الخليج الأوتوقراطي: تحولات السلطة والتراجع الديمقراطي
في العاشر من مايو 2023، أعلن أمير الكويت مشعل الأحمد عن قرارات جديدة تتضمن حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية، مما أثار مخاوف من التحول إلى حكم فردي في الكويت. هذه الخطوة تذكر بما حدث في السعودية عام 2017 عندما شهدت انقلاب قصر أدى إلى تمركز السلطة في يد ولي العهد محمد بن سلمان. قرارات مشعل ترسم مساراً جديداً في الكويت، مشيرة إلى عودة محتملة إلى حكم فردي وتقويض للديمقراطية، إذ تولى الأمير ومجلس الوزراء صلاحيات السلطة التشريعية مؤقتاً.
السياق الدولي: العجز الديمقراطي
شهد العالم موجات ديمقراطية متعددة بدءاً من القرن التاسع عشر وحتى الربيع العربي. ومع ذلك، يبدو أن هذه الموجات تواجه انتكاسات، خاصة في العقد الأخير. كارل بوبر يحذر من أن الاعتماد على حكم مركزي قوي قد يؤدي إلى دكتاتورية، وهو ما نراه اليوم في العديد من الدول التي تخرج من نادي الديمقراطية. على سبيل المثال، تشير مؤشرات الديمقراطية الحديثة إلى أن أقل من 8% من سكان العالم يعيشون في ديمقراطيات كاملة، وأن الولايات المتحدة تراجعت في ترتيبها الديمقراطي.
هذا الانحسار الديمقراطي لا يقتصر على دول العالم الثالث أو الدول العربية، بل يشمل حتى الديمقراطيات الغربية الكبرى التي تشهد تدهورًا بسبب صعود التيارات اليمينية والفساد السياسي. في هذا السياق، تبدو القرارات الأميرية في الكويت جزءًا من توجه عالمي نحو الاستبداد، حيث تستخدم الأنظمة الحاكمة قوانين مكافحة الإرهاب والفساد لتعزيز سيطرتها وتقويض الحريات.
السياق الإقليمي: الانتقال من الأوليجارشية إلى الأوتوقراطية
تشهد دول الخليج تحولات جذرية في تركيبة السلطة، حيث انتقلت العديد من الأنظمة من حكم القبائل إلى حكم البيوتات الصغيرة داخل العائلات الحاكمة. بدأت هذه التحولات في السعودية مع تولي الملك سلمان العرش، حيث نجح في إبعاد منافسيه من العائلة الحاكمة وتثبيت ابنه محمد بن سلمان في ولاية العهد. بالمثل، شهدت البحرين والإمارات وسلطنة عمان تحولات مشابهة، حيث جرى تعزيز حكم الأسرة الحاكمة وتقليص الدور السياسي للعشائر الكبيرة.
في الكويت، كان الحكم تقليدياً موزعاً بين جناحي السالم والأحمد، لكن الأمير مشعل الأحمد يبدو عازماً على تركيز السلطة في يده، متجاوزاً التوازنات التقليدية التي ضمنت استقرار الكويت لعقود. تعليق الدستور وحل مجلس الأمة يشير إلى أن الكويت قد تسير على خطى دول الخليج الأخرى في الانتقال إلى حكم فردي أوتوقراطي، مما يعني نهاية التجربة الديمقراطية الكويتية التي كانت فريدة من نوعها في المنطقة.
التنافس الإقليمي ومحاولات إجهاض الديمقراطية
لطالما نظرت السعودية إلى التجربة الديمقراطية في الكويت بريبة، حيث أن وجود نظام ديمقراطي على حدودها قد يلهم شعوب الخليج الأخرى. ومن هذا المنطلق، قد تسعى السعودية وغيرها من دول الخليج إلى دعم تحول الكويت إلى نظام أوتوقراطي لضمان استقرار المنطقة تحت حكم الأنظمة الملكية المطلقة. إذا ما تم تأكيد هذا التحول، فإن التجربة الديمقراطية في الكويت قد تُجهض بصورة دائمة، مما يشكل انتكاسة كبيرة لنضال الشعب الكويتي من أجل الحرية والمشاركة السياسية.
لحظة الخليج: من التعددية إلى الحكم الفردي
التحولات التي تشهدها دول الخليج ليست مجرد إعادة توزيع للسلطة داخل العائلات الحاكمة، بل تمثل انتقالاً أوسع من الحكم الأوليغارشي القبلي إلى الحكم الفردي الأوتوقراطي. هذا التحول يهدد بتقويض الإنجازات الديمقراطية المحدودة في بعض الدول الخليجية، ويعزز من هيمنة حكام البيوت الصغيرة داخل العائلات الحاكمة، مما يؤدي إلى استبعاد أي دور للشعب أو المكونات الاجتماعية الأخرى في العملية السياسية.
ختامًا، فإن التغيرات السياسية في الكويت ودول الخليج الأخرى تشكل جزءًا من موجة استبدادية أوسع تجتاح العالم. بينما كان هناك تفاؤل في السابق بأن دول الخليج قد تنتقل تدريجيًا نحو أنظمة حكم أكثر ديمقراطية، يبدو أن الاتجاه الحالي يشير إلى العكس، حيث يتم تقويض المؤسسات الديمقراطية وتحويل السلطة إلى يد الأوتوقراطيين.