في سندات الخزينة الأمريكية مقابل تأمين احتياجات السعودية من الحماية العسكرية. من أهم شروط السعودية كان الحفاظ على سرية تلك الاستثمارات، وهو ما تحقق.

تم تنفيذ الصفقة بسلاسة، وبحلول عام 1977 كانت السعودية قد استثمرت بشكل كبير في سندات الخزينة الأمريكية. ومع مرور الوقت، تم الكشف عن هذه الاستثمارات بعد رفع السرية عن الوثائق، إذ أظهرت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2016 حجم استثمارات الدول الخليجية في السندات الأمريكية، حيث كانت السعودية تحتل المرتبة الأولى خليجيًا.

هذا التحالف الأمريكي السعودي استمر لعقود طويلة، وكانت الولايات المتحدة تلعب دور الحامي بينما تشتري السعودية الأسلحة والخدمات من الشركات الأمريكية. هذا النظام الاقتصادي والسياسي عزز علاقات البلدين وحقق مكاسب مالية كبيرة لكلا الجانبين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى